أقلام حرة

أقلام حرة

ضلال: باطل، هلاك، غياب، العدول عن الطريق المستقيم عمدا أو سهوا، كثيرا أو قليلا؟

ومن الضلال التضليل أي الخداع  لتبرير أجندات وبرامج خفية، وتأهيل الناس لقبولها أو الرضوخ لها.

وما أكثر المجتمعات التي ينحر وجودها الضلال، وينخر أجيالها المتعاقبة.

ومن أخطر أنواع الضلال، التضليل الديني، الذي بموجبه يتم تجهيل الناس بأمور الدين  الحقيقية والجوهرية، وحشو المعتقد المطلوب في رؤوسهم، ويكون دين أشخاص متاجرين بالساميات والرموز المعروفة.

وعلى هذا المنوال، تنطلق مسيرات التداعيات والتفاعلات السلبية، وتنشأ الصراعات، ويعم التلاحي بين أبناء كل شيئ واحد.

وتستمر أبواق الرذيلة والفساد صدّاحة بخطبها الرامية للإستثمار بالقهر والجور والحرمان وأقسى البلاء.

والناس مطايا المنابر والكراسي وإن غطست بالمآسي، ولديها ميل لتصديق وإتباع الأكاذيب، والتغني بالآوهام وفنتازيا الكلام.

وهذا طبع بشري عجيب، يوفر الأسواق الرائجة للدجل الرهيب.

ولهذا يمكن القول أن الضلال قائد، والتنوير بائد، والحق مطارد، والباطل مسانَد، والعدل فساد، والظلم مراد، والكذب جلاد على العباد ساد.

إعلام مبوّق، يساند الكراسي ويعوّق، والبوق مرزوق، والصادق محروق، الإثم إمام في بلد الأزلام، التابعين القابعين في دارة الإضرام.

فكيف يتحول البشر إلى أرقام؟

ولماذا يلقون في هاوية سقر كأنهم حشر؟

تساؤلات تحير الألباب، وتبحث عن العقل والصواب!!

فهل الشعب أراد الحياة؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

تقول كتب التاريخ أن سبب هزيمة القائد الفرنسي الفذّ نابليون بونابرت في واترلو سنة 1815، كان بسبب أن احد ضباطه ضل طريقه إليه لكي يُنجده بالإمدادات العسكرية ..

هل كانت واترلو هي الهزيمة الوحيدة في مسيرة هذا القائد العسكري الذي تتفق كل كتب التاريخ والسير والموسوعات على وصفه بالعبقرية العسكرية العظيمة على مر العصور!

" كانت واترلو الصفحة الأخيرة في كتاب أمجاد نابليون بونابرت القائد العسكري الشهير..كما مثلت النهاية لحقبة من تاريخ أوروبا يمكن تسميتها دون مبالغة حقبة نابليون (أيام هزت العالم وغيرت وجه،  التاريخ،محمود عبد الله، ص 107)..

هُزم نابليون بونابرت سنة 1812 هزيمة نكراء في روسيا بسبب البرد ونقص الإمدادات وأُبيد جيشه بالكامل تقريبا...

و لم تنل تلك الهزيمة من عزيمته إذ استطاع أن ينتصر على التحالف الروسي البروسي البريطاني الاسباني البرتغالي والسويدي والنمساوي في ألمانيا سنة 1813، غير أن هذا التحالف كان مصمما على دحر نابليون نهائيا فاستطاعوا هزيمته، لكنه سرعان ما عاد سنة 1815 أكثر تصميما على إتمام مشاريعه وطموحاته التوسعية...

غير أن معركة واترلو على الأراضي البلجيكية كانت ضربة قاضية له اذ تمكن الدوق البريطاني ولتجتون من أن يدمر الجيش الفرنسي تدميرا كاملا،  واستطاع نابليون من أن يقاوم  ولكن وصول الدعم البروسي الذي كان ينتظره البريطانيون قضى عليه نهائيا، فاستسلم القائد ودخل الحلفاء باريس . وتم نفيه الى جزيرة بعيدا في أعماق المحيط الأطلسي، وعاش هناك حتى وفاته سنة 1821...

" لقد أنهت واترلو طموح نابليون الشخصي في حكم أوروبا، وعززت من وضع بريطانيا الاستعماري " (أيام هزت العالم وغيرت وجه،  التاريخ،، ص 111)..

ولا بد من التذكير أن الجزائر كانت تكاد الممول الوحيد والرئيسي لفرنسا في حروبها النابليونية بالقمح، مما ترتب عليها ديون كبيرة، تنصلت منها وغدرت بالجزائر ...

***

عبد القادر رالة

 

الخرف من الموضوعات الفاعلة في التأريخ، والذي أغفله المؤرخون وما أشاروا للسلامة العقلية للرجل الأول في دول الأمة وإمبراطورياتها عبر مسيرتها. وذلك لأن الخوف الشديد، ودستور السمع والطاعة، وإضفاء القدسية والتبجيل الأعظم على الحاكم أو السلطان، يمنع النظر إليه بعين أخرى.

فكم من الخلفاء والسلاطين والحكام، أودت بهم لوثاتهم العقلية إلى مصير مشؤوم وأصاب مجتمعاتهم بسوء.

وفي عصرنا شواهد على ما أصاب الرؤوساء والحكام  من إضطرابات وتدهور في قدراتهم العقلية، بعض المجتمعات لديها القدرة على تنحيتهم، أو منعهم من تواصل الحكم.

وعندنا ما أن يجلس الشخص على الكرسي الأول، حتى يصبح منزها ومعبرا عن إرادة الرب، وما ينطق عن الهوى، ولا بد من تنفيذ ما يقوله،  فهو الآمر والناهي، وعلى الجميع الإمتثال لأمره.

وعندما تكون السلطة دينية، فالشخص الذي يتقلدها يكتسب صفات تمنع المساءلة والتقييم، ويُحسب أنه العالم العليم، والقائل بالدين القويم، وكأنه ليس من بني البشر، ولم يبلغ من العمر عتيا، بل لا يزال في كامل قواه العقلية، وهذه فرية فظيعة لا تتوافق مع الواقع الفسيولوجي والبايولوجي للبشر، الذي يتآكل دماغه مع تقدم العمر.

فهل يصح في الأفهام أن لا ننظر بعين الريبة، لما يبدو من أدعياء الدين الذين أكلت أدمغتهم السنون؟!!

"ومنهم من يُرد إلى أرذل العمر لكي لا يعلم بعد علم شيئا"

***             

د. صادق السامرائي

 

الذين يقولون، أن الغرباء هم الذين خربوا قصور بني العباس في سامراء، لا يملكون الأدلة  الوافية والبراهين الكافية.

الحقيقة المؤسفة أن بعض سكان المدينة  وما حولها آنذاك، هم الذين نهبوها وأحالوها إلى خراب.

المدينة لايوجد فيها معامل للطابوق ومعظم دورها ومرافقها القديمة مبنية بالطابوق "الفرشي"، مساحته قدم مربع، وهذا الطابوق تم جلبه من قصور بني العباس، حتى أرضيات الدور كانت مغطات بالطابوق الفرشي.

والجريمة العظمى أن سور سامراء  (1785 - 1936)، تم بناؤه من طابوق القصور والجامع الكبير، وللسور قصة طويلة، وإختفى في خمسينيات القرن العشرين.

فكانت حرفة (التفليش) تجري بلا هوادة وبعدوانية وأمية عالية، وما أكثر الوسائط التي ساهمت بنقل الطابوق المخلوع من القصور.

ولإبن المعتز قصائد تصف خرابها في حينها، فهو الشاعر المولود فيها، والذي ترعرع في قصورها.

السور  أتى بالضربة القاضية لمدينة كانت تسر الناظرين، وتنافس قرطبة وغرطانة بروعة عمرانها، ولا تزال لمساتها الجمالية قائمة في العديد من بقاع الدنيا، وأقربها جامع أحمد بن طولون (835 - 884) في مصر.

فلا يمكن بسهولة تفسير بقاء معالم العرب في الأندلس التي بنيت قبل سامراء بقرن ، وغياب المعالم الأساسية لقصور سامراء وعمرانها المتميز في ذلك الزمان.

فلم نعرف عنها سوى ما وصفته بعض قصائد شعرائها وفي مقدمتهم البحتري.

ويبدو أن المدينة صارت تتعرض لإتلاف حضاري مقصود، لمحق ما يشير إلى الخلافة العباسية فيها، وكونها عاصمة لدولة بني العباس لأكثر من نصف قرن.

فهل لنا أن نحافظ على بقايا معالمها التأريخية؟!!

***

د. صادق السامرائي

1\6\2024

 

المشكلة الجوهرية في قراءة التأريخ وكتابته، إعتباره من إنجاز حالات غير بشرية، فتجدنا نخرج رموزه من بشريتهم ونضفي عليهم خصالا وتوصيفات لا تمت بصلة إليهم، فنراهم مقدسين منزهين وأكثر من ملائكة، وهم بشر كأي البشر.

هذا الإقتراب الفنتازي من التأريخ تسبب بتداعيات إندحارية وخيمة، لأنهم بشر ونتصورهم فوق البشر، وما أنجزوه نعجز عنه لأننا بشر!!

الكثير من التأريخ المدون تفوح منه رائحة الإنحيازية والإنفعالية والمدائحية والتبجيلية والتأليهية، والتأكيد على إخراج أصحاب الكراسي من سلوكهم الآدمي وطباعهم المتعارف عليها بين الناس، ووضعهم في صوامع فوقية لا تستطيع عامة الناس الإقتراب منها.

ويتم التركيز على الجنس والبطش، فالقادة ثيران هائجة متوّجة، وأسود لا ترحم، تفتتح يومها بالسيف والنطع، لتنفيذ فتاوى المتاجرين بالدين.

إن القراءة الوهمية للتأريخ لا تجدي نفعا، وتؤدي إلى تداعيات خسرانية، تخوضها الأجيال تلو الأجيال.

عندما نتيقن بأن أجدادنا بشر وليسوا ملائكة، سنتعلم من التأريخ ونتفوق عليهم، لا أن نحسبهم فوق الثريا ونحن تحت الثرى.

معظم الذين دوّنوا التأريخ كانوا يشترون بما يكتبونه العطايا والمكرمات، والتقرب إلى الكرسي النافذ في البلاد، مما يعني أن الشك فيما دونوه وارد، والحقائق مطمورة تحت أكداس الأكاذيب والإفتراءات، والمدائح الطوباوية.

فلابد من قراءة المكتوب بعين الريبة وتمحيص الغث من السمين، فما أكثر الكتابات المنافية لأبسط البديهيات، وكم تكرر أن في قصر السلطان آلاف الجواري، وهو ذو غرف معدودة لا تستوعب بضعة عشرات من الناس.

وتقدم لنا السلطان وكأنه إنسان آلي، لا هم له إلا المواقعة، والإدمان على الملذات، ولا مسؤولية عنده سوى النكاح.

نعم كانوا بشرا، وعاشوا وماتوا كغيرهم في زمانهم، فلماذا الغلو الفاضح فيما وردنا عنهم؟

***

د. صادق السامرائي

لقد مَنَّ الجليلُ ﷻ على النَّاسِ كافَّة بتنزيلِ"كتابٍ مَسطُورٍ"، ليستَعينوا بهِ على قراءة آياتِ هذا الكونِ المَفتوحِ المَحضُور، وأمرَهم أن يَّقرأوا سُطورَ الكتابَ بعَينينِ اثنتينِ وبحبُور، فواحدةٍ تنظرُ على نصِّ حرفٍ مكتوبٍ؛ ﴿السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ﴾، والأخرى تَبصرُ فتَستقرأَ وتفهمَ ﴿كَيْفَ رُفِعَتْ﴾ف ي آفاق آياتِ قرآنٍ معمورٍ منشور.

ولقد نَأى نبيُّنا محمدُ بن عبدالله ﷺ وأبى حياةً تَعبدُ أصناماُ في فلاةٍ ذاتِ فجور، لمَّا رأى من آياتِ ربِّهِ ﷻ في آلاءِ ذا كونٍ مَفطور، والذي هو قُرۡءَانٌ ناطقٌ مَعمورٌ منشورٌ منثورٌ، فآمن بربِّهِ من قبلِ أن يَنزلَ الأمينُ جبريلُ عليه بكتابٍ مَسطور، وما ذلكَ إلّا لأنهُ ﷺ كانَ يقرأُ قرآنَ الحَياةِ بتفكرٍ دقيقٍ في الصُّدور، وما كانَ يقرأ بنيانَ الفلاةِ بتلقينٍ مَغرُور، مِن والدٍ مَغمورٍ أو من شقيق بسُرور.

ولئن رَعى المرءُ مِنَّا قراءةَ هذا القرآنِ النَّاطقِ المَنشور، مستَعيناً بهذا الكتَابِ المَسطُور، فلن ينعى سوءَ فهمٍ من حرفهِ الى صاحبٍ بالجنبِ هَصور. لا ولن يهرولَ اليهِ يسعى كي يَمدَّهُ بقَولٍ في العِلمِ مُسْتَقصٍ في مشكلٍ كأنَّهُ على الفَهمِ مُستَعصٍ عبرَ الدُّهور، وأعني هنا بمَا جاءَ في آيةِ سورة الحِجْرِ -1؛ ﴿الۤرۚ تِلۡكَ ءَایَـٰتُ ٱلۡكِتَـٰبِ وَقُرۡءَانࣲ مُّبِینࣲ﴾، وآيةِ سورةِ النمل -1؛ ﴿طسۤ تِلۡكَ ءَایَـٰتُ ٱلۡقُرۡءَانِ وَكِتَابࣲ مُّبِینٍ﴾.

ثمَّ إنَّ قلمي ما حَرَّرَ هذي العَبَراتِ إلّا بعدَ أن أحسَّ بعدمِ ارتياحٍ وضيقِ في الشُّعور، فيما جاء في ذا مشكلٍ من تأويلٍ للأولين حَصور، وما كانَ الأمرُ قطُّ بمُشكلٍ حصور، بل لؤلؤٌ لامعٌ دامعٌ جامِعٌ لكنَّهُ منثور، ورُغمَ رحيبِ علِمِ الأولينَ وإتقانهم للصَّنعةِ فما فارقَني ضيقُ الشُّعور، فأسررتُ في نفسي بذرفٍ ضمور.

"إنَّ أيَّ أمرٍ في ذا وجودٍ لا يُحَلُّ بإتقانِ الصَّنعةِ من مُتقنٍ جسور، بمعزلٍ عن حكمةٍ مُبصِرةٍ تقودُ صاحبَها الجَسور، للنَّظرِ بِسُمُوٍّ  مِن عُلُوٍّ الى الأمرِ كلِّلِ بحُضور، ثمَّ يدورُ في الشَّأنِ ثمَّ يَثور. ولو كان الأمرُ يُحَلُّ بإتقانِ الصَّنعةِ من مُتقنٍ لها جسور، لكانَ"الوليدُ بن المغيرة" قد حَلَّ محلَّ "أبي بكر الصديق" الشَّهمِ الغيور، في قُربِهِ من نبيِّنا القَسيمِ الوَسيم سيدِ الأنامِ عبر العُصورﷺ، بل ورُبَما كانَ الوليدُ هو النَّبيُّ الخاتم للدُّهور". لذلكَ ومن نافلةِ التبيانِ لفهمِ الآيتينِ يمكنُ القول بلا ارتياب؛

* إنَّ على المرءِ أن يَعلمَ أنَّ جذرَ"ك ت ب" واشتقاقاتهِ مُقَيَّدٌ بسَطرٍ مكتوبٍ في قرطاسٍ أو سجلٍ أو كتاب، بيدَ أنَّهُ ما كانَ لهُ أن يَحجرَ واسعاً فيظنُّ أنَّ جذرَ "ق ر أ" واشتقاقاتِهِ مُقَيَّدٌ بقراءةِ سطرٍ في كتاب، بل لهُ أن يَقرأ سطرَ الخِطاب، ولهُ أن يستقرأَ آفاقَ الأمورِ، ليعلمَ الآلاءَ كافَّة باستِحباب، سواءٌ أكانت في حَضرٍ وشِعابِ، أم في صحارى وغاب. ومثلما أنَّ هناكَ امرؤٌ عقيمٌ يقرأُ السَّطرَ من وراء رمشِ عينِهِ باضطِراب، ثمَّ سرعانَ ما ينساهُ ثمَّ يكون ما قرأ  كأنَّهُ خبرٌ سمعيٌّ معهودٌ وغابر في الأحقاب، فإنَّ هنالكَ رجلٌ حكيمٌ يقرأُ ذاتِ السطرِ بحضورِ قلبِهِ، ثمَّ يترسَّخُ في فكرهِ ثمَّ يكون ما قرأهُ  كأنَّه نبأٌ مرئيٌّ مشهودٌ وباهر للأعرَاب والأغرَاب.

* إنَّ كلمةَ"الآيات"لا يُقَيَّدُ مفهومُها بمعنى"كلماتٍ" في سورٍ قرآنيةٍ كريمة رضاب، لأنَّها كذلك تعني؛ بَيِّنَاتٍ وعلاماتٍ وبَراهين وحُجَج ودلائِل وشواهد على آلاءِ اللهِ في ذا وجودٍ رحيب آسرٍ خلّاب.

إذاً، واستناداً إلى مَعلومِ أنَّ عبارةَ؛"ءَایَـٰتُ ٱلۡكِتَـٰبِ"في سورة الحِجْر تعني"كلماتِ الكتابِ"، والى مَفهومِ أنَّ عبارةَ؛ "ءَایَـٰتُ ٱلۡقُرۡءَانِ" في سورةِ النَّملِ تعني"بيِّناتِ كون"، سيكونَ مَعنى آيةِ الحجرِ؛ تلكَ كلماتُ الكتابِ (بينَ دَفَّتينِ)، وكونٌ مَفطورٌ مَعمورٌ منشورٌ مقروءٌ مُبين. ويكونَ معنى آيةِ النمل؛ تلكَ بيناتٌ في الكونِ المنشورِ وكلماتُ كتابٍ مبينٍ (بينَ دفتينِ).

ثمَّ تَدَبَّرْ ياذا عزٍّ كيف جاءت ﴿ذَرۡهُمۡ يَأۡكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلۡهِهِمُ ٱلۡأَمَلُۖ﴾ ردفَ آيةِ الحجرِ، وإذ وصفَ الحقُّ ﷻ الذينَ يقرأونَ كلماتُ "ٱلۡكِتَـٰبِ" لكنهم يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ ولا يتبصرون بآفاقِ البيِّناتِ في قُرۡءَانࣲ مُّبِینࣲ أحاطَ بهم، بأنهم أنعامٌ راتعونَ ولا يرفعون رؤوسهم عن العُشبِ. ثمَّ تَفَكَّرْ بسياقَ السُّورةِ وكيفَ جاءَ ليُبرهنَ على أنَّ ﴿سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ﴾ هو كِتَابٌ هادٍ مبِینٍ الى كونٍ منظور، و﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ﴾.

ثمَّ تَدَبَّرْ كيفَ جاءَت ﴿هُدٗى وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُؤۡمِنِينَ﴾ ردفَ آية النَّمل، وكيفَ بَيَّنَ الحقُّﷻ الذين يستقرأونَ بيِّناتِ "ٱلۡقُرۡءَانِ"مستعينين بكلمات "كِتَابࣲ مبِینٍ" أنَّ لهمُ البشرى. ثمَّ تَفَكَّرْ بسياقَ السُّورةِ وكيفَ جاءَ ليَحظَّ على التَفكُّرِ في آفاقِ آلاءِ "قُرۡءَانࣲ مُّبِینࣲ".

ثمَّ تَذَكَّرْ مفردةَ "ٱلۡقُرۡءَانِ"وكيفَ تأخَّرَت عن أختِها"كِتَاب"في سورةِ النَّمل وتقدَّمَت عليها في الحِجْر، وكذا التَّذَكُّرُ يسري في تَعريفِ وتنكيرِ (قرآن) و(كتاب) في الآيتين المباركتين كلتيهما، وكلُّ ألوانِ ذلكَ البيانِ داعِمةُ لما أورَدتُ من مذهبٍ قد ذهبتُ فيه. وثَمَّ مسكُ الختام.

﴿وقُرْآنًا فَرَقْناهُ لِتَقْرَأهُ عَلى النّاسِ عَلى مُكْثٍ﴾، ولم يُنزِلْهُ دُفْعَةً واحِدَةً كي نعلمَ أنَّ علينا أن نقرأهُ بعينينِ، فواحدةٍ تنظرُ على حروفِ ذا كتابٍ مسطورٍ عجيبٍ وبتَؤَدَةٍ وعَلى مَهل، وواحدةٍ تَقرأ آياتِ ذا قرآنٍ مَعمُورٍ رحيبٍ وبسُؤْدةٍ وبصَهل. ومعنى السُؤْدة في لسان العرب يا سادة؛ بقيةٌ من الشَّباب.

هذا، وإن كانَ القلمُ صائباً فيما أطَّ فخَطَّ فللهِ الحمدُ على مَنِّهِ وتوفيقه، وإن كان القلمُ خائباً ونَطَّ فاشتطَّ فمردُّهُ عليَّ واستغفرُ اللهَ عن ذا قلمٍ مُتَهورٍ مَثبور.

***

علي الجنابي

 

أبو العباس (أبو جعفر) أحمد بن المتوكل بن المعتصم بن الرشيد (229 - 279) هجرية، وتولى الخلافة (23) سنة، (256 - 279)هجرية، وكان عمره (27) سنة حينما أخرجوه من سجن الجوسق وبايعوه خليفة بعد قتل المهتدي بالله.

"إستعمل أخاه الموفق طلحة على المشرق وصير إبنه جعفر وليا للعهد وولاه مصر والمغرب، ولقبه المفوض إلى الله"

"إنهمك المعتمد باللهو والملذات، وإشتغل عن الرعية، فكرهه الناس وأحبوا أخاه طلحة"

"وفي سنة (269) هجرية إشتد تخيل المعتمد على أخيه الموفق"

وإستفحل الشك بينه وبين أخيه الذي كان قوة الدولة وعمادها، والذي حاول أن يحررها من قبضة الأتراك في سامراء، فأنهكهم بالحروب، وقد كانت بينهما مواجهات سنة (264) هجرية إنتهت بالصلح، لكن المعتمد تمكن منه الشك حتى خرج يريد محاربة أخيه، وهو في عز منازلاته مع أعداء الدولة العباسية والخارجين عليها.

وهنا لابد من وقفة، لأن قراره غير حكيم، وربما يشير إلى أنه يتعاطى الخمر بإستمرار، وأن للخمر تأثير عليه طيلة الوقت، فهو منهمك بالملذات واللهو ولا يعنيه من أمر الرعية سوى أنه الخليفة، الذي يتمتع بما في قصر الخلافة من اللهو والشراب.

وبعد هذا السلوك تحول إلى أسير وهو يصف حاله شعرا فيقول:

أ ليس من العجائب أن مثلي....يرى ما قلّ ممتنعا عليه، وتؤخذ بإسمه الدنيا جميعا ...وما من ذاك شيئ في يديه، إليه تحمل الأموال طرا...ويمنع بعض ما يجبى إليه"!!

"وهو أول خليفة قهر وحجز عليه ووكل به"

وفي سنة (270)هجرية، أعيد إلى سامراء، لكن أمره ضعيف، وتمكن منه فيما بعد أبي العباس إبن الموفق الذي يرى أنه أحق بولاية العهد، فأجبره على أن يخلع إبنه المفوض إلى الله، ويعهد إليه بالخلافة من بعده وسماه المعتضد بالله، وتوفى ربما (مسموما) بعدها بأشهر.

ومن غرائبه أنه بقي في الخلافة (23) سنة، وذلك لأنه ترك أمر الدولة للقادة الأتراك، وإنشغل باللهو والملذات، وعلى الأرجح أنه كان مدمنا على الخمر، لأن معاداته لأخيه الموفق الذي ثبّت أركان الدولة خالية من الحكمة، خصوصا موقفه الأخير الذي قرر بموجبه الخروج لمحاربته والتخلص منه، وهو في ميدان القتال ضد المناوئين للدولة العباسية، مما يشير إلى أن الخمر ربما أخذ مأخذه منه، كما أنه بقي بعد ذلك بلا قدرة على إتخاذ قرار كالمنوَّم، حتى حانت نهايته.

هذه المدة في الخلافة في زمن الفوضى العاصفة في سامراء تدل على أنه كان معزولا، وبعيدا عن إتخاذ أي قرار مهم، فالأمر بيد أخيه الموفق وعند القادة الأتراك القابضين على السلطة، وما هو إلا رمز بإسمه يتم لهم تحقيق ما يريدون.

وما عليه إلا أن يهجع في دار الخلافة وينغمس بلهوه.

ويمكن القول بأنه كان شخصية إذعانية خانعة ومنقطعة عما حولها، وما يهمها إشباع رغباتها الآنية، والتمتع بالخلافة كفرصة للعبث والتفاعل المخمور مع ما لذ وطاب، ومع الجواري والغلمان وحسب.

وقد يقول قائل أن هذا إجحاف بحقه، لكن المدونات التأريخية لا تخبرنا عما هو عزيز وأبي في سلوكه، وأنه كان يريد النيل من أخيه المقاتل المغوار، وإبن أخيه الذي كان يرافق الموفق في مواجهاته مع الأعداء.

أما إنجازاته الأخرى فلا تتجاوز أنه  بنى قصر العاشق أو المعشوق، ليكون محل أنسه ومتعته وغرامياته، ولم يهنأ به طويلا.

فقد عاش كالأسير فيه أو بقربه، وكان موكلا به، وكأنه أمضى معظم خلافته في الإقامة الجبرية!!

وما أغرب المدوّن في كتب التأريخ، وكأن المؤرخين يكتبون بمداد جيوبهم!!

***

د. صادق السامرائي

23\2\2021

 

"ن.. والقلم وما يسطرون".

كتاباتنا تهكمية نواحية حزينة دامعة، تسهب في الرثاء وتعزيز البلاء. ولن تجد في المنشور المسمى إبداعا بأنواعه، ما يبعث الأمل ويحث على صناعة الحياة.

الدراسات، الخطابات، القصائد والمقالات، جميعها تتناوح  على إيقاعات نكبوية، إنكسارية، هزائمية، ولا تجد فيها روح التحدي والمجابهة والإصرار على أن نكون، وننطلق في فضاءات عصر خلاب.

أمثال هذه التوجهات غير موجودة عند أمم الدنيا الأخرى، فهل وجدتم بكائيات، ألمانية، صينية، أو يابانية؟

المجتمعات تتعرض للويلات والتداعيات وتحتلها قِوى وتفعل بها ما تفعله، لكنها لا تستكين وتنطمر في مآسيها، بل تتجاوزها إلى غدٍ ترسمه لأجيالها، وتعبّر عن جوهرها وقوتها وقدرتها على تجاوز المحن والنواكب.

الأمم التي تألقت في عصرنا تعرضت لأشد مما تعرضت له دول الأمة، وعانت القهر والحرمان والإستلاب والإحتلال، ونهضت رغم الداء والأعداء، وتجاوزت القمم الشماء.

ترى لماذا يتم تسويق السوداوية، والعدمية في ديارنا؟

أين إيماننا وثقتنا بأنفسنا وقدراتنا الحضارية؟

هل أنها الإفتراسية الفاعلة فينا؟

لا يمكن الجزم بأيٍّ منها، غير أن السائد يؤكد بأننا نناهض وجودنا، ونجتهد في سلوكيات التدمير الذاتي والموضوعي، وكأننا منومون، ومترنحون في حانات التضليل والغياب المبيد.

فهل من أقلام تكتب بمداد سعيد؟!!

وهل من كلمة طيبة!!

و"القلم شجرة ثمرتها الألفاظ"!!

***

د. صادق السامرائي

 

ترك بصمة: ترك أثرا.

هوِس بالشيئ: جن عشقا به، والهوس خفة العقل، وهو نوع من الجنون.

الكثيرون ممن إستوعبوا جوهر الحياة، وإستشرفوا الغياب، إنهمكوا بتواصلية ومثابرة لا حدود لها في محاولاتهم لترك بصمة في الأجيال القادمة، فيحزنهم أن يمروا فوق التراب مرور الكرام.

وتجدنا أمام نشاطات الذين يريدون أن يبصموا، أو يتركوا أثرا خالدا في الأرض .

أحد الأصدقاء إتصل بي قائلا: إجتمعت بعائلتي وقلت لهم بأني أديت رسالتي، وبقي علي أن أترك أثرا طيبا كبناء مركز للمعوقين أو مدرسة.

والآخرون يرون أنهم سيخلدون في كتاب، ترى ما فائدة هذه النشاطات بعد أن يموت الأشخاص؟

هل ينفع الأموات الأحياء؟

قد يبدو السؤال غريبا، وستأتي الأجوبة الرافضة والمفندة، لأننا مجتمعات (ما مات ما فات)، لا كما نبهنا إلى ذلك (قس بن ساعدة) المتوفي (600) ميلادية، في خطبته المشهورة، التي قال فيها: "ما مات فات وماهو آتٍ آت...".

فهل إستوعبنا هذه الخطبة التي ترددت في مسامعنا قبل مجيئ الإسلام؟

السؤال لماذا لا نعمل للحاضر، فما قيمة أن نترك أثرا بعد الموت، وما أنجزنا شيئا نافعا في حياتنا؟

هل هي الأنانية؟

هل هي الهروبية واليقظة بعد فوات الأوان؟

ليس من السهل الإجابة، لكنها ظاهرة فاعلة في واقعنا المبتلى بنا، فكأننا المعوقون في حياتنا، والفاعلون في مماتنا!!

وقد قال الشاعر أبو ذؤيب الهذلي: " وإذا المنية أنشبت أظفارها... ألفيت كل تميمةٍ لا تنفع"!!

فلنعمل لدنيانا كأننا تعيش أبدا!!!

***

د. صادق السامرائي

5\7\2022

 

" ذبيت روحي عالجرش.. وادري الجرش ياذيها، ساعة واكسر المجرشة.. والعن أبو راعيها"

المجرشة قصيدة طويلة  للشاعر الشعبي الملاعبود الكرخي (1861 - 1946)، إستحضرتها، لأننا أصبحنا جريشا  وتنوعت المجارش التي تسحقنا ومنها:

أولا: مجرشة المحاصصة

مفردة مدمرة وضعها الذي كتب الدستور لألف غاية  وغاية في نفس يعقوب، وقبلتها الأطراف المغفلة وصارت طُعما لها، فتناثرت أوصال مجتمع معتصم بحبل الوطن.

ثانيا: مجرشة الطائفية

من أخطر السلوكيات التي عززتها القوى الطامعة بالبلاد والعباد بأنواعها، ووفرت لها الوسائل والعوامل الكفيلة بتطويرها وتحويلها إلى داء وخيم، فأخذت المجتمع إلى ميادين الذل والهوان.

ثالثا: مجرشة المناطقية

القوى المفترسة لوجودنا قسمت البلاد إلى مثلثات ومربعات، وفقا لنوايا سيئة تهدف لإذكاء الصراعات البينية، وتبديد القدرات وإذلال أبناء المجتمع وزرع العداوات بينهم، وتسهيل قتلهم لبعضهم وفقا لمنطلقات آثمة.

رابعا: مجرشة الفساد

إنطلق مشروع الفساد بمؤازرة الطامعين وقطع أشواطا بعيدة، وتحول إلى وباء أصاب البلاد من أعلاها إلى أسفلها، وصارت ثروات المواطنين تغادر الوطن وتحط في المصارف الأجنبية بتسهيلات غير مسبوقة، حتى غدت سرقة المليارات سلوكا مقبولا وربما عاديا.

خامسا: مجرشة التبعية

التبعية صارت أمرا مفروضا بعد أن تمزق المجتمع وتحول إلى كينونات متناحرة، وكل منها تريد مَن يمدها بما يساعدها على السيطرة والبقاء، فـتأمنت مصالح المتبوعين، وتأكدت أدوارهم في تقرير مصير البلاد، والتابعون ينفذون ما يؤمرون به.

سادسا: مجرشة المُلك المشاع

من العجائب السائدة أن ما تحت الأرض وفوقها مجهول الملكية، وهو غنيمة وملك مشاع، يحق لمن هب ودب أن يضع يده عليه ويدّعيه، فلا مالك لثروات البلاد، والشعب أرقام على يسار الرقم المتسلط ولا قيمة له فهو يساوي صفرا.

سابعا: مجرشة اللاوطن

القوى المؤدينة المهيمنة على مقدرات البلاد والعباد، لا تعترف بوطن، وهذا من صلب عقائدها ومنهاج عملها، فالذين يتحدثون عن الوطن والوطنية أن يستوعبوا بواعث السلوك، ولهذا فأن الخطاب الوطني لا وجود له، ويحسب من أدبيات الهذيان.

فهل لدينا القدرة على تحطيم المجرشة، ونلعن أبو راعيها؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

الواقع القائم يشير إلى عدم إحترام الوطن، والأنظمة التي لا تحترم أوطانها تهون وتتمرغ بالذل والتبعية والخنوع، وتفقد سيادتها وتكون عالة على أولياء أمرها، الذين تستمد قوتها منهم.

وبعض علامات عدم إحترام الوطن تتلخص بما يلي:

أولا: إهمال النخلة

النخلة عانت الكثير من الشدائد منذ بداية النصف الثاني من القرن العشرين، وبلغت ذروة العدوان عليها أثناء الحرب العراقية – الإيرانية، وكم من بساتينها تم تجريفها، وكم أقتلع منها دون أي رأفة أو تفكير.

ثانيا: العدوان على النهر

النهران دجلة والفرات وروافدهما ، أصابهما الإهمال الشديد، وتحولا إلى مكب لمياه الصرف الصحي، وتقبّحت ضفافهما، وتقلصت الملاحة في مياههما.

ثالثا: كراهية الأرض

رغم خصوبة أراضينا، لكنها أصبحت ذات ملوحة عالية، لأن الزراعة ما عادت ذات قيمة، ولابد من التمتع بالمدنية المزيفة، التي أخرجتنا من التفاعلات الضرورية لوجودنا المعافى السليم.

رابعا: الآثار

بلد يمتلك أقدم وأنفس الآثار الحضارية، ولا توجد فيه نشاطات سياحية نافعة للمجتمع، بل أن قيمة الآثار ضاعت وصارت المتاجرة بها حرفة مربحة.

خامسا: البيئة

البيئة بمكوناتها لا تخضع لتنظيم وقوانين تحميها من السلوكيات البشرية الطائشة، ولهذا فقدت بيئتنا الكثير من خواصها وملامحها المميزة.

سادسا: الصحراء

الصحراء ثروة متنوعة الموارد، من العناصر النادرة إلى ما تحويه من فرص إستثمارية لمشاريع عديدة، ونحن نتبرم منها ونحسبها غير ذلك ونعاديها، وما عرفنا كيف نستفيد منها ونحولها لمصدر قوة ورفاه.

سابعا: الشمس

منطقتنا مشمسة، وعلينا أن نتعلم مهارات تحويل الطاقة الشمسية إلى طاقات كهربائية وغيرها، فلدينا مصادر غنية للطاقة، وهي منطلق الحضارة ومادتها.

ثامنا: الإنسان

قيمة الإنسان تتناسب طرديا مع قيمة الوطن، وعندما يغيب الإنسان ويتحول إلى رقم، وتصادر حقوقه ويفقد الأمن، ويتدثر بالقهر والحرمان، فاقرأ السلام على الوطن.

تاسعا: الزراعة

الزراعة عماد الإقتصاد وأس القوة، فالشعوب التي لا تقدر على إطعام نفسها تتحول إلى عالة، وتفقد قدرات التفاعل الإيجابي مع الحياة، وتنتشر فيها الصراعات البينية الإلهائية.

عاشرا: الصناعة

الوطن الذي لا يصنع يُصرَع، وتدوسه سنابك الدول الصناعية وتنتهك سيادته، وإهمال الصناعة عدوان على الوطن وتدمير لذاته وموضوعه.

حادي عشر: النفط

نعمة وطنية وفيرة تحولت إلى نقمة خطيرة، تبدد فيما يضر ولا ينفع، وتسببت بتفاعلات خسرانية مريرة، توجها الفساد المطلق والإغتنام المنفلت المشاع.

هذه بعض العوامل التي يجب النظر إليها بإخلاص، للتعبير عن إحترام الوطن والحفاظ على عزته وكرامته، وتأمين سيادته ورفعته، وبدونها يتحول إلى زنزانة ضياع.

و" حب الوطن من الإيمان"!!

***

د. صادق السامرائي

يحاول البعض أن يوهم الناس البسطاء، بأن مشاكلهم اليومية لا تتعلق بغياب الخدمات والبطالة، وأن معركتهم الحقيقية ليست مع سراق المال العام، ومروجي الخطب الطائفية، وأن الأزمة العراقية ليست السعي إلى تخريب.. وإنما أزمتنا الحقيقية هي مع برامج فضائية ومحاميات تجرأن واعترضن على تعديل قانون الاحوال الشخصية، بل ذهب الخيال بالبعض الى القول ان سماع الغناء كان وراء ضياع ثروات العراق .

قبل يومين خرج علينا السيد سعد المدرس وهو يوهمنا بانه يلقي خطبة لعدد من الناس، ولانه للاسف غير بارع في اداء هذا الدور فقد وضع وراءه صورة كبيرة لمكتبة وعندما تتفحص الكتب التي فيها ستجدها مكتبة انكليزية قديمة، قد لا يعرف السيد المدرس ان بها كتبا تخالف ما يعتقده من افكار ومقولات جاهزة ظل يرددها في الهواء.

السيد سعد المدرس اراد ان يبرر شتائمه للنساء ووصفهن بالفسق والفجور واهدار دمهن، فاخبرنا ان الشتم مباح في الاسلام، ولا ادري على اي حديث استند المدرس وهناك حديث نبوي شريف يقول: " سباب المسلم فسوق "

تخيل جنابك خطيبا، يحاول ان يخترع حكايات مزيفة من التاريخ واحاديث لا سند لها من اجل ان يبرر ما فعله بحق المحاميتين من شتائم وتحريض على القتل .

وقفت أمام خطبة سعد المدرس هذه التي يلقيها مع نفسه، وتذكرت ما قاله امير المتقين علي بن ابي طالب :" إني أكره لكم أن تكونوا سبابين " .

السيد المدرس يصرخ بصوت عال "الله في الاسلام من معاهدة سيداو " وظل يردد ان احدى المحاميات تريد تطبيق هذه المعاهدة لكي تتمكن من الزواج باربعة رجال في وقت واحد، موهما المستمعين ان المعاهدة التي اصدرتها الامم المتحدة تشجع على الشذوذ والرذيلة، ولانه لا يقرأ فقد فاته ان المعاهدة تريد ترسيخ مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة وعدم التمييز بينها وبين الرجل في العمل والقوانين، وكان يمكن للمدرس ان يعترض على المعاهدة بعد ان يقرأ فقراتها، لا ان يخترع فقرات لا علاقة لها بالمعاهدة التي هي عبارة اتفاقية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.

للأسف لا ادري لماذا يريد رجل دين مهمته بث الفضيلة واشاعة خطاب المحبة والتسامح، واعلاء شأن القيم الاخلاقية ان يصر في معظم خطبه على ان يشتم الذين يختلفون معه ويحرض عليهم، وليس في نبذ السراق والمفسدين وأمراء الطوائف، عندما نستمع الى مثل هذا الخطيب علينا ان نشعر بالخوف على مستقبل البلاد، لان من يقول هذا الكلام اليوم فربما يطالب غدا بتحويله إلى تشريعات تقضي برجم كل من يخالفه الرأي.

***

علي حسين

علة الأمة في مفكريها، ليزعل مَن يزعل، وليغضب مَن يغضب . الأمة المتهم الأول بقتلها مفكروها!!

ماذا قدم المفكرون؟

جميعهم يطاردون سراب "لماذا"، ويخشون الإقتراب من "كيف"!!

إستمعت لمحاضرات لمفكرين يهدفون إلى التجديد والتغيير، وهم يتحركون في دائرة لماذاوية مفرغة، وفي النهاية ما هي التوصيات العملية القابلة للتنفيذ؟

لا شيئ، لوم وتبرير وتسويغ وترسيخ لما هو قائم، وتعزيز للكائن، لأنه المعبر عن الإمكان الذي لا نستطيع الإتيان بأفضل منه.

المفكرون في مجتمعاتنا "يعيدون ويصقلون"، ويدورون في فلك "لماذا"، ولا يقدمون أسبابا واضحة لتمسكهم بها، وعدم قدرتهم على مغادرة خنادقها الظلماء.

المفكرون يستنسخون، ويستحضرون نظريات الآخرين ويفرضونها على واقع لا يعرفها.

فتحرروا من أصفاد "لماذا"!!

ولا تقدموا لنا مشاريع صامتة مخبوءة في الكتب المرفوفة.

نريد خرائط عمل ذات توصيفات واضحة وآليات تطبيقية متوافقة مع الواقع.

لا نريد معطيات الصوامع والتحليقات في فضاءات الخيال البعيد.

فهل نستطيع التفكبر الواضح، ونمتلك الجرأة لإعمال العقل في صناعة حياتنا المعاصرة؟

لا نريد طروحات نظرية، نريد حلولا تطبيقية!!

و" دليل عقل المرء فعله"!!

***

د. صادق السامرائي

 

ساد التنوع في أول دولة إسلامية أسسها النبي محمد (ص) في المدينة المنورة، وقد وضع النبي محمد (ص) أسس العلاقات بين طوائف هذا المجتمع الناشئ في وثيقة تسمى (وثيقة المدينة المنورة).

ثم توسعت الدولة الإسلامية في جميع أنحاء الجزيرة العربية في عهد النبوة والخلافة الراشدة، وفي العصور الأموية والعباسية والعثمانية، وفي فترة الحكام غير العرب وخلفائها.

 وهكذا زاد تنوع الأمم في ظل الحكم الإسلامي، أذ دخل الإسلام أناس من مختلف القبائل والشعوب، وخضعت مجموعات كبيرة من ديانات كثيرة معروفة وغير معروفة في شبه الجزيرة العربية لسلطة الخليفة.

ورغم اختلاف العرق واللون واللغة والثقافة والدين بين كل هذه الشعوب، إلا أن الانسجام ساد في علاقاتها مع بعضها البعض ومع الدولة والسلطان، وأصبح هناك توافق وعلاقة جيدة.. ولم يعرف المجتمع الإسلامي مفهوم الأقليات العرقية منذ قرون، باستثناء ما حدث نهاية الدولة العثمانية في 29 أكتوبر 1923.

ولم تتوقف دول العالم الكبرى عن طرح فكرة الأقليات العرقية حتى بعد استعمارها للدول العربية والإسلامية، واستمرت في متابعة المرحلة التالية المتمثلة في إنشاء الدول القومية العلمانية والوطنية على أنقاض الإمبراطورية العثمانية الخاوية.

وفيما يتعلق بنشوء مفهوم الأقلية، فإن مفهوم الأقلية كمفهوم سياسي وقانوني لم يكن معروفا في المجتمعات الأوروبية قبل ما يسمى (عصر التنوير).

الذي جاء في القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلاديين ليكمل ما بدأه عصر النهضة في القرنين السابقين، كردة فعل طبيعية للظلم والقهر والاستبداد الذي كانت الشعوب الأوروبية تعاني منه على أيدي السلطة السياسية ممثلة في الملكية، والسلطة الدينية ممثلة في الكنيسة، والسلطة الاقتصادية ممثلة في الإقطاع.

أذ تقوم الحكومة على النظرية الثيوقراطية، التي يحكم فيها الملك أو الحاكم باسم الله والدين، وبحسب هذه النظرية فإن السيادة للملك وليس للشعب، وكان الملك هو الحاكم وحكمه معترف به وهو الذي يضع القوانين ويعطلها ويلغيها.

وعندما تحرر الفكر الغربي من سطوة الكنيسة وبدأ في التمرد على الفكر الكنسي والديني، تبنى نهجا عالميا وجعل من الفرد موضوع اهتمامه، ورغم أن شعارات الثورة الفرنسية كانت ذات طابع عالمي (الحرية والأخوة والمساواة)، إلا أن الفكر الغربي واجه أزمة أيديولوجية.

 وعندما حاول السياسيون تنفيذ هذه الأفكار والخروج من هذه الأزمة من خلال القضاء على النظرية الثيوقراطية، طرح فلاسفة الغرب فكرة الدولة العلمانية.

إن مفهوم الأقليات في الفهم السياسي والقانوني الغربي مفهوم مهم للغاية بالنسبة للمجتمع البشري، فمجرد وجود اختلافات عرقية ودينية ولغوية وثقافية يفترض وجود تنافر وصراع بين الأقليات والأكثريات من جهة، وبين الأقليات من جهة أخرى.

 كما قامت الشيوعية على وجود الصراع بين الطبقات الاجتماعية، وبين العمال وأصحاب العمل، لكن هذه الاختلافات طبيعية في المجتمع وجزء من الصراع الفكري بين الحاكم المستبد والفكر الفلسفي والاقتصادي وإرادة الشعوب الراغبة بالتغيير.

وأما ما وقع من خلافات وصدامات ضد أهل الكتاب وعدم إنصافهم فإن الشعوب بريئة من ذلك، ولم تكن إلا حالات نادرة في التاريخ الإسلامي الممتد عبر ثلاثة عشر قرنا، كما شهد ناس من المنصفين والمستشرقين غير المسلمين بعدل الإسلام وسماحة المسلمين مع غير المسلمين من الرعايا.

وأخيرا نؤكد على حقيقة لا بد من فهمها وإدراكها، وهي أن مشكلة الأقليات هي مشكلة عالمية، وأن علاجها يجب أن يكون عن طريق الدولة العلمانية الديمقراطية، لأنها هي التي ولدتها، وأما بعض الدول العربية والإسلامية التي يراد أن تكتب لها الحياة فهي تخالف ما عليه دول العالم من تطور هائل في مسار الذكاء الاصطناعي والثورة الرقمية.

كما لا يوجد شيء اسمه - الوطن العربي- كما روجت له الأحزاب القومية العربية – الاشتراكية في مطلع ومنتصف القرن العشرين، بل العرب هم أهل الجزيرة العربية فقط.

* مصر: هي خليطٌ من العرب والقبط والأمازيغ والإفاقة وأجناس أخرى.

* المغرب الإسلامي: فإنّه يتكوّن بشكلٍ أساسيّ من الأمازيغ أو البربر ثمّ العرب والإفاقة وأجناس أخرى.

* أهل الشّام: هُم خليطٌ من الآراميّين والسّريان والأنباط والعرب.

* العراق: وهو خليط من السومريين والاكديين والكاشيين والفرس والهنود والإفاقة والترك والكرد والعرب والاذريين والشيشان والالبان والافغان.

فليعلم الجميع أن الحكم العلماني قادم لا محالة ولا نجاه للمسلمين ولا للبشرية كلها من ظلم المتأسلمين الأصوليين، وحينها سيعلم غير المسلمين أن الخير كل الخير هو في العيش في ظل دولة ديمقراطية عادلة لا فرق فيها بين عربي وأعجمي إلا بالوطنية وحسن السلوك.

***

شاكر عبد موسى/ كاتب وأعلامي

قالوا له ستقتحم ديارنا الدبابات، فقال لهم: نرميها بحفنة تراب!!

وأصيب الآلاف وسمعنا مَن ينادي: لا تخافوا ولا ترتعبوا سننتصر عليهم!!

ترى هل يكفي الإيمان لمواجهة الإقتدار التكنولوجي، والتطورات البرمجية الإليكترونية، وجحافل الطوابير الإنترنيتية؟

نحن في عصر مادي بحت، تسيطر على إيقاعات مسيراته، الثورات الإبتكارية في عوالم خفية، لا تدركها عقول المجتمعات التي لا تزال تطارد خيوط  دخان، وتريد نفخ الروح في أفكار وتصورات الذين تحولوا إلى رميم منذ قرون وقرون.

الحياة معاصَرة ولا يمكنها أن تكون ماضوية، فدوران الأرض يقضي بولادة الجديد، ويأبى إعادة الماضيات، فذلك مخالف لطبائع الأمور.

فالماضي المستحضر بإنفعالية كالركام الذي يدثر عناصر الحياة ويمنعها من التفاعل السليم.

فلماذا تجدنا عندما تداهمنا النكبات، نسير إلى الوراء، ونتعلل بالإيمان، وما عرفناه بسلوكنا، ولا عبرنا عنه في تفاعلاتنا البينية، فما أسرعنا للنيل من بعضنا، وتأمين إيماننا بقتل الذي يخالفنا بأي شيئ.

الإيمان عمل، وأعمالنا لا تعبر عن إيماننا، فكيف نلجأ إلى حالة غير موجودة عندنا؟

الإيمان الموهوم لا ينفع، ومن الواجب أن يكون إيمان بالذات والموضوع، ومبشرا بعطاءات أصيلة على كافة المستويات.

إيمان العقل هو المنصور، وإيمان العواطف والقلوب هو المهزوم والمأزوم؟

فأين عقولنا المؤمنة؟

ولماذا نبقى نتراقص على هامش الحياة، كالطير المذبوح من الألم؟!!

و"لا يكفي أن نؤمن، بل علينا أن نمارس إيماننا"!!

فعلينا بالجد والإجتهاد والتوثب إلى صدق العمل!!

***

د. صادق السامرائي

في مقال سابق نشر بتاريخ 7/9/2024 في صحيفة المثقف الغراء تحت عنوان (حدود الدين وحدود السياسة، إلى أين؟)، تحدثنا عن موضوع حيوي ومهم لتطور البلاد والعباد في الوطن العربي والعالم الاسلامي على حد سواء، وأكدنا على ان للدين حدود ينبغي ان لا تمسها السياسة، والسياسة ينبغي ان لا تحشر نفسها في الدين لكي يتجنب المجتمع ويلات التداخل بين الدين والسياسة التي طالما عانت منه شعوب اخرى في دياناتها، المسيحية مثلا بين طوائفها الكاثوليكية والبروتستانتية والارثدوكسية والتي اسفرت عن مجازر وارهاب وتطرف وتكفير الاخر وفرض الوصاية عليه من طرف على اطراف اخرى واعتماد حالة (ظل الله) على الارض في الحكم والله بريئ من ذلك (وخلقناكم شعوب وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم).. هذا هو شرع القرآن الكريم في نصه المقدس الذي لا يعلو عليه أي نص دنيوي.

فلماذا الاصرار على حشر السياسة بالدين؟ ولماذا يتعمد رجال دين من كل صنف ولون، اسلاميون و(مسيحيون) و يهود وبوذيون وغيرهم على التعامل بأدوات السياسة التي هي ليست من شأنهم؟

قد يقول البعض (إن الدين سياسة)، وهذا ليس صحيحاً، لأن في هذا تداخل بين المقدسات والمدنسات. والبعض الآخر قد يقول (ان السياسة تقتضي استخدام الدين للوصول الى اهدافها)، وهذا لا يجوز، لان الدين ليس وسيلة للإستخدام في السياسة. ويقول أخرون ان الاحزاب الدينية هي التي تتقصد تطويع الدين في السياسة. وهذا عمل يسيئ الى الدين، لأن وسائل السياسة تلوث النصوص المقدسة، كما أن الدين لا يسيس في التعامل الاجتماعي إنما يلقن بصيغ الإرشاد والمواعظ والدروس الفقهية والشروحات والتفسيرات التوضيحية التي لا تخرج عن نطاق النص، والنص المقدس لا يجوز تعديله او تحريفه.. والفتاوى ليست نصوصاً مقدسة.. النصوص المقدسة منزلة قرأنياً، والفتاوى من صنع البشر، والبشر قد يخطئون ويضخمون ويقزمون ويمكرون ويكابرون.

فالواجب إذن ، ان يكون الدين في نصابه ، وأن تكون السياسة في نصابها ، الدين في أروقة المساجد والمعابد وبيوت الله ، والسياسة في اروقة البرلمانات والمؤسسات وغرف صنع القرارات التي يناور فيها صناعها.. ويكون المجتمع قد تخلص من التداخل وتكون السياسة قد تخلصت من الإزدواجية.. و(التداخل والإزدواجية) يعيقان تطور المجتمع والدولة على حد سواء.. والأصلح موضوعياً وعملياً أن يعظ رجال الدين في المساجد ويحاضر رجال السياسة في المؤسسات.. كل له حقله رجل الدين في الوعظ والارشاء والافتاء ورجل السياسة في بناء الدولة ومؤسساتها وسياساتها الخارجية ويستلهم (روح الدين) في البناء الروحي للمجتمع.. ولا اجتهاد في النصوص المقدسة خوفا من التفسيرات الخاطئة والتحريفات المغرضة.

الإيمان بروح الدين الإسلامي الحنيف هو (الثابت)، الذي يؤكد على العدل والانصاف والمساواة والتكافل الاجتماعي وحرية الرأي والرأي الآخر.. أما السياسة فهي (المتغير) الذي يعول عليها في بناء الدولة الوطنية الحديثة القائمة على مقومات (العصرنات) الأربع 1- التعليم 2- الزراعة 3- الصناعة 4- الإرواء.

الإيمان بروح الدين، يرفض التعصب ويرفض الغلو ويرفض الإكراه ويرفض الإرهاب ويؤكد على العدل والأنصاف.. والايمان بروح السياسة الوطنية، يؤكد على العدل والمساواة في الحقوق والواجبات والحرية وعدم الإرتهان للأجنبي وصيانة الإستقلال الوطني. 

الإيمان بروح الدين والإيمان بروح الوطنية هما اللذان يعول عليها في بناء المجتمع والدولة.. فالسياسة الوطنية تستخلص من منهج الدين روحه النبيلة إيماناً عميقاً بأن لا جسد بدون روح ولا روح بدون جسد.!!

والله المستعان

***

د. جودت صالح

19/ 09/2024    

إن اللغط الذي رافق مناقشة تعديل فقرات من قانون الأحوال الشخصية لعام 1959 ميلادية والذي مضى عليه أكثر من ستين سنة ولم يُعدل إلا في الآونة الأخيرة وبشكل ملفت للنظر من حيث التوقيت والأسلوب ونوع الفقرات التي يُراد تعديلها حيث سببت كثيرا من المناقشات الجدلية الرافضة والقابلة لها وهذا الدفاع المستميت من قبل كثيرا من رجال الدين والذين لم ينتبهوا إلى خطورة هذه التعديلات الاستفزازية للمجتمع الذي يسير نحو المدنية ومحاولة التعايش مع الواقع الجديد الذي يفرضه التطور الحاصل في العالم والحياة العامة للأمم الأخرى وهذا ما أدلت به الجهات الرافضة لهذه التعديلات فقد سبب هذا المشروع شرخا اجتماعيا في النسيج العراقي ومؤسساته المدنية والأسرة التي ترى من وجهة نظرها أنه مجحف للمرأة والطفولة ومكونات الأسرة العراقية مما دعت إلى ارتفاع الأصوات المدافعة عن حقوق المرأة والطفولة بعد محاولة رجال الدين وبعض مؤسساته السيطرة والهيمنة من جديد على رسم سياسة الدولة والمجتمع التي باتت أفكار هذا التيار بعيدا عن طموحات الشارع العراقي والمجتمع وصعوبات العيش فإذا كانت هذه القرارات من وجهة نظر رجال الدين أنها من الشريعة الإسلامية ومبادئها وقيمها فقد قال الله تعالى في محكم كتابه العزيز وعلى نبيه الكريم محمدا صلوات الله عليه وسلامه (أحكم بالعدل وأمر بالعرف) وأن الأعراف الاجتماعية لا تبيح لهذا السن الصغير والمحرج الزواج لأسباب عدة منها فسيولوجية ونفسية وعقلية وأخلاقية وليس هناك سند منطقي وتشريعي معتبر لهذه الفئة العمرية من الزواج والتي أثارت الجدل مؤخرا بين أوساط المجتمع العراقي وأما الحضانة للرجل والمرأة فأنها مسألة تُدرس من قبل مختصين واختصاصي القانونيين والاجتماعيين  واساتذة علم النفس والاجتماع يمكن أن يدلوا بدلوهم بهذا الصدد .

أن هذه التعديلات تثير جدلا واسعا في أوساط المجتمع وعدم الإجماع عليها ليس بحاجة للمجتمع العراقي لها أو إلى هكذا قوانين خلافية في الوقت الحالي والتي تزيد من المشاكل بين المجتمع الذي يترنح تحت وطأة السلبيات والمشاكل التي تعصف به أن هذه الآراء يحكم بها العرف ضمن تطورات المجتمع بالإضافة إلى أن المرجعيات الدينية المعتبرة لم تدلوا بآرائها حول هذا الموضوع وتركته للأصحاب الاختصاص ولم ترفضه أو تقبله وتركته للدولة ومؤسساتها المدنية . كان من الأولى على المشرع العراقي المهتم لشؤون المرأة وحقوقها والدين والذي طرح هذا المشرع للمناقشة أن يكون أكثر جرأة واهتماما بالواقع العراقي المتردي كالاهتمام بمكافحة آفة المخدرات التي أصبحت تفتك بالشباب والجيل الجديد أو استيعاب البطالة والخريجين وسحبهم من الشارع أو قوانين لتطوير ورفع مستوى التعليم والتربية أو قوانين مهمة ورادعة للحد من الفساد الأخلاقي والمادي والوظيفي وضرب رؤوس الفاسدين الذين عاثوا في العراق وثرواته وأعطوا شرعية مفهوم الفساد في الدولة العراقية وغيرها من المشاكل التي تعصف بهذا البلد المظلوم وأن تكون القوانين بمستوى التحدي الذي يعانيه الشعب العراقي والمسؤولية تتحملها كافة فئات الشعب وأطيافه وهذا ما يرتجيه المواطن من المشرع العراقي.

***

ضياء محسن الاسدي

 

خبر عاجل: مجلس القضاء الاعلى يساند تعديل قانون الاحوال الشخصية، وليضرب المعترضون رؤوسهم في اقرب حائط .

جاء ذلك، خلال استضافة مجلس القضاء الأعلى، اجتماع مناقشة مشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم (188) لسنة 1959 المعدل، بحسب بيان رسمي انه استضاف شخصيات،  وعند النظر  إلى صورة الاجتماع تبين ان هؤلاء الأشخاص هم النواب الذين يصرون على تشريع التعديلات، فيما استثنى الاجتماع النواب الذين اعترضوا على التعديلات، وتأكد لمجلس القضاء ان الاعلام يبالغ في الحملة ضد التعديلات وان الحياة سيكون لونها وردي بعد ان تصدر مدونة الاحكام الشرعية التي ستجعلنا نعيش بهناء وسرور .. و " توته توته خلصت الحتوته " على حد تعبير اخواننا المصريين . هكذا يزف لنا مجلس القضاء البشرى التي حاول الاعداء حجبها عن الناس، فالتعديلات تعتمد على الدستور على حد بيان المجلس الذي يؤكد انه " العراقيون احرار في الالتزام باحوالهم الشخصية حسب دياناتهم او معتقداتهم او اختيارهم وينظم ذلك بقانون"، وليسمح لي السادة في مجلس القضاء ان اطرح سؤالا: هل العراقيون يتزوجون منذ عقود من دون الالتزام باحوالهم الشخصية؟

منذ سنوات ونحن نعيش فصولا من الجدال حول سيف القانون البتار الذي لم يخش مسؤول، ولا تراجع امام نموذج نور زهير، والجميع ظل يتغنى بقرار الافراج عن نور زهير، من اجل الحفاظ على المال العام، واختال علينا البعض بعبارة ": ليس في الإمكان أحسن مما كان"، ورغم أنّ نور زهير ومن معه لفلفوا ثلاثة مليارات من الدولارات، إلّا أنّ البعض أراد أن يكتب النهاية السعيدة للمسلسل، من اجل تصفير مشاكل البلاد، من اجل ظهور نور زهير جديد .

السادة الذين اعتبروا ان تعديلات قانون الاحوال الشخصية تصب في مصلحة المواطن اتمنى عليهم ان يتحملوا " مواطن مشاغب " مثل جنابي، يبحث عن نسمة عدالة، يتأكد أنّ هذه النسمات حلال على فئة معيّنة، وحرام على البعض، واتمنى عليهم ان يعرفوا ان العدالة تعني حكم القانون، شرط أن يكون عادلا، وحكم القضاء شرط أن يكون نزيهاً، ولعل أفضل ما يفعله القضاء هو ان تكون قراراته لصالح الناس لا لصالح مجلس النواب، لأن أمام القانون يجب ان يكون هناك فرق بين مواطن يطلب العدالة، ومسؤول يضحك من العدالة وقوانينها .

والآن دعونا نتساءل: هل تعديلات قانون الاحوال الشخصية اهم للمواطن؟ أو من محاربة الفساد المالي والاداري والرشوة المنتشرة في معظم مؤسسات الدولة والمخدرات التي تنخر بجسد العراق .. ايها السادة، الناس بحاجة الى قوانين تأخذهم الى المستقبل، وقديما قال المرحوم افلاطون " عندما يصمت القانون تصمت معه حركة الحياة.

***

علي حسين

أنظمة الحكم في دول الأمة، منهج حكمها أنها تبدد طاقات الشعوب المتسلطة عليها، وذلك بالإجتهاد في إبداع الملهيات اللازمة لإشغالها بهموم يومية قاهرة، تمنعها من التأمل والتفكر بحقوقها وما تقوم به الكراسي من مفاسد وإستحواذ على الثروات الوطنية.

فالشعب مشغول ببعضه، ويئن من القوانين المفروضة عليه، القاضية بالقبض على مصيره، وتحجيم دوره، وتحويله إلى موجود بلا قيمة أو معنى، فالشعوب أرقام في عيون الحكام!!

ووفقا لهذا المنطلق، يتحقق إنهاك الشعوب وتفريغها من طاقاتها الإيجابية، وتأجيج الطاقات السلبية فيها، اللازمة لتأمين الإنشغال والتفاعل التصارعي بين أبناء الوطن الواحد.

ومن أفظع أساليب الإلهاء والإستهتار بالوجود الإنساني للشعوب، إستعمال الدين كوسيلة للتدمير الذاتي والموضوعي، والعمل بمعطيات الطائفية والمذهبية المقيتة، وإيهام الناس بأن الصراع ديني، ومن ضرورات التقرب إلى الرب المعبود، وفي جوهره صراع سياسي، وتقاتل على الكراسي والمناصب والأطماع، والقدرة على الإستحواذ الأكبر.

لا يوجد صراع ديني بين أبناء الشعب الواحد، بل يتم توريط الدين كقناع لتمرير نوازع وتطلعات النفس الأمارة بالسوء الفاعلة في الذين دينهم هواهم.

وهكذا صارت التحزبات ذات طابع ديني، والنشاطات القائمة في المجتمع ذات توجهات مذهبية، وآليات تبعية وتقليد للذين يطمعون في البلاد والعباد، ويضعون مصالحهم فوق كل شيئ.

ويبقى المسخَّرون لتمرير أجندات الطامعين، يتحركون على إيقاع أوهامهم، وتصوراتهم التضليلية، وهم كالمنومين السكارى بالبهتان لحد الثمالة والغثيان.

فمتى سيستيقظ أبناء الوطن المبتلى بالمأجورين، والمنفذين لأوامر الآخرين؟

"تنبهوا واستفيقوا أيها العرب

 فقد طمى الخطب حتى غاصت الركب

*

ألفتم الهون حتى صار عندكم

طبعا وبعض طباع المرء مكتسب

*

وما دماؤكم أغلى إذا سفكت

من ماء وجهٍ لهم في الفحش ينسكبُ"!!

***

د. صادق السامرائي

9\6\2024

 

يحتاج أي نظام سياسي إلى وجود ثقافة سياسية تغذية وتحافظ عليه. لأن الثقافة السياسية للنخب السياسية ذات أثر لا يجوز تجاهله في مرحلة الانتقال إلى الحكومات المتحررة من الدكتاتورية من دون أن يقلل ذلك من أهمية توافق النخب على الالتزام الخيار الأنسب كشرطًا أساسيًا في أوقات الانتقال للخيار وان اي  نقاش حول الثقافة السياسية يكون ناقصاً دون ان يكون للدين دور تقييمي له. وكمصدر للقيم الاساسية فيه، فإن الدين يعتبر مكوّناً هاماً في الثقافة السياسية في كل الازمان وهنا لا اعني ان يكون كل النظام ديني انما  تطبيق المفاهيم الاخلاقية  في الممارسات ولكون ان المغريات في الوقت الحالي تكون الحاجز في الوصول للحكومة الدينية لذا نحتاج الى وقت لتغيير المجتمعات فكريا وثقافيا لمراحل تطبيقاته ولكن يمكن الاعتماد على الركائز الدينية في الاخلاق لادارة الدولة. و الدين يمنح الشرعية ولا يستمدها، فبإمكان القادة الدينيين ان يكونوا حرّاس للثقافة السياسية ومن الواضح يصعب الحديث عن ثقافة سياسية مستقلة نشأت من المجتمع وتجاربه، لتجد تعبيرها من خلال النظام السياسي الذي يمثل قيم هذه الثقافة. في العادة، تُلحق الأنظمة الاستبدادية، خصوصاً الشمولية منها كما في نظام  حسني مبارك في مصر وصدام حسين في العراق أو نظام معمر القذافي في ليبيا او النظام الشيوعي في الاتحاد السوفياتي في ظل حكم جوزيف ستالين أوغستو بينوشيه في تشيلي وأفغانستان الحالية وكوريا الشمالية والصين الشعبية وعشرات الدكتاتوريات الاخرى من الحكومات العديدة التي ادارة وتدير المجتمعات بالسلطة الحاكمة بقوة الدعاية الموجهة والسلاح والمركزية التي روجت لأفكار سلطوية تخدم تلك الانظمة الحاكمة وبإمكانات القسر الأمني التي تعاقب على الأفكار الممنوعة والمحرمة المناقضة للنظم السياسية تلك.

بلا شك لا يمكن الانكار من كون ان مثل هذه الحكومات الفردية في  توائمه ثقافة سياسية تتمحور عناصرها في الخوف من السلطة' الديمقراطية ' والإذعان لها، وضعف الميل إلى المشاركة فيها فتور الايمان بكرامة وذاتية الإنسان، وعدم اتاحة الفرص لظهور المعارضة لكون ان الحكومات الديمقراطية الممنهجة فكريا تتطلب منها  ثقافة تؤمن بحقوق الإنسان، وتقتنع بضرورة حماية الإنسان وكرامته في مواجهة أي اعتداء على هذه الحريات، حتى لو كان من قبل السلطة نفسها، كما يشترط لاستمرار النظام والحفاظ على بقائه توافر شعور متبادل بالثقة بالآخرين في ظل مناخ اجتماعى وثقافى يعد الإنسان لتقبل فكرة وجود الرأى والرأى الآخر، ويسمح بوجود قدر من المعارضة في إطار قواعد وأطر سياسية موضوعة بدقة لكى تنظم العلاقة بين أفراد المجتمع السياسى.

الاتجاه نحو النظام السياسي الحقيقي والذي ينبعث من المصداقية هو الإيمان بضرورة الولاء له والتعلق به والضرورات بالإحساس بالمواطنة وما ترتبه من حقوق والتزامات. فكل ثقافة سياسية عليها أن تحدد النطاق العام المعقول للعمل السياسى والحدود المشروعة بين الحياة العامة والحياة الخاصة. ويتضمن هذا النطاق تحديد الأفراد المسموح لهم بالمشاركة في العملية السياسية ووظائف المؤسسات السياسية كل على حدة. كما تفرض الثقافة السياسية معرفة حدود المشاركة في هذا النظام مثل السن والجنس والمكانة الاجتماعية والوضع العائلي. بالإضافة إلى أن بعض الثقافات السياسية تحرص على تحديد الأبنية والوظائف السياسية في الدولة، وكذلك الأجهزة المنوطة بتحقيق الأهداف التي تحددها الدولة.  فالثقافة السياسية هي التي تدعم النظام، وتحدد أطره، وتغذية المعلومات المستمدة من واقع البيئة وخصوصيتها، وتحافظ عليه وتضمن بقاءه.

***

عبد الخالق الفلاح – باحث واعلامي

 

الأديان من الأخطار البشرية، لأنها الأداة اللازمة لتحرير ما تشتهيه النفوس الأمّارة بالسوء، وربما تكون  مخترعات، لأنها ما حققت العدل والحرية والسلامة الإنسانية، ومرّغت أطهر القيم والمعاني في أوحال الهوان والتنكيل.

بإسم الأديان تُرتكب الفواحش وتصبح قوانين الغاب مقدسة، وبإسمها تزداد الجرائم والخطايا والآثام، التي تجد لها منافذ للتوبة والتطهير بفعالية طقوسية مخادعة، فتتنوع أساليبها وغايتها واحدة، وبموجب إرادة الأديان وجوهر منطلقاتها، تكون المجتمعات المبتلاة بما هو ديني في أخفض حالات الإقتدار.

ويحدثنا التأريخ بأحداث عديدة عن كيفيات النيل من الفضيلة وسيادة الرذيلة بإسم الدين.

وعندما يتحول الدين إلى حركات سياسية وأحزاب ومجاميع، فالجرائم تبلغ ذروتها وتحقق أبشع ما يمكن حصوله، فمحاكم التفتيش تحمل أدلة دامغة على ذلك ، والحروب الصليبية والصراعات بإسم الدين بأنواعها.

ولا يمكن تنزيه الدين من الإثم المبين، فالدين يقتل أبناء الدين بإسم الدين، وينشر الفحشاء والمنكر بإسم الدين.

وفي الزمن المعاصر، هناك العديد من الأحزاب المؤدينة، التي نشرت الفساد والظلم والقهر والإمعان بتدمير الأوطان والمواطنين، والتفاخر بالحكم بالحرمان والنهب والسلب ومصادرة حقوق الإنسان.

وفي بعض المجتمعات صار الفساد دستورا ومناهجَ  وقوانين، والنيل من إبن الوطن كطقس عظيم للإيمان القويم.

وهكذا فالأديان توفر للبشر ذرائع لإرتكاب الخطايا بقلب سليم، وكلما إزداد البشر تدينا، صار متوحشا، وتفاعلاته إنعاكسية شرسة كأنه الحيوان الكاسر الذي مرت أمامه فريسة بلا مخالب وأنياب، وتلك حقائق مريرة فاعلة في دنيا البشر، ولا من مفر!!

و"كل ممنوع مرغوب"!!

***

د. صادق السامرائي

 

قبل عشر سنوات، ظهرت منصة Netflix على الساحة، وفي تلك اللحظة، وإن لم ندركها تمامًا في حينها، تغيّرت عاداتنا إلى الأبد. لم يعد فتح كتاب لقضاء المساء ممارسة شائعة كما كانت، بل بدأنا نشهد تراجعًا كبيرًا في هذه العادة. أنا لا أزعم أن عام 2014 كان يعجّ بالقراء كما لو كانوا غالبية سكان العالم، لكن على الأقل كان هناك طيف من الناس ينغمسون في متعة القراءة بانتظام.

والآن، بعد عقد من الزمان، نرى أن هذا الطيف قد انقرض تقريبًا. القليلون فقط من يجدون في قراءة الروايات وسيلة لتمضية الوقت، بينما يفضّل أغلب الناس الانغماس في متعة استهلاك مسلسلات تتراكم في مكتبات منصات البث، المتاحة بلا حدود وفي أي وقت. وكأن Netflix وأمثالها وجهت الضربة القاضية لعادة القراءة التي كانت تحتضر على أي حال.

لسنا بحاجة إلى نظرة عميقة لنرى كيف انتقلنا خلال عقدين من الزمن من حضارة الكلمة إلى حضارة الصورة والصخب. شلالات من الصور والأصوات تحاصر عقولنا في دوامة لا تهدأ. لقد سلبت الشبكات الاجتماعية قدرتنا على التأمل والتفكير العميق، وحولت أدمغتنا إلى أراضٍ محروقة، حيث اندثرت براعة الفكر تحت وطأة الشعارات البسيطة والمبتذلة التي لا تسعى إلى الحوار أو الإقناع، بل تكتفي بترديد الرأي في أبسط صوره.

الشاشات أصبحت مقدساتنا الجديدة، والهواتف المحمولة تمثل ملاذنا. نعيش في حالة تشبّع دائم بالصور والأخبار والقصص التي تمر أمام أعيننا كبرق خاطف، حتى باتت قدرتنا على التركيز لا تتجاوز سوى دقائق معدودة، إن لم تكن ثوانٍ. أصبحنا أسرى الإشعارات، نحول انتباهنا دون تردد لرسائل الواتساب أو مقاطع الفيديو العشوائية التي تثيرنا، كفيديو يروي قصة تزاوج دببتين، قبل أن يتم استبداله بمشهد لرجل يفتح جراد بحر باستخدام لحيته!

Netflix لم تكن سوى تسريع لهذا الانهيار الثقافي، إذ قدّمت بحرًا من المسلسلات بجودة متفاوتة وسعرٍ زهيد، بعضها عظيم، ولكن الأغلبية الساحقة مجرد محتوى ضحل، مصمم ليدمنه العقل دون مقاومة، مُبقيًا إيانا أسرى ليلًا بعد ليل، نلهث وراء قصص جديدة، ونهرب من أنفسنا.

لقد قدّمت Netflix مخرجًا مثاليًا لمن يبحث عن الهروب من ذاته، عن طريق مكتبة لا تنتهي من العروض التي لا تتطلب سوى أريكة ومقدار ضئيل من الانتباه. ولكن هذه الرحلة اليومية في عالم الاستهلاك البصري قضت على قدرتنا على بذل أي جهد فكري. في كل مرة نغيب فيها عن أنفسنا، نصبح كائنات خاوية، أسرى لروايات ركيكة ومكتوبة بسرعة، تجردنا من أي قدرة على النقد أو التعمق.

اليوم، قراءة رواية ليست فقط مسألة وقت، بل هي أيضًا اختبار لقدرتنا على التركيز، على المثابرة التي لم نعد قادرين على استحضارها. فالدماغ أشبه بعضلة، إن عوّدته على استهلاك الصور السطحية، وإن لبّيت رغباته في الهروب المستمر، يصبح عاجزًا أمام تعقيد الجمل الأدبية التي تتطلب وقتًا لكتابتها وذوقًا خاصًا لفهمها. تصبح الرواية كما لو كانت معادلة غامضة أمام عقلٍ تآكل بفعل الاستهلاك المفرط للترفيه السريع.

المشكلة ليست أن الناس توقفوا عن القراءة فقط، بل أنهم لم يعودوا قادرين على القراءة. لقد انهارت قدرتهم على التركيز إلى درجة تجعل القراءة، بما تتطلبه من جهد وانتباه، ضربًا من المستحيل. نحن نغرق في ثقافة "البيتزا"، نستهلك محتويات رخيصة وسريعة يومًا بعد يوم، ومع الوقت، نفقد القدرة على تذوق الأطباق الأكثر تعقيدًا والأكثر قيمة. يصبح الذوق ذاته شيئًا من الماضي، كما لو كنا مبرمجين لاستهلاك البيتزا فقط، دون تمييز.

Netflix ليست سوى "بيتزا هت" للثقافة. شيء ليس جيدًا ولا سيئًا، بل مجرد حل عملي نتبناه حتى لا نضطر إلى التفكير أو بذل الجهد. بالنسبة لكثيرين، هذه هي السعادة المعاصرة: سعادة مبنية على الهروب والابتعاد عن الذات، عن القراءة، وعن التفكير العميق.

***

محمد إبراهيم الزموري

 

دكان: حانوت، متجر

الدول النفطية يمكن تشبيهها بالدكان، فبضاعتها النفط، وما تجنيه منه تحاول أن تستخدمه لتحقيق رغبات الذين حسبوا النفط غنيمتهم، وأبناء البلاد لا حق لهم بثروات أرضهم، فهم أيضا غنائم في عرف المتسلطين عليهم بثروات النفط التي تتوارد إليهم كالسيل العرمرم.

دكان متخوم، وشعب محروم، وأصحاب الدكاكين النفطية عوائل وأنظمة حكم وأحزاب، وكانهم يحكمون آبار نفط، ولا يعنيهم الشعب، بل عليهم أن يقهروه ويذلوه ويبعدوه عن التفكير بالنفط وعائداته.

وأساليبهم معروفة بتوفير الملهيات والصراعات البينية القاضية بتدمير التآلف المجتمعي، وتحويل المواطنين إلى أعداء بعضهم.

الدكاكين الصغيرة تحولت إلى متاجر كبيرة ومولات في زمننا، الذي فيه إستحوذت فئات معدودة على ثروات البلاد والعباد، وصارت تتكرم عليهم بالفتات.

من أعطى القلة صلاحيات سرقة ثروات الشعب؟

هل توجد دولة في الدنيا لديها ثروات محتكرة من قبل بضعة أفراد أو عوائل؟

واقع منطقتنا يؤكد إنحرافات إنسانية، وإستحواذات ذات فساد ومفسدة، لا مثيل لها في تأريخ الأمم والشعوب.

والعجيب أن الناس مذعنة، وترضى بالكفاف، وتهتم بما يعوّق مسيرتها ويبدد قدرتها على التقدم والنماء.

إنه الإنكار الفظيع لحقوق الإنسان، والقبض عليه بالحرمان من أبسط الحاجات، ولوي عنق وجوده بإبتكار الصراعات الداخلية، التي تكبل الناس ببعضهم وتذهب بصيرتهم، وتدفعهم لإستلطاف البؤس والتعود على شظف العيش، والذين في الكراسي يبذخون، وينهبون ويسلبون، ويعيشون كالأباطرة، ويصمّدون أموال الشعب في بنوك الآخرين.

فنعمة النفط تحولت إلى نقمة، وأصبح عدو الأجيال المبين، فبه تستعين دول الأمة على بعضها، وتزيد من أجيج العداء والتلاحي والإنحطاط.

والكراسي ألعوبة عند أسيادها الذين منحوها وكالة السلطة والفساد.

فدام الفقر، وتأسد الأغنياء، فالعيش غاب، ولينتشر الشقاء!!

***

د. صادق السامرائي

 

في عالم السياسة كثيرا ما يتردد مصطلح " الدهاء السياسي " الذي يشير الى الذكاء والحنكة والاتزان في التعامل مع الامور السياسية واتخاذ القرارات في حالة من الهدوء والتروي بعيدا عن حالة الغضب والتهور اللذين يقودان في غالب الأوقات الى التهلكة ودفع الثمن غاليا، ولا نبرأ الدهاء السياسي من المكر والمخاتلة وسعة الحيلة لكنه يختلف عن الانتهازية السياسية التي يمارسها عدد من سياسيي الصدفة الذين يتقافزون من شجرة الى اخرى من أجل الوصول الى الثمرة الأكثر نضجا، حيث أفرزت ساحتنا السياسية انماطا مختلفة وغريبة من الأداء ومنها ان السياسيين مهما اختلفوا فيما بينهم  وكشروا عن عداواتهم وتبادلوا الاتهامات  فانهم سرعان ما يضعون خلافاتهم جانبا ويعودون الى التوحد عندما يشعرون بخطر ما يهدد سلطتهم ويتوحدون امام عدوهم المشترك، فالممارسة السياسية في نظرهم تستدعي الكذب والتخلي عن المُثل والاخلاق من أجل تحقيق المنفعة التي تأتي من وجودهم في السلطة والتي يُطلق عليها اليوم بـ " البراغماتية السياسية " التي تؤكد على ان من يحكم الفعل السياسي هي المصلحة اذ ليس هناك عداوة وصداقة دائمة انما هناك مصلحة دائمة، في حين الدهاء السياسي يعني الفراسة وادراك عواقب الأمور واتخاذ القرار المناسب للخروج من المأزق بأقل الخسائر وكذلك اجادة فن استخدام أوراق القوة، ومن قصص التاريخ الطريفة التي تشير الى الدهاء السياسي هي عندما انشغل عبد الملك بن مروان بمحاربة مصعب بن الزبير، اجتمع وجوه الروم الى ملكهم وقالوا : قد امكنتك الفرصة من العرب بتشاغل بعضهم ببعض والرأي ان تغزوهم في بلادهم . فنهاهم عن ذلك وخطّأ رأيهم ودعا بكلبين فأرش بينهما فاقتتلا قتالا شديدا، ثم دعا بثعلب فخّلاه بينهما، فلما رأى الكلبان الثعلب تركا ماكنا فيه واقبلا على الثعلب حتى قتلاه، فقال لهم ملك الروم : هكذا مثلنا ومثلهم، والطريف ان هذه الحكاية لها ما يشبهها في واقعنا المحلي ففي مدينة الديوانية ــ محلة الجديدة الشعبية ــ عاشت عائلة عُرفت بكثرة نزاع ابنائها فيما بينهم وعادة عندما ينشب النزاع يهرع احد الجيران للوقوف بين الأخوة لفض الاشتباك ــ حاجوز ــ لكنهم كانوا يتركون نزاعهم جانبا وينقضّون عليه .

***

ثامر الحاج امين

عندما أسسنا هيئة النزاهة في سنة 2004 وكانت بقيادة القاضي الاستاذ راضي الراضي، وكان حينها عددنا محدوداً لايتجاوز أصابع اليد، وكانت ترشيحاتنا للعمل في الهيئة من القضاء والقضاة ولاعلاقة لها بأي حزب او سلطة ...

كُلفت شخصياً بوضع قانون هيئة النزاهة وانظمة مفوضية النزاهة كما كانت تسمى في بادئ الأمر  ونظام كشف المصالح المالية، بإعتبار ان التشريع من صميم اختصاصي في دراسة الماجستير - جامعة بغداد، حيث كانت رسالتي تتناول معايير تقييم السلوك ومعايير التشريع والحقيقة وليس مدحاً بالذات حضي المشروع بتقدير اساتذة القانون والمنظمات العربية والأجنبية التي اطلعت عليه ومنها جامعة الدول العربية ولحنة القانون السويسرية ....

وبعد ان دقق في مناقشات طويلة في مجلس شورى الدولة في ظروف مراجعات خطيرة في الشارع العراقي انذاك في 2005 ومابعدها، ومن ثم ارسل الى مجلس النواب لتشريعه

ولكن هذا القانون بقى حبيس المناقشات والجدل حتى سنة 2011 !!! وافرغ الكثير من محتواه عند تشريعه من جهات كانت تخشى قوة النزاهة وصلاحياتها التي تشابه في المشروع جميع صلاحيات الهيئات المقارنة عالمياً.

وقبل مناقشة عِلل النزاهة

نرى ماهي فكرة أو عِلة انشاء هيئات مستقلة للنزاهة تقوم بمكافحة الفساد بدلاً من القضاء؟

حسب الأصل ان ملاحقة جرائم الفساد و العقاب عليها  هو من اختصاص القضاء بمعية الإدعاء العام. لكن هذا الإختصاص الأصلي فشل في مواجهة جرائم الفساد في مختلف انحاء العالم لاسباب عديدة منها:

* ان القضاء يعالج الجرائم بمختلف انواعها من الجرائم التافهة الى الجرائم الكبرى وهو مشغول دائماً وليس متفرغاً لقضايا الفساد المتنامية بشكل خطير والتي اخذت تُمارس باساليب وتقنيات حديثة ويمارسها أشخاص متنفذون يمتلكون قدرات عالية من أساليب التحايل على القانون والإفلات من عقابه.

* قيام مافيات الفساد بالترصد للقضاة الى درجة تهديد او اغتيال كل من يفتح قضية فساد وخاصة في ايطاليا والولايات المتحدة وهونك كونك وغيرها من الدول ومنها اغتيال قاض ايطالي شهير هز موضوع اغتياله العالم لقيامه للتحقيق في قضايا فساد*.

* نتيجة للدراسات المتخصصة حول الفساد في الأكاديميات العالمية اصبح علم مكافحة الفساد علماً مستقلاً بذاته ومن ثم لابد ان تتحقق مكافحته على يد خبراء متخصصين من مختلف الإختصاصات العلمية والإنسانية (قانون، هندسة، طب، محاسبيين وتقنيين ....).

* اصبحت الرؤية الدولية ان تكون مكافحة الفساد عمل مؤسساتي (اي لايقوم به قاض منفرد ) بل عمل متكامل يشمل الوقاية من الفساد وملاحقة قضايا الفساد بأستخدام التقنيات الحديثة وكشفها والتحقيق فيها وان يكون عمل هيئة النزاهة بمثابة عمل متنوع قضائي ووقائي واستخباري وتعليمي  ....

* اكدت اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لسنة 2005 على انشاء هيئات مستقلة بعيدة عن أي نشاط حكومي او حزبي وتعمل وفق قواعد خلاقة وأساليب مبتكرة وقواعد اثبات جديدة بعد فشل الطرق التقليدية في الاثبات لتحصن الفاسدين باساليب الإثبات التقليدية.

* وأكدت على الجهد الإستخباري في ملاحقة الفساد وتبادل المعلومات بين الدول وملاحقة جرائم الفساد دولياً واسترداد اموال الفساد المنقولة عبر القارات.

* كما اكدت بشكل واضح وملفت على ضرورة ان يملأ كل شخص يتولى منصباً عاماً استمارة كشف المصالح المالية ابتداءاً عند توليه المنصب وعند خروجه من المنصب لبيان مدى تنامي امواله خلال فترة خدمته العامة بشكل لايتوافق مع مصدر دخله الاعتيادي.

وحاولنا جهد الإمكان ان يتوافق القانون مع متطلبات الاتفاقية الدولية بكل تفاصيلها ولكن هذا ازعج الكثيرين!!

  ومن ذلك:

ابتداءاً لايشترط ان يكون رئيس الهيئة قاض

والمتعارف عالمياً ان يكون رجل قانون وبعض الهيئات تعتمد محاسبين قانونيين لرئاستها وتعطي لرئيسها صلاحيات رئيس وزراء او وزير كما هو حال السلطات المستقلة في الدولة

ولكن الذي حصل وخلافاً لمشروع قانون الهيئة الاصلي

يتم تعيين قاض من الصنف الاول بدون صلاحيات قضائية حيث رفعت من مشروع القانون !!!! واي قرار يتخذه يجب ان يعرض على قاض تحقيق قد يكون من حديثي التخرج ومن الصنف الرابع للموافقة عليه او رده!!!

وهذا ليس عيباً بحد ذاته ولكنه يؤخر العمل كثيراً وقد يقرر القاضي  عدم اعتماد تحقيقات محققي النزاهة واعادة التحقيق من البداية وهذا من حقه قانوناً.

وهذا في الواقع خلاف مضمون فكرة انشاء هيئات نزاهة مستقلة حيث تمت اعادتنا للمربع القديم اي اختصاص القضاء في مكافحة الفساد  بدلاً من اختصاص هيئة النزاهة وكأنك يابو زيد ماغزيت

* في دورة دورة تدريبة في مصر دهشنا من الوسائل الاستخبارية المتطورة عند دائرة الرقابة الإدارية  مثلاً لديهم مسدس يرمي كاميرة صغيرة من نوافذ البنايات التي تخضع للرقابة ...

 وقد كوفح موضوع استخبارات النزاهة بشدة في مشروع القانون بداعي انكم تحاولون ارجاعنا للماضي وتقاريره وكأن الدول الديمقراطية الكبرى لاتوجد فيها استخبارات ومخابرات وتقارير مع اختلاف الغرض عنها في الدول الدكتاتورية هنه في الدول الديمقراطية!!

* وعندما طالبنا ان لايخضع محققي النزاهة للتفتيش عند زيارة مؤسسات الدولة ليتمكنوا من تسجيل الجرائم ومراقبتها وخاصة الرشوة كانت الاستجابة معاكسة حيت أبلغنا حراس احد الوزارات ان هناك تعليمات مشددة لتفتيش منتسبي النزاهة بشكل خاص ودقيق وسحب اي جهاز يحملونه!!!!

***

فارس حامد عبد الكريم

النائب الأسبق لرئيس هيئة النزاهة الاتحادية

..............................

*من ذلك اغتيال القاضي جيوفاني فالكوني (بالإيطالية: Giovanni Falcone)‏ (18 مايو 1939 باليرمو - 23 مايو 1992) قاض إيطالي قضى حياته في محاكمة المافيا الصقلية كوزا نوسترا. اغتالته المافيا مع زوجته و ثلاثة من حراسه في انفجار قنبلة بلغ وزنها 350 كلغ من الديناميت تحت الطريق السريع من مطار بونتا ريسي لباليرمو بالقرب من بلدة كاباتشي.

 

كنت أتجول في معرض لرسومات سلفادور دالي (1904 - 1989)، ومعلوماتي عنه أنه من أعلام المدرسة السريالية، وأستخدم بعضا من رسوماته في أحاديثي عن السلوك البشري، وإكتسفت إهتمامه برسم الزهور والنباتات ومزجها مع الجسم الآدمي خصوصا المرأة.

وإستوقفتني جدارية كبيرة تمثل العلاقة بين السماء والأرض، وكأنها تختصر قصة الأديان، ففيها نبي أو رسول يتلقى ما يتلقاه من ربه، ويكون له أتباع يبدأون بأربعة ثم يتضاعف العدد، وكلما تكاثروا مالوا لقتال بعضهم، فتقول اللوحة أن ما جاء من السماء تسبب بتقاتلات لا تنتهي.

فهل أن الأديان من مسببات سفك الدماء؟

"...أ تجعل فيها مَن يفسد فيها ويسفك الدماء..."!!

المتابع لمسيرات البشرية فوق التراب، يجد أن معظم صراعاتها كانت لأسباب دينية، فالأديان تتقاتل، وأبناء الدين الواحد يتقاتلون ، فلا يوجد دين يخلو من الصراعات الداخلية والخارجية.

إنه سؤال محير، وسيقول الكثيرون أن العيب ليس في الأديان بل في البشر، الذي يؤمن بها ويسعى في سبيلها وفقا لتأويلاته، وظنونه بأن ما يقوم به يرضي ربه ويأخذه إلى عوالم السعادة الأبدية.

فهل أن الأديان وسائل للتعبير عن عيوب البشر؟

إن أفظع الجرائم ترتكب عندما تأخذ طابعا دينيا، لأن المجرم سيتحرر من المسؤولية، ويحسب ما يقوم به طقسا دينيا، وهو ينفذ ما يؤمر به أو يمليه عليه دينه، فيحرر ضميره من الرقابة والمساءلة.

الذين يعترضون على هذا الكلام، ربما سيعجزون عن الإتيان بدليل، يفند الفكرة التي وضعها سلفادور دالي بلوحته.

قد يقول قائل أن الإختلاف نعمة، غير أن الواقع يؤكد أنه نقمة، فالبشر فيه من العدوانية ما تنوء من حمله الجبال، ويبدو أن الإديان تفجر العدوانية الكامنة فيه، وتمنحها جواز التعبير عن توحشها بسلوكه المشين.

ولا ينفع مع البشر القول: "ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون"َ!!

إنهالت الأسئلة أمام اللوحة الجدارية، والأجوبة مرعبة!!

فلماذا هي أديان وأديان؟

وما الحكمة من العدوان؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

يأتي مصطلح الفزعة على ألسنة الكثيرين كدلالة على الولاء والمساندة سواء كانت تلك المساعدة معنوية أو جسدية، الفزعة في معناها الدارج لا تخضع لمفهومي الحق والباطل، أي إن دوافعها غالباً التعصب لأشخاص نحبهم أو على أقل تقدير تربطنا بهم صلات قرابة أو صداقة. هكذا ببساطة ننحاز لمن نحبّهم ونهرع لمدّ العون لهم، ولأقصى الدرجات التي تعمينا غالباً عن شروط الحكمة. يحصل هذا في مواقف حياتية، مشاكل ومواقف، أزمات ومِحن، فنحن تحرّكنا العواطف أكثر ممّا يفعل العقل، وهذه إحدى مشاكلنا النفسية التي لم تفلح الثقافة -ومهما بلغت مدياتها- في تهذيبها أو ايجاد حلٍ لها، إن (الفزعة) وهذا موضوعي هنا، وجدتْ طريقها إلى عالم الأدب، فبرزت لدينا ظاهرة الفزعة الأدبية، وتكوّنت بيننا طبقة أدباء وجمهور الفزعة، وهي ظاهرة لا تختلف كثيرا عن النوع الأول، فهي لا تعبأ بشروط الفن، واعتبارات النقد الرصين كمعايير لتحليل النصوص. والتفاعل معها والتعاطي مع تفاصيلها، ولا تلتمس الموضوعية في جميع طروحاتها وتقوم على الشللية التي باتت سمةً للأدب.

حضرتُ قبل فترة جلسةً أدبية لأحد الكتاب، وفي حالة لا تتكرر كثيراً وجدتُ القاعة ممتلئة عن آخرها، وكانت جميع الطروحات أو الدراسات أو الآراء النقدية تمجّد بالضيف المدعو، مبتعدةً عن عمق التحليل والموضوعية. عندما سألت الروائي إلى جانبي عن رأيه في الجلسة، قال لي إنها في الحقيقة ليست جلسة، إنما (عرّيس وربعه يزفونه)! مع إنه أبدى إعجابه بالضيف، ككاتب له بصمة جيدة، لكنه أبدى استغرابه من دراسات سطحية قوامها المديح والثناء عوضاً عن الدراسة الرصينة. وفي الحقيقة أن تلك الجلسة وسواها لم تكن سوى فزعة أدبية قام بها أصدقاء لمساندة صديقهم، هذا ينطبق على الحاضرين أيضا، الذين أتوا لمساندة زميلهم ولتكثير العدد. إن الكثيرين ممن يحضرون غير معنيين بما يقال في الجلسات، بل إن بعضهم لا يكترث فيشغل نفسه بهاتفه أو بحديث جانبي مع زميله، كما إن الدراسات هي في الغالب تطييب خاطر لأنها أيضا تقع تحت طائل أدب الفزعة. إن ما يحصل واقعاً، يحصل بذات الطريقة الكترونياً على صفحات الفيسبوك، حيث بسهولة يتم ملاحظة الإنحياز التام للأديب ممن هم حواليه، بصرف النظر عن جودة ما يكتبه وجماله الفني. قد ينظر البعض لهذه الظاهرة بحسن نية ولا مبالاة زاعمين أنها تشجيع معنوي مطلوب، لكنه من منظور فني موضوعي أمر خطير جداً، لأنه يعمل على تزييف الأدب، وخلط المعايير الفنية الجمالية وخلق نماذج أدبية من وهم، وهذا كلّه يسحق الذوق العام ويتسبب في تراجع الأدب، أو انحداره وتحويله إلى مسخ، لن يعترف به العالم من حولنا.

إن رفع الخطاب الأدبي نحو الموضوعية، وتخطي ظاهرة التعصب والانحياز الأدبيين ليس أمراً سهلاً، لأن هذه الظاهرة ترتبط بعوامل نفسية متأصلة، قوامها بيئة اجتماعية ترسخ عادات الإنحياز العاطفي، والحياد عن الموضوعية، ولكي نتخلص من هذه الظاهرة ينبغي ترسيخ مفاهيم علمية رصينة في العملية الثقافية برمتها، وقبل ذلك ينبغي أولاً مواجهة حقيقة أننا لازلنا في مرحلة ما قبل الأدب، وهذا يشبه درجة ما دون الصفر، هذا لا يعني أننا لا نملك أدباء جيدين، بل إن الأدوات تكاد تكون كلّها مكتملة، من أدباء ونقّاد وناشرين ومكتبات وحتى جمهور، لكن هذا يشبه أننا نملك كل مكوّنات طبخة معتبرة، لكننا لم نصل بعد إلى مرحلة إتقانها.

***

تماضر كريم

توقفت عند الفيديو الذي يظهر فيه شاب يجلس على كرسي، فيما يقوم شخص بقص شعره بماكنة حلاقة، وبين الحين والآخر يوجه له الصفعات، الحلاق الذي قرر أن يتولى منصب القاضي ليحاكم شاباً ربما أخطأ في حق أحد رجال الدين، أراد أن يثبت للمشاهدين أن ماكنته فوق القانون وأن بإمكانه أن يحلق رأس أي شخص، طبعاً من ضمنهم كاتب المقال دون أن يحاسبه أحد، فنحن نعيش في دولة يطلق فيها سراح سارق الثلاثة مليارات دولار، ويكافأ فيها من قرر أن يُطلق سراحه، في الوقت الذي يعاقب فيه مسؤول آخر صرخ " أنقذونا من حيتان الفساد " .. وقبل أن انتهي من مشهد الفيديو المؤلم الذي يقول للعالم إننا دولة بلا قانون، نبهني صديق الى تصريح للنائب رعد الدهلكي نشرته احدى الصحف، يقول فيه إن "رئيس البرلمان بالوكالة محسن المندلاوي هدد بسحب قانون العفو في حال عدم التصويت على الأحوال الشخصية".

كنت أتمنى أن لا أعود إلى الكتابة عن مجلس النواب، لكن ماذا أفعل ياسادة والبعض من أصحاب الكراسي النيابية لا يزالون يصرون على تحويل قبة البرلمان إلى ساحة للنزال، ففي ظاهرة، ربما تنفرد بها بلاد الرافدين، يشن السيد محسن المندلاوي الحرب على النواب الذين يرفضون إقرار تعديلات على قانون الأحوال الشخصية، ويوجه مدافعه الثقيلة تجاه المعترضين على مناقشة التعديلات، وقبل أن يتهمني السيد محسن المندلاوي بالعمالة للأجنبي وتنفيذي لأجندات مشبوهة، وهي التهمة الجاهزة التي يطاردون بها كل من يعترض على مخططاتهم لتحويل العراق إلى قندهار . أحب أن أنبه "سيادته" إلى أنني كنت وما زلت مع أن يأخذ البرلمان مكانه الحقيقي ويكون صوتاً للشعب، يناقش القوانين التي تهم مستقبل البلاد، ويسعى للسير بالعراقيين إلى الأمام وليس العودة بهم إلى العصور الوسطى.

يدرك السيد القائم بأعمال رئيس البرلمان أن في هذه البلاد لا يوجد مواطن واحد يمكنه الاعتراض على ما يقوله أصحاب الجاه والسلطان، مثلما لا يوجد مواطن يمكنه أن يخرج في تظاهرة تندد بالعبث الذي يجري داخل قبة البرلمان .

لقد بحت أصوات الجميع بأن بقاء العراق واستقراره ليس مرهوناً بقانون الأحوال الشخصية، ولا في جلوس محمود المشهداني على كرسي رئاسة البرلمان، فالناس تدرك جيداً أن هناك سوراً بين أحلام المواطن واحتياجاته وتطلعه الى المستقبل، وبين طموحات النواب وامتيازاتهم، كما أن الناس تدرك أن شؤون البلاد والعباد لا تدار بمبدأ " مشيلي وامشيلك ".

***

علي حسين

 

لكل زمان رحم يلد منه ما يناسبه، بَرَقتْ الفكرة أثناء إستماعي لإحدى أغاني (أم كلثوم)، وأقارن بين تذوقها في حينها واليوم.

وبدى طعمها وأثرها يختلف عما كان  سابقا، والسبب الأساسي دوران الزمن وتراكم السنين عليها، فالأيام كالركام الذي يدثر ما تحته، وكلما تقادم عمر الشيئ إزداد المتراكم عليه، وخفتَ صوته وأثره ومعناه، فلكل زمان  مقتضياته، وكل شيئ مولود من رحم  آنه، ومن الجنون التوهم بأن طعم الأشياء لا يتغير.

الكتابات بأنواعها، لها قيمتها ورونقها وأثرها في حينها، وبعده فأنها تفقد مؤهلات المواكبة  والتفاعل البقائي المفيد.

وهذه الحالة تنطبق على ما يحصل في واقعنا الذي يسعى لإستحضار  ما تقيأته القرون وتضح روح الحياة فيه، وذلك مناهض لإرادة الدوران وقوانين الأرض الأكوان.

فعندما تدوم الحركة، هناك مَن يتخلف ومن ينطلق من محطاتها، ولا يمكن الجمع بين المتأخر والمنطلق لأن المتأخر ستدوسه سنابك المنطلق.

وهكذا فأن مجتمعات الدنيا في إنطلاق دائب وبعض المجتمعات في تدهور غاضب، وبموجب ذلك يعيش الإنكسار والتردي تحت أكوام الركام.

فهل من قدرة على إدراك أسرار الإنطلاق نحو الأمام، وعدم التقهقر والإنهزام!!

"نعيب زماننا والعيب فينا...وما لزماننا عيب سوانا"!!

فهل نعرف زماننا؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

للعدو الداخلي اوجه متعددة، وهو سلوك خفي في اغلب حالاته:

*هو الفساد الذي يأكل الاموال العامة ويحرم الناس من حقوقهم في الحياة الحرة الكريمة ويسرق اسباب صحتهم وتعليمهم ...

*هو المحاصصة التي تبعد الكفاءات وذوي الاختصاص وتقرب الانتهازيين والجهلة والأفاكين

*هو الظلم  الذي ينال من قيم التعايش السلمي ويزرع الاحقاد ويفرق الناس.

*هو المحسوبية والمنسوبية التي تهدر قيم العدالة وتكافؤ الفرص.

*هو انعدام الحياء في اتيان افعال لا اخلاقية تخالف النظام العام والآداب العامة

*هو التفاهة التي تعلو من صغير الشأن وتحط من كبرياء كبير الشأن.

*هو اللاوطنية والعمالة والسمسرة والإستثمار  مع اعداء الوطن والشعب.

*هو الطائفية والقبلية والعنصرية والغرور المجتمعي.

اما العدو الخارجي: فهو في الغالب عدو محدد وواضح للعيان وان اختلفت اساليبه الماكرة

الفرق بين العدو الداخلي والخارجي:

العدو الداخلي يقود إلى تآكل القوى الداخلية ويهدر الثقة والسلم المجتمعي، خلاف العدو الخارجي الذي يحفز كل القوى ويوحد الصفوف في سبيل التقدم والغَلبة ويحرك عجلة التاريخ.

العدو الداخلي يثير المرارة والشعور بالغبن والظلم. فقد ورد في الحكمة المتواترة. ان ما يؤلم الشجرة ليس الفأس، انما يؤلمها حقًّا، أن يد "الفأس" من "خشبها".

بينما يبعث العدو الخارجي كوامن الغيرة الوطنية والشجاعة والوحدة الوطنيّة، كان الرومان يرون ان يكون للأله الحارس (جانوس) وجهين احدهما ينظر للداخل والآخر ينظر للخارج، وبذلك تنتصر الأمة على جميع اعدائها.

***

فارس حامد عبد الكريم

 

غياب الدستور الذي يحدد  ويرسم خارطة القوة ومواقعها الفاعلة في الدولة، أدى إلى تحول الكرسي إلى مطلق الصلاحيات، فهو الدستور والقانون والمالك للبلاد والعباد، مما دفع للإنزلاق إلى قيعان الوجيع والإنهيار.

الدستور الغائب أوجد الحاكم المطلق  والطاغية والدكتاتور والمستبد، وغيرها من الحالات التي فتكت  بذاتها وبموضوعها.

والعجيب في الأمر أن البشر ربما لديه نزعة خنوعية وإستجدائية وإنكسارية، أمام القوة الفاعلة في السلطة

فلكل كرسي متسولين ومتوسلين وشحاذين، يرجون منه الصدقة والمكرمة، التي بها يشعرون بالقرب منه والتقوي به، فيغدق عليهم من أموال الوطن، ويوهمهم بأنها مكرمات من عندياته، ويصدقون ويمتنون ويقبلون الأيادي، ويركعون في حضرة الكريم المطاع المهيب العظيم المنان.

تلك حالة قائمة في العديد من المجتمعات المنكوبة بأنظمة حكمها، وخصوصا التس إستوردت ما تتوهمه بالحرية والديمقراطية، وإذا بها تتهاوى في صراعات بينية أقسى عليها من الإستبداد والطغيان االعدوان على وجودها، لأنها أصبحت ضحية لدائها الخفي الفاعل في نخر وجودها، وإسقاطها في حضيض مكانها وزمانها.

فهل وجدتم تجربة سياسية ناجحة في مجتمعات لا دستورية؟

إن الدول لا تقوم لها قائمة إذا فشلت في رسم معالم عقد إجتماعي يضمن مصالحها ويحافظ على مسيرتها وتفاعل أجيالها بوطنية وأمان.

فلكي تعرفوا مستوى الحياة الديمقراطية في أي مجتمع، إبحثوا عن نسبة السلوكيات الدستورية الفاعلة فيه، فإن غابت فأنه في مأساة، وإن وجدتموها، فهو من المجتمعات التي سيكون لها مستقبل وقدرة على المعاصرة والنماء.

فالدستور يوجه الطاقات الوطنية نحو مصب واحد، ويمنعها من التشرذم والتشظي والإنفلات.

وكل من عليها طاح  في مجتمعات بلا دليل!!

***

د. صادق السامرائي

الواضح أن إنتخابات الآخرين تهمنا أكثر من إنتخاباتنا، فالشعوب تهتم بإنتخاباتها، وتكرس جهودها للحفاظ على نظافتها من التلاعب والغش والفساد، وعندنا كل شيئ مباح ومستلطف، فلكي تفوز في الإنتخابات عليك أن تشتري الأصوات، وتضلل المصوتين لتضمن إستعبادهم.

 وهذا السلوك يشير إلى:

أولا: نحن تابعون

الواقع الأليم يؤكد بأن أنظمة الحكم تابعة، ومرهونة بإرادة الذين منحوها وكالات البقاء في كراسي السلطة، ولابد لكل مسار ونشاط أن يؤدي إلى تلك النتيجة، المؤمّنة لمصالح الطامعين.

ثانيا: الآخرون يهيمنون على مصيرنا

نعم أن الإهتمام الفائق بما يجري في مجتمعات أخرى، يؤكد أنها تفرض سيطرتها علينا، وتهيمن على مقدراتنا وترسم خرائط الأحداث والتطورات في ديارنا، ونحن ننتظر ما سيجري عندهم لأنه سيؤثر على ما عندنا.

ثالثا: فقدان قيمة الإنسان

دولنا لا تعير أهمية للإنسان، وأكثرها تحسبه رقما، ولا يعنيها ما يحتاجه من خدمات، بل ولا تلتفت لتعليمه ورعايته صحيا والحفاظ على أمنه وسلامته، ومعظمها ترى الشعب عدوا لنظام الحكم القائم، ولا تستطيع التفاعل الإيجابي معه، وخطاباتها بغضاوية المعاني والمفردات.

رابعا: إنتخاباتنا لا تحكمنا

الإنتخابات عندنا تختصر بالتصويت المبرمج وفقا لمقتضبات المصالح الإقليمية والدولية، وليس كل مَن سيفوز بالإنتخابات سيشكل حكومة، إذ لا بد من توافق أطراف خارجية وقبولها به، وتأكدها من أنه الضامن لمصالحها، فكيف تسمى إنتخابات؟

خامسا: فقدان الذات والهوية

مجتمعات فقدت ذاتها وهويتها، وأوطان أضاعت علاماتها الفارقة، وأخلاقها وقيمها وأعرافها، وصارت سوحا للمتاجرين بالساميات، والمجاهدين في سبيل خدمة تطلعات أولياء أمورهم.

وبسبب ذلك، راحت تبحث عما فقدته عند غيرها، وترى أن ما يصيبه سيصيبها.

***

د. صادق السامرائي

 

عندما يغيب العدل يعم الإضطراب، فالحياة الخالية من العدالة الإجتماعية بأنواعها، تتحول إلى مأساة سقرية، وغاب يأكل القوي فيه الضعيف.

فلكي تقيّم وضع أي مجتمع، عليك أن تبحث عن مواطن العدل فيه.

مجتمعاتنا تستلطف الظلم وترى في العدل ضعفا، ولهذا فأنها تؤهل الظالمين ليكونوا في سدة الحكم، ومنذ تأسيس دولنا والظالمون قادتنا، وبسببهم تحولت دولنا إلى أقبية قهر وهوان، وتنامت فيها القوى الطاردة للأذكياء، والراعية للأغبياء، وأضحى التجهيل عماد الحكم.

العدالة مطلب أزلي كلما إقتربت منها المجتمعات تكون في أحسن أحوالها، وإذا إبتعدت عنها يعمها الفساد والجور الأليم.

والأمة لم تحقق كينونتها السامية وتعبر عن جوهرها الحضاري السامق، إلا حينما كان العدل قائدها والمعبر الأصدق عن رسالتها.

والعدل قتل عددا من قادتها منذ خطوها في ربوع الدولة والسيادة، وبسطها النفوذ على بقاع الدنيا الشاسعة.

فالعدل قتل عُمَرين، ومن أقوالهم ، وهذا لعمر بن الخطاب: " إجعلوا الناس عندكم في الحق سواء"، وعندما طلبوا من عمر بن عبد العزيز تقويم التمرد بالسوط قال: "كذبتم فإنه يقومها العدل والحق"!!

وفي القرآن: " وإذا حكمت فاحكم بينهم بالقِسط (عدل)، إن الله يحب المقسطين"

ومن الواضح " لن تكون عادلا ما لم تكن إنسانا"

وقالت العرب: "العدل أساس الملك"، و"عدل قائم، خير من عطاء دائم"

فهل لدينا أنظمة حكم عادلة؟

ولماذا صار العدل ضعفا، والجور قوةً، والبشر  "نار وقطن"؟!!

فلن يستقيم نظام حكم عندما يغيب العدل، ويحضر الظلم والإمتهان، وجبروت السلطان!!

***

د. صادق السامرائي

 

السائد في الخطابات والكتابات كلمة "السابق"، هذه الشماعة التي صرنا نعلق عليها عجزنا وإخفاقاتنا في كافة المجالات.

كلمة لا تغادر أفواه الكراسي، وتتردد في المحافل والمنابر والمواقع، ووسائل الإعلام بأنواعها، وما غادرتنا، بل صارت تجتذب قرونا وربما ملايين السنين، بل وما قبل بدء التأريخ.

فكأننا أمة تحكمها الأجداث، وتجد تبريراتها المريحة للضمير في الغابرات، ويساهم مفكروها ونخبها بتضليل الأجيال وإيهامهم، بأن ليس في الإمكان خير مما هو كائن، بسبب ما كان.

العجيب أن "كان" تتسيد علينا، وتمنعنا من إستحضار فعل مضارع واحد.

أستمع لحوارات متنوعة، وتتكرر فيها كلمة "سابق"، ولا يوجد إكتراث لكلمة "لاحق"، فالسابق هو القائد والسائد، وما هو قائم من إنتاج ما سبق، وإياك أن ترى غير ذلك، فهل وجدتم مجتمعات تتفاعل بهذه العقلية الإنقراضية؟

يذكر أحدهم أنه قابل السفير الفيتنامي وراح يتحدث معه عن الحرب مع أمريكا، فأجابه، إن فيتنام ليست في حرب، إنها تعمل من أجل مستقبلها الأفضل، فتأملوا حالها اليوم، وأنظروا ما وصلت إليه اليابان، والكوريتان، فأين مجتمعاتنا من أحوال غيرنا الذين أصابهم أضعاف ما أصابنا من الويلات.

المجتمعات التي حاربتها القوى الكبرى، خرجت من حروبها بإرادة أقوى وقدرات أكبر، وإنطلقت في مسيرة التقدم والنماء، إلا مجتمعاتنا، فأنها تندحر في سلوكيات النواح والتفاعلات الإنكسارية الإحباطية المريرة، وتتفنن باللطم على الوجوه والصدور.

علينا أن نشيّع "السابق" إلى مثواه، ونتعامل مع الأيام التي نحن فيها ونعيشها بكامل وعينا وطاقاتنا الكامنة فينا، فالمجتمعات التي تقدمت ليست خير منا، لكنها تمسكت بإرادتها وتوثبت إلى الأمام الفسيح، فتطورت وتنامت أجيالها وبراعمها الواعدة بالقدرة على صناعة الحياة.

إنها مجتمعات لا تحشر الحياة في الدين، فالحياة العزيزة الكريمة حق الجميع، والدين حق مَن يشاء وكما يشاء.

فهل للإنسان قيمة في ديارنا؟!!

وهل نعرف الصراط المستقيم؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

إذا خير الناس بين سيئين، اختاروا الأقل سوءاً إذا كان الأمر ضروراياً في معنى المصالح العليا وليس المصالح الفردية.

" كابالا هاريس" ودونالد ترامب" هما في موضع الاختيار، فأيهما الأقل سوءاً في خضم معمعات الاعلام والسياسة ومنصات التواصل في الداخل الامريكي وخارجه؟ هل سيكون في صيغة مقارنات جامدة أو مفاضلات فارغة أم أن الحديث سيتم في صلب الأقل سوءاً وليس ذلك مدعاة للتحيز.

(ترامب) لديه تجربة رئاسية، لسنا بصدد تقييمها، و(كابالا هاريس) لا تملك أية تجربة في القيادة. و(ترامب) رجل اقتصاد معروف في تعاملاته العالمية من خلال المصارف والبنوك والبورصات ولديه معرفة بشؤون الاقتصاد الامريكي والاقتصاد الخارجي، فيما تجهل (كابالا) هذا الملف المهم والخطير كلياً وإدارة الإقتصاد تحتاج الى خبرة واسعة وممارسة ميدانية يتعذر على هاريس إكتسابها.

(هاريس) مختصة في المرافعات القضائية والدعاوى والمحاكم، وهذا الحقل بعيد جداً عن السياسة والاقتصاد وإدارتهما الإستراتيجية.

(ترمب) تحالفاته لا تقارن بتحالفات (هاريس) التي التحمت بكيان (أوباما) ووزير خارجيته (جون كيري) اللذان يرتبطان بإيران، وهما معاً ورطا السياسة الخارجية الامريكية في تحالفات لا تخدم المصلحة العليا للشعب الأمريكي. و(هاريس) تسعى، إذا ما فازت بالإنتخابات الرئاسية، إلى عودة منهج (باراك أوباما) لإحياء عهوده وبرامجه التي وضعت المنطقة على شفير الحرب والإضطرابات الأمنية وإستنزاف الموارد. ولا يخالجها أدنى شك في وضع المنطقة العربية بين حفرتين حفرة (التطبيع) وحفرة (الترهيب)، ولا شك في ان ما بين الحفرتين قنوات واتفاقات.

المنطقة العربية، وخاصة المشرق والخليج العربي، اكثر تأثراً بالحفرتين وخيارات التعامل معهما في ظروف الترغيب والترهيب.. هاتان الحفرتان سياساتهما موجهتان، وفي إطارهما يتم اللعب الدولي الأمريكي والأوربي وغيرهما فضلاً عن جر الصين أو التصدي لزحفها التجاري والمساومة على القواسم المشتركه.

(ترمب) يلعب في الاقتصاد ويتعامل بالسياسات التي تحقق لبلاده المنفعة. و(هاريس) تلعب مع منهج غيرها ولا تملك ما يميزها فهي بالتالي تابع لباراك أوباما.. والتابع لا يعرف سوى التنفيذ اما الرأس فهو يعرف كيف يخطط للمنطقة ويمزق أوصالها عن طريق التحالف مع اعدائها التاريخيين.. فمن هو الأقل سوءاً..؟!

***

د. جودت صالح

12 / ايلول 2024

من المعروف أن الرأي وحرية التعبير والنقد لا يتقبلها إلا العقل الواعي المعزز بثقافة عالية وروح رياضية طيبة، اما الشخص الهمجي الغارق في البداوة فلا يمكن له حتى تقبل النصيحة ناهيك عن تقبل النقد، لذلك قالت الحكماء:

لا تنصح جاهلا لانه سيعاديك بل انصح حكيما فانه سيقدر لك ذلك

وهذه ازمة راح ضحيتها الالاف من شهداء القلم والإعلام في الدول الدكتاتورية الدموية وعاني منها العراقيون بعد سقوط الملكية ايما معاناة.

ومن طريف مايذكر ان المجلات والصحف اللبنانية كانت تنشر كاريكاتور صباحي ينتقد الرئيس وأركان وزارته ومسؤولي الدولة حتى جاء رئيس وزراء عصبي المزاج يرعد ويزبد عن قراءة تلك الانتقادات فنصحه المستشارين ان يأتي لمقر رئاسة الوزراء قبل الدوام بساعة ليقرأ الصحف ويستشيط غضباً  وحتى يحل موعد الدوام سوف يكون قد هدأ ومن ثم يعدل عن تبليغ الأجهزة الامنية عن ملاحقة الصحفيين ورسامي الكاركاتير او المطالبة بإغلاق الصحف …ونجحت الخطة.

ويرى المختصون في مجال الحقوق والحريات انها في الواقع تقسم إلى قمسين رئيسيين هما المساواة المدنية والحرية:

المساواة أمام القانون

المساواة أمام القضاء

المساواة في تولي الوظائف العامة

المساواة في الضرائب

أما الحرية الفردية فهي تشمل

الحرية الشخصية

حرية التملك

حرية السكن وصمان حرمته

حرية العمل والتجارة والصناعة

حرية العقيدة والديانة

حرية الاجتماع

حرية الصحافة وإبداء الرأي وتوجيه النقد للمصلحة العامة،

حرية تكوين الجمعيات

حرية التعليم

ويلاحظ إن بعض الحريات لها مضمون مادي ومعنوي في آن واحد مثل حق الأمن.

***

فارس حامد عبد الكريم

يُقال أن بغداد حكمها (149) حاكم منذ تأسيسها قبل أكثر من (1295) عام، منهم (36) حاكم عباسي، و(22) حاكم عثماني، وتوزع الباقون بين البويهيين والسلجوقيين والمغول، ودولتي الخروف الأسود والأبيض والمماليك وغيرهم. (د. صباح الناهي)

وفي القرن العشرين، حكمها البريطاني مود، ومن ثم ثلاثة ملوك وبعدهم خمسة رؤساء جمهورية، وحاكم أمريكي، ومنذ أكثر من عشرين سنة تحت الحكم الإيراني والأمريكي بالوكالة.

كلهم ذهبوا وسيذهبون، وبغداد باقية، فمؤسسها أبو جعفر المنصور (95 - 158) هجرية،  كانت لديه رؤية كونية عميقة، فجعلها مدورة، تأكيدا على خلودها فالذي يدور أبدي التفاعلات.

وما يحصل في بغداد لن يدوم، وبما أن أصحاب الكراسي يجهلون التأريخ ويتمترسون في قمقم الأضاليل، وينفذون ما يؤمرون به، فأنهم إلى زوال مشين.

فبغداد لا تحمي مَن يعاديها ويغدر بوجودها، ويتجاهل قيمتها الحضارية ودورها في صناعة المجد الإنساني الذي نتمتع بمعطياته المعاصرة.

أنظروا الذين نابزوا بغداد العداء، ماذا جرى لهم، وكيف كان مصيرهم؟

بغداد كائن حي متصل بقلب أمه الأرض، ولها علاقات كونية مطلقة، ولديها إرادة أقوى من التابعين والخانعين والموالين لأعدائها الطامعين بخرابها وتدمير هويتها وكيانها الثقافي المديد.

بغداد تمر بمرحلة عاشت أقسى منها في سابق العصور، ولن تحيد عن مسارها الحضاري وعطائها الإنساني البعيد.

كانت فاجعة بغداد العظمى في القرن العشرين بالإجهاز على حكمها الملكي الدستوري بدموية مرعبة، وإيهام العسكر بأنهم القادة الأفذاذ، وهم لا يعرفون في السياسة شيئا، فصار واحدهم القائد الأوحد وأكثر، وتمكنوا من خداع الناس، بآليات إعلامية ودعائية مبرمجة من أعداء الوطن والشعب، ومعظمهم إنتهوا إلى مصير مشؤوم، وأكل قادة الإنقلابات المتوالية بعضهم بعضا، وأوصلوا بلاد الرافدين إلى ما هي عليه الآن، كدمية وغنيمة للأغراب والتابعين لكل شيطان رجيم.

ولن تغفر بغداد لمن يؤذيها، ويكون مع أعدائها عليها، فإحترموا بغداد وأعرفوها، ولا تكونوا من الجاهلين بذاتها وموضوعها، فبغداد شمس الدنيا ومنارها الوهاج.

وتحية للمتنبي الذي قال ذات يوم:

"بغداد أنت دواء القلب من عجز.. بغداد أنت هلال الأشهر الحرم

بغداد أنت هوى العصفور مهجته.. كالريح تعزف ألوانا من الحلم"

***

د. صادق السامرائي

 

تغيب قصائد الفخر عند شعرائنا، وعندما تواجههم، يكون الجواب، واقعنا لا يوجد فيه ما يدعو للفخر، فهو يزدحم بالهزائم والإنكسارات والنكسات والنكبات، والتصارعات البينية، ولا يليق به غير الرثاء والتباكي على الغابرات.

فهل أن الدموع تصنع الحياة؟

معظم الكتابات المنشورة وعلى مدى عقود متعاقبة، مكتوبة بمداد الدموع، ويفوح اليأس من عباراتها، ويتصاعد الأنين من سطورها، وكأن كاتبها في مأزق الإنطمار في أقبية الوجيع المرعبة.

فهل تنفعنا هذه الكتابات؟

المجتمعات تبنيها الكلمة الطيبة وتمحقها الكلمة الخبيثة، ويبدو أن أقلام الخبائث أكثر من أقلام الطيبات، مما يشير إلى أن المجتمع بحاجة لمداخلات علاجية.

لماذا الكتابة بمداد السوء والبغضاء؟

هل أنها تقيحات دمامل نفسية كامنة فينا؟

و"تفاءلوا بالخير تجدوه"!!

فأين إرادة التفاؤل؟

من واجب الأقلام تسليط الأضواء على الإيجابيات وتنميتها، والمساهمة ببناء النفوس المقتدرة المتفائلة المؤمنة بقدراتها على صناعة الحاضر والمستقبل، بدلا من الندب والرثاء والتشكي المشين.

فهل يصح التمسك بالقول:

"ولا تعجبوا أن القوافي حزينة...فكل بلادي في ثياب حداد"!!

***

د. صادق السامرائي

 

التدريسي النموذجي هو الشخص الذي يكرس حياته للدراسة والبحث والتعليم في مجاله المعرفي. يتميز بعدة صفات، منها الفضول العلمي، حيث لديه رغبة مستمرة في التعلم واكتشاف الجديد، والتحليل النقدي، اذ يكون قادرا على تحليل المعلومات بشكل نقدي وتقديم رؤى جديدة. ويلتزم التدريسي النموذجي بالبحث الحقيقي ويتحاشى الافتراس والتزوير ويرفض الممارسات غير السليمة في جامعته، فيشارك في الابحاث العلمية التي تهم مجتمعه وينشر نتائجها في مجلات علمية حقيقية ومحكمة. بالاضافة الى ذلك، يساهم في تعليم وتوجيه الطلاب والباحثين الجدد باخلاص وبالتزام قوي تجاه مهنته وطلابه، وتقديم محتوى تعليمي غني ومفيد، ويهتم بمشاكل الطلاب ويسعى لحلها، ويعمل على دعمهم اكاديميا ونفسيا، ويتكيف مع احتياجات الطلاب المختلفة ويستخدم اساليب تدريس متنوعة لتلبية هذه الاحتياجات، ويحافظ على تواصل مستمرمع زملائه لضمان بيئة تعليمية متكاملة. يسعى دائما لتطوير مهاراته ومعرفته من خلال المشاركة في دورات تدريبية وقراءة الابحاث الحديثة. يتحلى بالاخلاق الحميدة والصدق والتواضع، ويلتزم باعلى معايير الاخلاقيات في البحث والتعليم، مما يجعله نموذجا يحتذى به. يشجع الطلاب على التفوق والابداع من خلال تعزيز حب التعلم لديهم، ويسعى دائما لتوسيع حدود المعرفة والمساهمة في تقدم المجتمع من خلال التعليم والبحث.

هل تتصف بهذه الخصائص كتدريسي؟ اذا كان الجواب بنعم، اذن، عليك ان ترفع راسك فخرا بنفسك.

***

ا.د. محمد الربيعي

مؤلم أن ترنو إلى مئات الكتب المحشوة بالأفكار، وهي مرفوفة صامتة متكومة كأنها الركام.

كتب من إنتاج أجيال متعاقبة في القرن العشرين، وضع فيها مفكرون عديدون أفكارهم المبثوثة في مشاريع، كل منهم يرى أن مشروعه هو البلسم المشافي للأمة مما هي عليه من سوء حال ومآل، وما أثرت أفكارهم، بل إنضوت في كتب خرساء، وصارت المسافة بعيدة بينها والأجيال المعاصرة، بعد أن هيمنت وسائل التواصل الحديثة.

مفكرونا ومنذ نهاية القرن التاسع عشر يشتركون بأنهم قاموا بدور الصدى لما جرى في أوربا، وما وجدنا فيهم مَن تفاعل مع الواقع وإستولده أفكارا ذات قيمة عملية وقوة تأثير وتغيير.

وهذا يعني أن مجتمعاتنا لم تمارس الحياة في مكانها وزمانها، وتحقق تقهقرها وإندحارها في الغابرات، تعويضا عن مراوحتها المأساوية في أوحال الفراغ، والتدحرج في وديان التبعية والدونية وفقدان الثقة بالقدرة على صناعة الحياة الحرة الكريمة.

فهل وجدتم أفكارا مستحضرة من عوالم الآخرين تصلح لمكان وزمان مغايرين؟

أوربا أفكارها تراكمية وأنجبتها تفاعلات متصلة، فكانت ذات قيمة عملية في ديارها، أما أن نستجلبها ونفرضها على واقع آخر، ففي ذلك عدوان وإضطراب مدمر وخطير.

وهكذا فمجتمعاتنا تعيش في مراحل تشويش وتيهان، مما وفر الظروف المواتية للمفترسين للنيل منها والإستحواذ على مصائرها.

فهل أن مفكرينا يفكرون؟

السلوك الصدوي لا يدل على تفكير أصيل، بل يشير لمحاولات تقليد، ذات درجة عالية من الفشل والخياب، وهذا ما جرى في واقعنا على مدى القرن العشرين.

فهل من ولادات فكرية من رحم واقع مجتمعاتنا، لنكون ونستعيد جوهرنا الحضاري؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم