أقلام حرة

أقلام حرة

بين حين وآخر، يطل علينا ابتكار جهاز جديد أو آلة مستحدثة، لها تماس مباشر بجانب من جوانب يوميات الإنسان، وعادة ما يتفاعل هذا الجديد طرديا مع متطورات العصر بأشكاله المستحدثة. ففي السنوات الأخيرة على سبيل المثال، تم ابتكار الهاتف الذكي وما يوفره من خدمات تتأقلم مع متطلبات الإنسان المتحضر، لاسيما متعدد المشاغل والالتزامات.

  كذلك هناك البطاقة الذكية التي انتشرت على قدم وساق في دقائق التعاملات اليومية في كثير من دول العالم، وتعريفات الهوية الشخصية أمام المؤسسات الحكومية والأهلية، وهناك أيضا السيارة الذكية، كذلك الروبوت الذكي، وهو صيحة حديثة من صيحات توفير الخدمة للانسان، بتسخير الآلة للقيام بواجبات لم يكن يقوم بها غيره، فجاءت بتوفير الوقت والجهد والمال له.

  بالأمس القريب ابتكر أحدهم تربة من نوع خاص أطلق عليها اسم التربة الذكية، ذاك لأنها تغني عن استخدام المواد الكيميائية والمبيدات الحشرية. إذ تقوم بشكل ذاتي بدور الهرمونات والمبيدات بعيدا عن المواد الكيميائية. ولا نعلم ما يأتي به الإنسان لأخيه الإنسان في المستقبل من اختراعات ذكية أخرى، تغنيه عن الكثير من المتاعب والفعاليات الجسدية والذهنية والنفسية. ولكن مع كل هذه التكنولوجيا في التسهيلات الحياتية، يبقى العنصر الأساس في إدارة هذه الأجهزة والمستلزمات هو الإنسان ذاته، فبتوجيهه السليم يتمكن من الوصول الى النتائج المجدية، والمنافع المتوخاة من هذه الاختراعات.

  هنا في عراقنا أرى أن الذكاء أول عنصر مغيب عن التفعيل والاستخدام، وإن أردنا تغيير أوضاع البلد للأحسن، يتوجب علينا إعادة تفعيله -الذكاء- في مفاصل حياتنا جميعها، أداة وأسلوبا وتفكيرا ونهجا، ليس فيما يتعلق بمواقع مسؤوليات الجهات القيادية ببلدنا فحسب، بل يشترك المواطن في الشارع والبيت والمعمل، وكذلك المنتسب لمؤسسات الدولة والمؤسسات المدنية، على اختلاف وظائفهم ودرجاتها، فعلى الجميع استغلال عنصر الذكاء في كل خطوة يخطونها، لاسيما في عملهم الذي له تداعيات، تعود بالنفع العام إن أتقنه، وبالضرر العام والشامل إن أساء أو أخفق بأدائه.

  ولما كان الشيء بالشيء يذكر، فإن كثيرا من العراقيين لم يسخّروا ذكاءهم إزاء ما منوط بهم من أعمال، فيما كان حريا بهم جميعا إيلاؤها الدرجة القصوى من التحلي بالذكاء، وتجييرها لصالح الخير والمصلحة العامة للبلد، لاسيما وهو يعيش وسط بلدان باتت مفاصل حياتهم كلها، تعتمد على الذكاء والأجهزة الذكية، والأخيرة هذه أضحت تحقق طفرات نوعية هائلة، في أغلب ما يحتك به المواطن مع دوائر الدولة، كذلك اختزلت كثيرا من المعرقلات والحواجز التي تثقل كاهله، فحلّ التسهيل وزهق التعقيد، واستُبدل البطء بسرعة الإنجاز، ومحقت الحداثة الرتابة والبيروقراطية في التعاملات، مع التأكيد على أن يكون هذا السياق تحت سيطرة مركزية شاملة، وهي ما يطلق عليها (الحوكمة الإلكترونية)، تحت ضوابط وسياسات وقواعد وأطر معينة، تحدد مسؤوليات مديري أقسام المؤسسة ورؤسائها، لتحقيق أهداف أعمالها بيسر وسلاسة.

  إن من المفارقات ما نسمعه من سنين مضت، عن السعي لإدخال الحوكمة الإلكترونية كأساس في هياكل مؤسسات الدولة، فالعراق بعد تحرره من كابوسه عام 2003 لم يعد مكبلا بحاكم جائر، وحكم قمعي يبطش ويفتك بالمواطن وبكل ما ينفعه، فهل نجح السعي في تأمين هذا الجانب على وجهه الأكمل؟ أم توقف عقل جهابذة التخطيط في الدولة عند مراحله الأولى! وإنه لمن المعيب أن يذهب صبر العراقيين عقودا على الدكتاتورية، وتحملهم ضغوطاتها هباءً منثورا، وأن لا يعقبه استثمار يكلله العراقيون أنفسهم، بالفوز والنجاح لصالحهم بامتياز، لا لصالح جهات وفئات منتفعة بأنانية مشوبة بالتواطؤ والولاءات المريبة، كما انتفع الذين من قبلهم.

***

علي علي – كاتب وصحفي عراقي

الظن: الشك والريبة.

الظنّان: الذي يسيئ الظن كثيرا.

سلوك الظن بالسوء من المعضلات السلوكية السائدة في الواقع البشري بدرجات متباينة وتأثيرات متفاوتة، وكلما تنامى هذا السلوك تحقق الإنحطاط والضياع والجمود.

وهو عاهة وخيمة مدمرة للعباد والبلاد، وفيه مواطن الهلاك والفساد والتصارع المقيت على المناصب والسلطات، وبسببه تتأسد الكراسي وتُسفك الدماء ولا يتحقق البناء.

ويتعاظم أمر هذا السلوك في المجتمعات المنفلتة سياسيا، التي لا تحتكم لدستور أو قانون، وإنما يكون الأقوى فيها هو الدستور والقانون، إذ يتفاقم الأمر وتخيم الشكوك والريب على الواقع مما يدفع إلى قرارات مريرة ودمارات خطيرة.

ووفقا لما يدفع إليه الظن بالسوء تتحقق الحالة القائمة في المجتمعات، فيصبح التوتر والتحفز مهيمنا على النفوس مما يؤدي إلى إستجابات ذات نوازع شريرة وخطيرة، تدخل المجتمع في دوامة الويلات والتدداعيات الغير حميدة.

ولو تأملنا الواقع من حولنا لتبين لنا العديد من الإجراءات والتفاعلات المبنية على الظن بالسوء، ولذلك أخذت المجتمع إلى أغوار الوجيع وكهوف الويلات المتراكمات المتواصلات، لأن الظن بالسوء طاقة تفاعلية متوالدة ومتنامية، ما أن تنطلق حتى تستشري وتستعدي وتتوطن وتأكل الأخضر واليابس بنيران تصوراتها ومخاوفها وتوجساتها المريضة النكراء.

ويمكن الشفاء من هذه العلة السلوكية المريرة، بإحترام القانون والإنضباط بدستور، وإعلاء شأن الحكم بالقانون، لأن المشكلة الجوهرية في المجتمعات المتهالكة المهلهلة هو ما يصيبها من إجتياحات أعاصير وعواصف الظن بالسوء.

وبعض المجتمعات تزعزع كيانها وضاع أمانها وتمزقت لحمتها، بسبب ما إجتاحها من زوابع الظن بالسوء، فأهلكتها، وحولتها إلى ميادين تتصارع فيها الوحوش الفتاكة المفترسة للمجتمع، والقاضية بإمتلاك مصيره والإستحواذ على ثرواته ومقدراته.

كما أن إعلاء قيمة الوطن والمواطنة من الآسيات الناجعات القادرات على تحقيق الشفاء، وعودة الإستقرار السلوكي، وتنمية الثقة بين المواطنين، وبذلك يتحقق التقدم الأمين.

فهل من وعيٍّ لخطورة سلوك الظن بالسوء؟!!

***

د. صادق السامرائي

22\6\2018

 

في مرات كثيرة أجد نفسي أفضل الحديث عن شخصيات ساهمت في تنوير عقول العراقيين.. وأسباب الحديث عن شخصيات بأهمية الجواهري وجواد علي وهادي العلوي وعلي الوردي وإبراهيم كبه ونزيهة سليم، أجدها مسؤولية وطنية للحفاظ على ذكرى هذه الرموز المضيئة، وتذكير الجيل الجديد بأن هذه البلاد لم تنجب الفاشنستات فقط، ولا متنهزي الفرص وأصحاب نظرية تقاسم الكعكة العراقية وإنما صورة العراق الحقيقية تكمن فيمن يمثله أحسن تمثيل، وكان واحداً من هؤلاء الراحل علي الوردي الذي أتمنى أن يتم تحويل بيته إلى متحف، وأن تقدم وزارة الثقافة كتبه لجمهور القراء بأسعار زهيدة، لتقول لهم هذا هو تاريخكم الفكري والثقافي، قبل أن تهجم عليكم "كوامة" العشائر.

حاول العلامة علي الوردي أن ينشر ثقافة مضادة لاثنين، وعاظ السلاطين وشيوخ الطائفية.. لكن كلاهما فيما بعد كان وراء محاربته، لأنه حذّر في كتابه "وعاظ السلاطين" من أن يؤمن الناس بأن الحــلَّ لأزمات البلد هو تحويل الشعب إلى قبائل، كل منها تبحث عن مصالحها.

أتذكر أنني حضرت واحدة من من أبلغ محاضرات الراحل الكبير في منتصف الثمانينيات وفيها قدم بكل جرأة وصفاً للحال الذي كان يمر به العراق آنذاك ولا يزال يمر به .. قال الوردي إن من يدرس تاريخ الدعوة المحمدية جيدا سيجد أن انتشار الدعوة وإيمان الناس بها لم يتأت بسبب الأفكار التي طرحتها الدعوة فقط، وإنما كان الدافع الأول لإيمان الناس واعتناقهم الدين الإسلامي هو سيرة القائمين على الدعوة، وعلى رأسهم النبي فمحمد "ص"، كانت صفته الصدق والأمانة، والذين آمنوا به في بداية الدعوة عُرف عنهم الاستقامة وحسن السيرة، فكانوا قدوة صالحة للناس في سلوكهم اليومي، وأضاف الوردي بكل صراحته "اليوم تحول القدوة إلى سارق وكاذب ومخادع فماذا تنتظرون من الناس؟ " صرخة علي الوردي الجريئة هذه؛ دفعت سلطة البعث ومعها القوى العشائرية والدينية إلى أن تناصبه العداء، لكن المفكر الكبير لم تشغله مكرمات السلطة فقد مضى في طريقه يقدم أنموذجاً للمفكر الحر..

ما يجعل الوردي، وهو ينحاز إلى المواطن البسيط المبتلى بفرسان الطائفية ووعّاظها، يضيف إلى قدراته كعالم اجتماع ميزة أخرى هي الجمع بين المثقف ورجل التنوير. وبين التعرف على خزعبلات التاريخ الذي يصر الآن بعض الساسة على أن نبقى نعيش فيه ولا نغادر حوادثه، وبين المستقبل الذي لا يمكن الدخول إليه بلباس طائفي وعقول تعيش في القرن الأول الهجري.

أيها السادة: العراق بحاجة إلى صرخة شبيهة بصرخة علي الوردي لأن الشعوب لا تذهب إلى المستقبل ومستنقعات الفساد والطائفية تحيط بها من كل جانب وتظهر إلى العلن في الفضائيات.

***

علي حسين

معظم الخلفاء الذين نالوا صفة أمير المؤمنين أولاد جواري، ولو تأملنا الذين حكموا في سامراء في العصر العباسي لتبين لنا الآتي:

أولا: المعتصم بالله

أمه أم ولد، إسمها ماردة، وهي تركية، وكانت أحظى الناس عند الرشيد.

ثانيا : الواثق بالله

أمه أم ولد رومية، إسمها قراطيس

ثالثا: المتوكل على الله

أمه أم ولد، وإسمها شجاع

رابعا: المنتصر بالله

أمه أم ولد رومية وإسمها حبشية

خامسا: المستعين بالله

أمه أم ولد وإسمها مخارق

سادسا: المعتز بالله

أمه أم ولد رومية وتسمى قُبيحة

سابعا: المهتدي بالله

أمه أم ولد وإسمها وردة

ثامنا: المعتمد على الله

أمه رومية إسمها فتيان

تاسعا: المعتضد بالله

أمه أم ولد إسمها صواب

والملاحظ أن معظمهن أمهات أولاد قبل أن يصبحن جواري عند الخليفة، الذي إشتراهن لجمالهن ولصفات أخرى فيهن أعجبته.

وكن المتسيدات بقصور الخلافة، وربما يشتركن في إتخاذ القرارات، ولبعضهن أدوار كبيرة ومعروفة، مثل أم المعتز بالله "قبيحة"، وغيرها.

ولو درسنا العديد من الرموز في تأريخ الأمة لتبين أنهم من نسل الجواري!!

***

د-صادق السامرائي

 

كنا نعيش في زماننا الجميل بعيد عن ثورات التكنولوجيا الحديثة والتواصل الاجتماعي، فهذه المواقع الاجتماعية التي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية، بحاجة ماسة لأن تُمارس الكثير من الأدوار والعلاقات وتُقدم الكثير من الخدمات والمبادرات التي تُسهم في إحداث نهضة حقيقية للمجتمع بمختلف أفراده وفئاته وشرائحه، بيوتنا فقدت خصوصيتها وأسرارها، حتى صارت معظم البيوت من قوانينها أن لا تمتد يد إلى الطعام قبل اِلتقاط صورة للفيس بوك، وهناك أطباق تصنع لتصور في الإنستغرام فقط، وهناك ثياب تشترى لحصاد إعجابات وتعليقات رأس السنة، أو الأعياد الدينية، وهناك خلافات زوجية تناقش على الملأ، وصور مخلة يبدي رأيه فيها كل من هب ودب. وأنا لا أعرف حتى اللحظة ما المراد إيصاله من شخص أراد النوم فكتب منشورا قائلا "الأن سأنام".. الحمد لله أنه أخبرنا بذلك، كان العالم كله واقفا على أعصابه خشية ألا ينام، ولقد صار بإمكان هذا الكوكب أن يكمل حياته بعد أن اطمأن على نومه المبارك، ريثما يستيقظ جلالته ويطمئن على رصيد التفاعلات والتعليقات ويصور لنا فنجان قهوته مرفقا بكتاب، أغلب الظن أنه لن يفتحه، إذ من المحال أن تجتمع الثقافة والتفاهة في آن واحد.

بلا شك أن مواقع التواصل الاجتماعي لها فوائد عديدة في تقريب المسافات وخلق قنوات اتصال مع الأقارب والأصدقاء وزملاء العمل، لكن إذا كنت ممن يعشقون مواقع التواصل الاجتماعي بدرجة كبيرة ويستمتعون بنشر العديد من الصور الشخصية على مختلف المنصات التواصلية،تعتمد مواقع التواصل الاجتماعي بصفة عامة على المشاهدات والإعجابات لما ينشره المستخدم من صور وآراء شخصية. فمع الوقت يشعر المستخدم بسعادة لكونه محط إعجاب أو لأنه يلفت الانتباه بما ينشره. فالأمر لا يستغرق منه سوى ثوان معدودة في التقاط ونشر الصورة، فيما تأثيرها يستمر لساعات، وقد تحظى بإعجابات ومشاهدات لعدة أيام بعد نشرها، فقد أظهرت هذه الشبكات الإنسانية مكامن ومعالم الطفولة والبساطة والعفوية التي نتمتع بها، بل لقد حرضتنا على التمرد الجميل على كل تلك التقاليد والعادات والضغوطات والالتزامات التي سيّجت حياتنا بأسوار عالية تُقيدها ثقافات العيب والخجل والتردد. لقد أصبحنا نستمتع بمشاركة الأهل والأصدقاء بل حتى الغرباء في أطباقنا وأغانينا وملابسنا وأفلامنا ورحلاتنا وصورنا وكل تفاصيلنا الصغيرة والكبيرة، تماماً كما لو كنا نعيش زمننا الجميل الذي تاه منا.

منذ أواخر تسعينيات القرن الماضي، بدأت مجموعة من الشبكات الاجتماعية في الظهور، وكان موقع Classmates.com الذي وضعه المصمم راندي كونرادز مع زملائه في عام 1995 هو الركيزة الأولى لمواقع التواصل الاجتماعي، ثم تبعه موقع SixDegrees.com.

الذي أنشئ في عام 1997، ليبدأ عصر جديد أطلق عليه"ثورة الشبكات الاجتماعية" يتضمن مواقع التواصل الاجتماعي المعروفة والمدونات العامة والشخصية، يبدو أن أهمية وخطورة وتأثير الشبكات الاجتماعية والمنصات التفاعلية والتطبيقات الرقمية على مجمل الحياة العصرية بكل ما تحمله من تفاصيل إنسانية ومادية، لا يمكن اختزالها ببعض السلبيات والمخاطر والتأثيرات التي تنتج من سوء استخدام أو من قصور في فهم طبيعة ووظيفة تلك الأدوات التكنولوجية الرائعة، بل على العكس تماماً.

ورغم ما تحمله من بعض المخاطر والسلبيات، إلا أن مواقع التواصل الاجتماعي مثل إكس والفيس بوك وسناب شات وانستغرام وغيرها، تتمتع بملامح إيجابية مذهلة لا يمكن حصرها، لقد استطاعت هذه الشبكات الاجتماعية الرائعة أن تجعل هذا العالم أكثر انفتاحاً، لأنها لا تعترف بالحدود والحواجز والمسافات، فقد حولت العالم إلى شاشة كونية صغيرة جداً لا تزيد مساحتها عن عدة بوصات، مفتوحة على كل الفضاءات ومتصلة مع كل السماوات. كما ساعدت هذه المواقع على تنوع مصادر الأخبار، فبعد أن كانت وسائل الإعلام التقليدية كالصحف والتلفزيونات والإذاعات ووكالات الأنباء هي المصادر الوحيدة التي يُعتمد عليها في معرفة الأخبار والأحداث، ظهرت هذه المواقع والشبكات لتُغيّر الشكل والأسلوب وتؤسس لإعلام جديد عابر لكل القارات والعادات والقناعات. أيضاً، أصبح الإعلام الجديد بأذرعه القوية وتطبيقاته المذهلة، يُمارس دوراً رقابياً مهماً عبر ما يبث وينشر ويعرض لكل مكامن القصور والخلل في كل ملامح وتفاصيل حياتنا، إيجابيات وفوائد هذه المواقع والشبكات الاجتماعية الرائعة، كثيرة ومتنوعة ولكن أعظمها على الإطلاق هو قدرتها المذهلة على إخراج ذواتنا الحقيقية من بين تلك الجدران السميكة التي بنيناها حول أنفسنا كل تلك السنين الطويلة، ولكننا نعترف ــ ظهرت صفحات التواصل الاجتماعي المتعددة الأنواع والأشكال كمنجز حضاري عظيم، أفرزته العقول العملاقة المبدعة عبر التقدم الهائل في تكنولوجيا الاتصال. وهي مجموعة المواقع الإلكترونية المتاحة على الشبكة العنكبوتية، والتي يستعملها الناس لغايات التواصل والتفاعل. ورغم أنها حققت أغراض التواصل السريع وغير المكلف بين الأصدقاء، وردمت القطيعة بين أفراد الأسر، واختزلت المسافات بين الشعوب، إلا أنها من ناحية أخرى أثّرت على العديد من المجالات الحياتية بشكل سلبي، بحيث سلبتنا مواقع التواصل الاجتماعي الدهشة لرؤية أشياء جديدة وجميلة، حتى أصبح كل ما نراه عاديا جدا، مواقع التواصل الاجتماعي، أكبر بكثير من كونها مجرد تطبيقات ووسائط لعرض الصور واليوميات، هي أهم من ذلك بكثير، هي الصورة التي نُريد أن نلتقطها لحياتنا بكل بساطتها وعفويتها.

***

نهاد الحديثي

العالم يتداخل ويذوب في محلول الوجود الأرضي، الذي يتصاغر ليتحول إلى قرية كونية  تتفاعل بإيجابية لتتواصل الحياة.

العالم إنتقل بسرعة  إلى عصر ما بعد السرعة، وما بعد الذرة، وما بعد العلم، وأصبح منساقا وراء أعماق الوعي والإدراك، ومضى يطوف الفضاءات الأخرى باحثا عن قرية كونية ليقيم معها علاقات ويرى حقائق الأشياء، التي عاش في أوهامها وتصوراتها ومعطياتها المختلفة ذات الآثار المتباينة.

في هذا العالم أخذ البشر يفكر بآليات التفاعل مع النواة والنويات في أعماق الخلايا الحية، ويأتي بتقنيات التداخل العلاجي على مستوى الكروموسومات  والحوامض الأمينية، والمرسلات  ما بين النواة وسايتوبلازم الخلايا لصناعة البروتينات اللازمة لظاهرة الحياة والسلوك.

العالم الذي تطورت فيه تقنيات السيطرة عن بُعد، فالجراح ربما  يقوم بعمليته الجراحية وهو في قارة أخرى والمريض في قارة ثانية، وفقا لتكنولوجيا الروبوتات وتطورات التصوير الإليكتروني، والتواصل عبر شبكات الإتصال المتفوقة وبسرعة مذهلة.

العالم المشحون بالتنوعات المتنامية، والأفكار الحامية، والتطلعات المزدحمة، والطموحات التي تتوافد إليه كالشلال المتدفق من ينابيع العقول المتوقدة بالأفكار.

عالم تتسابق فيه المخترعات والرؤى والتصورات وتتفجر الأفكار ولا تتوقف.

عالم يدخل في آفاق الناناتكنولوجي الذي تصير فيه المليمترات قياسات كبيرة،  وفي علوم الفضاء التي تصبح فيها الأميال قياسات صغيرة، عالم الجينوتكنولوجي والبايوتكنولوجي وتكنولوجيا الخفايا والأسرار، وتوجهات حقن النويات وسايتوبلازم الخلايا وليس الأوردة والشرايين والعضلات.

عالم  تكنولوجيا اللامعقول التي أذهلت وحيرت العقول.

وعالم نائم في قبور الأجداث، ومشغول بما مضى وما إنقضى ويهمه ما قاله فلان وما فعله علان،   ولماذا جلس على الكرسي فلان ولم يجلس عليه فلان، ومنهمك بعلوم تشريح الأجداث ونبش القبور والبكاء على مقابر الضمير الجماعية، التي تتوطن النفوس والعقول والخيال فتراه لاهيا في فصول مسرحية البهتان.

العالم الذي نعيشه في القرن الحادي والعشرين يقف أمام محنة كبيرة، وإمتحان حضاري وكوني كبير، وعليه أن يخرج من عاداته ومن صناديق رؤاه الماضية، وأن يتفاعل بمحبة وسلام وقدرة على تحقيق السعادة للجميع، لكي يهنأ البشر بهذه الإنجازات المتسابقة إلى حيث الآفاق اللامحدودة في مملكة الإبداع والابتكار التقني التي أخذت بالصعود إلى ذروتها اللانهائية.

العالم بحاجة لإكتشاف مقتربات جديدة وتوجهات ذات فائدة إنسانية شاملة للمجتمع الأرضي، بعيدا عن صناديق العزلة وخنادق البغضاء والكراهية والأحقاد، وسوء الفهم والتمترس في دروع المشاعر السلبية والعواطف المؤذية للذات والآخر.

العالم عليه الخروج من رحم الأزمات الغابرة، وأن ينفض غبار القرون القاسية، وأن يرى الشمس ويغني للمحبة والألفة والرحمة والسلام، وأن تستثمر البشرية جهودها وطاقاتها كافة من أجل أن تبدأ مشاريع السلام والمحبة، وأن تتوحد جهودها من أجل إزالة الفقر والجوع والجهل،  وحماية البراءة من الموت والامتهان، ولكي تنعم المخلوقات بسعادة التكنولوجيا والتقدم المعاصر، الذي وصل إلى أروع ما يمكن أن يصل إليه جهد إنساني خلاق في تأريخ الأرض.

العالم في وقت إكتشافٍ لوسائل صيرورته الجديدة وتفاعلاته المتلائمة مع العصر التقني الذي أصبح فيه، وفي مراجعة متواصلة لمفردات وعناصر وتصورات تأسره، والخروج بسياقات حضارية ذات قدرة على المواكبة والصعود إلى قمة القرن الجديد، الذي يتحرك بسرعة تسابق الضوء في مجموع جهوده وإضافاته الإبداعية والتقنية والمتلاحقة.

عالم تتساقط فيه شركات عملاقة وتولد أخرى، وفقا لمفردات الحركة العلمية الجديدة، وتتبدل الأشياء بسرعة أيضا، فالأدوات التي تم إستخدامها في الأمس لا  تعاصر اليوم وما عندنا لا يعاصر في الغد.

عالم يتم فيه إنتاج الملايين من أجهزة الكومبيوتر يوميا، في ظاهرة لم تشهدها الأرض من قبل، مما حولها إلى عالم يميل إلى التعبير الحقيقي عن نفسه ووجوده وهويته الكونية المتمثلة في نقطة متناهية الصغر في محيط الأكوان المطلق المزدحم بالأجرام التي تتفوق بحجمها على الأرض بما لا يحصى من المرات.

الأرض تميل إلى القرار بكونها نقطة أو جرم صغير جدا وما على الأحياء التي تتوطن هذه البقعة الصغيرة إلا أن تقر بحقيقتها وتتفاعل مع بعضها من أجل الحفاظ على النقطة في بخصائصها في بحر اللامنتهى الكوني وقرب إخوانها الأجرام التي تدور مثلها حول الشمس وحول نفسها وهي في غثيان وتفاعلات كهرومغناطيسية لا ندركها ولا نعرف كيف تحقق هذا الثبات الدقيق والتواصل البقائي المتفاعل بمقدار.

العالم يتهاوى على ذاته وما بقيت بقعة أرضية لا تؤثر في بقعة أخرى منها، وما عادت الأفكار رهينة الصناديق والأزمنة والطرقات، لقد أصبحت تحلق في فضاءات الأرض بحرية تامة وتحط على كل الأغصان والأشجار، وتتفاعل مع كل الأدمغة وتصنع ما تصنعه بتأثيرها في هذه البقعة أو تلك.

وما عادت العقول المنغلقة المسجونة في بئر الذات العميق، بقادرة على المواكبة من غير الخروج من ظلمتها، والتفاعل مع ضوء العالم المتعدد الألوان، الذي يمنح الحياة البهيجة والسعادة، ويفتح أمامها الآفاق الرحبة لصيرورة إنسانية مثلى خالية من أمراض الرؤى والتصورات، وبعيدة عن خنادق المآسي والويلات.

العالم المتدفق بالحياة وتنوعات الإبداع والأفكار، صار نسيجا زاهيا بألوانه وصوره وأشكاله، يبعث على الفخر والزهو والمحبة والأمل والرجاء، الذي يدفع إلى الخروج من معاقل إحتكار الرؤى إلى سوح تفاعلاتها وتنميتها، وتثمير الإيجابيات وطرد السلبيات، وتأكيد الموضوعات الصالحة لبناء الحياة السامية اللائقة بالإنسان المعاصر المتحضر، الذي أضفى عليه ضوء المعرفة والعلم قدرا من الوعي والفهم الذي لم يتحقق لأجيال بشرية قبله، فعليه أن يسعد بنعمة المعرفة والإبتكار والإبداع، لا أن يحولها إلى نقمة وأداة للكراهية والبغضاء فيُحزن الأرض ويُغضبها فيصيب الأجيال بالأوجاع.

إنها الأرض التي تفخر بحملها وبما أنجبه العقل الخلاق، وتريد الخير منه وتبغض الشر كله.

إنها الأرض تريد أن تعيش سعيدة زاهية في عالم الأكوان المتعدد الصياغات والألوان.

عالم مولود من رحم الإختلافات والتفاعلات الخلاقة في فضاء متمدد يستوعب الجديد ويمنح الفرصة، لكل مولود يغني للحياة ويصنع الأمل والفرح وارتقاء!!

فهل ستنجو الأرض من وعيد القرن المبيد؟!!

***

د. صادق السامرائي

تفاوتت الرؤى في ثورة الحسين على الحكم الأموي واستشهاده عام 61 هجرية، فهناك الروايات المغالية التي جعلت منها تجارة ومكاسب، ومسخت تقدميتها عندما حولتها لطقوس بعيدة كل البعد عن أهدافها.

لقد كانت ثورة الحسين التحررية درسا للكثير من الثوار في العالم، وأسهمت في رفع الوعي الثوري لدى الساعين لتغيير الواقع، وذلك لإمكانية استغلالها في هذا المجال على عكس ما يجري اليوم في تسيرها لتحقيق المكاسب الآنية والفردية لبعض الأطراف التي سيرتها بما يخدم مصالحها ويحقق طموحها في التسلط والحكم، ويتناسى هؤلاء أن الملايين التي تشارك سنويا في هذه المشاريع ليس لديها دوافع سياسية كما يحاول استغلالها البعض، وإنما يعبرون بشكل أو آخر عن رفضهم للظلم الاجتماعي الذين تعاني منه الجماهير الشعبية، التي استغلت عواطفها لتتحول هذه المظاهرة الكبرى في طريق بعيد عن أهدافها ومراميها وأن هيمنة هذه الأطراف على الجماعات المنظمة لها حولها من الركن العبادي التقدمي الى طريق يتقاطع مع أهدافها الحقيقية.

وعندما كان الحزب الشيوعي أيام مده الكبير واجهة للمواكب الحسينية، كان لهذه المواكب طعمها الوطني وهدفها التحرري عندما كانت أردودات المشاركين معبرة عن الهم الوطني والهاجس الشعبي وكان غالبية شعراء ورواديد تلك الأيام من العناصر الوطنية المخلصة لشعبها والساعية لتحقيق أمانيه وتطلعاته في الحياة الحرة الكريمة، وكان لتلك الأردودات طابعها السياسي والوطني، وهدفها النضالي الذي يرعب الحكام والمستبدين لذلك كان غالبية حكام السوء يحاربون هذه الطقوس ويحاولون تحجيمها أو منعها، ليس لسبب ديني أو تعصب طائفي كما يصوره البعض ممن يحاولون استغلال الأمر بما يخدم مصالحهم في اللعب على أوتار الطائفية البغيضة وإنما لأن هذه المسيرات الجماهيرية تمثل معارضة حقيقة للسلطة وقراراتها القمعية ،وكانت الجماهير العراقية تتابع بعض المواكب المعروفة بتقدميتها واهتمامها بالعمل الوطني لتستمع الى ما يردده المشاركون من أردودات تقع في الصميم من اهتمامهم وهمهم اليومي، وكان شعراء تلك الفترة يعبرون خير تعبير عن الواقع السياسي تلك الأيام ولو حفظت تلك الأردودات والقصائد المعارضة للسلطة لشكلت شيئا كبير في التاريخ النضالي للشعب العراقي، ومما نتذكره أو سمعناه في هذا المجال أو أطلعنا عليه الشيء الكثير مما يمثل واقع الحركة الوطنية في العراق، ومن الشعراء الشيوعيين كان الشاعر الكبير عبد الحسين أبو شبع والشاعر شهيد أبو شبع والشاعر فاضل الرادود وغيرهم من شعراء الحسين الوطنيين يلهبون الجماهير بقصائدهم الرنانة التي كانت ثورة في الثورة وصورة ناصعة لتوجهات العراقيين، في مختلف عهود التسلط والبغي منذ العهد الملكي وحتى العهد ألصدامي الجائر، ومما قاله فاضل الرادود عام 1963 قصيدته التي ندد فيها بانقلاب شباط الفاشي والتي كان مطلعها:-

عماش ... بيده الرشاش

أو عبد الحسين أبو شبع الذي له الشوارد الخوالد في التحريض على الثورة والانتفاض على الظلم والمعاناة الشعبية التي ناء بأعبائها الملايين.

وعندما سقط الحكم الملكي صبيحة الرابع عشر من تموز 1958 وهرب معتمده الغربي ورجله الأول في العراق نوري السعيد بعباءة نسائية، كانت الردة الحسينية لعزاء أهالي الكاظم النجباء خير وصف لهذا العار:-

يحسين اسمع صوت الأحرار

هاي الفضيحة ألبقَّت تذكار

*

هارب بزي النسه

خاف الشعب يهجسه

يحسين اسمع صوت الأحرار

***

نعله أعلى نوري

أو گـومـه الأشرار

*

حـگ الشعب ضـيـعـه

والصوچ من مرضعة

يحسين اسمع صوت الأحرار

أو موكب عزاء العباسية في كربلاء الذي يصف معاناة العراقيين في تأمين لقمة العيش وهم يسيرون على آبار النفط:-

شعبي كالجمل أكله

صفه العاكول

*

لكن عل الظهر كله

ذهب محمول

*

شنهو الذهب

مفعولة

للياكل بعاكوله

وعندما قام المسعور عيسى سوار القيادي في حزب برزاني بقتل الطلبة الشيوعيين العائدين من الاتحاد السوفيتي كانت المواكب الحسينية تندد بالجريمة النكراء التي أرتكبها الجاحدون في كردستان، ومما قيل:-

عيسى شكثر سافل

أعدم كم مناضل

*

أهل المطرقة

وأهل المناجل

وكانت جل المواكب الحسينية يتولى أدارتها وتسييرها الشيوعيون، أو من يسير في فلكهم من الشخصيات الوطنية التي وجدت في الشيوعية العراقية مصداقاً للثورة الحسينية الرائدة بأهدافها ومراميها وندر؛ أن وجد عزاء أو موكب ليس للشيوعيين فيه المكان الأرفع والتوجيه الكامل، ولا زال البعض من أبناء الرعيل الأول يؤدون هذا الدور وموكب شباب العباسية في مقدمة المواكب الحسينية التي كان لها ولا يزال الدور الوطني والبعد النضالي، ولا زال يحضا بإعجاب الجماهير التي تنتظر لساعات موعد انطلاقه لتستمتع الى الصوت الثائر والنغم الجميل، وقد أورد الشاعر صباح حسن عبد الأمير مجموعة من الردات التي رددها الموكب المذكور وجميعها تصب في الخط الوطني الرافض لجميع أشكال الاستغلال والتسلط والفساد الحكومي ونشرها وهي تعبر خير تعبير عن مطامح الشعب العراقي في مواجهته الكبرى مع الإرهاب والاستغلال والفساد الحكومي، وربما للموكب رداته المتشابهة التي نأمل أن تأخذ طريقها للنشر ليطلع العراقيون على حقيقة النضال الوطني الذي لا زال الشيوعيون ينوؤون بأعبائه رغم الظروف العسيرة التي تمر بها الحركة الوطنية في العراق.

ولو قيض للرأي الآخر أن يجد طريقه للإسهام بهذه المراسيم وإبراز الوجه الثوري لمعركة الطف الخالدة لكانت أردوداتهم لا تخرج عن الإطار الوطني الداعي لنبذ الفرقة الطائفية، ودعوة الحكومة لمعالجة الملفات الساخنة في المجال الأمني والخدماتي ومكافحة الفساد، ومواجهة الإرهاب، ولكن هيمنة الجهات الفاعلة في الحكومة العراقية حرَّف هذه الاتجاهات الوطنية لتكون هذه المسيرات الجماهيرية خالية من الروح الثورية المقاتلة، التي كانت عليها أيام المواجهة مع الحكام المستبدين، وقد قيل أن هناك مواكب قد رددت بعض الردات المنددة، وأنقل بعضها على ذمة ذاكريها لعدم سماعي لها فعلاً؛ وعدم مشاركتي في المسيرات الحسينية بسبب الوضع الصحي وعوامل أخرى، وهذه الأردودات تعبر عن حس وطني افتقدناه هذه الأيام.

وين يا حامي الحرب على المفسدين

ليش ما شفنا حكم على المجرمين

رقابهم محد لواها لا قضاء ولا نزاهة..؟

تدري جيران الوطن متآمرين

على تمزيق الوطن متوحدين

يا حسين

كل حزب عنده أجنده

والشعب بس الله عنده

يا إمام الثائرين على دربك سائرين

يا حسين..

وبحكم وجود المراقد المقدسة في منطقة الفرات الأوسط كان الاهتمام كبيراً بالشعائر الحسينية واحتل قدراً من نشاط منظمات الحزب الشيوعي العراقي، "بحكم وجود الأئمة علي بن أبي طالب (ع) في النجف الأشرف والحسين (ع) والعباس (ع) في كربلاء، ولهذا الغرض فقد أولت منظمات الحزب في الفرات الأوسط الاهتمام الذي يتناسب بالموقع. ففي العام الأول لثورة الرابع عشر من تموز تمّ تشكيل لجنة حزبية على نطاق منطقة الفرات الأوسط مهمتها التواجد في مدينة كربلاء أبان الزيارة الأربعينية ويقصد بها ذكرى مرور أربعين يوماً على استشهاد الإمام الحسين (ع).

تكونت تلك اللجنة من الشهيد ستار معروف مسؤولاً عنها وعدنان عباس وعلي النوري وساجد حمادة في عضويتها، وكانت مهمتها تنظيم العلاقة مع رفاق الحزب الذين كان لهم دور نشيط في تنظيم المواكب الحسينية في مدن الفرات الأوسط المختلفة خلال زيارة الأربعين، هذا إلى جانب تنظيم الارتباط مع المواكب التي تأتي من مناطق العراق المختلفة لهذه الزيارة، كما نسعى لإعطاء هذه المناسبة ما تستحقه من اهتمام ولأجل طرح الشعارات المعبرة عن رفضها الظلم والعبودية ونصرت العمال والفلاحين والكادحين من أبناء الشعب العراقي.

كان التخطيط لهذا التوجه يقضي بالمحافظة على هيبة ومكانة وقدسية هذه الذكرى. أولت منظمات الحزب في الريف كل الاهتمام والاحترام للمشاعر الدينية لأبناء الريف وتقاليدهم... فكثيراً ما كان يحدث عند أوقات الصلاة أن يتوقف الاجتماع الحزبي ويعاود عمله بعد أداء فريضة الصلاة، وتكاد تكون المشاركة في تأدية زيارة العتبات المقدسة من التقاليد السائدة عند الشيوعيين والمفضلة لديهم.

كانت زيارة الأربعين إلى كربلاء الأولى بعد انتصار ثورة 14 تموز 1958م؛ "وكعادة المواكب الحسينية الوافدة من جميع المدن لإحياء المناسبة في العشرين من صفر من كل عام، حيث يتوافد محبّو الحسين سبط النبي محمد (ص) إلى كربلاء لإحياء ذكرى مرور أربعين يوماً على استشهاده من المدن كبيرها وصغيرها بعيدها وقريبها، بمختلف الطبقات ومختلف الأعمار بمئات الألوف.. كانت المناسبة محفلاً جماهيرياً حاشداً لتأكيد قوة القوى الديمقراطية في رفع وتعميم شعار الاتحاد الفدرالي، وبتوجيه من الشيوعيين بدأ موكب من مواكب مدينة الحلة وعلى طريقة (المستهلات الحسينية) بالمستهل:-

الشعب فدرالي رايد لامــــــــــــــــــــــته... غايته

يجمع صفوف الشعب بين أكراد وعرب... غايته

وبدأ الموكب يتحرك بهذا الشعار وخطوة خطوة أخذ الموكب يتسع ويتسع ويتسع حتى بادرت العشرات من المواكب للالتحاق به، وخلال أقل من ساعة كانت عشرات الألوف تردده وبحركة معبرّة عند ترديد المقطع الثاني... ثم اعقبتها مبادرة من الشبيبة أثارت الاعجاب لا تعرف كيف ومتى اعدت المئات من الأعلام الصغيرة بحجم المروحة اليدوية المعروفة (المهفة)، ولكنها من قماش مثلثة الشكل وبمختلف الألوان مكتوب على كل علم كلمة (فدرالي)، حيث انطلق الشباب الحاملين لها مطوقين المواكب يلوحون بها ويرددون بأصوات هادرة (فدرالي... فدرالي... فدرالي... فدرالي)...

***

نبيل عبد الأمير الربيعي

..................

المصادر:

- نبيل عبد الأمير الربيعي ومحمد علي محيي الدين، النضال إن حكى.. تاريخ محلية بابل للحزب الشيوعي (1937-1963م) ج1، بابل، دار الفرات للثقافة والإعلام، ط1، 2022.

- عدنان عباس، هذا ما حدث، ج1، دمشق، دار كنعان للدراسات والنشر والتوزيع، ط1، 2008.

آمن: وثق وصدّق، إنقاد وأطاع، آمن بالله ورسوله، أي أسلم لهما وإنقاد وأذعن.

مؤمن: مصدّق، يؤمن بالله واليوم الآخر.

تتردد كلمة مؤمنون على مسامع الناس وتحسب حالة سامية،  وذات نزاهة وقيمة روحية وإعتقادية، وتمرر في الوعي الجمعي على أنها غير ما هي عليه، وما تساءل أحد بماذا يؤمن المؤمن؟

موضوعات الإيمان متنوعة، وتمتد ما بين الحق والباطل، والخير والشر، فهي لا تعد ولا تُحصى.

فما أكثر الذين يؤمنون بالشر والظلم والعدوان على حقوق الآخرين، ويسمَّون مؤمنون أو مؤمنين، وهي تسمية صادقة، لأنهم يعبّرون عن إيمانهم بسلوكياتهم المتفقة معه.

وتجدنا أمام طوابير من المؤمنين بما لا يخطر على بال من الرؤى والتصورات، والنوازع المطمورة في دياجير السوء الفاعلة في دنياهم السوداء.

هؤلاء يؤمنون بسفك الدماء، وغيرهم يكفّرون وسلوكهم ينضح بالإيمان، وكل على قدر فهمه وإعتقاده بما يرى، فلا توجد حالة إلا والمنتمون إليها من المؤمنين بما جاءت به، ويمثلون التمسك بالرؤية والمعتقد وترجمته بسلوكيات واضحة.

فلكي يتبين معنى كلمة مؤمن، لابد من الكشف عمّا تدل عليه وتشير إليه.

المجتمع يرى أن المؤمن من آمن بالله ورسله وكتبه، ويحسبه أقرب الناس إلى الدين، وما أدرك أن المؤمن يترجم إرادة أمّارة السوء الفاعلة فيه، ويتخذ من الدين برقعا لإخفاء ما تحثه على القيام به من مساوئ وأفعال دنيئة.

البعض يؤمن بالعدوانية، والآخر يرى أخذ حقوق الآخرين من الإيمان، ومنهم من يؤمن بالفساد والرشوة والمحسوبية، وينكر وجود الوطن، ويحسب التبعية والتقليد من أعلى درجات الإيمان، بل وقتل أخيه في الإنسانية من مراتب الإيمان العليا.

فعن أي إيمان يتحدثون، وهم يتمرغون بالهوان والتبعية والفساد، وحرمان المواطنين من أبسط حقوق الإنسان؟!!

و"لا إيمان بلا محبة"!!

***

د. صادق السامرائي

 

أتابع مثل جميع سكان بلاد الرافدين .. الصولات التي يقوم بها البعض ضد تاريخ هذه البلاد .. فبعد أن سمعنا وقرأنا مطالبا بطرد أبو جعفر المنصور من بغداد، اقترح عدد من الجهابذة أن يستبدل اسم شارع الرشيد الذي تحول في السنوات الأخيرة إلى خرائب، حيث يرى البعض أن الحل الأسهل، لمشكلة الكهرباء وغياب الخدمات وارتفاع نسبة الفقر ومعها البطالة، هو إشغال الناس بمشاهد مأساوية تثبت للعالم مستوى الجهل الذي حط رحاله في ربوعنا .وكان آخر المشاهد القرار الذي اصدرته إحدى البلديات في محافظة ذي قار برفع تمثال للملك السومري " كوديا " من إحدى الساحات بحجة أنه " صنم"، وفي بلاد " المؤمنين " لا يجوز وضع تمثال لصنم ..الخبر الذي أثار ضجة في مواقع التواصل الاجتماعي وعبر مواطنون عراقيون عن مشاعر الأسى وهم يشاهدون رافعة تزيل النصب من مكانه، ذكرني بالاهتمام الذي حظي به الملك العراقي كوديا حين حط الرحال ذات يوم في متحف اللوفر بابو ظبي، وكانت الصورة المنشورة في الصحف تُظهر رئيس دولة الامارات ومعه الرئيس الفرنسي يقفون امام الملك العراقي بكل اعتزاز ومحبة واحترام، . خبر طرد الملك كوديا من مدينته لم يلق اهتماماً من الجهات الرسمية، فماذا يعني رفع تمثال لرجل عاش قبل أكثر من ألفي عام؟ .. لكننا ياسادة يمكن أن نرفع السيوف في وجه البعض ونشعل الحرائق الطائفية من أجل أحداث مرت عليها مئات السنين .

وأنا أنظر إلى الهجمة التي قادها أعضاء المجلس البلدي ضد المرحوم كوديا تذكرت ما جرى في مصر بزمن الأخوان المسلمين حيث طالب البعض بهدم الأهرامات لأنها حرام.. وكيف انهالت فأس أخواني لتقطع رأس طه حسين، وهي نفس الفأس التي رفعتها عصابات داعش في الموصل ضد كل ما يمت للحضارة بصلة.

ذات يوم كان العراق يزهو بأعمال محمد مكية ورفعت الجادرجي ومعهما الجيل العملاق قحطان المدفعي وإحسان شيرزاد، ومعاذ الآلوسي وإحسان فتحي ومحب الدين الطائي ونوري محمد رضا وهشام المدفعي، ونزار علي جودة وقحطان عوني وسعيد علي مظلوم، وعبد الله إحسان كامل، ومعهم العشرات يملؤون مدن هذه البلاد، بحضورهم وصخبهم، لم يبق اسم "لامع" إلا وأراد أن يضمّ إلى سيرته، منجزاً يقدمه إلى بلاده، وتحول العراق إلى منارة، تتلاقى فيه الحضارات وتتنافس عليها الأحلام والآمال.. ذلك عصر كان منظروه يريدون لهذه البلاد أن تكون بلاداً متعايشة، متسامحة، تعبق بألوان لوحات فائق حسن وعطا صبري وفرج عبو، وشهرزاد محمد غني حكمت، وأيقونة جواد سليم نصب التحرير .

للأسف لو كان لدينا برلمان فعلي، لو كان لدينا رأي عام مؤثر وفاعل،، لو كان هناك من يحاسب الفاسد وسارق المال العام والمرتشي، لما تعرض المرحوم "كوديا" لهذه الهجمة "الايمانية".

*** 

علي حسين

 

 

الرجم: الرمي بالحجارة

الأوطان تلد أعداءها مثلما الأرحام تلد أعداءها، وفي ذلك إختبار لذوي الألباب والرشاد الأمين.

الأوطان تلد مَن يبطش بها من بين أبنائها، كما تلد الأم ولدا عاقا يذيقها الأمرار، فيتحقق فوق ترابها صراعات حامية، ما بين الحالتين، وهذا ديدن مضت عليه الأجيال التي ترعرعت في أي وطن في هذه الأرض الدّوارة.

فهل عُذتم، أي إستجرتم بأوطانكم من بطش أعدائها المولودين فيها؟

إن الإستجارة بالوطن تعني المحبة والألفة والأخوة الوطنية، وإعلاء قيمة المواطنة وإرتقاء الوطن إلى مصاف العقيدة الحياتية المطلقة، اللازمة لصناعة المجد والعزة لأية صفة وإنتماء آخر.

فجميع العقائد أيا كانت طبيعتها، لابد لها من وعاء وطني تترعرع فيه، والإسلام عقيدة وطنها مكة والمدينة، وقد عاشت  ثلاثة عشر سنة في مكة وعشرة سنوات في المدينة ، حتى بلغت شأوها وعُلاها، وإنطلقت في رحاب الأرض، ولولا ذلك الوطن ما انطلق الدين.

فالأوطان قدرات تساهم في تحقيق التفاعلات الحضارية الإنسانية الازمة لتحقيق الأهداف المرغوبة والمتفقة مع طبيعتها.

ولا توجد قوة أو مجموعة أهانت وطنها وذاقت طعم العز والكرامة، وشعرت بالقوة والأمن والسلام.

فإذا فقد الوطن قيمته وقوته فأن كل ما فيه يفقد قدرته على البقاء والنماء، وهذا واضح فيما يجري في عدد من البلدان التي إستهانت بأوطانها وحسبتها شخصا أو حزبا أو طائفة  أو غير ذلك، فتورطت في متاهات وإنهيارات أخلاقية وأمنية وصراعات دامية ودمارات قاسية.

وعليه فأن رَجَمة الأوطان لا يجنون من سلوكهم سوى الخسران، بما يتسببون به من تداعيات وفظائع ومآثم وخطايا، وما يسمونه إنتصارات أو إستحواذات وفتك بالأعراض والممتلكات.

فالأوطان حالة ثابتة راسخة منتمية لأمها الأرض، وكلّ ما فيها من التراب الذي لابد يوما أن تعود إليه جميع الخلائق مهما توهّمتْ بالقوة والقدرة على البقاء.

فهل من وطن عزيز؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

تتطور إدارة الأعمال باستمرار مع ظهور اتجاهات جديدة في عالم الشركات. من أجل البقاء قادرة على المنافسة وذات صلة، يجب على الشركات التكيف مع هذه الاتجاهات ودمجها في عملياتها. في هذا المقال، سنناقش بعض الاتجاهات الجديدة في إدارة الأعمال التي تعيد تشكيل طريقة إدارة وتشغيل المنظمات.

أحد أبرز الاتجاهات في إدارة الأعمال هو الاستخدام المتزايد للتكنولوجيا في جميع جوانب العمليات. من العمليات الآلية إلى تحليلات البيانات، تعمل التكنولوجيا على إحداث ثورة في طريقة عمل الشركات. تدمج الشركات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي وغيرها من التقنيات المتقدمة لتبسيط العمليات وتحسين الكفاءة.

اتجاه آخر في إدارة الأعمال هو التحول نحو ترتيبات عمل أكثر مرونة وعن بعد. مع صعود اقتصاد العمل المؤقت والتقدم في تكنولوجيا الاتصالات، تقدم العديد من الشركات للموظفين خيار العمل عن بعد أو وفقًا لجدول زمني أكثر مرونة. وقد تسارع هذا الاتجاه بسبب جائحة كوفيد-19، التي أجبرت العديد من الشركات على التكيف مع العمل عن بعد.

أصبحت الاستدامة والمسؤولية الاجتماعية للشركات أيضًا ذات أهمية متزايدة في إدارة الأعمال. أصبح المستهلكون أكثر وعيا بالتأثير البيئي والاجتماعي للشركات، وتستجيب الشركات من خلال تنفيذ ممارسات ومبادرات مستدامة. ويشمل ذلك الحصول على المواد بطريقة أخلاقية، والحد من النفايات، ورد الجميل للمجتمع.

العولمة اتجاه آخر يشكل الطريقة التي تُدار بها الشركات. مع صعود التجارة والاتصالات الدولية، تعمل الشركات على توسيع عملياتها إلى أسواق جديدة والعمل مع الشركاء والعملاء من جميع أنحاء العالم. يتطلب هذا الاتجاه من الشركات أن يكون لديها عقلية عالمية وأن تكون قادرة على التنقل بين تعقيدات العمل في بلدان وثقافات مختلفة.

يعد اتخاذ القرارات القائمة على البيانات أيضا اتجاها رئيسيا في إدارة الأعمال. مع وفرة البيانات المتاحة للشركات، تعتمد الشركات بشكل متزايد على تحليلات البيانات لاتخاذ قرارات مستنيرة. من خلال تحليل البيانات، يمكن للشركات تحديد الاتجاهات والتنبؤ بالنتائج المستقبلية وتحسين العمليات لتحقيق نتائج أفضل.

أصبح التنوع والشمول أكثر أهمية في إدارة الأعمال. تدرك الشركات فوائد وجود قوة عاملة متنوعة وتعمل على خلق بيئات شاملة تحتضن الموظفين من جميع الخلفيات. لا يعد هذا الاتجاه مهمًا للعدالة الاجتماعية فحسب، بل وأيضًا لنجاح الأعمال، حيث أصبحت الفرق المتنوعة أكثر ابتكارًا وأفضل تجهيزا لمواجهة التحديات المعقدة.

تعد المرونة والقدرة على التكيف أيضا من الاتجاهات الحاسمة في إدارة الأعمال. في بيئة الأعمال السريعة وغير المؤكدة اليوم، تحتاج الشركات إلى أن تكون قادرة على التكيف بسرعة مع التغييرات والاستجابة للتحديات الجديدة. وهذا يتطلب من الشركات أن تكون مرنة في اتخاذ القرارات وفي عملياتها.

أصبح التعاون والعمل الجماعي أكثر أهمية في إدارة الأعمال. تدرك الشركات أهمية تعزيز ثقافة التعاون التي تشجع الموظفين على العمل معًا لتحقيق أهداف مشتركة. ينعكس هذا الاتجاه في ظهور المشاريع القائمة على الفريق، والفرق متعددة الوظائف، والأدوات والتقنيات التعاونية.

يعد الابتكار والإبداع أيضا من الاتجاهات الرئيسية في إدارة الأعمال. من أجل البقاء على القدرة التنافسية والتميز عن المنافسين، تحتاج الشركات إلى الابتكار باستمرار والتوصل إلى أفكار جديدة. وهذا يتطلب تعزيز ثقافة الإبداع وتشجيع الموظفين على التفكير خارج الصندوق.

تتطور إدارة الأعمال باستمرار، ويجب على الشركات التكيف مع الاتجاهات الجديدة من أجل الحفاظ على أهميتها وقدرتها التنافسية. من التكنولوجيا وترتيبات العمل المرنة إلى الاستدامة والتنوع، تعمل هذه الاتجاهات على إعادة تشكيل الطريقة التي تُدار بها الشركات وتُشغَّل. ومن خلال تبني هذه الاتجاهات ودمجها في عملياتها، يمكن للشركات أن تضع نفسها في وضع يسمح لها بالنجاح في مشهد الأعمال المتغير باستمرار.

***

محمد عبد الكريم يوسف

تردني مقالات لمفكرين بارعين ولكتاب ذوي أقلام متمرسة، وما يجمعها أنها مكتوبة بمداد اليأس ومعبرة عن المآسي ومعززة لها ومبررة، وتمعن في تحليلاتها للوصول إلى أن ما هو قائم تحصيل حاصل لما ذهبوا إليه من إقترابات وتفسيرات، وكأنهم قد إفترضوا  أنه أمر لازم وراحوا يبحثون عما يؤكد حصوله وتكراره وإستفحاله.

وبمعنى آخر أن هذه الكتابات تصب الزيت على النار، وتجرد القارئ من إرادة الفعل وتجعله ينزف الأمل ويتمرغ باليأس ويستعذب المآسي والويلات.

ولا يُعرف إن كانت هذه الكتابات مقصودة أو مدفوعة الثمن، أم أنها عفوية وتتوهم بأنها تساهم في حل المشكلة وتنوير الرأي العام، لأنها تبعث على الحيرة والعجب والتساؤل.

فما فائدتها، وما قيمة الدعوة لإستلطاف المآسي والقهر والفقر المدقع والترنم بالوجيع؟!

إن ما تضيفه هو المزيد من الآلام والتشويش والإنكسار وعدم المبالاة بالدمار والخراب والفساد، وتحاول تجريد المواطن من المسؤولية وتبرر له التبعية والإذعانية والخنوع للآخر أيا كان عنوانه ودوره، فالمهم أن يتحقق الرضا والإستسلام، فما يجري مكتوب ومحتوم، وعلى الناس أن تستعذبه وتأنس به ولا تفكر بسواه.

ويبدو أنها نابعة من مواقف عاطفية إنفعالية تستعبد العقل وتجنده لتبرير الحالة النفسية للكاتب والمفكر، أي أنها تعكس ما يعتمل في النفس، وبهذا فهي كتابات غير موضوعية وعاجزة عن بث إرادة التغيير والإقدام في القارئ، وإنما تعزز إستعباده وإمتهانه، وتوهمه بأن الحياة في اليأس، والفوز بالنعيم يتحقق بالمأساة التي عليه أن يكابدها.

كما تطرح مفاهيم مناهضة لإرادة المكان ومسيرة الزمان، وتدفع الناس إلى الإندفاع نحو الذين يستثمرون بإستحضار الماضيات والغابرات، ويمعنون بالتضليل والتنكيل والتحريف والجدل المؤديَن الفعّال الذي يخطف القلوب والأبصار، ويميل للتقديس والتأليه والإيمان بأن بعض البشر نواب خالق الأكوان،  يتسلطون على رقاب العامة ويمتهنون مصيرهم ويفترسون وجودهم.

ولهذا تجدها عاجزة عن إستحضار المستقبل والعمل على تأكيده والعيش فيه، فالمستقبل أصبح من المحرمات، لأنه يتقاطع مع الغابرات الفاعلات في الوعي الجمعي للناس المضطهدين بالدين، والمأخوذين بالذين يوهمونهم بأنهم يمثلون دين.

وهي مقالات تعلن الهزيمة الحقيقية للمثقفين وإعترافهم بفشلهم الصريح، لأنهم عجزوا عن صناعة التيار المعرفي القادر على مواجهة تيار إحتضار الأمة ودفنها في أجداث الباليات.

فلا عجب من إنثيال هذه المقالات وتسويقها العنيف في المواقع والصحف والكتب والمجلات، لأنها تخدم المرحلة وتؤدي واجب تمرير الصفقات، وكتابها يساهمون في ذلك وكأنهم من المغفلين، الذين يطفئون أنوار العقل بدلا من إيقاد المشاعل، ومطاردة ظلام العصور الجاثم على نهارات الوجود الساطعة!!

فهل من إرادة تفاؤلية بدلا من التراجيديا العارمة البلاء؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

أعلن اليوم 6\7\2024 عن فوز الدكتور (مسعود بزشكيان) برئاسة إيران، ومن الواضح أن معظم الأطباء عندما يتسنمون مناصب حكومية يسيئون للبلاد والعباد، وشذ عنهم الطبيب الماليزي (مهاتير محمد)، (10\6\1925)، ولا يوجد في دول الأمة طبيب غيره تسنم السلطة وجاء بعمل نافع، بل معظمهم قاموا بأفظع السلوكيات، ولا تزال الشواهد قائمة في بعض دولها.

فهل سيأتي الرئيس الإيراني الطبيب بما ينفع الأمة؟

الجواب الأسلم لننتظر ونرى، لكن الحقيقة الفاعلة في شعوب المنطقة، أن الطبيب السياسي من أشد المعادين للمواطنين، ومن الذين يتفننون في أساليب العدوانية عليهم، وفي فترات حكمهم تعاني البلاد من أرعب الحالات.

الواقع يشير إلى أن الطبيب في السلطة يفتك بشعبه ويدمر بلده، وأكثر دول الأمة التي تولى السلطة فيها أطباء هي سوريا أولا والعراق ثانيا ، وتأملوا أحوالهما، وأكبر الأحزاب كان العديد من قادته أطباء فماذا حصل له.

لا يوجد تفسير مقنع لسلوك السياسي الطبيب من أبناء الأمة، فهل كونه طبيب يمنحه الحق في أن يرى أنه على حق فيما يقوم به ؟

ليس الأمر بواضح، لكن الطبيب الجالس على كرسي السلطة، يعبّر عن العدوانية بأقسى صورها، ويؤكد سلوك الإنتقام المرعب الفظيع، فأعمال الأطباء في الحكم يندى لها جبين الطب كمهنة إنسانية رحيمة.

قد يتعجب الكثيرون مما تقدم، أو لا يقبلونه، لكنها ظاهرة فاعلة في دول الأمة، وعليكم أن تأتونا ببرهان مبين، يدحض ما ورد في المقال.

***

د. صادق السامرائي

 

الفراق ما أمرّ الفراق يا ابن خالتي.. أخبرتني قبل ساعتين أختي ايمان من النجف الأشرف أنك رحلت من عالم الفناء إلى عالم البقاء يوم أمس عصرا.

سالت الدموع من عينيّ وتذكرت بيتا للجواهري:

وإنّي والشجـــــاعةُ فيّ طبعٌ *** جبانٌ في مواجهــةِ الفراقِ

كنت سفير العراق في مجال الرياضة، كنت بطلا عالميا بكمال الأجسام

وقبل أن تكون بطل آسيا وقبل أن تحقق عدة مرات المركز الثالث عالميا، كنت قد سألتك يوما في احدى زيارراتك لنا، لماذالا تذهب الى هوليود فتؤدي دورا سينمائيا ؟، ففيك نفس مواصفات بطل كمال الأجسام ستيف فريز، الذي مثّل دور البطل في فلم هرقل الجبار، وقتها ابتسمت وقلت لي باللهجة العراقية (وهاي مديحة تكدر تعيش بامريكا)، مديحة هي الزوجة الاولى لعلي الكيار وهي من نفس عشيرة علي الكيار (الياسري) وقد غلب اسم الشهرة الكيار لانّ والده عطية كان يعمل في تبليط الشوارع بالكير، وكان يزورنا باستمرار ويستأنس بالقصص التي أقصها عليه

كان علي الكيار انسانا متواضعا منفتحا على الجميع محبوبا مسالما، كنت كثيرا ما أذهب لأزور خالتي بهّية والدته وكانت معروفة في مدينة الثورة (كوالة) والكوالة كلمة شعبية عراقية تعني شاعرة . كان اخوه عاشور يعيش في نفس البيت كان يعمل في البناء، أما اخوه كاظم فكان يردد دائما على اسماعي كلمة (فاشست)، ويقصد بها النظام السابق، شيئ مهم عن حياة على الكيار البطل العالمي لكمال الأجسام انه اعتقل في الانقلاب الدموي الفاشي في عام 1963 وقد اراني صورا له في معتقله، وقد افرج عنه بعد أشهر من اعتقاله، فهو لم يكن سياسيا او منتميا لحزب معين لكنه كان يندد بالظلم.

لقد عشت يا علي بطلا حقا في كمال الأجسام كرياضة، لكنك عشت كذلك بطلا في معترك الحياة

عشت مكافحا من أجل توفير الخبز لأطفالك . اعتمدت على نفسك، فعملت سائق تكسي . كان على الدولة أن تضمن لك راتبا باعتبارك بطلا عالميا في كمال الأجسام، مثلت العراق في بطولات عديدة ودوما كنت تحرز المرتبة الثاللثة عالميا .، فضلا عن احرازك المرتبة الاولى على ابطال آسيا على الدوام

كلنا سنرحل عن هذه الحياة الفانية، لكن سيبقى لنا الذكر الطيب وما عداه ستذروه الرياح.

فلك الذكر الطيب يا ابن خالتي

تغمدك الله برحمته الواسعة وأسكنك فسيح جناته

واسمح لي أن اختم مقالتي المبتسرة بهذا الفيديو

الرابط:

***

 جميل حسين الساعدي

......................................

ولد علي الكيار في مدينة العمارة بجنوبي العراق عام 1937 في عائلة عمالية وانتقل للعيش في مدينة الثورة ببغداد حيث بدأ حياته ملاكما قبل ان يتوجه الى رياضة كمال الاجسام ابتداء من 1953 ليحرز على التوالي بطولة العراق للناشئين عام 1964، ثم بطولة العراق للمتقدمين عامي 1965 و1966، ثم المركز الثالث في بطولة العالم عام 1966 والمركز الرابع عام 1970 والثامن عام 1971، فالمركز الثالث عام 1972 الى جانب المركز الأول في بطولة آسيا عام 1970 والثاني عام 1974، وبطل العرب والشرق الأوسط اعوام 1970 ــ 1971 ــ 1972، وبطل العراق منذ عام 1965 لغاية اعتزاله عام 1975. كما اشتهر عالميا بتغلبه على بطل بناء الأجسام الممثل الأمريكي الشهير وحاكم كاليفورونيا لاحقا أرنولد شوارزنيجر، حيث حصل على الكيار على المركز الرابع على مستوى العالم بينما حل أرنولد خامسا.

 

أستاذ لامع في إحدى الجامعات العريقة، متخصص بحضارة سامراء، إنتحى بي جانبا، عندما كنت أحضر مؤتمرا عن حضارات العراق، ولم تُذكَر فيه سامراء، فاعترضت معاتبا ومفندا الميل اللاموضوعي، نحو طروحات لا وطنية لا حضارية بل ولا إنسانية.

قال لي ذلك الأستاذ الأجنبي، أن سامراء أغنى بقعة حضارية آثارية فوق الأرض!!

إنهم يعرفونها أكثر مما نعرفها!!

وذات مرة وبعد إلقائي محاضرة في تجمع ثقافي عن حضارة سامراء، وإذا بطالب دكتوراه ألماني يقترب مني، ويحدثني على أنه يعمل رسالته عنها، وجاء ليتابع ما إكتشفه إرنست هرتسفيلد (1879 - 1948) فيها.

تعجبت من أمرنا وكيف نبخس أشياءنا، والآخرون يدركون قيمتها وثروتها المعرفية ، ففي واقعنا التعليمي لا نتعلم ثقافة المدينة، وكانوا يدرسوننا في الجغرافية مدن الدول الغربية، وما وجدنا مادة عن مدينة سامراء في مدارسها، وبغداد وبيت الحكمة، والإبداعات العلمية لأبناء الأمة عبر العصور، بل الثقافة سلبية، تعزز الدونية والذل والهوان والتبعية.

وتجدنا اليوم أمام أقوام تعادي سامراء، وفقا لتطلعات الضلال والبهتان وروح الإنتقام والعدوان!!

فإلى متى ستبقى المدينة في خندق "ساء مَن رأى"؟!!

وتحية لأبي تمام والبحتري وعلي بن الجهم ولإبن المعتز، الذين كانوا في ربوع قصورها ينشدون!!

***

د. صادق السامرائي

29\6\2024

لعبة الأمة لا تقرأ إنطلت على الأجيال منذ مطلع القرن العشرين، وهدفها تمرير المخططات الإفتراسية لوجود الأمة، وقد حققت مآربها وأهدافها، ولا تزال إسطوانة " الأمة لا تقرأ" تدور، وتردد ألحانها الغثيثة على مسامع الأجيال.

فهل تصدقون أن الأمة لا تقرأ؟

وإن لم تقرأ فيمكنها أن تقرأ في غضون بضعة سنوات لا أكثر.

فلماذا إعتبار عدم القراءة داء مستوطن في مجتمعات الأمة؟

إنها كذبة صارخة، ومادة تجارية يستنفع منها ذوي العاهات السلوكية المبرقعة بألوان متنوعة من الإدعاءات الباطلة.

الحقيقة الفاضحة أن الكراسي لا تقرأ، ولو إمتحنتموها باللغة العربية، لرسبت جميعها، فلا يوجد صاحب كرسي يجيد التعبير عما يريد قوله بلسان عربي فصيح!!

المجتمعات البشرية بحاجة إلى قدوات منيرة ذات قدرات معرفية عالية، تستنهضها وتأخذها إلى مقاماتها، لا أن تدوسها بحمقها وسذاجتها، وغفلتها وجهلها المشين.

لو تأملتم مصائب الأمة، لتبين بأنها من إنتاج الكراسي المعوّقة معرفيا، والساذجة سلوكيا، ولا دور للمجتمعات فيها، لأنها مرهونة بسطوة السمع والطاعة، وعدم الخروج عن طابور الجماعة.

عندما يكون في الكراسي أناس أذكياء مولعون بالمعرفة والعلم، عندها تحدثوا عن القراءة من عدمها.

المجتمعات لا تقرأ، لأن الكراسي لا تقرأ!!

فما نفع القراءة والكراسي لا تستمد قوتها من الشعب؟

الأمة تقرأ، ونسبة المتعلمين فيها تتنامى، ومعظم الخريجين من الجامعات، يواجهون مصير البطالة والإهمال، وعدم جدوى ما حصلوا عليه من معارف وعلوم، فالكراسي لا تستثمر في المتعلمين، وتراهن على زيادة مساحة الجهل والأمية، لكي تكون مطلقة في أخذ ما تريده.

فهل تحتاج المجتمعات لمئات السنين لتقرأ؟

علينا أن نتأمل المجتمع الصيني، الذي إنتقل في ليلة وضحاها من الظلام إلى النور، والذين يقرأون ويكتبون فيه سنة 2021 نسبتهم (99.83%)، وكانت مجتمعات الأمة أكثر تطورا منه في النصف الأول من القرن العشرين!!

فلماذا أضاؤا وإنطفأنا؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

الكلمات كائنات حية  تصنع وجودا متماسكا له كيانه المتميز، وهي مثل خلايا الأبدان  المتفاعلة، وفقا لمنظومة حياتية ذات قيمة مكانية، وصيرورة تواصلية مع ثوابت كونية مؤثرة في مسيرة المخلوقات الأرضية.

هذا الكائن الكلماتي تحقق العبث بذاته وجوهره، فتجدنا أمام مشاريع إلصاقية موجعة، تضع الكائن الكلماتي  في غير مواضعه، وتُحدث إضطرابا تعبيريا مؤلما.

الكلمات تتزاوج وتتآوى إلى بعضها، ولا تتنافر وتتقاتل، لتصنع تعبيرا ممقوتا يوجع رأس القارئ، ويسمى إبداعا وحداثة، وكأن الوصول إلى سواحل العصر، تتطلب منا خلع ملابسنا والتخلص من جلدنا.

ونعرف أن أي مخلوق إذا فقد جلده سيموت.

فلماذا نسعى للتخلص من جلدنا  وتعرية ما فينا، بذريعة الحداثة، وما عندنا منها شيئ.

هل نطعم أنفسنا، ونصنع حاجاتنا، ولدينا إرادة سيادية وقدرة عسكرية وقوة ذات مقام.

الكلمات عليها أن تعبر عن الواقع لا أن تتوهمه، وكأنها في عالم آخر.

إن ما تنشره الصحف والمواقع فيه كثير من موجعات الرؤوس  بأساليب تدويخية  تنفيرية، خالية من الفكرة الصالحة والرؤية الإنسانية الطيبة.

إنها الكلمات تلعن نفسها، والعبارت المجوفة كأنها الخليط الغير متجانس لكنها إبداع!!

***

د. صادق السامرائي

2\7\2024

 

أمسى الحزن مفهومًا ثابتًا يتداول في أروقة المكروبين، وصرخة يائسة تنبثق في الفراغ ليصطدم صداها بواقع غالبا ما نخلقه بمحض إرادتنا. الحزن جزء لا يتجزأ من عواطفنا، وتبرز معالمه بعد الخسائر المهمة في الحياة، ويحرك أوتار القلوب أثناء الكوارث. إن أعظم الخسائر وأكثرها إيلامًا هي عادة فقدان الأحباب، عندما يخطفهم الموت؛ أو عندما يصدر من كلام جارح، ويسبب حالة من الألم الداخلي، وغالبًا ما يكون له أثر مؤلم لدى المتلقي، أو يكون نتيجة مرحلة مؤلمة جدًا مرت في تاريخ المجتمع.

الإسراف في الحزن يتحول مع الوقت إلى متلازمة المرض النفسي التي تظهر بأشكال مختلفة، كالاكتئاب، والتوتر العصبي الذي بدوره يسبب تقلصات عضلية في صندوق الدماغ، مما يعيقه من التفكير والبحث عن مخرج.

عندما يتم تسييج هذه الحدود، يظل الإنسان محاطًا بجدار من اليأس والإحباط، وفقدان القدرة على التغلب على العوائق مهما كانت صغيرة.

المشكلة الأكبر، هي عندما يتحول الحزن إلى ظاهرة عامة تؤثر على المجتمع كله، ويصبح سلوكًا وثقافة، بل بعبعًا يهاجمهم في كل لحظة بعد أن احتل مكانة خاصة في حياة المجتمع كحالة طبيعية، ومهد لهم الطريق في بناء وطن في أعماقهم يسمى الحزن.

الحزن هو تجربة أكبر وأكثر تعقيدًا من مجرد الحزن، ولكن عندما نترك أصعب الأوقات وراءنا ونمضي قدمًا، فإننا غالبًا ما نعمق نظرتنا للحياة وما يهمنا حقًا.

الغالبية العظمى من الناس لديهم حاجة للحزن بعد خسارة كبيرة. ولذلك، فإننا نحرص على استيعاب الخسائر التي تعرضنا لها. نحاول أن نفهم ما مررنا به وكيفية التكيف مع وضع الحياة المتغير.

الحزن هو وسيلة لتجربة وإظهار هذا لأنفسنا والعالم الخارجي لمدة من الوقت، نحتاج إلى خفض مطالبنا على أنفسنا وإبطاء طاقاتنا ومواردنا واقتصادنا، لأن الحزن كثيرًا ما يجعلنا متعبين وغير مبالين بشكل دوري.

تحاول القوى السياسية الإسلامية الحالية ترسيخ ظاهرة الحداد كضرورة تاريخية عن طريق الإشارة إلى تذكيرها الدائم بالموتى الذين رحلوا عنا منذ آلاف السنين والبكاء على ذكراهم؛ ويمكن الإشارة أيضًا إلى الحقيقة المقنعة، وهي: أن المشايخ الجالسين على المنابر في المساجد، قد تعمدوا إلى أن يبدعوا في صياغة ألفاظهم بطريقة توحي "إن الحزن هو حالة دائمة يجب على كل فرد أن يعيشها".

هدف من نشر الرايات السوداء في كل شارع وزقاق هو ملء نفوس المواطنين بالحزن وإبعادهم عن التفكير في الفرح، والحب، والبهجة، والسعادة التي تنتجها الحياة.

ويستمر هذا الظلام الكالح في تسريب سمومه الخطيرة في محاولة حثيثة لقتل روح التضامن الشعبي، واستبدالها بالفشل، والخيبة، والاستسلام؛ وسلب قدرات الإنسان، وتحويلها إلى سراب من الأوهام والأساطير.

إنها سياسة تدمير جوهر الإنسان - أي - إلحاق الضرر به من الداخل للحيلولة دون الخروج من دائرة الحزن. مع العلم أن الحزن كمفهوم  ليس  الغاية منها التوقف عنه، لأن - كما قلنا - "الحزن مرتبط بالمشاعر والأحاسيس"، وهذا الأمر يُسَهِلُ عليهم إحكام السيطرة على مشاعر الناس، واحتواء أعداد هائلة منهم وتنظيمهم على صورة "القطيع".

إن الجماهير الغائبة وغير الواعية لمخاطر السموم التي تحقن لها من قبل قوى الظلام، عليها أن تنزع عن نفسها هذا الثوب الأسود؛ وتزيح الحزن الدائم عن طريقها، ولا ينبغي أن يكون حطبًا جاهزًا لمواقدهم.

ودون توافر المقومات الأساسية لبناء مجتمع قوي وسليم، متسلح بالطاقة، والقدرة المتاحة لمواكبة عصر التقدم والتكنولوجيا، ودون وجود الإنسان الصحي القويم، لا يمكن للأمة أن تقف شامخة، ويمكن للوطن أن ينهض.

***

كفاح الزهاوي

المقدمة: تناقلت العديد من الصحف ووسائل الإعلام خبر توقيع رئيس طاجيكستان (إمام علي رحمان) على خمسة وثلاثون قانوناً تهدف إلى حماية قيم الثقافة الوطنية لطاجيكستان، وتشمل هذه القوانين قوانين تحظر ارتداء الملابس "الغريبة" عن الثقافة، مثل "الحجاب".

رحمانوف: تم انتخابه في 6 نوفمبر 1994 وأدى اليمين بعد عشرة أيام، ليصبح الرئيس الثالث لطاجيكستان، وكان ذلك خلال الحرب الأهلية التي شهدتها البلاد، والتي استمرت من عام/ 1992 إلى عام/ 1997 وأسفرت عن مقتل ما يصل إلى مائة ألف شخص.

 وكان رحمن أيضًا زعيم حزب الشعب الديمقراطي اليساري، الذي يسيطر على برلمان طاجيكستان منذ 18 مارس1998، نجا من محاولة اغتيال في 30 أبريل 1997، والتي عارضها حزب المعارضة الموحد في طاجيكستان.

أولاً: ممنوعات رحمانوف

في بيان لليونسكو، قال رحمانوف إن الأزياء الوطنية في طاجيكستان مرادفة "لتقويض هويتنا الوطنية"، مضيفًا: "نحن كذلك"، ترويج ما يسمى بالملابس الدينية التي لا تلبي احتياجات بلادنا الدينية ولا تتماشى مع أخلاق بلادنا وثقافتها".. وقال: "علينا أن نتجنب التسلل ونحمي حقائق وقيم بلادنا"، مشددا على أن أولئك الذين يخالفون قرار حظر الحجاب والاحتفال سيتعرضون لغرامات تصل إلى 740 دولارًا.

لذلك منع رئيس طاجيكستان إمام علي رحمانوف الاتي:

- الشباب من الصلاة في المساجد والكنائس، بموجب قانون "المسؤولية الأبوية.

وقال رحمانوف  إن هناك حاجة إلى إجراءات صارمة لمنع انتشار ما سماها الأصولية الإسلامية في بلاده التي يسكنها 7،5ملايين نسمة منهم 95 بالمائة مسلمون.

ونص القانون على منع جميع السكان دون سن 18 عاما - باستثناء من يدرسون في المدارس الدينية- من العبادة في المساجد أو الكنائس أو غيرها من المواقع الدينية.

الرئيس الطاجيكي أمر بإغلاق 1560 مسجد و جامع في طاجكستان و حولها لدور ثقافة و مصحات و رياض أطفال و دور لرعاية المسنين و منع القصٌر من دخولها و قول:

(لا حاجة لنا بمساجد يتخرج منها دواعش وإرهابيون إسلاميون سأحمي شعبي من محرقة الإرهاب الديني الإسلامي المتطرف إنهم يقومون بغسيل مخ للشباب و الأطفال هؤلاء المشعوذون).

- كما حظر على الفتيات ارتداء الحلي باستثناء الأقراط، ومنع من هم دون سن 20 عاما من رسم الوشم أو ارتياد الملاهي الليلية أو مشاهدة الأفلام أو قراءة مواد "تروج للإباحية والعنف والتطرف والإرهاب"، إلا أنه لم تتضح عقوبة مخالفة هذا الحظر.

- أقدمت حكومة طاجيكستان على حلق لحى 13 ألف رجل خلال سنة/ 2015 ونزعت حجاب 1700 امرأة، وتعتبر الحكومة الطاجيكية هذه الإجراءات تدابير ضمن حملتها لـ"محاربة التطرف" في البلاد.

- صوت البرلمان، على قرار يمنع الأسماء العربية بعد ارتفاع تسمية المواليد الجدد باسم محمد.

ثانياً: المخاوف المشروعة

وتتخوف طاجيكستان من التهديد الذي يمكن أن يشكله المقاتلون الطاجيكيون الذين التحقوا بتنظيم الدولة الإسلامية "داعش" على الحدود الأفغانية، في ما يطلق عليه التنظيم بولاية خراسان.

وحسب المعهد الملكي للشؤون الدولية في لندن، فإن حوالي 500 من مواطني هذا البلد عبروا إلى سورية للقتال في صفوف داعش، وقتل منهم حوالي 100 مقاتل.

- وتحظر الحكومة ارتداء الحجاب على التلميذات، كما تحظر حضور القاصرين، دون سن 18 الشعائر الدينية، باستثناء الجنائز، حسب تقرير وزارة الخارجية الأميركية حول الحرية الدينية سنة/2014.

- وتمنع الحكومة أيضا تلقي الأطفال، بين السابعة و18 تعليما دينيا، دون موافقة مكتوبة من أسرهم، على أن يتم ذلك في مدارس غير حكومية وخارج أوقات الدراسة.

-  منعت لجنة الشؤون الدينية والثقافية في البلاد الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 35 عاما من تقديم طلب لأداء مناسك الحج.

- ولا تقتصر الرقابة الشديدة على الديانة الإسلامية، بل تشمل مختلف المظاهر الدينية..منعت الحكومة الاحتفال بالكريسماس وبرأس السنة الجديدة.

- وأصدرت الحكومة قرارا بمنع الألعاب النارية والوجبات الاحتفالية وتبادل الهدايا ونصب شجرة عيد الميلاد.

ثالثاً: مصر أنموذجاً أخر

في عام 2013-2014  بلغ عدد المعاهد الأزهرية 9،7 ألف معهد، بينما وصل عدد المعاهد الأزهرية العام الحالي 2023-2024  الي 11،6 ألف معهد.

أذن يوجد في مصر ما يقرب من عشرة الأف معهد إعداد دعاة أوقاف، الدراسة فيها ثلاثة شهور لأي شخص يريد أن يصبح شيخًا، تضم ما يقرب من مليوني طالب، هل يتعلم طلاب الأزهر كيفية إعداد الطعام لأنفسهم ؟ هل يتعلمون كيفية صناعة ملابسهم؟ هل يتعلمون كيفية صناعة الورق والاقلام التي يستخدمونها ؟.

ميزانية الأزهر بلغت ثلاثة عشر مليار جنيه، بينما ميزانية وزارة الأوقاف المصرية بلغت 11 مليار جنيه.

السؤال الأول: هل يحتاج الشعب المصري فعلاً إلى كل هذه الأعداد من  الشيوخ ؟.

السؤال الثاني: هل قدم جميع خريجي هذه الكليات والمعاهد السابقون واللاحقون أي إضافة أو فائدة لبناء المجتمع، أو أي اختراع إبرة خياطة، حتى أي ابتكار أو تطوير لمصنع أو ورشة  أو أي مشروع تخرج ذات قيمة؟.

السؤال الأخير: لماذا الحكومات المصرية المتعاقبة مُصرة على استمرار عزل كل هذه الطاقات البشرية عن المشاركة في بناء مجتمع اقتصاد قوي، ومجتمع منتج فعلياً ؟.

رابعاً: السيدة " حليمة يعقوب " رئيسة سنغافورة

امرأة مسلمة متزوجه من رجل ماليزي من اصل يمني عاشت وزوجها بغرفة واحده بداية تخرجهما من الجامعة.

اجتمعت بالحكومة وقالت انا اسمي حليمة يعقوب(أمة من إماء الله أخشى الله وأخافه، من يريد أن يعمل معي لصالح الشعب السنغافوري، فأنا اخته بالله، همي رفع مستوى المعيشة لمواطني سنغافورة ولا يعنيني غيرها).

إنجازاتها:

- زيادة دخل سنغافورة ب 2 ترليون دولار.

- ارتفع دخل المواطن السنغافوري إلى 85 الف دولار.

- أصبح جواز السفر السنغافوري أغلى جواز سفر بالعالم، أصبحت نسبة البطالة 1 بالمائة.

- أنجزت ما يقارب من عشرة آلاف مشروع عملاق.

- أصبحت نسبة الفساد بسنغافورة صفر.

- شطبت جميع الضرائب على المنتجات السنغافورية.

- زيادة الدخل القومي بنسبة 5 تريلون فائض.

- يوميا تصلي الفجر مع عدد من موظفاتها في مسجد عام في العاصمة وبعد الصلاة تستمع لمشاكل مواطنيها.. هذا هو الإسلام الذي ترفضه بعض الشعوب.. لتعارضه مع مصالحهم الفاسدة،لم يكن أبدا الحجاب، تخلفا ولا رجعية.

***

شاكر عبد موسى/ العراق

......................

المصادر

 - الغارديان/ نيوزويك/ تقرير وزارة الخارجية الأميركية حول الحرية الدينية.

 - اليوم السابع/ حكاية وطن.. ارتفاع عدد المعاهد الأزهرية/ لؤي علي/ 2 أكتوبر 2023. https://www.youm7.com/story/2023/10/2/.

إذا كنت مثل جنابي تعيش في بلاد الرافدين حيث ضابط برتبة عميد يمكنه ان ياخذ معه رتل من الحمايات ليتجول في الكرادة، وينظر بعين الرضا الى حالة التعجب التي ترتسم على وحوه المواطنين .. فانت حتما ستشعر بالأسى وانت ترى رئيس وزراء هولندا الذي ودع المنصب قبل ايام قليلة، يخرح من مقر رئاسة الوزراء ليستقل درجاته الهوائية عابرا عشرات الحضور في الشارع. ياعزيزي القارئ هل ستشعر بالاسى مثلي او تضحك على رئيس وزراء يرفض ان ترافقه عشرات السيارات المصفحة ومعها افواج من الحمايات ..، ورغم كل هذه الكوميديا فأن المواطن العراقي يفتقد لـ"حكم" و"مآثر" إبراهيم الجعفري الذي اختفى في نعيم لندن، بعد أن أعطى لهذا الشعب خطباً عن المارد وقمقمه، لكنه في النهاية "قبض" المقسوم وذهب إلى بلاده بريطانيا، فالعراق كان مجرد كعكة يتم تقاسمها مع الأحباب الأصحاب.

أُدرك وأعي أنّ الأحزاب ستضعني في خانة "المتآمرين"، ولكن اسمحوا لي أن أواصل حكايتي، فرئيس الوزراء الهولندي خرج من باب الوزارة بعد ان خسر في الانتخابات، لم يخرج على الناس ليعلن انه سيستخدم الثلث المعطل، ولا حاصر مقر الحكومة .. فقط ركب دراجته ومضى .. هولندا التي لا تحمل سجلاً تاريخياً يضم حكايات علي بابا والأربعين حرامي، ولم تصنع سفناً فضائية قبل خمسة آلاف عام مثلما اخبرنا العلامة كاظم الحمامي، لكنها اليوم واحدة من أثرى البلدان، أتذكر أننا في بغداد لم نعرف هولندا إلا من ثلاثة أشياء: الرسام فان كوخ.. صاحب أشهر أُذن في التاريخ والتي دائماً ما تثار حادثة قطعها، هل قدّمها الرسام هدية إلى محبوبته، أم أنها فقدت في معركة ليلية مع الرسام غوغان؟ .. والشخصية الهولندية الثانية لاعب كرة القدم يوهان كرويف.. وثالث مشاهير هذه البلاد السيد جيرارد فيليبس مؤسس الشركة الشهيرة للصناعات الكهربائية، والذي سيطرت عليه عام 1891 فكرة واحدة فقط هي كيف يحقق حلم أديسون في تصنيع مصباح كهربائي، وهو الاختراع الذي أشاع البهجة والمعرفة والسرور في كل بيوت الكرة الأرضية بمختلف ديانات سكانها وألوانهم وقومياتهم باستثناء بيوت العراقيين، ولم يكتف السيد جيرار بذلك بل سحرنا بصندوق خشبي سمّي راديو "رمز الحرية الفكرية وركن الديمقراطية وفاضح كل أسرار الدنيا"، مثلما تغنّى به عزيز علي ذات يوم .

اليوم نسمع في نشرات الأخبار، لا في راديو فيلبيس، أن هولندا لم تعد تصدر الضوء والفن فقط، وإنما أيضا نموذجا للمسؤول الذي لا ينشغل بخطب والشعارات الفارغة، وإنما يسعى لاحترام المواطن أيا كانت هويته وطائفته.

***

علي حسين

 

قلة من الشعراء ألفوا كتبا في مناحي المعرفة، ومنهم أبو تمام، والرصافي وغيرهم، أما معظم الشعراء فأنهم يركزون على كتابة الشعر وإصدار الدواوين، وبعضهم كتب مذكراته أو سيرة حياته، وآخرون كتبوا مقالات جمعت في كتب.

أما تأليف كتاب عن الشعر ومفرداته وألفاظه وعباراته وأساليبه، فقلة من الشعراء حاولوا ذلك.

فالتراث المعرفي العربي فيه كتب عن مفردات الكتابة والخطابة، أما عن مفردات الشعر، فأنها نادرة أو لا وجود لها.

وهذه ظاهرة يصعب تفسيرها مهما أتينا من تبريرات وتسويغات، وهي من أسباب ميوعة صفة الشاعر.

فالكثير من الكلام يبدو كأنه شعر، لكنه في جوهره لا يعرف الشعر، والعديد من الشعراء، هم ليسوا كذلك، فالكلام الموزون لا يعني أنه شعر.

الشعر بحاجة إلى ألفاظ  قادرة على إستحضار المعنى وتجسيد الفكرة، وتأدية الغرض، والإنطلاق بأسلوب جذاب خلاب، يخطف القلوب والعقول والنفوس والأرواح.

وهناك العديد من المفردات التي لا يمكنها أن تكون في نص يسمى شعريا، لكن إقحامها لأسباب عروضية أو نحوية لا يعني أنها قد أدت وظيفة شعرية.

ومن أصعب الفنون أن نوضع الفكرة في كلمات  ذات معنى واضح وغرض ساطع، وقدرة على التأثير وإثارة العقل  وإلهام القارئ بما يعينه على بناء رؤية جديدة.

وتجدنا اليوم أمام كم هائل من النصوص المنشورة على أنها شعر، سواء كانت كلاسيكية أو حداثية، أو غيرها من الأشكال المستنسخة من بلاد الآخرين وماهي بشعر.

وفي الكثير منها يبدو إضطراب الأفكار جليا، وعدم قدرة كاتبها على الوصول إلى ما يريد قوله والإفصاح عنه، وكأنه لا يدري عمّاذا يكتب ولمن يكتب.

إنها حالة تخبطية أملتها إيقاعات القرن الحادي والعشرين، التي جعلت الكلمات تتطاير كالهباء المنثور.

وعندما نتحدث عن الطيف الشعري، تجدنا أمام ألف موشور وموشور، حتى لتحتار بما ترى من الألوان!!

***

د. صادق السامرائي

3\9\2021

أقرأ وأستمع لشعراء شباب يترنمون بقصائد في ذروة الإبداع والقدرات التعبيرية الأخاذة في معانيها ودلالاتها، وأجدهم يتفوقون على المتنبي وأمثاله بأشواط بعيدة.

فهم أبناء عصر الثورات المعلوماتية، ومواهبهم مصقولة في ميادين التفاعلات الإدراكية المعرفية العلمية الساطعة، وبهذا يتألقون بقصائدهم الفياضة بالطاقات الجمالية المذهلة.

كلمات مشحونة بالمعاني والأحاسيس والأفكار، والإشارات التصويرية الخيالية الفائقة المستويات.

جمهرة من عقول الأمة الشاعرة المدهشة، ولا نزال نتحدث عن شعراء غادروا الدنيا منذ قرون وقرون.

الشعراء أبناء زمانهم، وما كان عندهم من معارف ومعلومات لا يساوي شيئا مما عند أي شاعر معاصر، ولهذا كانت أغراضهم محدودة، ومقصورة على المديح والهجاء والغزل والرثاء، وبعضهم وصف وغيرهم حاول التحرر من النمطية الشعرية.

إن المرء المتأمل الدارس يقف إجلالا وإكراما أمام الأصوات الشعرية السامقة بالقصيد.

فهل يا ترى سنظل نجتر أسماء الغابرين، وننكر الأسماء المعاصرة المتوهجة المترعة بالمواهب الأصيلة.

إنها محنة ومعضلة إبداعية، فمن المستحسن أن نتجاوز المتنبي وأمثاله، ولننظر إلى كم شاعر متميز عندنا.

إن إرادة التمويت والتخميد تقتضي أن نستكين لأصوات القبور، ونتنكر لزغاريد وترانيم الساعين بإبداع فوق التراب؟

فلننظر لطاقاتنا الإبداعية الدفاقة الخلاقة الأصيلة المحتوى والتطلعات، ولكل عصر شعراؤه المتميزون، ولا يوجد شاعر لكل العصور!!

***

د. صادق السامرائي

10\8\2023

أخبار بغداد الثقافية مقلقة، في ظل سلطة المذهب والعشيرة التي تعمل على الإستيلاء على رئة بغداد الثقافية أو ما تبقى من رئتها المعطوبة، متسلحة بعصابات الجريمة المنظمة والميليشيات والآلة الدينية الطائفية. فالثقافة والوعي كانتا دوما تحت مرمى سهام المؤسسات الدينية، فعلاقة هذه المؤسسات والسلطات التي تستمد منها قوتها مع الثقافة والوعي علاقة عكسية، فكلما إنحسرت الثقافة وقلّ الوعي كلما إنتعشت هذه القوى بتجهيلها وتغييبها للوعي المجتمعي، عكس القوى الباحثة عن الثقافة كسلاح في وجه الطغيان الديني والعشائري الذي يلفّ العراق، إذ  تكون علاقتها طردية معها فكلمّا زادت ثقافة المجتمع وزاد وعيه، وجدت هذه القوى ساحة واسعة للعمل من خلالها.

ترييف بغداد والمدن الكبرى هدف أستراتيجي لقوى الظلام المهيمنة على مقاليد الحكم في عاصمة الرشيد، والشارع الذي يحمل إسمه فقد بريقه وموقعه كواحد من أجمل شوارع بغداد التراثية لأسباب طائفية موغلة في التاريخ. فهذا الشارع كان يمكن أن يكون شارعا للمشاة كالذي نراه في مختلف عواصم أوربا والعالم، شارع عامر بالمحال التجارية والأسواق وصالات السينما والمسارح والأندية الثقافية، شارع عامر بالمطاعم والمقاهي ليكون شارع جذب لمختلف فئات المجتمع. وهذا الترييف نراه من خلال مهاجمة المتريفين للتماثيل والنصب وتخريب مقابر شخصيات ساهمت مساهمة كبيرة في الحقل الثقافي والعلمي العراقي، ونراه في إهمال شارع الرشيد وتحويله الى مكب نفايات وهو في قلب بغداد التي يكن لها المتريفون حقد بدوي معاد لكل اشكال التحضر والتقدم.

خبر عابر أوردته السومرية نيوز بتاريخ 29/6/2024  حول شارع المتنبي المتفرع من شارع الرشيد، لا يجب أن يمر مرور الكرام على الوسط الثقافي العراقي بالمرّة. كون تحقيقه ولو بعد حين لهيمنة قوى الظلام على مقاليد البلد، يعني نهاية هذا الشارع الذي أصبح اليوم يشكل خطرا على الحكومة المتريفة ومعها المؤسستين الدينية والعشائرية. فقد شكا أصحاب المكتبات في شارع المتنبي وفق الوكالة " من تعرضّهم للأبتزاز والتهديد من قبل جماعات تسعى للأستيلاء على محالّهم، فيما طالبوا الجهات المختصّة بتوفير الحماية لهم".  ويتعرض " أصحاب المكتبات للتهديد ومحاولات فرض أتاوات من قبل جماعات تسعى للأستيلاء على محالّهم، من خلال الدخول في مزايدة علنية تقام كل ثلاث سنوات"!!

 أصحاب المكتبات ولضعفهم للأسف الشديد  يطالبون السلطة بضرورة التدخل " لوضع حد لما يتعرضون له"، متناسين أو خائفين أو يلوذون بسلطة تمثل هذه العصابات التي تهددهم،  سلطة تقيم مزادات علنية كل ثلاث سنوات لأجل بيع هذه المحال وتحديد مالكين جدد لها، وفي نهاية المطاف وإن أستمرت السلطة بهكذا مزادات، فأنّ العصابات بما تمتلكه من أموال وسطوة وسلاح وبدعم حكومي ديني عشائري، ستشتري جميع محال الشارع ليتحول الى مولات أو عمارات سكنية يمتلكها قطط سمان على ارتباط وثيق بالسلطة وتوابعها، ولنتذكر بعدها  الشارع ومكتباته في صور تباع في المولات الريفية.

لترتفع أصوات كل من يعزّ عليهم واقع العراق الثقافي في زمن المحنة والقحط الفكري والوطني الذي نعيشه اليوم عاليا لمنع السلطة من أقامة مزاد شارع المتنبي كل ثلاث سنوات، فالثقافة ليست سلعة بل معرفة مكتسبة ومتراكمة علينا تطويرها وفي كل الحقول الثقافية والمعرفية. ولنصرخ عاليا بوجه العصابات والشقاة الذين يعملون على تدمير بلدنا وتاريخنا وتراثنا، فشارع المتنبي اليوم هو الساتر الثقافي الأخير بوجه طغيان الريف الذي سيأكل الأخضر واليابس في بلد، كل شيء فيه يابس. وهؤلاء الشقاة لهم الباع الطويل في حرق الأسواق والمحال، فكيف بشارع كالمتنبي تخرج منه الكلمة التي تؤرقهم كما أرّقت أسلافهم وهم يحرقون الكتب والمفكرين...

***

زكي رضا - الدنمارك

29/6/2024

 

لقد أطلق الأدباء والمؤرخون والباحثون في الأدب العربي في منتصف القرن المنصرم، على الشاعر أحمد شوقي صفة (شاعر الأخلاق) وكيف لا! وقد تألق في وصف الأخلاق أيما تألق، ونالت أبيات له فيها صدارة الأحاديث والمناظرات والمهرجانات، ويُستشهد فيها على منصات ومحافل أدبية كثيرة، بل حتى المحافل البعيدة عن الشعر والأدب، إذ تبقى الأخلاق أساس كل قول وأسّ كل فعل في جوانب الحياة كافة. ففي غيض من فيض ما أنشده شوقي:

- وليس بعامرٍ بنيانُ قومٍ

إذا أخلاقُهم كانت خرابَا

- صلاحُ أمرِك للأخلاقِ مَرجعُه

فقوِّم النفسَ بالأخلاقِ تستقِمِ

- وإذا أُصيبَ القومُ في أَخلَاقِهِم

فَأَقِم عَلَيهِم مَأْتَمَا وَعَوِيْلَا

- إنَّمَا الأممُ الأخلاقُ ما بقيتْ

فإنْ همُ ذهبتْ أخلاقُهم ذهبُوا

والرصافي هو الآخر، أدرك أن الأخلاق سيدة التعاملات فقد أنشد:

هي الأخلاق تنبتُ كالنبات

إذا سُقيت بماء المكرمات

ولو توغلنا بتاريخنا العربي، نجد آخرين وضعوا للأخلاق مكانة، تعلو مكانة باقي خصال بني آدم الحميدة، فهذا أبو تمّام ينشد:

فلم أجدِ الأخلاقَ إِلا تخلقا

ولم أجدِ الأفضالَ إِلا تَفَضُّلا

ما لفت نظري قبل حين خبر، قرأته في إحدى الوكالات مفاده: في بريطانيا غُرمت طبيبة مبلغ 5000 جنيه استرليني، لتجاهلها إشعارا قضائيا من المحكمة، يطالبها بخفض الضوضاء الناتجة عن كلابها المزعجة للجيران. وذكرني هذا الخبر بحقيقة نقلها لي أحد الأصدقاء المتغربين عن العراق -وهم كثر- ان في نيوزيلاند، لايحق لك اقتناء كلب حراسة إلا بعد تقديم طلب الى مجلس بلدية المنطقة، يحوي إقرارا من جيرانك الأربعة الذين هم عن يمينك وعن شمالك وأمامك وخلفك، يضم موافقتهم على اقتنائك كلبا، كما يحق لهم وضع شروط لذلك، كتحديد اوقات نزهتها -الكلاب- في المنطقة، وشروطهم هذه تحتم عليك الالتزام بها وتطبيقها بحذافيرها، وعند إقرارك بالتزامك بهذه الشروط مجتمعة، يمنحونك إجازة اقتناء كلب. وكذا الحال في باقي البلدان (الفايخة) حيث يتوجب على متبوئي المناصب العليا الالتزام بتطبيق القانون قبل المواطنين البسطاء، وهذا الأمر تندرج تحته ايضا أصوات المذياع والتلفاز، ومنبهات المركبات والعجلات البخارية، وإلا فالبوليس بالمرصاد.

أذكر مامر به رئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل، حين أركن مركبته في مكان ممنوع وغاب عنها برهة، وحين عاد وجد شرطي مرور يحرر له وصل غرامة، عندها ظن تشرشل ان رجل المرور لم يعرف انه رئيس وزراء بريطانيا العظمى، فتقبل منه الغرامة برحابة صدر، لكنه فوجئ بمبلغها، إذ كان عشرين باون، فبادر تشرشل قائلا لرجل المرور:

- "أليست الغرامة محددة بـ (عشرة باونات)" أجابه:

- "إن مبلغ العشرة باونات للمواطن البسيط، أما العشرين فهي بحقك أنت بالذات لأنك رئيس وزراء، وكان الأولى بك تطبيق القانون قبل الكل". وكان رد فعل ونستون أن حضنه وقال مقولته الشهيرة:

- "إذن، بريطانيا بخير".

هذا وغيره مما شابهه من أحداث -لو أردت الحديث عنها لطال بنا الوقت ونفدت الأوراق وجفت الأقلام- يحدث في دول فيها نسبة المؤمنين بالديانات السماوية قليلة نسبيا. يقابلها نسبة عالية من اللادينيين والملحدين.

هنا في عراقنا حيث يحتضن ترابه مراقد الاولياء والاوصياء، وأحاديث النبي وآله (ع) عن حسن الأخلاق نسمعها ونقرأها أنى نذهب، ما أروع ان نعمل بها على أتم وجه، أما الأكثر روعة، فهو ان يعمل بها مسؤولونا الكبار قبل المواطن البسيط، لعلنا نقول يوما: إذن، العراق بخير، و(رحمة على تشرشل) وألف رحمة على من قال:

لا تنه عن خلق وتاتي مثله

عار عليك اذا فعلت عظيم

***

علي علي

علاقة النساء بالذهب علاقة متينة وهي علاقة حب واعجاب من طرف واحد، وما نشهده اليوم من تهافت النساء على اقتناء الذهب والافتتان به ليست ظاهرة حديثة فرضتها الظروف الاقتصادية غير المستقرة انما هي ظاهرة قديمة عرفتها جميع شعوب المعمورة، فالمصادر التاريخية تشير الى ان أول من استخدم الذهب كمجوهرات كانت شعوب أوروبا الشرقية حوالي 4000 قبل الميلاد كذلك استخدمته الحضارات القديمة من السومريين واليونانيين ثم الرومان كما ان الاغريق ايضا عرفوا بشدة شغفهم بالمجوهرات الذهبية وقادهم هذا الشغف الى تطوير مجوهراتهم باستمرار .

 وعلى الرغم من ادراكي ان الذهب ذا قيمة ويلعب دورا مهما في حياتنا الا انه بقي خارج دائرة اهتمامي واعجابي، فقبل ان أدرك الصحة هي الثروة الحقيقية التي يتمتع بها الانسان وليس الذهب، وقبل ان اسمع ايضا ان الذهب زينة وخزينة ومصدر قوة تتسابق الدول على كنزه وزيادة رصيدها من احتياطه لتمتين اقتصادها ومواجهة الظروف الاستثنائية فان علاقتي بالذهب لم تكن علاقة ود واعجاب، فشخصيا كنت وما زلت أمقت التهافت على اقتناء الذهب والافتتان المبالغ به، فمنذ صغري وما زلت أشعر بنفور منه وكرهي للتحلي به، واكاد أجزم انه ليس وراء هذا النفور المثل القائل (الما ينوش العنب ...) فقد ولدت في عائلة ميسورة ومنذ الصغر وانا تلميذ في الابتدائية صاغ لي الأهل خاتما ذهبيا كان اسمي منقوشا عليه وعندما لاحظت انشغال اقراني التلاميذ بالتحديق المستمر في الخاتم لم يصبني هذا بالغرور بل على العكس كرهت هذا التميز بالمظاهر وكان اول عمل قمت به عند عودتي من المدرسة هو نزعي الخاتم ورميه في حضن أمي، كما انني اختلف مع القائلين ان الذهب يمنح القبح مسحة من الجمال كما لا اتفق مع المرأة التي تجد في بريق الذهب زينة، انما ارى الهدف من  لبسه رمز للرفاهية والثروة كما انه قناع لإخفاء علامات التقدم في السن، فليس بالذهب وحده يظهر المرء جميلا انما جمال المرأة في اخلاصها ورقتها وجمال روحها وثقافتها وكذلك بالحب الذي هو الذهب الوحيد الذي يزيّن الحياة مثلما يقول الشاعر الانكليزي (ألفريد تنيسون). والذي يؤكد موقفي هذا انه في أيام التحضير لقفص الزوجية الذي دخلته متأخرا بعد طول تمرد وعناد قدمّتْ لي خطيبتي مبلغا لأشتري بنفسي وحسب ذوقي خاتم خطوبتي لكنني بدلا من التوجه الى محلات الصاغة لشراء الخاتم توجهت صوب المكتبة واشتريت بالمبلغ المذكور مؤلفات الجاحظ لأزين بها صدر مكتبتي، وقد ظلت الخطيبة تراقب كفي عند كل لقاء فلا تجد فيه خاتما وحينما سألتني مستغربة عن اسباب عدم لبسي الخاتم لم اجد وسيلة للهروب من هذا المأزق الا الاستعانة بروايات الفقهاء المتضمنة حرمة لبس الذهب للرجال وحتى التختم به .

***

ثامر الحاج امين

الظلم شيمة بعض الأقلام، فالنزوع إلى الجور والقسوة على الآخر، وخصوصا أصحاب الرأي والكلمة فاعل في الساحة الثقافية، وله شواهده اليومية وأقلامه التي تجيد البطش والعدوان والتنكيل بالآخر، ظنا منها أنها ستكون بمحق غيرها.

بينما الموجودات الكونية تتشامخ وتتسامق بتفاعلها مع كلها.

فلا قيمة لفرد دون وجود المجموع، ولا معنى لكلمة بلا عبارة أو جملة تمنحها هدفا وغاية وفكرة.

والإبداع الجيد يكون لوجود إبداع غيره فتمايَز عليه.

وبدون إبداع وفير وعطاء جزيل، لن تلد الأمة مبدعيها القادرين على حمل رسالتها المنوِّرة، فالعطاءات تتوارد إلى غربال الأيام، وهو الذي يمحصها ويفرّقها ويبين طالحها من صالحها وأصيلها من دخيلها.

المبدع مهمته أن يتفانى في إبداعه، ويجتهد بما ينتجه من صور إبداعية أيا كان نوعها أو توصيفها، والمشكلة التي تواجه الواقع الثقافي ميوعة النقد وعدم جديته وعلميته ومنهجيته.

فالسائد في الكتابات المسماة نقدية  هو القديح والمديح، ويندر ما هو موضوعي ويضيف للقارئ جديدا ويعلمه شيئا.

فالناقد يخشى من النص الذي يتصدى له، لأن صاحبه سيثور، فنظرة الكاتب لما كتب وهمية خيالية، تمليها نشوة الإبداع وطاقاته التي تخلقت في النص.

أي أن الكاتب نفسه غير موضوعي وبعيد عن الواقع الإبداعي، وما يتوقعه أن الذي يقرأ نصه عليه أن يكتب عنه بذات النظرة الوهمية المتجسدة عنده.

ولا يوجد في واقعنا الثقافي كاتب ينقد نفسه أو يقرأ نصه بعيون ناقد.

والحقيقة التي يغفلها الكاتب أن ما يكتبه حال نشره يصبح من حق القارئ، فالذي يقرأ المنشور ويبدي رأيه فيه يقدم خدمة للكاتب أيا كان ذلك الرأي.

فلماذا نتفاعل بعدوانية وكأننا في غاب أكتب؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

حقيقة لا غبار عليها أكدتها تجارب التاريخ ونظريات العلم هي ان كل شيء متغير في الحياة والشيء الوحيد الثابت فيها كما يقول "هرقليطس" هو التغيير المستمر، كما جاءت هذه الحكمة ضمن العبارة الشهيرة (دوام الحال من الحال)، وعليه وفي ضوء هذه الحقيقة ينبغي على الانسان ان لا يتعجل في اطلاق الاحكام واتخاذ المواقف في ظروف غير طبيعية وفي مرحلة مبكرة من عمره يشوبها الاندفاع وعدم النضج والعاطفة التي تفتقر الى الحكمة وعدم الدراية الكاملة بحركة التاريخ، فمثل هذا التصرف يؤدي الى نتائج قد يندم عليها لاحقا .

ساقني الى هذه المقدمة عدد من الأوصاف والهالات وصيغ التعظيم التي لم نسمع بها قبل عام 2003 ولكنها دخلت ساحتنا السياسية ضمن حالات الرياء والفساد التي سادت واقعنا السياسي، ومن بينها (تاج الراس) حيث صارت هذه العبارة عند جمهور من مختلف التوجهات والهويات السياسية والدينية وسيلة للتبجيل واحاطة الموصوف بالهيبة والتقديس، وهكذا بين ليلة وضحاها صار الموصوفون بها رموزا لا يجوز المساس بهم ولا يحق لأحد نقدهم والتعرض لهم بالرغم من انهم أشخاص بلا كفاءة ولا منجز يذكر ولكن الصدفة جاءت بهم ونفختهم الأقلام المأجورة والضخ الاعلامي المستمر، وجمهور هذه العبارة لا يدركون تجارب التاريخ التي أثبتت ان قيمة الانسان ومكانته تقاس بما يقدمه من عطاء ومنجز فيه خير للبشرية عدا ذلك هو نفاق وعبودية طوعية،  كما انه سلوك من ناس شواذ يستمرؤون العبودية ويمعنون في اذلال انفسهم، فهؤلاء كما يصفهم اتيان دو لا بويسي مؤلف كتاب (العبودية المختارة) بأنهم (بؤساء يرون كنوز الطاغية تلمع ويبهرهم بريق اسرافه فيغترون بهذا الضوء ويقتربون منه)  فالحكمة تقول (لا تجعل ثقتك في الناس عمياء، لأنك ستبكي يوما على سذاجتك)، وللأسف أصبح وصف تاج الراس مادة للاستفزاز واثارة الكراهية بين الجمهور المختلف في التوجهات، وليت الذين يتزمتون بهذا الوصف في نقاشهم ودفاعهم عن رموزهم يراجعون ما قدمته هذه (التيجان) لشعبها من فساد وخراب، فكيف تسمح لنفسك ان توصف هذا وذاك بـ (تاج الرأس) وهو لم يحفظ كرامتك ولم يصن أدميتك ولم يوفر لك العيش الكريم في الأمان والخدمات والرفاهية، وهل يستحق هذا التكريم من يتركك تتلظى في لهيب الصيف ويعجز طيلة اكثر من عشرين عام عن توفير الكهرباء واعادة الزراعة والصناعة الى سابق عهدها وذلك بسبب سرقة الأموال المخصصة لراحتك وراحة عائلتك، او عندما لا يجد تاج راسك حلا للفساد الاداري والمالي المستشري في المؤسسات الحكومية المتمثل بالرشوة والواسطة الأمر الذي يضطرك الى التخلي عن استقامتك بدفع الرشوة من اجل انجاز معاملتك، وهل حقا يستحق هذه الرفعة من لم يحفظ حدود بلادك من التدخل الأجنبي ومن تسريب المخدرات لتدمير مجتمعك، ألا يكفي كل هذا الذل لانزال هذا التاج المزيف من على رأسك ورميه غير مأسوف عليه ؟ يقول الشاعر طرفة بن العبد (سَتُبدي لَكَ الأَيّامُ ما كُنتَ جاهِلاً .. وَيَأتيكَ بِالأَخبارِ مَن لَم تُزَوِّد) .

***

ثامر الحاج امين

من المتعارف عليه بين الدول ان يكون السفراء على درجة عاليه من الثقافه والسياسه ويتقن التكلم بلغه اجنبيه واحده على الاقل فضلا عن لغة بلادهم ويقضي السفير خدمه خارجيه في البلد الواحد مده قانونيه امدها خمس سنوات واحيانا تمدد سنه واحده كحد أقصى ويبذل السفير الحاذق خلال سنوات عمله أقصى جهد ممكن لتطوير العلاقه بين البلدين وتقريب وجهات النظر بما يحقق المصلحة المشتركه بعدها يعود الي بلاده او ينتقل إلى دوله أخرى حسب الحاجة او ما ترتئيه سيادة حكومته،، العلاقات الثقافية ركيزة حضارية لنمو العلاقات الدولية، ومساهمتها في تدعيم أواصر التعاون والتبادل الثقافي، وتكثيف مسارات العمل السعودي-الصيني المشترك في قطاعات ثقافية ناهضة جديدة، ذات إمكانات كبيرة، يمكن البناء عليها للتعاون والتبادل الثقافي الواعد مستقبلاً، فما أعظم العلاقات الدولية القائمة على تعزيز التواصل الإنساني بين الشعوب، عبر قنوات الثقافة بفروعها المتعددة، التي تفتح آفاقاً من التواصل الحضاري، وتبادل المعرفة حول الهوية الوطنية لكل دولة، وفلسفه إرثها التاريخي، وعمق تراثها الشعبي، واستشراف المستقبل بحاضرها، وفق استراتيجيات متكاملة الأركان تدعم مصائر الشعوب في جميع المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتعليمية والثقافية والرياضية،، علينا صدقا دعم دبلوماسية الثقافة، وتعزيز قواها الناعمة بأفكار ومنارات ثقافية تنتشر في دول العالم، ترسي دعائم الود والاحترام والتحاور، لا الصدام والتنافر، وان يتبنى عراقنا بدملوماسيه المحترفين للعديد من المبادرات العالمية التي تقرب الشعوب وتزيد من السلام، والتأسيس للعلاقات بين الأفراد والمؤسسات في مختلف المناطق والارتقاء بها إلى أعلى مستويات السياسة،، وان تكون الثقافة والفنون والآداب رمزنا في تعزيز التواصل الحضاري وتعميق التقارب الثقافي بين البلدين الصديقين، واستثمارًا لما يمتلكه البلدان إنسانيًا ورمزيًا وماديًا من إرث تاريخي حضاري وثقافي يمتد لآلاف السنين

دبلوماسية الثقافة ــــ تكمن في تعريف العالم بثقافتنا لا بمذهبنا وحربنا الطائفية، بل نبني وطنا بالثقافة وروافدها بين البلدين، والثقافة في الأساس مكون إنساني بامتياز، وهذا هو الأهم، لتصبح العلاقات الثقافية ركيزة حضارية لنمو العلاقات الدولية، ومساهمتها في تدعيم أواصر التعاون والتبادل الثقافي، وتكثيف مسارات العمل المشترك،

لذا ايها السادة، اتمنى ان تبعدوا الدبلوماسية والسفراء عن كانتونات الاحزاب والتخبط السياسي، واختاروا شخصيات يمتازون اكاديميا وحسب الشهادة والكفاءة، فقد شهدت السنوات الماضية حوادث عدة أثارت الجدل ضد مسؤولين في السلك الدبلوماسي العراقي، والحليم تكفيه الاشارة

*** 

نهاد الحديثي

الحياة هي تماماً مثل لعبة كرة القدم، قد يفوز فيها من لا يستحق الفوز ويخسر فيها اللائق للفوز والحياة الكريمة.

فريق كرة القدم مؤلّف من 11 لاعباً، كلّهم يلعبون ويسعون إلى تحقيق أفضل النّتائج لفرقهم وأنديتهم. يتقاتلون، يتدافعون وقد يخسر بعضهم القدم أو اليد نتيجة العنف أحياناً، لكن وعلى الدّوام يظهر بين الفرق لاعبان أو ثلاثة فقط يحصلون على الدّعم والمساندة ويسجّلون الأهداف، و يحق لهم وحدهم تسجيل الأهداف حتى لو كانت من ضربات جزاء. بالمقابل تكون لهم الشّهرة المطلقة والجوائز ومحبة وعشق الجمهور والمشجّعين، ومختلف وسائل الإعلام تكون مسلّطة عليهم، يرصدون أدق تفاصيل حياتهم، هذا بالإضافة إلى حجم الأموال التي تسجّل باسمهم؛ مع العلم أنّ بعضهم لا يستحقّ ذلك ولا يكون بالمستوى الذي يظهرونهم فيه وأنّ هناك لاعبون آخرون أفضل منهم من حيث مهارة وتقنية اللعب.

هكذا تتعامل الحياة مع البشر المتواجدين على سطح الأرض، ترفع من شأن بعض الأشخاص الذين لا يستحقون الشّأن الرّفيع والمقام الحسن، وتنزل من قيمة من هو جدير بالرّفعة والعيش الرّغيد.

نقطة أخرى أودّ الإشارة إليها تتعلّق أيضاً بلعبة كرة القدم حيث نجد بعض الفرق تلعب بشكل جيّد ومميّز، فتفوز وتصل إلى الأدوار المتقدّمة، وكذلك هناك فرق لا تجيد اللعب بالشّكل المطلوب، ولا تستحق الفوز، فتفوز وتتساوى في النّقاط مع الفرق الأخرى، وقد تُخسِرها في النّهاية وتحصل على أحد المراكز المتقدّمة أو المركز الأوّل.

بينما نجد فرقاً أخرى تلعب بمستوى متواضع جدا أو أقل من عادي ومن هجمة مرتدة يسجّلون هدفاً ويفوزون

أو قد تكون تميمة حظهم من الفريق الآخر الخصم لهم حين يسجّل أحد لاعبيهم هدفاً في مرماه عن طريق الخطأ.

هذا الأمر ينطبق على بعض العائلات التي يتلاعب دولاب حظّ الحياة في مصيرها، فيحقّق أفرادها حياة رفيعة هانئة مع بذل أقلّ جهد وتعب.

المضحك المبكي في هذا الأمر هو أنّ معظم هؤلاء الذين تتحالف معهم حظوظ الحياة ويفوزون بعشق ومحبة وتشجيع الآخرين، يقسّمون هؤلاء الآخرين إلى مؤيّدين ومعادين، ويشعلون لهيب معركة إعلامية واجتماعية في المجتمع وربّما بين أفراد الأسرة الواحدة أيضاً وكأنّهم يتقاسمون حظوظ وأموال وشهرة وسعادة المحظوظين.

***

نارين عمر

المقدمة: هناك ظاهرة غريبة تحدث بشكل نشط في واقع البلد، وقد توسع وجودها منذ سنين، نرى هذا الجيل يضفي على الموتى هالة من القداسة والمجد الأقصى، ويستذكر الظروف والأفكار التي عاشوها .

وهو ينقب عن الأحداث التاريخية ويتغنى بقيادة الموتى في ذلك العصر، قائلاً إنهم الأكثر قدرة والأقوى والأكثر تميزًا في الماضي والحاضر والمستقبل، ويجب أن يتولوا القيادة ويقرروا مصير الأحياء.. حتى البعض منهم ينتظر ميتاً سماوياً يأتي لينقذه من ظلم الحكام ويعيد له التيار الكهربائي، ويرفع مستواه المعيشي، ويقتل الفاسدين والمارقين والناكثين، بينما هو يده مغلولة الى عنقه.. هؤلاء قال عنهم المفكر الفرنسي جان بول سارتر1905-1980  (موتى بلا قبور) .

أعداء الدين

إن أكبر أعداء الدين والمذاهب الإسلامية هم المنافقون منذ قرون، والفتاوى الكاذبة والمضللة التي يصدرونها ضد الأخرين، لقد أصبح هؤلاء جحافل وفيالق من المتخرجين من المدارس والكليات والجامعات الدينية المنتشرة في كل مكان.

 الطائفيون الأغبياء والمتعصبون، تجار الدين ومنتجاته، يغطون في سبات عميق، ويختبئون في عفن التاريخ، ولا يستطيعون التفاعل مع العلم ومنجاته الفكرية، ويشوهون الدين بقلوب مريضة، ويدمرون ملايين البشر، كما يقتلون المسلمين. وكأنهم يريدون مسح الحضارة العربية - الإسلامية بأكملها من عام 11 هجرية حتى عام 656 هجرية.

انظروا .. كم من الناس قتلتهم فتوى دينية متحيزة ؟.

ففي الدول التي تحكمها أحزاب سياسية دينية، أصبحت حالات الاختفاء والخطف والقتل على أساس الهوية الدينية والمذهبية والسياسية والفكرية من الطقوس الدينية!!.وكل ذلك يتم بالفتاوى المقدسة وعلى يد المؤمنين العقائديين المطيعين وبعلم الحاكمين.. يسمون أنفسهم (حراس الدين)، ويعاملون المثقفين المتنورين ظلما وجورا.

الموروثات

إن معظم الموروثات والقصص والتفسيرات للأديان والطوائف هي إنسانية وتاريخية وعرضية وجغرافية وسياسية واجتماعية وثقافية ومقدسة، وهي نتيجة تراكم وتحول على مدى آلاف السنين. لكن اكتشافنا أن الدين ليس مطلقا ولا أبدي ولا مطلق،لا ينفي أن الدين يمثل ضمير المؤمنين، وجذورهم الروحية العميقة، وثقافتهم الاجتماعية، وتراثهم التاريخي. .إنه نعمة روحية للناس، وهبة روحية محيرة ومشوهة أحيانًا، وعلينا أن نوضحها ونطورها.

سيبقى المسلم مسلماً، والمسيحي سيبقى مسيحياً، والإيزيدي سيبقى إيزيدياً، والشيعي سيبقى شيعياً، والدرزي سيبقى درزياً، والسنّي سيبقى سنياً، لكننا نقيم دين المحبة، إسلام المحبة، والعقيدة الإنسانية، والإسلام الإنساني، والدين المتسامح الحضاري – الأخلاقي - العقلاني - المحسن، والقضاء على الطائفية والفجور والتعصب والغطرسة والتطرف.

ونحن نعارض كافة مخططات التحريض بين السنة والشيعة، وتعزيز الأخوة الإنسانية بين الطائفتين وجميع الأديان والشعوب الأخر، وتعزيز القيم الوطنية والحضارية والعالمية.

 المصالحة الحقيقية تبدأ عندما نبدأ في إصلاح موروثنا الديني، لكي نرتقي بديننا ونملأ أمتنا بالتنوير والتقدم والعلم والأمن والعدالة والإحسان والسلام والفرح.

الديمقراطية الفارغة

لم تزل الديموقراطية شعارات فارغة، يستخدمها الحكام الجدد لفرض رؤيتهم وسياستهم.

لماذا الديموقراطية ضعيفة في الشرق الأوسط؟.

ولماذا الديموقراطية غير موجودة في العراق .

فالعراق من استباحة البعث الدموي له (1968- 2003) الى استباحة دول الجوار(2003-2024 ) .

فكل شيء فيه معطل حتى منصب رئيس البرلمان.

في الواقع فإن مراجعة واعية لمنتجات الثقافة الغربية على صعيد السياسة أو العلم، جميعها منتجات تالفة لا معنى لها في العالم الواقعي.

هذا هو ما يخبرنا به سلوك أمريكا، الشرطي العالمي المدافع عن الديموقراطية.

الفقير والغني

تضاعفت ثروات الاثيوبيين 80 في المائة من عام/ 2013 الي عام/ 2022 حيث سجل مطار أديس ابابا كأفضل مطار في أفريقيا بالكامل، وتضاعف النظام الصناعي والزراعي في البلاد.

 بينما ارتفعت ايرادات العراق  80 في المائة في نفس هذه الأعوام مع تأخر في الصناعة والزراعة والبنى التحتية.

وهنا يأتي السؤال ما هو السبب الرئيسي في هذا الانحدار على كل المستويات علما بأن حاكم إثيوبيا علماني وحاكم العراق إسلامي ؟.

عيد الغدير

حشد السيد مقتدى الصدر الجميع على أن يكون 18 ذي الحجة المصادف 25 حزيران 2024 عيد وطنيا للعراقيين كافة، رغم تنوعهم القومي والمذهبي ونجح في ذلك بعد أن كسب أصوات الأخوة الأكراد في البرلمان العراقي.

وأنا لست معارضاً لهذا العيد الأغر أو ناكراً لسيرة سيد الأتقياء ويعسوب الدين عليه السلام، ولكن سيكون هذا اختبارا صعباً، ليس لجيلنا الذي سيخرج مصابا بالأمراض والعقد، بل للجيل الذي شهد في طفولته مذبحة الهويات.

وبشكل عام فإن التشيع يحتاج إلى تعديل وتنقية لما أدخله المتطرفون من أضافات تعتبر في حد ذاتها قضية خلافية ولا ينبغي أن تؤخذ على محمل الجد في القيام بدور الانشقاق والنزاعات الطائفية، والشيعة وعبر تاريخهم الطويل يكتسبون السلطة ويفقدونها.. وهذه الحالة تذكرني بالدولة البويهية الشيعية حينما حكمت بغداد(321-447ه هـ) وفرضها عيد الغدير عيداً رسمياً، مما أزعج الطرف الثاني في حينها،وكأن التاريخ يعيد نفسه ولكن بثوب عراقي جديد.

وكما قال المفكر الإيراني الدكتور (علي شريعتي 1933- 1977 ) في كتابه (الأمة والإمامة):

"يظهر أن المسلمين يفهمون «الإمام» نبياً كان أم وصي بأنه «إنسان ما فوق» لا إنه «ما فوق الإنسان» يعني أن الامام من نوع وجنس وماء وطين آخر غير طينتنا، ولو كان كذلك فلا يمكن أن يكون نموذجاً وقدوة لنبي الانسان.

وهذا النحو من التفكير الديني كان موجودًا قبل الاسلام، يعني رفع مستوى الأشخاص إلى مقام الآلهة، وقد حارب الاسلام هذا التفكير حرباً لا هوادة فيها.

فمنذ البدء أعلن بأن نبي الاسلام بشر مثلنا، وقد طرح الشعار الرسمي للمسلمين أن محمداً عبده ورسوله، فعبوديته مقدمة على رسالته".

واخيراً.. لماذا نحن موتى بلا قبور؟

* الحياة رحلة سنعيشها شئنا أم أبينا وهي ليست مضمار سباق، فالأقدار قد كتبت والأعمار حددت والأرزاق محسوبة، إذاً فلنمضي في رحلتنا مطمئنين وبأقدارنا راضين ونتعايش معها شاكرين حامدين مبتسمين لأن الحياة ألم يخفيه أمل.. وأمل يحققه عمل.. وعمل ينهيه أجل.

التحدي الأكبر في الحياة : هو أن تكون فصلا جميلا في حكاية كل إنسان تلتقي به، أو الأقل أن تمُرَّ بسلام  وانت مبتسم.. فأجمل ما يمكن الحفاظ عليه في هذا الزمن، هو الاحتفاظ بجمال جوهرك.

والسعادة هي الشيء الوحيد الذي نستطيع أن نعطيه ونحن قد لا نملكها، فإذا منحك الله السعادة فانثر شيئاً من عبيرها على مَن حولك، فلكل نعمة زكاة .

 فالحمد لله الذي جعل أشياء تكفي أشياء، وأشياء تذهب حزن أشياء، وأشياء تجعلنا لا نحتاج الى أشياء ... الحمد لله على تأخر الفرج الذي يُعلِّمنا الصبر، وعلى الوحدة التي يتخللها ونس، وعلى البلاء الذي يعقبه فرح ... الحمد لله على وجوده، وعلى نعمة حمده، والحمد لله على جميل صنعه معنا، والحمد لله على كل حال ... اللهم أنا نحمدك على كل شيء فأصلح لنا أمورنا كلها.

(أنْ تحج لله والجياع جنبك، أم أن تحج للجياع والله جنبك؟.

هكذا هي أسئلة المعنى، وهكذا هي القصة في المنهج الوجودي. وهكذا هي المدارات في فلسفة الدين..

المعنى والوجود والفلسفة على أفق واحد، في الصحراء وما بعدها.

الحقيقة لا تبحث عنا في أسئلة الدين، بل في أسئلة الوجود.. كذبنا حينما جعلنا لله بيتاً، بيوت التعساء بيوته.

.. دائماً تكذب المعابد وتكذب أسماؤها... علي شريعتي ).

***

شاكر عبد موسى/ العراق

 

ظهر علينا مؤخراً المحلل السياسي عماد المسافر في "نيو لوك" متطور، ليحدثنا عن مخاطر من أسماهم " التشارنة "، والرجل يقصد الشباب الذين شاركوا في تظاهرات تشرين التي أزعجت " سيادته " لأنها طالبت بالعدالة الاجتماعية ومحاسبة الفاسدين، وتقديم الخدمات للشعب، وهذه أمور يعتبرها محللنا السياسي من الكبائر، فكيف يجرؤ شباب على تحدي قادة البلد ويطالبونهم بمراعة الشعب، السيد المسافر أو المحلل أخبرنا بأريحية بأن الحكومة لو قررت أن تحارب إسرائيل " التشارنة راح يشيلون سلاحهم ويرحون، ويكولون إحنه مع قرار الدولة "، وفي لفتة مثيرة للاهتمام يضرب على المكتب يردد "ما يشاركون عمي " ويضيف :" شفتلك فصيل من المتنبي شارك بحرب داعش "، ولا أعرف سر انزعاج بعض المحللين السياسيين من شارع المتنبي، ولماذا يثير منظر الكتب كراهيتهم .. بعدها يضيف وهو يعدل غترته: " لو ما إحنه يكدرون يوم الجمعة يروحون يكلبون كتب " وليسمح لي السيد المسافر أن أسأله : هل شارك في المعارك ضد داعش، ومتى . وأين؟ .

يترك السيد المسافر " التشارنة " ليتحول إلى المدنيين العلمانيين واليساريين والذين يصفهم بالقلة وبأنهم أيضا لن يشاركوا في قتال إسرائيل .. المضحك في حديث محللنا السياسي أنه بسبب كرهه للقراءة والمعرفة فاته أن القوى العلمانية واليسارية العراقية ترتبط بعلاقة وجدانية مع فلسطين، وأن الكثير من اليساريين استشهدوا وهم يشاركون الفصائل الفلسطينية معركتها العادلة ضد الكيان الصهيوني، وأن أبرز الفصائل الفلسطينية ترتبط بعلاقات تاريخية مع قوى اليسار العراقي .

سيقول البعض يارجل: لماذا تريد مناقشة محلل سياسي يسخر من الثقافة ويعتبرها " رجس من عمل الشيطان "؟ ماذا يختلف عماد المسافر عن عامر الكفيشي ومحمود المشهداني، يملأون الفضائيات والصحف بحديث عن مخاطر المدنيين على المجتمع العراقي، ويخوضون معركة الإساءة لكل من يطالب ببناء دولة المواطنة ومحاسبة سراق البلاد والعباد .

منذ انطلاق تظاهرات تشرين والبعض يريد أن يؤكد للعالم بأن الذي سرق البلاد وخربها وأشاع الطائفية والمحاصصة وباع المناصب إنما هم العراقيون الذين تظاهروا في ساحات الوطن، وأن تحرير العراق من القوى المدنية بات مقدماً على تحرير العراق من الفساد والانتهازية.

في ظل نظام سياسي اعتقد المواطن المغلوب على أمره مثل جنابي أنه ديمقراطي، مازال البعض مثل عماد المسافر يعتقد بأنه يحمل تراخيص لتخوين الآخرين والدعوة إلى طردهم من بلاد الرافدين.

عندما يتقدم مواطن لطلب وظيفة بسيطة، سيُطلب منه أن يملأ استمارة عن خبرته ومؤهلاته، وسيرته، لكن المحلل السياسي عندنا لا يُسأل عن كفاءته، وثقافته، فقط عليه أن يشتم تظاهرات تشرين، وسيحصل على المال والسيارة الحديثة والمنصب وبطاقة سفر مجانية إلى الحج.

***

علي حسين

يقول الشاعر العباسي علي بن الجهم:

من ذا الذي تُرضى سجاياه كلها

كفى المرء نبلا أن تُعد معايبه

ما أسعدك يا ابن آدم إن قلّت معائبك وكثرت خصالك المحمودة! فالأخيرة سلاحك في الوجود مع أبناء جنسك، فالصدق والأمانة والنزاهة والشهامة والكرم، وغيرها كثير مما لا يحصرها قوسان، أفضل ما يُنعت به الإنسان وسط معيته، وقطعا ينضوي الالتزام بالمواعيد، والوفاء بالعهود المقطوعة تحت هذه الخصال، ولطالما نقل لنا العراقيون المسافرون بعد إيابهم من السفر، عن أهمية الموعد لدى الغربيين والشرقيين من سكان المعمورة، وأظننا نحن العراقيين أولى بهذه الخصال من مجتمعات كثيرة، وكيف لا وعمر موطننا موغل بالقدم، ولحضاراته بصمات طُبعت على حضارات أمم تلته. وسواء أكان الموعد مقيدا بالوقت، أم بتنفيذ عمل، أم بتحقيق منجز، فإن الإيفاء به، والالتزام بتنفيذه على أتمّ وجه، خصلة رائعة تضاف الى الخصال الحميدة التي من المفترض أن يتحلى بها الإنسان السوي، لاسيما إذا كان الموعودون رعية، يتحتم على الراعي إتقان واجباته تجاههم، فهو أولا وأخيرا مسؤول عن رعيته.

ولا يخفى أن العراقيين قد تعودوا طيلة عقود -بل قرون مضت- على إخلاف بعض أرباب مؤسسات البلد بمواعيدهم، إزاء ما موكل على عاتقهم من مهام، كذلك غدت خصلة نقض العهود سمة بارزة، يتسم بها بعض ساسة عراقنا -ولاسيما الجديد- بل هم يتفاخرون بعدم الاكتراث بمواثيق تربطهم مع ملايين العباد، الى حد بات المواطن يناشدهم بملء فيه:

لا تدعني ككمون بمزرعة

إن فاته الماء أغنته المواعيد

إن ما يؤسف له أن التأخير في تنفيذ الوعود ليس عفويا ولا مصادفة ولا ظرفا طارئا، بل هو مقصود ومتعمد، وقد مل العراقيون سماع مفردات التصبير والتطمين السرابية، وتحديدا تلك التي يواري المسؤولون بها تقصيرهم، فقد تشعبت تلك المفردات كثيرا في الخطابات والتصريحات، حتى ناءت بحملها المايكروفونات، وباتت الكلمات الجارية على ألسنة الناطقين بها، محفوظة واسطوانة مشروخة في أذن المواطن، مقابل أعذار جاهزة، وشماعات عديدة يميلون معها حيث مالت، وهم يظنون ان اتباعهم هذا السلوك في التملص من إتمام المسؤوليات الملقاة على عاتقهم، ينجيهم من وضعهم في قفص الاتهام عاجلا او آجلا، وقطعا هذا ناتج عن أمنهم واطمئنانهم من سوء العاقبة والعقاب، فقد قيل سابقا: (من أمن العقاب ساء الأدب). فكأن المماطلة والتسويف في المواعيد والعهود، صار ديدن من يتبوأون مناصب صنع القرار والبت فيه، وتشريع ما يخدم المواطن والمصلحة العامة، في الوقت الذي كان حريا بمن يتسنم مواقع كهذه، ان يطلق العنان للخصال الإيجابية، ليصل بها أعلى سقف في الأداء والإنجاز، ويسخِّر طاقاته لاختزال ما يمكن اختزاله من الزمن، من أجل اللحاق بالأمم التي سبقتنا بالتحضر، زمانا ومكانا ومكانة وازدهارا.

اليوم ونحن كما نقول (ولد اليوم) لدينا قياديون منتخبون ديمقراطيا لإدارة مؤسسات البلد، ومن المفترض ان يخرجوا من صومعة سلبيات من سبقهم، وعليهم استبدال الطالح من الأعمال بالصالح منها، وكذلك السيئ بالجيد، و (الشين بالزين)، وأن لا يبخلوا على مواطنيهم بإتمام ما وعدوهم به، فهل هم فاعلون؟ وهل يغيرون الصورة الموحشة التي تعكس سلبيات السابقين؟

***

علي علي

 

مهما توهمنا المعرفة فالجهل سيد المواقف، ولا يوجد مَن يعرف، فكلمة علاّمة لا وجود لها في الواقع البشري، السائد عدم المعرفة الحقيقية، وقليلون هم الذين يفوزون بدراية قاصرة، ويحسبون قطرة الماء التي عندهم بحارا.

تخيلوا حجم الكرة الأرضية في الكون الفسيح، وأحجامنا بين مخلوقات الأكوان التي لا تعد ولا تحصى، فكيف تدري القطرة بما تحويه المحيطات.

بل نحن جزيئ في قطرة، ذات ملايين الجزيئات المكونة لوجودها.

الكثيرون يدّعون المعرفة، ويتوهمونها بإصرار، ويحسبون أن لديهم القول الفصل ومسك الختام، وما عندهم أضغاث أحلام.

وبموجب ذلك صار تفاعل العقول هو الذي يتحكم ببوصلة الإدراك المعرفي، ولا يستطيع عقل واحد القول بالدراية الواسعة والإدراك الشامل.

فالشعوب التي يتولى مصيرها الأفراد تتهاوى للحضيض، والتي تسوسها العقول المتفاعلة تمتلك ناصية القيادة والإقتدار.

فهل لعقول الأمة أن تتفاعل؟

وهل لأفرادها أن تتنازل عن عرش الأوهام؟

إنها تساؤلات مصيرية، ونداءات واعية، لمعنى القوة والعزة والكرامة.

فهل نعرف؟

المعرفة قوة، وتتحقق بالتفاعلات الجماعية، وتفعيل العقول، وتبادل الآراء والعمل بتنمية الأفكار والإستثمار الإيجابي فيها.

فعلينا أن نكون بعقولنا المتفاعلة لا بنفوسنا المتحاملة، وفرديتنا المغفلة القاصرة.

والعلم مفتاح الفرج!!

***

د. صادق السامرائي

 

(النصُّ هو رأي شخصي)

ثمَّ إنهم قد سألوا ربَّ عملِهم بمكرٍ خفيف، وبلحن حرفٍ طفيف، وكانوا قد ظنّوا به أنه ربٌّ عملٍ جشغُ طموعٌ كسيفٍ غيرُ وليف:

"أنّى لك أن تُربيَ الأولاد بينما أنتَ تمكثُ سبعَ عشرةَ ساعة كل يومٍ في ميدان العمل ألا يا ايها المثابرُ الشريف؟! فردَّ عليهم بردٍّ حقيقٍ ظريف، وثيقٍ لطيفٍ، رقيقٍ غير عنيف:

" قد تركتُ فيهم عينَ أمٍّ راصدةٍ ودودٍ رصينةٍ حصينةٍ وحنونٍ أليف. وتلكم عينٌ لن تُخفيَ عنيَّ شيئاً، سواء أكان الرصدُ مؤلماً وللوجعِ يميلُ وغيرَ عفيف، أم كانَ مؤنساً طريفاُ وللبهاء يكيلُ وعليه يُضيف، وتركتُ كذلكَ فيهم عينَ أمِّ أبِيهم، وإذ هي الرصدٌ على ذاك الرصدِ الحنون الأليف. ثم إني سائلكم ذاتَ السؤال المُخيف، وبلا مكرٍ رجيفٍ وبلا وحيف:

"كيفَ لكم أن تُربوا الولدان بينما أنتَم حاضرونَ مع أعينكم الراصدة بين يديَّ كل يومٍ في ذا ميدان ثماني ساعاتٍ وماكثون بتوظيف"؟!

كاتب السطور لا يدري بمَ ردَّ السائلونَ على مديرِهم الطموعِ الكسيفِ أو هو الطموحِ الشريف، ولكن في الأعم والأغلب انهم قالوا بريقٍ يصارعُ التجفيف:

" قد تركناهم عند جَدَّتِهم ذي السبعين سنة وببصرٍ كاد يكونُ شبهَ كفيف، أو تركناهم وحدهم في الدار بصمتٍ رهيبٍ كصمتِ أفراخِ العشِّ بلا زقزقةٍ وبلا رفيف، أو رميناهم في حديقةٍ مُسيَّجةِ يُسمونها الناسُ إفكاً وزوراً {رياض أطفال} تحت زعمِ الترفيهِ والتثقيف، أو رُبَما عند عمَّتهم المتينة الكارهةِ لوسائلِ التنظيف، أو عند خالةٍ لهم ما فتأت متأوِّهةً بتأفيف" .

بيدَ أنَّ كاتبَ السطورِ يدري بل يعلمُ أن جندَ "إبليسَ" قد دخلوا مساكننا كلها كمثلِ ريحٍ صرٍّ عصيف، تحتَ غاياتِ تنعقُ بتزييفٍ وتحريفٍ وبتخريف، بأنَّ للمرأة حقَّ المساواة وما هي بكائنٍ تابعٍ ولا هي بوصيف، ولئن سألتَ أهلَ الدارِ ليقولنَّ: ألم ترَالى (خولة بنت الأزور) كيفَ كانت مع ضرارَ بالجوار وليس برديف، وهكذا لقَّنهمُ ابليسُ تلقيناً ذاتَ ردٍّ بليدٍ بلا تجذيف، كي يردُّوا به على مَن سألَهم بتعريف، ففتحوا أبوابَ الدارِ للشيطانِ وجندِهِ ليجتثوا منها عينَ الرصدِ الودودِ الرصينِ الحصينِ والحنون الأليف، وتركوا الجّدَّةَ ذي السبعين سنة وذاتَ البصر شبه الكفيف، تضربُ الكفَّ بالكفِّ بحَزَنٍ مُخيف، وتنظرُ للجنودِ وكيف في الدارِ قعدوا وأقعدوا الولدانَ في أحضانهم يربُّونَهم ويُشكلونهم كما يشاءُ السفيهُ "إبليس" ببوقِ إعلامهِ الشيطانيِّ الخادعِ السخيف.

ثمَّ..

إتَّكأ "إبليسُ" وجنودُهُ من بعدُ يضحكونَ مستهزئين بقولِ الله ﷻ: {يَا آدَمُ إِنَّ هَـٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ} بتكليف، ولسانُ حالهم يقولُ لربِّ آدمَ: "نظنُّ أنَّ الآوانَ قد آنَ كي تُصَححَ الآيةَ ولحرف (ألف المثنى) أن تُضيف، فهلّا جعلتَها: ( فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَيا) بتوظيف.

وأوَّاهٍ يا نحنُ بنو آدمَ!

ما أضيقَ معايشُ الحياةِ اليومَ ويا لضيقِ هِذي الفلاة بتخصيف! بعدما نبذنا وراءَ ظهورِنا ملةً ذاتَ ذكرٍ حكيمٍ بحرفٍ غيرِ ذي عوجٍ بل معجز رهيف، واتَّبعنا ثُلَّةً ذاتَ ترهاتٍ مُتهتِّكةٍ مُتَبَتِّكةٍ مُتفذلكةٍ بتخاريف.

ثم إنَّهُ الآن وحسب، قد فَهِمَ كاتبُ السطور ووعى بجلاءٍ دقيقٍ معانيَ ذلك الحديث النبوي الشريف: (لاَ يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِلَّا الَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ، حَتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ). ذاك أنه حديثٌ يبدو للسامع انه متضاد مع التفاؤل بتوقيف، ومع وقائع الأزمنة المتتابعة متناقضٌ بتصريف، فزمانُ "عمر بن عبد العزيز "كان خيراً من أزمنةِ خلفاء قد سبقوه بتصنيف، غيرَ أنَّ نبينا الأكرم ﷺ كانَ يتنبأُ مُحذراً الأفئدة من تفلُّتٍ ذميم، وما كان ليتنبأ بما سيكون في الأصعدةِ من ندرةِ طعامٍ على المائدة أو من كثرةٍ من رغيف، وما ينبغي لنبينا الوسيمِ القسيمِ ﷺ أن يتَنبَّأ بتحذيرِ وتسليةِ الأجسادِ من ضيقٍ عيشٍ وعُسرٍ كثيف، لأنهُ ﷺ ما بُعِثَ إلّا لتزكيةِ الأرواحِ والأولاد والأحفاد من كلِّ تحريفٍ للحياةٍ بتخريف.

(أكرر: رأي شخصي)

***

علي الجنابي

 

هذا استنتاج قابل للنقاش، مبني على تقييم نفسي سلوكي لما جرى في تركيا، بعد إنكسار الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، ومحاولات الدول المنتصرة عليها، أن تفترسها بقسوة ووحشية سافرة.

إذ تحولت الدولة بما فيها وعليها لملك مشاع للغالبين، وجرت المؤامرات لتمزيقها إربا إربا، والإطاحة بدينها ومحق وجودها.

وبقي الخليفة في الباب العالي دمية أو كالأسير الذي عليه أن ينفذ ما يُطلب منه، لأنه مهزوم.

ويبدو أن العسكري مصطفى أدرك مغزى اللعبة، وقرر أن يواجهها بلعبة تبدو على أنها تحقق مطامع المتنافسين على تدمير تركيا، فانطلق في مشروعه بخطوات عملية توهم أعداءها بأنه يعمل لصالح مشروعهم، القاضي بمحقها كرمز للإسلام وقوة ذات إرادة كبيرة، وكانت اللعبة أن يبدو وكأنه في حرب علنية على الإسلام، ومناهض لمفهوم الخلافة، ففعل الذي فعله بدوافع وطنية بحتة، للحفاظ على بلاده التي أريد لها أن تغيب.

فتوهم الغرب بأن تركيا قد طلقت الإسلام بالثلاث، وأصبحت لها كيانها الخاص المقطوع عن تأريخها المجيد، ومضت الأمور على هذا التصور لبضعة عقود، حتى أخذت تنطلق فيها نداءات الرجوع إلى أصلها، وأن قوتها ومجدها قد تحققا بالدين، فنشأت فيها الأحزاب الداعية لتمثل قيم الإسلام.

ولا يخفى أن الإسلام لم تخمد جذوته في أعماق الشعب التركي بل تأكد وتنامى، فالشعب التركي متدين وملتزم بتعاليم الدين رغم ما حصل.

وبعد أن دارت السنون بعقودها الحامية، وجدنا تركيا تستعيد ذاتها وتلتقي بجوهرها الحضاري، وتتمثل الإسلام بآليات معاصرة، ذات  قدرة على المطاولة والتحدي والإقدام.

ولهذا يمكن القول أن أتاتورك قد حافظ على تركيا بدهائه، ووفر للإسلام حاضنة ذات قدرة على التعبير الأمثل عن قيمه وأخلاقه، والأمور بخواتمها، وفي أقل من ستة عقود ظهرت نتائج ما قام به أتاتورك.

 فهل كان مستشرفا نبيها للمستقبل، ومدركا لعواقب التحديات؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

بين أحداث تمر مرور الكرام، وأخرى تحز في النفوس وتدمي القلوب وتخدش الخواطر، وثالثة تثير الاستهجان والامتعاض، ورابعة تدعو الى الانتفاض والتمرد، وخامسة وعاشرة وعشرين… حتى تعجز الأصابع عن عدها، ويضيق بها قوسان إن أردنا حصرها بينهما، يقضي العراقيون أعمارهم، ويشطبون سنوات من حياتهم، ويعدون العدة لأخريات وهم غير واثقين أن القادم من أعمارهم يبشر بخير، لا لقنوط تسرب الى نفوسهم، ولا لتشاؤم تطبعوا به من جراء ما صادفهم، بل لأن أسلوب إدارة بعض الولاة والحكام الذين تعاقبوا على حكم بلاد مابين النهرين، لم يكن بالمستوى المطلوب ولا نصف المطلوب، بل هو أحيانا يكون بعيدا عن كل ما مطلوب، في حين كان حريا بهم أن يتميزوا ويتفردوا في نهجهم الإداري، لاسيما أن منجم الخيرات اللامنقطعة واللامعدودة تحت تصرفهم، بما يعكس على شعوب البلاد مقومات السعادة والعيش الهني والرفاه والازدهار.

ولعلي لا أبالغ إن قلت أن نسبة سيئي الإدارة باستغلال هذه الثروات، كانت أضعافا مضاعفة عن الجيدين فيها، فمنهم من بددها وضيعها في حوائجه الخاصة، ومنهم من أحاط نفسه بزبانية سراق وفاسدين، فراحوا يعبّون منها جيوبهم وجيوب عوائلهم وخواصهم، وخزنة البلاد تئن تحت بسط أيديهم على مفاتيحها، ومنهم من سخرها في خوض حروب ومهالك، مع دول قريبة أو بعيدة، أتت على الزرع والضرع والأخضر واليابس، حيث يزجون البلاد وشعبها كل حين في (كونة) هنا أو غزوة هناك، غاضين نظرهم واهتمامهم عن المصالح العليا، ضاربين عرض الحائط مواكبة تطور أمم العالم. والطامة الكبرى -والطامات كثر- أن اللاحقين من السلاطين لم يتعظوا من أخطاء الأولين في سوء الأدارة، بل تمادوا في غيهم دون حسيب ورقيب، وهم يدّعون أن مسيرتهم حافلة بالنجاحات بقيادتهم الحكيمة، ورياستهم السليمة، وكياستهم في التعامل مع أقرانهم ونظرائهم في الخلق، ممن يجاورونهم مكانا أو من هم بعيدون عنهم. وبتراكم هذه السلبيات تولّدت خبرة لدى الشعوب على مدى عصور، بمصداقية حكامهم والقائمين على إدارة دفة سفينتهم، دون الحاجة الى محلل او خبير او منظّر او قارئة فنجان.

ولا يخفي أن بلادنا تزخر بالخيرات في باطن أرضها، وكذا الحال على سطحها ومائها وسمائها وموقعها، غير أن إرث سوء إدارتها وتحييد المصلحة العليا، مازالا يمثلان السمة الغالبة لبعض من يتبوأون الصفوف العليا في القيادة، وهذا ما يسهّل تدخل جهات خارجية متصيدة في عكر المياه، بشأن البلاد الداخلي لأغراض دنيئة شتى، وكناتج حتمي لهذه السياسة، نرى اتساع رقعة الخلافات ومساحة الاختلافات يوما بعد يوم، وتتتالى النزاعات وتتوالى الاحتدامات بتصعيد لا يخبو أواره يوما، إلا ليضطرم أياما وشهورا وسنوات، وتتنوع المكائد والمصائد التي ينصبها بعض ساسة البلد لبعضهم، بدل أن يكون: "بعضهم لبعض ظهيرا" حيث سايروا الطوفان القادم على البلاد، وأسهموا في الخراب والتخلف في جوانب عديدة من مفاصل البلاد.

ولم تعد هذه السياسة خفية على فكر المواطن، بل باتت حيثياتها معلومة لديه، وأدرك أن ما تصادفه بلاده من أحداث سيئة، لم تأتِ من المريخ أو من زحل، فهي بين موروثة ومفبركة، وبين مصطنعة ومتعمدة، وبين مستوردة ومحلية، وبين همزة لمزة، وبتحصيل حاصل سلبياتنا (منا وبينا). كذلك هي أحداث منها لا يتشرف مؤرخ بتدوينها، ولا تستحق من الأجيال استذكارها فيما بعد، ومنها تطبع في سجل الذكريات وتنقش يومياتها بالتفصيل الدقيق، وكلها بمجملها محزنة حدا يتجاوز البكاء والنحيب والعويل، وليس أمام المواطن غير اجترار ردود الأفعال ذاتها كل جيل، وصار بديهيا لديه استنساخ المتوارث منها، وترجمته إلى ردود محدثة بطريقة: (Copy Paste).

***

علي علي

دول الأمة تحت سطوة الكراسي المضحكة، فالقائلون بسلطة الشعب وقدرته على تغيير الأوضاع القائمة، واهمون، ويتناسون أن الشعب لا يمتلك القوة، وإن تظاهر تناهشته ذئاب الكراسي وفتكت به.

ذلك أن الكراسي لا تستمد قوتها من الشعب، وإنما من القِوى التي تخدم مصالحها بتفاني وإخلاص مطلق.

الشعب له دوره الكبير عندما تستمد الحكومات قوتها وشرعيتها منه، وهذا ما يبدو واضحا نسبيا في الدول المتقدمة، أما في الدول المتأخرة، فالكراسي عدوة الشعب وقاهرة لإرادته، وقابضة على مصيرة بشتى أنواع الحرمان من أبسط الحاجات، وبعرقلة أيامه وحشوها بالمعوقات والهموم المرعبات.

العديد من قوى المعارضة، تركز على أن الشعب سيمتلك إرادته ويقوم بدوره في المطالبة بحقوقه وتأمين وجوده الوطني والإنساني، وكأنها تغفل هيمنة الكراسي وأعوانها المسلحة التي تفتك بالمواطنين، بعد أن صار الشعار والمنطلق مزيّن بدين.

الشعوب المقهورة عبارة عن أرقام مجهولة، بلا حول ولا قوة.

لو أن عدد الشعب عشرات الملايين، فهو يساوي رقما أو بضعة أرقام تتحكم بوجوده، وتقرر مصيره وفقا لأجندات المصالح الأجنبية والمشاريع الإستحواذية على ثرواته.

فأين الشعب؟

الكراسي فاعلة، والشعب مفعول به، ومُسخّر لإدامة الكراسي في نعيمها الزاهر الألوان.

الكراسي تقول، والشعب عبدٌ مأمور!!

السمع والطاعة مذهب العصور، والكراسي تجور، والشعب يخور، ويتحقق تمزيقه وإذكاء الصراعات البينية الإلهاية في صفوفه، وتحويله إلى موجودات متناحرة، مستنزفة الطاقات والقدرات، تتشبث بأي شيئ كأنها الغريق في ويلات دولها، وتداعيات أيامها الفائقة الإنهاك والتدمير.

إذا تغيرت الكراسي، تغيرت المآسي، وربما ذهبت، إذا فاز الشعب بكرسي غيور!!

الجالسون على الكراسي في دول الأمة، أصحاب وكالات من أسيادهم الذين يستخدمونهم لإنجاز مشاريع الفساد المربح المشرعن بفتاوى ذوي العاهات، التي تمليها عليهم أمّارات السوء التي فيهم.

فهل وجدتم دولة ذات مَقام والكرسي فيها خائن مِقدام؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

يبدو أن الإسلام صار دين هذا وذاك، وما عاد كما كان دين فرقان وسنة، ومن تنزيل الرحمن الرحيم.

ففي كل عصر تجد مَن يدّعي المعرفة بالدين ويُسمى فقيها، ويأخذ بالإجتهاد والتفسير والتأويل، ويوهم العامة بأن ما يأتي به هو الدين القويم.

وبتزايد أعداد الأعلام  تزايدت الأوهام وتعدد الإسلام.

حتى أصحاب المذاهب الأربعة، ما هم إلا بشر، وكل منهم أدلى بدلوه، وحَسِبَ ما جاء به عين الصواب وفقا لما عنده من معلومات، وما توصل إليه نسبي، إبن زمانه ومكانه.

فهذا حنبلي، مالكي، شافعي، حنفي وغيرهم الكثير، لكنهم سادوا لأغراض سياسية، فالكراسي بحاجة لمطية ذات دين، ولهذا تم إستعمال المذاهب لتأمين الحكم.

مثلما فعل المأمون  مع المعتزلة، وكذلك فعل الآخرون، بهذا المذهب أو ذاك، فالكراسي بحاجة لعقائد، والمذاهب وسائل للتقرب للحكام، كما يُقال منذ سالف الأزمان، وهي تجارة مربحة.

فالمذاهب إبداعات سياسية أكثر منها دينية، فيحكمون وفقا لهذا المذهب أو ذاك، ولا يحكمون وفقا لمعطيات العصر، ولا يمتلكون القدرة على سن عقد إجتماعي صالح للمجتمع والأمة.

فهل أن الدين قمع للحريات، ومصادرة لحقوق وقيم الإنسان؟

إن المذاهب والمدارس وما يتصل بها تناهض أبسط حقوق الإنسان، الذي خلقه الله بأحسن تقويم، وإذا به أسفل سافلين بسلوكه المشين.

فأين الدين، يا أمة إياك نعبد وإياك نستعين؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

يعود تاريخ اختراع التلفاز بشكل بدائي إلى عام 1884، ثم أخذ يتطور تقنيا عقب الحرب العالمية الأولى، وشهد في بداية الخمسينيات طفرات نوعية حتى وصل إلى مانراه اليوم. وباختراع الأقمار الصناعية حدث ثورة الاتصالات الهائلة، وتعددت وسائل نقل الأخبار بصنوفها لعل أبرزها السوشيال ميديا، وصرنا نتابع ما يحلو لنا من برامج أنّى شئنا، وبما أن بلدنا يشهد تقلبات كثيرة على مدار الساعة تقريبا، لاسيما في الجانب السياسي، فإن وسائل التواصل سهلت متابعتها من قبل المواطن.

هو ليس تحليلا جديدا لحالة آخذة بالانتشار، بين جمهور يتابع وسائل الاتصالات أولا بأول، كما أنني لن أضيف بتناولها معلومة لأذهان متلقي مقالي هذا، ولا حق لي بنيل سبق صحفي في نشرها، تلك الحالة هي تعدد الإجابات وتذبذبها، على لسان مستضافين في برامج حوارية وتنظيرية تُعرض على شاشات التلفاز، مع أن السؤال المطروح عليهم واحد. وأكاد أجزم أن أغلب هذه الأسئلة لا تقبل إجابتين، وإن قبلت فمن باب اختلاف وجهات النظر وتعدد الآراء، وهذه حالة إيجابية تعزز هدف المحاورة أو التنظير، بإشباع رغبة الجمهور المتابع في الاطلاع على ما يمس مصلحته، أو تغطية حاجته في معرفة مايدور في بلده.

ولا تُنكر حاجة المواطن في الوقوف على كل كبيرة وصغيرة، للأحداث التي تغيب تفاصيل بعضها -بل أغلبها- عن تصوراته وتحليلاته، رغم أن مداركه وتوقعاته قد توسعت، وتعمقت قدرته على استقراء المستقبل، وفق معطيات الأحداث بما توفره له وسائل الاتصال الحديثة، ولا أبالغ حين أقول أنه لم تعد تنطلي عليه مخفية ومعلنة، أو شاردة واردة، أو همزة لمزة، وأصبح كما يقول مثلنا الدارج: (مفتّح باللبن). وكما أشرت أن الاختلاف حالة مشروعة في النقاشات، وتأتي أكله مع تنوع درجاته وأصنافه بالنافع والمفيد، ولا ضير في تشعبه وشموله مفاصل عدة، مادام الرأي السديد والتحليل المنطقي وقناعة الأطراف المختلفة، هي تحصيل حاصل يُدخل الطمأنينة إلى قلب متابع الحدث. غير أن الذي يعكر صفو الحوار أو المناظرة هو الخلاف، وشتان بين الخلاف والاختلاف، وما يزيد الطين بلة ويشوه الحقائق، هو تعنت المستضافين بآرائهم ومواقفهم، وعادة ما يكون أحدهم مصيبا، فيما يكون الثاني مجانبا للحق بعيدا عن الصواب، وله في هذا خلفية تحكمه وجهات تحدد مساحة طرحه، ويظل المستظافون يراوحون يمينا ويسارا ويتقافزون على الحقائق والدلائل، وينحسر هدف كل منهم في الانتصار على نده، مدعيا أنه الجانب الأحق والباقون كلهم باطل، وكأنه يجسد ما ينسب لإبي العتاهية (أو لغيره):

وكل يدعي وصلا بليلى

وليلى لا تقر له بذاك

ولطالما تحولت طاولة الحوار إلى حلبة مصارعة يضطرم فيها النزاع، فيبرز فيها كل ند عضلاته على الآخر، وغايتهم قطعا معروفة لدى المستمع، وهذا ما أدمنا رؤيته في أغلب البرامج، وفي الحقيقة أن من المعيب أن يبلغ الخلاف حدا، يتجاوز فيه المتحاورون دبلوماسية الحوار، وتختفي الكياسة المفترض توافرها فيهم، بل يتبجح بعضهم بـ (انعدام الأدب) أحيانا، فيطلقون العنان للألفاظ غير اللائقة بينهم بشكل مخزٍ، ولايقف خلافهم على التنابز وارتفاع الأصوات، بل يتفاقم إلى تشابك بالأيدي وباستخدام (السلاح الأبيض) في أحيان كثيرة، وهنا يفقد الحوار الهدف السامي لإجرائه، ويختلط حابل الحق مع نابل الباطل، ويحار الطرف المحق بأي الطرق يتحاور ليوصل صوته، وهكذا يضيع الحق كما "ضاع عقد على صدر خالصة".

***

علي علي

ظاهرة غريبة فاعلة في واقع الأمة وتنخر وجودها عبر العصور، فترى الأجيال تضفي هالة القدسية والمجد الأعظم على أمواتها، وتستحضرهم لقيادة الحياة، والتعبير عن أفكارهم المقبورة معهم.

فتراها منهمكة في نبش الأجداث، والتغني بقيادة الأموات لأيامها، فهم الأقدر والأقوى والذين لا مثيل لهم في الحاضر والمستقبل، وعليهم تسنم القيادة وتقرير مصير الأيام.

وبموجب ذلك، تجد أحياء الأمة وقادتها في صراعات مريرة، وأكثر عقولها المستنيرة هاربة أو مصابة بالتعطيل والتعويق، ووضع المصدات أمامها، والتنكيل بها ومحق وجودها وإلغاء دورها، وتنطلق نشاطات التغني بالأموات، وتخليد ذكراهم، وإخراجهم من طورهم الآدمي وتحويلهم إلى مخلوقات خيالية فادحة التأثير.

وهذا سلوك تحققت تنميته في القرن العشرين وتواصل تعزيزه على مر العقود، حتى ألفيتنا في رحاب الأموات الذين أيقظناهم من رميم القرون، فلا همَّ عندنا سوى الحديث عن الذي مضى وما إنقضى، وعن الرموز الآدمية الآسنة في وعينا الجمعي، والتي نحسبها لا تمت إلى البشرية بصلة، وإنما مخلوقات فنتازية أنجزت الملاحم الخارقة، وعلينا أن نستلهمها ونتغنى بها، ونموت في سبيلها، ولو إستيقظوا لإستخفوا بعقولنا، ولخجلوا من أحوالنا.

فنحن بسلوكنا نذلهم، ونستهين بهم، ولا نتعلم منهم ما يعيننا على صناعة حاضر مقتدر ومستقبل مزدهر، بل نتسبث بالرميم، ونحسب التقهقر سيخمد سعير الجحيم الذي تورطت فيه أمة ذات أدوات إحباطية وتيئيسية وتخاذلية فائقة التأثير والتمرير.

لو تصفحت المنصات الإعلامية، الورقية والإليكترونية، لتبين أن الأموات قادتنا، والأحياء أعداؤنا، وكأننا الأموات وهم الأحياء الفاعلون في صناعة وجودنا.

فتمجيد الأموات مذهبنا، ومناهضة الحياة منهجنا.

وما صح فينا القول: " إعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، وإعمل لآخرتك كأنك تموت غدا"!!

فجحود حق الحياة قانوننا، المشرعن بفتاوى مؤدينة!!

***

د. صادق السامرائي

في المثقف اليوم