أقلام حرة

أقلام حرة

ليس من المعقول ان يعيش الانسان حياته بدون ان يمر يوما ما بحالة من الشعور بعدم الرضا عن النفس أو تأنيب الضمير بسبب بعض الافعال أو الأقوال الصادرة عنه، ذلك ان الانسان طالما يعمل ويجتهد فهو عرضة للخطأ، وقد يكون هذا الخطأ على درجة من الجسامة يدفع بسببه ثمنا باهضا ماديا كان او معنويا يقوده في النهاية الى الندم، والندم كما هو معروف شعورٌ يصيب الإنسان حينما يقوم بفعلٍ يكتشف انه غير صحيح، وليس بالضرورة ان يأتي الندم واحساس الشخص بالذنب نتيجة ارتكابه لفعل مخالف انما قد يكون بسبب فعل لم يقدم عليه أو كما يقول برناردشو (الندم لا يقتصر على التصرفات الخاطئة فكثيرا ما نشعر بالندم على تصرفات صحيحة) فكم من تضحيات قدمتها للبعض وقابلوها بالنكران والخيانة او اسداء معروف لأشخاص لا يستحقون، وكذلك الندم على التفريط بالفرص ومنها اللحظات الجميلة التي لا تشعر بقيمتها وعظمتها الا بعد فوات الأوان أي الندم على فعل لم يسارع الشخص الى تنفيذه ولم يغتنم الفرصة واكتشف لاحقا انه كان مغفلا حينما تقاعس عن ادائه وهو ما جسده الشاعر السياب في قوله :

كيف ضيعتك في زحمة أيامي الطويلة

لم أحل الثوب عن نهديك في ليلة صيف مقمرة

*

ضيعتك آه يا جميلة

انه ذنبي الذي لن اغفره

فكلمات السياب تعكس لوعة الشعور بالندم على اشياء لم يفعلها ولم يدرك حينها ان الذي يمضى لن يعود وكان عليه ان يكون شجاعا وجسوراً في اقتحام حاجز الخوف واعتلاء اسوار مملكته الساحرة فلا ينفع الندم بعدما فرط بالفوز العظيم وهذا ما اشعل في نفسه الرغبة في البوح والحديث عن تلك الغفلة التي عاشها قبله الشاعر ابو تمام وقال فيها:

البينُ جرّعني نقيعَ الحنظلِ

والبينُ أثكلني وإنْ لم أثكلِ

*

ما حسرتي أنْ كدتُ أقضي انما

حَسرَاتُ نَفْسي أنَّني لم أفْعلِ

المنتصرين فقال: وكذلك ما حذّر منه الشاعر ابو الحسن الجرجاني حينما وجد نفسه خائبا وسط زحمة

اذا انت لم تزرع وأبصرت حاصداً

ندمت على التفريط في زمن البذر

لقد استحوذ الندم على صفحات ليست بالقليلة من تاريخ الشعر العربي ومن أبرزها ما جاء في قصة الشاعر" ديك الجن" وهو شاعر عباسي أقدم على قتل حبيبته وزوجته (ورد)، إثر _خيانة مزعومة_ دون أن يتأكد منها، وعندما تبيّن له الحقيقة ندم على قتلها طوال حياته:

ما كان قتليها لأنّي لم أكن.. أبكي إذا سقط الذباب عليها

لكن ضننت على العيون بحسنها.. وأنفت من نظر الحسود إليها

أما الشاعر علي بن أحمد بن محمد معصوم الحسني الشهير بابن معصوم وهو عالم بالأدب والشعر والتراجم فهو يدعو الى التحلي بالصبر والهدوء وعدم الركون الى الندم فكل ما يجري ــ حسب اعتقاده ــ هو مكتوب ومقدّر وبالتالي لا مفر منه:

دَع النَّدامةَ لا يذهب بك النَّدَمُ

فَلستَ أَوَّلَ من زَلَّت به قَدمُ

 *

هيَ المَقاديرُ والأَحكامُ جاريةٌ

وَللمهيمن في أَحكامه حِكم

ووسط الكم الكبير من التقريع للمكتوي بنار الندم نجد هناك من يحاول ان يجبر بخاطره ويهّون الأمر عليه ويسعى الى انتشاله من الحزن والضيق فيقول له متعاطفا (الندم ليس عيبا بل دليل قاطع على إنك شخص لديه ضمير) فلا بأس أن نفهم الأشياء في وقت متأخر .

***

ثامر الحاج امين

هل نكتب بلغة يفهمها القارئ؟. مشكلة نخب الأمة، أنها تكتب بلغة بعيدة عن واقع الجماهير، ولهذا ربما فشل المفكرون والفلاسفة والمبدعون في التأثير الإيجابي على حياة الناس.

المكتوب لا يُقرأ!!

ينشرون غثيثا ويحسبونه أصيلا، وتحتار في الأمر، وتتساءل، ماذا يريد الكاتب؟

لدينا مشكلة في الكتابة، فهي لا تؤثر في المجتمع، ولا تصنع التيار الثقافي القادر على إحداث التغيير.

لم ندرس كيف نكتب منذ البداية، ولم نتعلم مهارات وضع الأفكار في كلمات معبّرة عنها، بينما في المجتمعات المتطورة يتعلم التلاميذ كيفيات وضع الأفكار في كلمات وجمل، فتكون مقاصدهم واضحة وكتاباتهم ذات قيمة، وفي مجتمعاتنا الكتابة كالعهن المنفوش، والفَراش المبثوث.

عندما يُطرح سؤال كيف نكتب، يُقابل بإستهجان من قبل النخب، فكل منهم يحسب نفسه إمام الكتابة وسيد الإبداع الأصيل.

تبدو الكتابة وكأنها فقدت معناها، لإضاعتها لمميزاتها ومواصفاتها ومهاراتها، وتناسيها لرسالتها، وأوهمتنا وسائل النشر السريع بأننا نكتب، فغاب الكتّابُ وتكاثر المنسوبون للكتابة بمستوياتهم المتفاوتة، مما تسبب بتنمية الجهل وتدمير العقل والإرادة وفقدان الشعور بالمسؤولية.

فهل سنعيد للكلمة دورها وهيبتها وقيمتها؟!!

و"إن الكتابة عِلمٌ "!!

و"مَن يكتب يقرأ مرتين"!!

***

د. صادق السامرائي

كان من المفترض أن يكون موضوع المقال لهذا اليوم عن قرارات المحكمة الاتحادية التي تريد ان تدخل البلاد في " حيص وبيص"، ورغم انني من المؤيدين للقرارات التي تشطب على سلة المشهداني الذهبية، لكنني تعجبت يا سادة من موقف نواب الاطار التنسيقي، ففي الوقت الذي صوتوا فيه على سلة المشهداني وخرجوا فرحين باقرار تعديلات قانون الاحوال الشخصية، وجدتهم اليوم ايضا فرحين بتعطيل القوانين، ولا ادري سر هذه " الحزورة السياسية ".
إياك عزيزي القارئ أن تظنّ أنّ "جنابي" يهدف إلى السخرية من قرارات مجلس النواب، او تسول لك نفسك وتعتقد انني سأتحدث عن المحكمة الاتحادية، فانا مواطن مغلوب على امره لا يدري يصدق من مجلس النواب ام المحكمة الاتحادية، ام مجلس القضاء الاعلى ؟.. اترك هذه الألاعيب للنواب الذين سيقضون معها اوقاتا مسلية على الفضائيات، واسمحوا لي ان اكتب عن الخطاب الاخير الذي القاه السيد نوري المالكي على جمع من شيوخ العشائر، ومعروف عن السيد المالكي تشجيعه للعشائر، ورغبته تحويل العراق الى الجمهورية العشائرية، بدلا من الجمهورية العراقية، ولهذا كان لا بد من أن يخرج علينا السيد نوري المالكي ليحذرنا مما يجري في سوريا، ويطالبنا بان نؤمن بمشروعه السياسي الذي بدأه عام 2006، والذي لم تسمح له الإمبريالية أن يواصل إكماله.
لا جديد، هذه المرة، أيضاً. نوري المالكي يصرّ على تحويل معركة العراقيين في التنمية والسعي لبناء البلاد، إلى معركة طائفية، وفي الوقت الذي ترنو فيه أعين العراقيين جميعاً باتجاه المستقبل، وتمتلئ القلوب بالأمل في إعادة العراق الى مكانته التي يستحقها بجدارة يتكرر خطاب المالكي، وتتكرر معه التجارة بمستقبل العراق، سياسيون يبتزّون الناس ويواصلون الصعود بهم إلى قمة الفشل، يردّدون العبارات ذاتها، ويُعبّئون الإعلام بحكايات عن المؤامرة التي يقودها النظام الجديد في سوريا ضد العراق، في الجانب الآخر يُحشّد البرلمان جميع أسلحته الفاسدة في الحرب على الحريات المدنية، يعلن حالة الطوارئ، لأن النوادي الاجتماعية تفتح أبوابها في بغداد، في الوقت الذي يصمت على الفساد الذي ينخر في جسد مؤسسات الدولة، فساد لم يسلم منه حتى الوقفين الشيعي والسني.
يُعيد المالكي الحديث عن المعركة التي يجب ان نخوضها على تخوم مدينة دمشق، لا يسأله أحدٌ ماذا فعلت خلال الثماني سنوت من جلوسك على كرسي رئاسة الوزراء، ولماذا العراق حتى هذه اللحظة يعاني من ازمة كهرباء، ومستشفيات متطورة ومدارس حديثة وفرص عمل لملايين الشباب العاطلين؟.
***
علي حسين

 

الكثير من الثورات أو الانقلابات التي تحدث في المجتمعات الفقيرة أنتجت عنفاً في السلوك العام، خاصة في بداياتها، أنتجت فوضى مَسّت كل مفردات المجتمع، صنعت الطغاة، مارسوا كل أنواع الاضطهاد، هكذا بوعي أو بغير وعي، بجعل الجلادين أبطالاً يسحقون حقوق الإنسان حتى البسيط، هناك العقول المدبرة للثورات أو الانقلابات، الذين كثيراً ما يخطئون في تقرير المصائر، رغم كل الجهود التي يبذلونها في صناعة تاريخٍ جديد.

أكثر الثورات والانقلابات التي تحدث في أجواء الفقر والحرمان تنتج عنفاً غير منظم في مراحل الانتقال والتغيير، حيث ردود الأفعال العاطفية، بعيداً عن الوعي والمنطق.

في حالة الانقلابات كثيراً ما يكون هناك نقصاً في الوعي، وعدم إدراك المعنى الحقيقي للانتقام، والسياسة وتعقيداتها وصراع الأفكار تلعب دوراً في مجرى الأحداث.

إنها التجارب والصراعات تعيد نفسها، دون أخذ العبرة من التاريخ. لو سألنا أنفسنا؛ لماذا قتل الملك فيصل الأول والوصي عبد الإله والعائلة المالكة؟ لماذا سحلوه في شوارع بغداد؟ لماذا قتل الزعيم قاسم؟ لماذا كل انهار الدم في شباط 1963؟ لماذا كل ذلك العنف والكراهية؟ ماذا يحدث لو كانوا احياءً؟ لكانوا لهم الدور في وجود علاقات كبيرة في خدمة الوطن، لكانوا اليد الوطنية التي تبني الوطن، لكن شعور الانتقام كان اقوى.

لكل انقلاب حدث بتدخل يد من الخارج، الانقلابيون وضعوه أمام الكاميرا، وعلى الهواء مباشرة، وشخصيتان مأزومتان تبصق على الوجه وتضرب بالنعال، علماً أنه كان رجلاً متسامحاً، فلماذا عاملوه بهذه القسوة والإهانة؟ إنها السياسة الرعناء!

كان يحلم بوطن أكثر استقرار وزهواً، لكن الناس لم يخرجوا للدفاع عنه وعن الوطن، بل ظلوا متفرجين إلا أفراداً دافعوا عن الزعيم والوطن، ظلت اصوات المتفرجين مخنوقة ساكتة ساكنة، وصاروا يرونه في القمر يجلس على كرسيه، ينظر إلى ما وصل إليه الوطن، نسجوا صوراً وخرافات حول وجوده، فالخرافة دواء لجميع العلل، هذا ما رغب الطغاة به، حتى تركوا أنواعاً مختلفةً من عذابات الفقراء والمحرمين، تركوا بكل اشكالهم وتسمياتهم أنواع السياسة المبتذلة، لقنوا الشعوب الخوف والإذلال والفقر، تركوا الإنسان محطم الأفكار والأرواح مثل خرق بالية، تركوا الأمهات بحسراتهن منهزمات.

اليوم عندما ترغب بالتوثيق عن تلك الحقبة الزمنية تصل إلى حقيقة أن من يعمل فهو الشخص الغير مرغوب به، وهذه حقيقة مرة، لكن علينا أن نتجاهل الأنا من أجل هدفٍ واحد هو كتابة التاريخ دون الميول والاتجاهات والعواطف، الإيمان بالآخر وما يقدمه، التضحية دون مقابل. لكن ما كتبه البعض عن التاريخ وانجازاته وجدت فيه فقط التبجح، وهكذا حققوا الهدف.

***

نبيل عبد الأمير الربيعي

ظاهرة فريدة تفترس الأجيال مفادها أن الماضي حي ومتفاعل، والحاضر والمستقبل بعدان زمنيان مغيبان، أو مفقودان في معادلة الحياة المعاصرة لمجتمعاتنا.

لا يوجد ما يماثلها في مجتمعات الدنيا قاطبة، فهي بنت زمنها وتسعى لغدها الأفضل.

لا يوجد تفسير مقنع للإنغماس الوهمي في الغابرات، والتيقن بأن الأمة توقفت عن الحياة بعد ذك، وأنها في أوعية الإنعاش، أو مجمدة في صناديق التحنيط والإتلاف الذاتي.

مَن يديم تأجيج المواقد، وحشو الأجيال بالأفكار السقيمة، وإقناعهم بأن واجبهم المقدس الإنتقام للغابرين من الحاضرين؟

الوهم قائدنا وقاتلنا، وما تتعاطاه الأجيال وهم جماعي متوارث لا يمكن زعزعته، بل الموت في سبيله والعمل بموجبه، وفي ذلك تكمن الطامة الكبرى.

الوهم نار جحيمية تحرق الأمم والشعوب، وتحتاج إلى مؤججين لها، ومشغولين بسكب البنزين عليها، لكي تحرق الأخضر واليابس، وتمضي في سعيرها اللهاب.

فالحرائق المدمرة الفتاكة فكرية وسلوكية، وما يدور في أروقة مجتمعات الأمة، يصب في أوعية التدمير المبرمج الشامل لجوهرها وهويتها الحضارية، وقيمها وأخلاقها، وما أسهل إستعباد الواهمين.

الأمة مدثرة بالأوهام المتنوعة، وتسعى في معاقلها الظلماء المؤدية إلى كهوف الويلات، وخنادق النائبات، وعلى أجيالها تدور الدوائر، ولا يوجد فيها صوت حياة ونداء بناء وإنطلاق نحو آفاق المستقبل، بعيدا عن التكبل بأصفاد الماضي المرير.

وهكذا فالأجيال معتقة في قارورة الأوهام، التي تحولت إلى ينابيع غثيان وتضليل وتدمير، وقنوط في قيعان الدونية والتحول إلى رماد تحت أقدام العصور.

فإلى متى سيتواصل بإفتراسنا الوهم المتوج بأقنعة التسويق اللازمة لتأمين مصالح الآخرين؟!!

***

د. صادق السامرائي

السائد في كتاباتنا الغموض، فالخوف سلطان، يجعل الأقلام ترتعش وتتغافل وتتمسك بالهوان، وكأن ما تقوم به نوع من التحايل والإدمان.

ألفاظ غامضة وجبن عقلي، وإمعان بالهروبية والرمزية، والتعبيرات اللا واقعية، الخالية من هموم الجماهير وتطلعاتهم اليومية.

القارئ يبحث عن الواضح المبين، يريد مَن يقدم له المعلومة الطازجة العارية بلا أغلفة وأقنعة وتزويقات لفظية لا فائدة منها.

الكتابة بالعربية أبحرت في جميع المشارب وأبعد، وعلى كتابها أن يتعلموا مهارات التعبير الواضح المعاصر اللازم لإستنهاض الطاقات الكامنة في الإنسان، لا تكميمها وإخمادها، وتدويخ القارئ بما لا تحمد عقباه.

ما فائدة مئات المنشورات اليومية في المواقع ووسائل الإعلام المتنوعة؟

لماذا تزداد الكتابة ويتنامى القهر والظلم وحرمان المواطنين من أبسط الحقوق؟

ألا تساءلنا وفكرنا؟

الأمم والشعوب بنخبها، وهذا يعني أن نخب الأمة مصابة بعاهات عليها أن تراها وتعالجها وتتجاوزها!!

كتابات غثيثة، كأننا نكتبها لأنفسنا، ونتجاهل أنها للقارئ وليست لنا!!

إنتهى زمن الكتابات المعقدة والنصوص القابلة للتأويل، ذلك إبداع بائد، فأبعدونا عن هذيانات تحليل النص، والنظر في باطنه وإهمال ظاهره، فالوضوح في عرف البائدين مباشرة سمجة، والغموض إبداع أصيل، وهل يتفق القارئ مع هذه الرؤية الصومعية؟

أمثال هذه الكتابات قضت على معاني الحياة، وصارت في كتب متأهبة للقفز إلى سوح النفايات!!

فهل نكتب لنكون؟!!

"إن الشجاعة في القلوب كثيرة.... ووجدتُ شجعان العقول قليلا"!!

***

د. صادق السامرائي

هو كل إبداع متصل بالكلمة، فهل ينفع الأمة إبداع الكلام، يبدو أن القول بأن أمتنا "أمة كلامية"، ربما يصدق عليها لأنها قد تكون من أكثر الأمم كلاما، وأقلها فعلا وعملا وإنجازا.

أمم الدنيا كلامها يشير إلى عمل، وعمل الأمة كلام مجرد من الإنجاز والعمل.

أقلام منهمكة بإنتاج الكتب، وكأن الغاية تأليف كتاب وحسب، أما دوره في صناعة الحياة فلا قيمة له ولا معنى، المهم أنه كتاب مرفوف في أروقة النسيان والتجاهل والإهمال، وفي أقبية الظلام والإنهزام.

للكتاب دور في صناعة العقول الفاعلة في المجتمعات، ومعظم كتبنا إن تناولها قارئ فأنها تعطل عقله، وترديه صريعا على هامش الأيام، فهي تهدف إلى تبرير المسكنة والإنهزامية والخنوع للآخرين.

وممهورة بما لا يمت بصلة إلى الأمة، لأن الآخر قد جعل الوعي الجمعي مُضَللا ومحشوا بالزيف والتحريف والانتكاس والإنتكاب والإنكسار، وعلى الأجيال أن تلقي إرادتها في مستنقعات العجز والإمتهان، وتستسلم لما ينفثه الآخرون من أفكار عسلية المذاق سمية الأثر.

فهل ينفع الكلام، إذا إدلهم الخطر!!

الكل يجيد الكلام، ويأبى العمل، بينما المطلوب أن يتكلم العقل الجاد المبصر العازم على بناء الحاضر والمستقبل.

فهل إعتصمنا بحبل مصالحنا بأنواعها؟

هل فكرنا بالعمل الإنساني المشترك؟

هل عرفنا نور الدين لا ناره؟

إن أمة الكلام، كلامها صراخ ونواح وندب، وهذا ما يسود ضروب الإبداع ومشاربه، ولا جدوى ولا منفعة من التواصل بالكلام، لأنه ليس كالمطرقة، بل يساهم بتفريغ الأجيال من طاقات العمل وقدرات الإنجاز.

فما دام الكلام العمل، فهل بقيت قيمة لأي عمل؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

الكلمات الفارغة أو التي أفرغت من محتواها ودلالاتها وفحواها. 

ويبدو أن الكلمات أصيبت بهذا الوباء الخطير، فصارت من فصيلة مجرد كلام وما أرخص الكلام.

قال: لتتوقف الأقلام عن الكتابة!!

قلت: لماذا؟

قال: لأن الناس لا تقرأ، وإذا قرأت، لا تهتم وتنكر المكتوب وتهمله تماما.

قلت: وما الحل؟

قال: علينا أن نتعلم كيف نكتب، فالكتابة مهارة وفن!!

قلت: أ تقصد نحن لا نجيد الكتابة؟

قال: ألا تساءلت لماذا المنشور لا يُقرأ؟

قلت: أظنه يُقرأ!!

قال: الوهم فضاء الأقلام، فهي ممعنة بالإسهاب الممل، وترى أنها تبيض ذهبا!!

قلت: حيرتني!!

قال: لماذا لا تكتب الأقلام ما ينفع الناس ويتفاعل مع همومهم وحاجاتهم؟

وأضاف: ما هذا الإدغام والغموض، والإبهام، وغياب الوضوح؟

قلت: إنه الإبداع!!

قال: اللعنة على إبداع لا يُفهم، ويتدثر بالمجهول!!

ترى هل صدق بقوله، أم إعتدى على فيض اليراع؟!!

و"إن من البيان لسحرا"، "والكلمة الطيبة صدقة"!!

و" حشو كلام المرء في الخطاب...من عيّه كذاك في الجواب"!!

***

د. صادق السامرائي

إن الذي دعاني للكتابة عن موضوع جدوى سنوات الخبرة، التي يمر بها الفرد أو جهة معينة، هو ذلك الافتخار والاعتزاز الذي نسمعه الآن من أولئك الذين فشلوا في تحقيق أهدافهم، ولم يجنوا من هذه السنوات سوى الضعف والفشل والهوان. إذ أن هناك فرقاً كبيراً، كما يقول أحد المفكرين، بين خبرة السنوات وبين سنوات الخبرة. فهناك أشخاص لديهم، مثلاً، عشر سنوات خبرة، ولكنها سنة خبرة تتكرر عشر مرات. إذن العِبرة ليست بعدد سنين الخبرة أو العمر الزمني للإنسان أو الهيئة أو نحوهما. ولكن العبرة في مدى الاستفادة من هذه السنوات وما تفرزه من اتساع الأفق وتنوع الثقافات والاهتمامات، والإحاطة بما يجري من أحداث، وإدراك الباطن من النظر في الظاهر، وامتلاك بصيرة ثاقبة للمستقبل. وهناك مفارقة عجيبة، نجدها بخاصة عند بعض السياسيين، وهي أن الإنسان، عادة، يكتسب خبرة ويزداد تجربة بمرور الأيام والسنين، وهي حالة إيجابية. لكننا بالمقابل نلاحظ في حالات عديدة، أن التجارب المجمعة والخبرات المكتسبة تصبح عائقاً أمام فهم وتحليل موضوعات أو مشكلات جديدة، بسبب صعوبة التكيف معها، وهذه حالة سلبية تؤدي إلى التقليل من قدرات الابتكار والابداع، كما تؤدي في أحيان أخرى إلى الفشل والإندحار. وفي كثير من الحالات يتخلى هؤلاء السياسيين من مسؤولياتهم عن الفشل في تحقيق أهدافهم، بإلقاء اللوم على الآخرين. وفي حالات أخرى يعتقد بعضهم أنهم ضحايا، بينما هم في حقيقة الأمر قد سمحوا لأنفسهم أن يصبحوا ضحايا، عندما رهنوا حياتهم ومصيرهم  بوجود شخص أو جهة غالباً ما تمثل سلطة استبدادية، حينها تكون العلاقة بينهما كالتابع والمتبوع (السلطة)، أو بين الضعيف والقوي. وأحد خصائص هذه العلاقة هي الهيمنة لدى القوي، والخضوع والدونية عند الضعيف.

وقد شرح أريك فروم في كتابه "الخوف من الحرية"، مشاعر الدونية والعجز واللاجدوى الفردية، فيقول: "إن تحليل الأشخاص المحاصرين بهذه المشاعر يبين أنه على حين أنهم يشكون شعورياً من هذه المشاعر ويريدون التخلص منها، فأن قوة ما داخلهم تدفعهم لا شعورياً إلى الشعور بالدونية واللاجدوى... وبصفة منتظمة يظهر هؤلاء الأشخاص تبعية ملحوظة للقوى التي هي خارج أنفسهم،... وهم يميلون لا إلى تأكيد أنفسهم ولا إلى فعل ما يريدون، بل يميلون إلى الخضوع لأوامر هذه القوى الخارجية".

لذلك ينتهج هؤلاء السياسيين نهجاً مع القوي يتصف بسياسة تسمى سياسة المداراة والمداهنة والملاينة والملاطفة والمجاملة، لأنهم يعتقدون أن بقاء العلاقة مع السلطة المستبدة القوية، أهم بالنسبة لهم من تحقيق أهدافهم الخاصة.

وأخيراً، نذكر ما يقوله بعض المفكرين في هذا المجال: "إن الذين يتنازلون عن حرياتهم مقابل أمان مؤقت لا يستحقون الحرية ولا الأمان". و"الإلتحاق أو مرافقة القطيع، ستخسر مبادئك"، و"لا تماشي من لا يساويك"، و"لا تمشي أبداً على الطريق المرسوم، لأنه يقودك حيث ذهب الآخرون". وقول الشاعر:

وماذا ينال الضـعيف الذليل

سـوى أن يحقر أو يزدرى

*

وأولى لمن عاش مثل الثرى

ذليلاً لو احتل جوف الثرى

***

أحمد محمد جواد الحكيم - باحث وأكاديمي عراقي

 

ذكريات تشكيلية مع أبي رامي..

قلت لأبي رامي: عرفتك قبل 2003 خطاطًا ومشتغلًا على النقوش المغربية والديكور ولم تكن رسامًا..

قال: بلى.. كنت رسامًا لكني هجرت الفرشة والألوان على مدى ربع قرن، وأنكرت معرفتي بهما كي لا أجد نفسي مرغمًا على الانتظام في الطابور الطويل لتزيين وجه نظام الاستبداد في حينه مثلما فعل الكثيرون من الشعراء والأدباء والرسامين.. أما عن بداياتي في الرسم، فقد كنت في الابتدائية يسمونني رسام المدرسة.

قلت: سأحكي لك هذه الطرفة، فأنا أيضًا كنت أرسم، وعندما كنت في السنة الأخيرة من دراستي الثانوية عام 1968 اشتركت بثلاث لوحات:

واحدة عن الحرب في فيتنام، فرسمت جونسون رئيس أمريكا وهو يمشي في طريق موحل طويل مرصوف على جانبيه جماجم الضحايا من الفيتناميين.

الثانية: موشي دايان وزير الدفاع الإسرائيلي الأعور بعينه المغطاة مثل قراصنة العصور الوسطى، وهو أيضًا يمشي في أرض موحلة بالدماء، وفوقه كف مقطوعة الإبهام للدلالة على الخامس من حزيران.

أما الثالثة: فقد كانت عن بنية ارتبطت بها عاطفيًا في حينه كما يفعل أقراني بالعمر، وأردت رسمها لكني خفت من أهلها وعشيرتها واحتمال توجيه تهمة التشهير لي بابنتهم فجعلتها بهيئة خيّاطة تجلس خلف ماكنة خياطة تحمل ماركة SINGER، وكتبت اسم اللوحة "ماكنة خياطة سنجر الجميلة"، لكن الكثير ممن زار المعرض، وخصوصًا من طالبات ثانوية البنات يعرفن وجه زميلتهن، فكن يتنادرن بعبارات من قبيل: إي عيني مكينة سنجر خوش مكينه.. بالله وين يبيعوها..؟!

وفي نهاية اليوم بدأوا بتوزيع الجوائز ..

وعندما صاح عريف المهرجان السنوي: جائزة أحسن رسام/ موسى فرج، تقدمت لاستلامها من يد المتصرف، فقد كانت السماوة وقتها قضاء تابعًا للديوانية، وكانت هيبة المتصرف الوقور وكبير السن أخّاذه "محافظو اليوم المحاصصيون بالنسبة له مجرد شيالو مسواكَ ليس أكثر"..!

لكن المفارقة حصلت عندما سلمني المتصرف الكأس، فقد كان غطاء الكأس "القبغ" أكبر من فم الكأس، فسقط الغطاء أثناء المصافحة، وقبل أنْ تغادر يد المتصرف يدي فانحنيت أبحث عن القبغ، ويدي ما زالت ممسكة بيد المتصرف فاضطررته للانحناء معي .. وعندما التقطت القبغ ورفعت رأسي وجدته يبتسم بوجهي فأُحرجت أيّما إحراج، خصوصًا وأنَّ بعض الحشد ضحك من ذلك ...

وعندما انتقلت للجامعة، همين اشتركت بالعرض السنوي، وهمين رسمت إحدى زميلاتي الطالبات، فأنا أعتقد يا أبا رامي أنَّ الشاعر المجيد والرسام المحنك هو الذي يعيش حالة حب عاطفية مع المرأة لتفجر خزينة للعلن..!!! لكن هذه المرة يا أبا رامي لم أجعلها خيّاطة أو غسّالة فأختبأ خلف إعلان لمكائن سنجر "SINGER" أو غسالات سومر" "SUMER، فأنا في بغداد عاصمة الانفتاح وألف ليلة وليلة والحب فيها مباح .. فأسميت اللوحة "قيثارتي"، ولم يدر بخلدي أني سأظلم زميلتي البنية التي اختفى من يوم اللوحة اسمها الأصلي، وحلّ محله اسمها الجديد: "قيثارتي"، في قاعة الدرس أو النادي أو ساحة الكلية ينادونها بـ قيثارتي، حتى تمنت لو لم تتلاقى عيوننا يومًا، ولم تتورط في إهدائي بضع حبات من الفستق يومًا في نادي الكلية..

أما عن مدارس الرسم يا أبا رامي فأنتم المتمرسون والأستاذة في فن التشكيل بالنسبة لنا، غامضون، متعبون، ترسمون سريالي، وتجريدي، وتكعيبي، حتى أني قمت بقلب لوحة عرضها زميلي وقتذاك " د. عبد الغفور الأطرقچي لاحقًا"، منذ نهاية اليوم الأول للمعرض رأسًا على عقب، بحيث تحول اسم أو توقيع الرسام من الزاوية السفلى على اليمين إلى الزاوية العليا على اليسار، وكنت أحشر نفسي على مدى اليوم الثاني والثالث مع الزوار لأسمعه يشرح كما لو كانت على وضعها الأصلي، دون أنْ يغير كلمة، وهو يؤشر على محتوياتها وأجزائها.. بدعوى أنكم تتركون مهمة الاستنباط على المشاهد..!

في حين نحن الهواة ورسامو النص ردن.. ليس فقط نضع النقاط على الحروف وإنما الفتحة والكسرة والضمة والتنوين، بحيث إنَّ اللوحة مالتنا تحچي بليا ما تسألها.. وإليك مثالًا:

باعتباري ثوري من يومي وهمين مساند للقضية الفلسطينية، فقد رسمت حينها لوحة يظهر فيها مقاتل فلسطيني ومجموعة كلاب: اثنين منهما بهيئة قفزة مع المقاتل، وواحد من تلك الكلاب يعض قدمه، ومجموعة كلاب في الخلف تفترس بقايا جثة.. وكتبت اسم اللوحة "الحكومات العربية"، ومن يسألوني: أين هي الحكومات العربية في اللوحة..؟، أقول: هذان اللذان يقفزان مع المقاتل هما الحكومات التقدمية السورية والعراقية "حكومة الجولاني اليوم مكّنت إسرائيل من احتلال جبل الشيخ وما حوله"، وهذا الذي يعض رجل المقاتل هذا ملك الأردن، وهذولا الياكلون بالجثة بالخلف هم حكومات الخليج..!

بيومها دخل السفير الصيني، وعندما وقف متأملًا في اللوحة، وأنا أشرح والمترجم يترجم، ربت على كتفي وسحب دبوسًا فيه صورة ماو معلق على صدر سترته وشبكه على موضع القلب من قميصي..! لحظتها كدت أصيح: ماو معلكَ بصدري موتوا يرجعية..!!

في تلك الأثناء اقترب مني أستاذي دكتور عبد المرسل الزيدي، وكان يومها مفرغًا جزئيًا من أكاديمية الفنون الجميلة للإشراف عندنا، وطلب مني أنْ أشرح له اللوحة فقلت متمنطقًا: هذا المقاومة الفلسطينية، وهذي الچلاب الحكومات العربية..! سارع يسألني: ومَن هي حكومتنا ..؟ قلت: هذا الأبكَع.. فسارع أستاذي ووضع يده على فمي، وقال: موسى فرج، تدري منو مدير الأمن العام عدنا حاليًا..؟ أجبت بسرعة ناظم كزار.. قال: تعرف ناظم كزار شيسوي بالمعتقلين..؟ قلت: يحط المعتقل وهو حي بالتابوت ويبسمره، ويرسم صليب على غطاء التابوت بالطباشير من الطول للطول، ويطلب من جماعته يقطعوه للتابوت بالمنشار على خط الطباشير عرض طول..

قال: لعد إذا تعرف ناظم كزار هيچي يسوي بالناس، وما دام أنت ثوري وناذر نفسك للقضية .. ما حسبت آنا أستاذك ومشرف عليك، ومسؤول عن لوحاتك رسميًا، شنو راح يسوون وياي من يحطوني بالتابوت ويرسمون عليّه صليب بالطباشير وآنا مسؤول عن عائلة وعندي بنية زغيرة اسمها وجدان..؟ ألم يكن بإمكانك أنْ ترسم تجريدي.. سريالي.. تكعيبي عاد..؟

أطرقت برأسي شعورًا بالذنب مع ضحكة خفيفة خنقتها لكني سرعان ما استعدت رباطة جأشي، فرفعت رأسي، وحدقت في عيونه، وبديت أتفلسف: أستاذي العزيز أنتم ترسمون للنخبة سريالي وتجريدي، آنا أرسم للمهمشين بياع اللبلبي، بياع الباكَلا.. هذولا ينرادلهم فن يفهمونه مباشرة دون تأويل أو ترجمة.. نظر أستاذي إلى عيوني مباشرة، وأمسك بيدي وسار بي على طول أضلاع القاعة الفسيحة دون كلام، وعندما درنا فيها دورة كاملة، وعدنا للمكان الذي بدأنا منه، وقف ووقفت معه، وهو ما زال ممسكًا بيدي وسألني قائلًا: قل لي يا موسى كم بائع لبلبي وبائع باكَلا صادفك في هذه القاعة..؟! ضحكت وسحبت يدي من يده بأدب وقلت: ماكو.. فما كان منه إلا وحضنني وهو يصيح على مصور الكلية: كاظم تعال صورنا، فصورنا كاظم وأستاذي يصيح وهو يريد إظهار الصيحة في الصورة: كتلني موسى فرج...!

وهكذا كان.. أنت اليوم يا أبا رامي ترسم، الواقعية الرمزية، الواقعية الخيالية.. وبعض لوحاتك تجريدي، سوريالي، ومعظمها يتعلق بهموم الناس، وتسعى للتغيير، وهي في الوقت ذاته تدخل الإبهار للمتلقي دون أنْ تحتاج إلى مترجم ضليع..

لكني ما زلت متمسكًا برأيي من أنّ الأدب والفن كي يكون منتجًا ينبغي أنْ يكون للحياة، وليس لذاته، فالتركيز على الجمال بحد ذاته دونما مهاجمة القبح بدعوى تربية الذوق أراه كمن ينصح الملائكة على فعل الفضيلة، وهم أساسًا في منأى عمّا سواها، ومن قبيل تركيز أدباء الشعر والقصة والرواية على التقاط مفردات غرائبية تلتقط لإضفاء الفنتازيا دونما استهداف مواجهة القبح والرذيلة والكراهية والظلم والفساد والعدوان، وعندما يتوجع الشعراء والأدباء قائلين: إنّ القول لم يعد مؤثرًا، صحيح لم يعد مؤثرًا وأمامك الدليل: فقصيدة "إرادة الحياة" لأبي القاسم الشابي أدت دورًا تعبويًا على مدى سبعة عقود، تلهب حواس الناطقين بالضاد للكفاح ضد المستعمر، مَن منكم يثبت لي أنه لم يظهر شعراء أفذاذ بعد الشابي أنتجوا قصائد تتفوق على قصيدته، وعلى الصعيد المحلي مَن منكم لم يسمع بقصيدة "أين حقي" لبحر العلوم، أو "جياع الشعب نامي" للجواهري ، أو "غريب على الخليج" للسياب ..؟

مَن بقي منها صامدًا، ومَن منهم لفّه منها النسيان..؟ إنهم يتبرعون على أرائكهم كما كانوا وأكثر ..أيعقل أنّ الزمن توقف ..؟ أبدًا، الهموم تفاقمت والشرور تضاعفت، والقول بات أسهل، فلا أجهزة أمن بإمكانها حبس الكلمة، والنشر بات على أوسع حالاته، ولم يعد حبيس النسخ بقلم الكوبيا..

فإذن؛ العلة التي بات لزامًا مناقشتها ليس الشعر أم الرواية ..؟ وليس الرواية أم القصة القصيرة..؟ وليس قصيدة الطويل أم قصيدة التفعيلة..؟ إنما البحث ينبغي أنْ يتوجه إلى الإجابة عن السؤال المركزي .. لماذا لم يعد القول مؤثرًا كما في السابق..؟ ولماذا لم يعد الفن التشكيلي مؤثرًا كما في السابق..؟

تقول لي أنَّ المتلقي لم يعد كما السابق، أقول لك: المتلقي كالزبون هو الغاية وهو دائمًا على حق.. وعليك أنْ تأخذ بالاعتبار تطور التكنولوجيا الهائل، والذكاء الاصطناعي أيضًا، وظهور بدائل في عرض وإرسال القول من قبيل البرامجيات الخاصة باليوتيوب والتك توك.. وأنت أمام خيارين: إما أنْ تستهدف إحداث التغيير في المجتمع لبلوغ الحالة الأفضل كما يريد ذلك غرامشي بنظريته عن المثقف العضوي.. فناقش أساس الموضوع "لماذا لم يعد القول مؤثرًا..؟"، وعندها ستجد نفسك ملزمًا بتغيّر طريقة تناولك للموضوع فكرة وغاية وعرضًا والتصاقًا بهموم الناس، وليس أنْ تثبت أنّ فلان من فلاسفة أو فقهاء العصور الوسطى كان على حق، وفلان كان على خطأ.. تريد اللذة العابرة فهي لك ودونك الفنتازيا، ولكن ضمن مساحة المخدع وليس في السهول والقفار والجبال..

***

موسى فرج

...................

تنويه: الأدلة الثبوتية من قبيل صورتي مع المتصرف يوم سقط قبغ الكأس، وصورتي مع استاذي وهو يصيح في قاعة المعرض موثقة فوتوغرافياً وعرضتها على صديقي أبو رامي..

 

الذكاء الإصطناعي حلبة المصارعة الحرة بين العقول الإبداعية الفاعلة في الدول الكبرى، وتأتي ضربة الصين القاضية على رأس الإحتكار الأكبر للذكاء الإصطناعي، بتحولات يصعب تخيلها، وتقدير تداعياتها المستقبلية.

القرن العشرون كان قرن النفط، والقرن الحادي والعشرون قرن الثورات التكنولوجية الصاخبة.

التكنولوجية تستحوذ على مصيرنا؟

قبل عقود قال لي زميلي الصيني: سيأتي اليوم الذي لا نحتاج فيه لعقولنا!!

قلت: كيف؟

قال: سيتم إبتكار رقائق نزرعها في رؤوسنا لتقوم بالواجب بذكاء فائق!!

تذكرت حوارنا، أمام الصدمة التي زعزعت عروش أمهات الشركات المستثمرة في الذكاء الإصطناعي، مما أرعب القوى المتوهمة بالهيمنة التصنيعية المطلقة.

تطبيق (ديب سيك) الصيني أرعب الكيان الإبتكاري في الدولة المهيمنة على الأبداع التكنولوجي، وتسبب بخسائر مباغتة للشركات المستثمرة في المشروع المذهل الذي سيقلب الدنيا رأسا على عقب.

الآلة ستقودنا وتسيّرنا، وكأننا بلا قدرة على التحكم بها، لأن عقولنا أوجدت ما يفوقها من الأدوات التفاعلية اللازمة لتخميدنا، وتحويلنا إلى قطيع.

الذكاء الإصطناعي سيكون قائد كل نشاط في القرن الحادي والعشرين.

سيقود المركبات بأنواعها، وسيدير الشركات والمستشفيات، وسيكون الطبيب المعالج، والمرشد الآلي لأي حالة تهم البشر، وهذا يعني بأن الكثرة البشرية ستكون عبئا، فلا حاجة للأيدي العاملة، وهذا خطر مروع ستواجهه الدنيا في العقود القادمات.

الكثرة البشرية كانت ضرورية للزراعة، وعندما حلت الآلة مكانها صار شخص واحد يدير حقلا كان يعمل فيه أكثر من ألف شخص.

وقس على ذلك معظم ميادين العمل الأخرى.

فالحاجة للأيادي العاملة ستتناقص بنسب مخيفة، مما يستدعي إنطلاق الحروب الفظيعة اللازمة لتأمين العدد الذي عليه أن يعيش متمتعا بعطاءات الذكاء الإصطناعي.

فهل أن الآلة ستنتصر على البشر؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

الشعر تصوير بالكلمات لحالات ظاهرة وباطنة، والبعض يرى أنه "رسم بالكلمات"، والفرق بين التصوير والرسم واضح.

ومع التقدم التقني ومهارات إلتقاط الصور الجامدة والحية، أصاب الشعر الإنكماش والذبول، لتوفر الأدوات القادرة على التصوير أبرع من الكلمات.

فما قيمة الوصف الكلامي أمام الصورة الملونة المكتملة الأبعاد، والتي تقدم الحدث بتفاصيله المكانية والزمانية، فالصورة المعاصرة ذات وقع وتأثير أقوى من أي كلام.

ويبدو أن دور الشعر المتعارف عليه في مجتمعاتنا قد إضمحل وإنتصرت عليه الصورة إنتصارا ساحقا.

وزاد في هزيمة الشعر الميل للغموض والإبهام والرمز، والخروج عن ضوابطه المتعارف عليها منذ أن وضع الفراهيدي علم العروض.

فالطبع البشري لا يميل إلى التعقيد واللخبطة، إنه يرغب بما هو جاهز، ولهذا تجد مطاعم الأكلات السريعة ناجحة ومتنامية، فهل يعجبك أن تأكل الوجبة أم تقوم بإعدادها ومن ثم تأكلها؟

الشعر يبقى شعرا، لكن الصورة المعاصرة غيبته وأضعفت أثره ومحقت تأثيره، ومما زاد الطين بلة، التوهم بأن التحديث يعني إستنساخ ما عند الآخرين وفرضه على واقع لا يعرفه.

الشعر ليس ميزة أو طاقة متميزة، إنه قدرة يمكن توظيفها بالتدريب، والبعض يعيش في الشعر ويتفاعل معه طيلة وقته، فيرتقي بمستويات تعبيرية تمليها قوة التواصل المستدام، والوسوسة البوحية عما يعتريه ويراه.

والشعوب التي لا تجد ما يشغلها إبداعيا، يتكاثر فيها الشعراء، وعندما نقارن عددهم بين المجتمعات المتأخرة والمتقدمة، يكونون أكثر في الأولى، ويمكن إتخاذ ذلك مقياسا لمعرفة مدى حياة المجتمعات في عصرها.

الشعر بوح كلامي، وإبداع قولي، يوهم صاحبه بأنه قدم ما يمثله، فيعجز عن توظيف طاقاته الإبداعية في مجالات أخرى.

فهل وجدتم شاعرا أو متشاعرا إبتكر ما ينفع الحياة؟!!

وهل أن الشعر نهاب للوقت، وخطّافٌ للعمر؟!!

وما هي دلالات الولع بالشعر؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

يقول شارلي شابلن، أشهر كوميدي ّ في تأريخ السينما: عندما كنت صغيراً، ذهبت برفقة أبي لمشاهدة عرض في السيرك، وقفنا في صفّ طويل لقطع التذاكر، وكانت أمامنا عائلة مكونة من ستة أولاد والأم والأب، وكان الفقر بادياً عليهم من ملابسهم القديمة لكنها نظيفة، وكان الأولاد فرحين جداً وهم يتحدثون عن السيرك، وبعد أن جاء دورهم، تقدم الأب الى شباك التذاكر، وسأل عن سعر البطاقة، فلما أخبره عامل شباك التذاكر عن سعرها تلعثم الأب، وأخذ يهمس في أذن زوجته وعلامات الأحراج بادية على وجهه!

فرأيتُ أبي قد أخرج من جيبه عشرين دولاراً، ورماها على الأرض، ثم انحنى ليلتقطها، ووضع يده على كتف الرجل وقال له: لقد سقطت نقودك!

فنظر الرجل الى أبي، وقال له والدموع في عينيه:

شكراً يا سيدي!

وبعد أن دخلوا، سحبني أبي من يدي، وتراجعنا من الطابور، لأنه لم يكن يملك غير العشرين دولاراً التي أعطاها للرجل!

ومنذ ذلك اليوم وأنا فخور بأبي، وكان ذلك الموقف أجمل عرض شاهدته في حياتي، بل أجمل بكثير من عرض السيرك الذي لم أشهده..!

***

د. ابراهيم الخزعلي

العالم المعاصر تبلدت فيه العقول، وأصبحت الشاشة تصول وتجول، فالكل لا يعلم والشاشة تعلم، وتلك حكاية إنتصار الآلة على البشر.

لكل سؤال جواب تستحضره الشاشة الصغيرة، فحالما تسأل السيدة كوكول، ستأتيك من كل حدب وصوب بجواب!!

عندما كنا نريد كتابة بحث أو دراسة، نلجأ إلى المصادر الورقية في المكتبات، ونتصفح الكتب والمجلات، وندون بالقلم على الورق، واليوم تجدنا نطرح السؤال ونتلقى الجواب فورا، وبدخول الذكاء الإصطناعي وتسيده على الشاشة، أصبح يقوم بالبحث والدراسة، وما عادت عقولنا ذات قيمة ودور متفوق عليه.

إن العلاقة بين الشاشة الصغيرة والبشر المعاصر، حالة سلوكية غير مسبوقة، وستؤثر على الأدمغة، خصوصا وأن الأجيال الوافدة تتعامل معها منذ سن مبكرة، فلربما ستنسى ما هو القلم وما الورق، لأنها إعتادت أن تكتب على الشاشة، وبضربات على الأزرار، وبهذا ربما ستفقد الكتابة بالقلم قيمتها ودورها في حياة الأجيال في المستقبل.

المكتبات ربما ستتحول إلى ديكورات منزلية، والكتاب فقد رواجه وأهميته المعرفية، وأسلوب الكتابة السابق لا يصلح لأجيال الحاضر، المهتمة بالصورة والمشاهد الفلمية الحية، فالقراءة الورقية ذهبت ريحها، وبعد غياب أجيال القرن العشرين، سيكون النصف الثاني من القرن الحادي والعشرين، قرن التكنولوجيا والذكاء الإصطناعي، وسيادة الآلة على البشر.

وعندها سيُثار سؤال: لماذا الزواج والمواليد؟

وربما ستنتصر الآلة، وتستعر الحروب المؤججة بآلات وأدوات يتحكم بها الذكاء الإصطناعي، فالبقاء للأقدر تكنولوجيا، والفناء لغيرهم.

فهل نحن على حافات سوء المصير؟!!

***

د. صادق السامرائي

يجري الحديث باستمرار عن افتقار الزمن المعاصر، في عموم العالم، الى فلاسفة ومفكرين وكتاب كبار وشعراء عمالقة الخ.. ويقارنون هذه الشحة بازمنة الوفرة التي شهدها معظم القرن العشرين مثلاً وما قبله من بروز لاسماء كبيرة في الميادين التي ذكرتها اعلاه.

ويقولون ان العالم يتدهور وتنحدر منظومة القيم بسبب عدم وجود اعمدة فكرية تؤمّن استقامة المسيرة الانسانية..

السؤال الذي يحتاج الى اجابة:

هل منع وجود اولئك الكبار قيام الحرب العالمية الاولى وبعدها بروز النازية كعقيدة (في بلد الفلسفة وهي المانيا) وقيام الحرب العالمية الثانية التي كانت مأساة انسانية عظيمة راح ضحيتها اكثر من ٦٥ مليون انسان اضافة الى ضرب المدنيين بالقنابل النووية؟؟

هل منع قيام الحرب الكورية وبعدها الفيتنامية؟

هل منع الحرب الباردة وسباق التسلح واحتلال ونهب الدول الضعيفة؟

يبدو ان العالم يحمل بذور التدهور في داخله ولا ينفع معه وجود او عدم وجود الفلاسفة والمفكرين.

بل انهم لو ظهروا فسوف لن يقرأ أحد كتبهم لان الكل مشغول بالفيس بوك وباقي وسائل التواصل الاجتماعي التي اختلط فيها الواقع بالوهم والحقيقة مع الاكاذيب واصبحنا غير متأكدين من صحة ودقة ما نقرأ ونسمع..

***

د. صلاح حزام

أقلامنا تناولت معظم الموضوعات والتحديات والحالات، وما إستطاعت أجيالنا فعل شيئ بمستوى ما بحثت فيه أقلامنا. تنبؤات وإستنتاجات وتوقعات ذات صوابية عالية، ما شدت إنتباه القادة والحكام، وأنظمة الحكم في دول الأمة.

أقلام أبناء الأمة كتبوا في كل شيئ، ومنذ قرون وتحدثوا عن آليات المحافظة على التقدم والقوة والرقاء، ونامت كتبهم في ظلمات الرفوف، وما فازت الأمة بقادة متبصرين متفاعلين مع أنوار العقول، إلا بعدد قليل منهم، وهم الذين أوجدوا مقاماتها السامقة، وحققوا قفزات حضارية ذات قيمة إنسانية.

وذات العلة رافقت دول الأمة منذ بدايات القرن العشرين، فما حظيت بمن يعرف ويدير شؤونها برؤية حضارية مستمدة من تجاربها ومعطيات أنظمة حكمها السالفة.

وقد إنطلق فيها منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر، مفكرون أفذاذ رسموا خارطة طريق نهوضها، لكنها تجاهلتهم، ولو أن نظام حكم واحد في دولها إطلع على ما كتبه عبد الرحمان الكواكبي عن الإستبداد في كتابه، لتمكن من الإنطلاق ببلده إلى مصاف الدول المتقدمة منذ أمد بعيد.

فالعلة الحقيقية أن الكراسي لا تقرأ، وتتوهم المعرفة وعدم الخطأ، وهي من أجهل الجاهلين، ولا تعرف معنى السياسة والحكم.

فكل مَن يجلس على كرسي السلطة، يتحول إلى سيد العارفين، وأمير المفكرين، والقائد الملهم المطاع الأمين!!

"أيها الأحياء تحت الأرض عودوا ...فأن الناس فوق الأرض قد ماتوا"!!

وتلك مصيبة أمة أذلتها الكراسي وإمتهنتها وحولتها إلى مجتمعات هوان ومآليس، تتمنطق بالماضيات، وتثأر للغابرات، وتريد أن يحكمها الأموات، الذين تحولوا إلى رميم منذ مئات السنين.

فانتعشت في ربوعها تجارة الدين!!

و"دليل عقل المرء فعله"!!

***

د. صادق السامرائي

 

ان الإنسان أول ما يبدأ الوعي والإدراك عنده و يكون قادرا على تميز الأمور والفهم لما يدور من حوله يسعى جاهدا في العمل الدؤوب والجد للحصول على مبتغاه ومحاولة نيل مراتب عالية في المراحل الدراسية التي تؤهله في تسلق سلالم النجاح والمعرفة وهكذا يصبح الطموح الشخصي للإنسان مطلبا خاصته للحصول على الشهادات الدراسية العالية وتبوء مناصب ومواقع عملية وعلمية في المجتمع ليكون مميزا في مجتمعه وأسرته وبعدها يطمح ساعيا وجاهدا في الحصول على وظيفة أو عملي تضمن سبل العيش له ولأسرته وكل هذه الرحلة الشاقة من العمر منذ الطفولة والصبا وتأسيس العائلة وكل ما يقدمه من عمل يسمى في المنظور والمفهوم القرآني (عمل حسن) وهذا العمل جزائه يكون بينه وبين نفسه خاصة وتلبية لطموحاته الشخصية وهذا هو حقه الشخصي وخاصة إذا كان يصب في مصلحة المجتمع يثاب عليه من قبل الله تعالى (يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم ) الزلزلة6 لأنه يصب في مصلحة الأسرة والمجتمع وتأهيله لبناء وقيادة المجتمع والأسرة وعضوا فعالا فيها لأنه يساعد في نشوء الحياة اليومية وكادا على عياله حيث قال الله تعالى (وقل أعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) التوبة 105وكذلك (من جاء بالحسنة فله خيرا منها ومن جاء بالسيئة فلا يُجزى الذين عملوا السيئات إلا ما كانوا يعملون )الإسراء 7 وكذلك (أن أحسنتم لأنفسكم وأن أسأتم فلها.........) الإسراء 23لكن العمل الصالح هو كل ما تتركه من أثر جميل وعمل يُنتفع منه لغيرك يدل على وجودك في الحياة وبعد الممات من خير وفعل وهو المراد الإلهي التي تبنته النظرية السماوية التي أنزلت للإنسان المتحضر الذي علمه بالقلم عن طريق الصراط المستقيم الذي رسمه له من خلال آياته وسننه ودين قيم مبني على الأخلاق الخلاقة ومكارمها والمبادئ والتعامل الراقي البناء مع بني جنسه ومجتمعه لحصول رضا الله تعالى أولا والفوز بالجنة والمنازل العليا في الحياة الدنيا والآخرة (فمن كان يرجوا لقاء ربه فاليعمل عملا صالحا ولا يُشرك بعبادة ربه أحدا ) الكهف 110  فأن العلاقة المتعاونة والعمل المثمر الذي يساهم في بناء علاقات متوازنة في بناء مجتمع متكامل مع الأفراد والمؤسسات الوضعية بطريقة صحيحة وراقية ليسموا بها الإنسان (أن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا) الإسراء 9 فكل فعل وقول تبني المجتمع وتهذبه وتساهم في تطويره أخلاقيا ومعرفيا في حياته ويُستفاد منه بعد مماته هو الذي يريده الله تعالى والذي أسماه بالعمل الصالح حيث يُعد من أولويات الإسلام ومدخل الإيمان وهو الذي يُرفع ويُحفظ في صحيفة المؤمن ليوم الحساب يُجزى به ويُثاب عليه في الآخرة لتكون له الدرجات العلى كما قال تعالى (ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما) طه 112 (أن الذين أمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا) مريم  96 (من كان يريد العزة فلله العزة جميعا إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه....) فاطر 10فعلى الإنسان العاقل أن يبني علاقة جدية مع بيئته والكائنات التي تتعايش معه على الأرض من نبات وحيوان والطبيعة التي سخرها الله تعالى له ليكون أهلا للخلافة التي جعلها الله له ليخلف بعضه بعضا على القيم والأخلاق والمبادئ والتكنولوجيا والمعرفة البناءة المفيدة لبني جنسه والأعمال الخيرة لتنظيم مجتمع عالمي متطور خلاق لمد الجسور المعبد النظيف نحو الحياة الأبدية ليبرهن للعالم أجمع أنه المسلم حقا (ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال أنني من المسلمين)..

***

ضياء محسن الاسدي

 

الموصل تقدم نماذج رائعة للكتابة التأريخية عن المدن الحضارية، ويبرز فيها ألمعيون أفذاذ مخلصون لمدينتهم ويتفاعلون معها ككينونة حية ذات منطلقات باهرة. وفي مقدمتهم المعاصرون من الغيارى الميامين الحريصين على مدينتهم الشماء، فهم مشاعل ساطعة تساهم في نشر ثقافة المدينة، والتعبير عن قيمها ورسالتها الإنسانية، وتضعها في الموضع اللائق بها.

فالمدينة تحدّت العدوان، وأعادت منارتها الحدباء بأروع مما كانت، وهي المدينة التي إنبثقت فيها الحضارة الآشورية، وإنتشرت قدراتها العسكرية والمعرفية، وبفضل مكتبة آشور بانيبال عرفنا الكثير عن الأزمان القديمة.

كلما أقرأ ما تجود به أقلام المؤرخين الموصليين، أشعر بالفخر والقوة، وأتمنى أن يبرز في مدننا الأخرى مؤرخون يعبرون عن مكنونات مدنهم، وأدوارها في صناعة المسيرة الإنسانية الرائدة، فمدننا ذات بدايات حضارية، وأكثر أبنائها يعيشون في أمية عن مدنهم، ولهذا يكون إرتباطهم بها ضعيفا، ويميلون لإستحضار السلبيات، وعدم وعي قيمة المكان الفريد.

يدهشني المؤرخون الأجانب عندما يتحدثون عن سامراء وحضارتها ودورها الريادي في أنظمة الري والصناعات الزجاجية والخزفية، وأجدهم يعرفون عنها آلاف المرات أضعاف ما أعرف، ويعضهم مهووس بها، ولديه أعلى الشهادات متخصصا بتأريخها، ونحن نجهل عنها الكثير، وعشنا بها وكأننا في غفلة ثقيلة، وأمية سافرة.

أذهلني أحد الأساتذة الأجانب، عندما إعترضت على عدم ذكر المدينة في ندوة عن العراق، فاقترب مني قائلا: "أنها أغنى مدينة أثرية على سطح الكوكب، وتحتاج إلى ندوات، ولا تستوعبها ندوة كهذه"!!

ومضى يحدثني عن تأريخها الذي غاص فيه وكأنه يعيش فيها ويعرفها أكثر مني!!

قلت لنفسي، إنه يعرفها، وأنا أجهل مسيرتها!!

ذلك الأستاذ دفعني للبحث والإهتمام بمدينتي، بعد أن صارت حلما بعيد المنال!!

يا أبناء مدننا الخالدة تعلموا من مؤرخي أم الربيعين، فهم القدوة الحَسنة، والمثال الأصدق في التعبير عن حقيقة المكان الذي نعيش فيه، وبأمثالهم تتطور ثقافة المدينة في وعينا الجمعي.

وعاش كل غيورٍ أبيٍّ عزيز!!

***

د. صادق السامرائي

 

مسألة بناء الدولة واحدة من المواضيع المهمة والشائكة في نفس الوقت خصوصا في ظل نظام سياسي متعدد الولاءات وهيمنة سياسية لا تؤمن بالتعددية والعدالة الاجتماعية، ومع الاقرار ان لكل بلد ظروفه الخاصة وهويته الاجتماعية لكن هذا لا يمنع عند الشروع بالبناء من النظر الى تجربة الغير والعمل على تقييم اخطاءها ونجاحاتها والاستفادة من معطياتها، فمن مقومات البناء السليم هي الاستفادة من تجارب الاخرين والأخذ بإيجابياتها وتفادي سلبياتها وهوما قامت عليه تجربة البلد الآسيوي " سنغافورة " التي تعد واحدة من أهم التجارب المعاصرة في بناء الانسان ونهضة البلدان حيث رسم خطوات ومعالم هذه النهضة بدقة كتاب (قصة سنغافورة) الذي يمكن اعتماده دليلا ومرشدا لبناء البلدان والنهوض بحياة شعوبها، فهو يحكي مذكرات صانع نهضة سنغافورة (لي كوان يو1923 ــ 2015) أول رئيس وزراء لجمهورية سنغافورة الذي نجح في بناء دولة من العدم وحولها الى واحدة من أنجح الدول الأسيوية، فـ (قصة سنغافورة) كتاب غني بمادته ويكشف عن نهج لي كوان في مكافحة الفساد والتخلص من العملاء وبناء سنغافورة مستقلة، والأغرب في موقف لي كوان انه بعد كل الذي فعله لإنقاذ بلاده من التبعية وتحويلها من دولة فقيرة الى واحدة من أغنى دول العالم لا يعتبر نفسه بطلا او منقذا او تاج رأس فقد أجاب على دهشة المعجبين بإنجازاته قائلا (أنا لم أقم بمعجزة في سنغافورة، انا فقط قمت بواجبي نحو وطني)، بهذا التواضع النادر ينظر لي كوان الى مكافحة الفساد على انه ليس بالإنجاز الخارق والمستحيل انما تحقيق ذلك يحتاج الى شجاعة ووطنية خالصة، وفوق ذلك يعطي خريطة انجاز هذه المهمة فيشير الى ان (تنظيف الدرج من الفساد يبدأ من الاعلى نزولا الى الأسفل) فالفساد يبدأ من قمة هرم السلطة نزولا الى اصغر مواطن سواء كان مكلفا بخدمة عامة او مواطنا عاديا وعندما يكون المسؤول محميا من المسائلة فمن الطبيعي ان يستهتر بالمقدرات ولا يتورع عن القيام بأفعال تنافي المصلحة العامة وتخل بشرف المسؤولية ويشير الى واحدة من علامات تفشي الفساد بقوله (حين يسير اللصوص في الطرقات آمنين فهناك سببين : أما ان يكون النظام لص كبير او ان غباء الشعب أكبر) كما يؤكد في مذكراته على مراعاة الأولوية قبل كل شيء الى بناء الانسان، فالإنسان السليم هو الذي يبني ويقيم العدل ويبسط الأمن ويصون استقلال البلاد وهو الذي يصنع ويبدع ويأخذ بالبلاد الى بر الأمان فحين سأله احد الصحفيين عن الفرق بين دولته ودول العالم الثالث الاسيوية فانه يجيب بكل ثقة وحكمة (الفرق اننا نبني المكتبات ودور البحث العلمي وهم يبنون المعابد، نحن نصرف موارد الدولة على التعليم وهم يصرفونه على السلاح، نحن نحارب الفساد من قمة الهرم وهم يمسكون اللصوص الصغار ولا يقتربون من المفسدين الكبار) وتأكيده على بناء الانسان يعيدنا للتذكير بقصة بناء سور الصين العظيم الذي اعتقد الصينيون القدامى انه ببنائه سيعيشون في أمان حيث ﻻ‌ يوجد من يستطيع تسلقه لشدة علوه، ولكن خلال 100 سنة الاولى بعد بناء السور تعرضت الصين للغزو ثلاث مرات، وفي كل مرة لم تكن جحافل العدو البرية في حاجة الى اختراق السور او تسلقه،، بل كانوا في كل مرة يدفعون للحارس الرشوة ثم يدخلون عبر الباب، لقد انشغل الصينيون ببناء السور ونسوا بناء من يحرسه، هذا الدرس يكشف بوضوح ان من أهم مقومات بناء الاوطان هي بناء الانسان .

***  

ثامر الحاج امين

...................

* كتاب (قصة سنغافورة) فيه من الدروس ما يجعلنا نفكر كم نحن بحاجة الى رجل بحكمة ووطنية لي كوان

 

الثورة حركة تهدف للتغيير نحو الأفضل، أي أن الشعب ينتفض ضد وضع قائم لتأسيس وضع أحسن منه، ولن تستوفي الثورة معانيها إن لم يكن زمنها أفضل من الزمن السابق لها.

وفي الثورات تنكشف عورات الشعوب والمجتمعات!!

فلكل ثورة عوراتها، وحجم العورات يتناسب طرديا مع الويلات التي يعيشها المجتمع بعد أن ثار وأزال النظام الحاكم وألغاه.

في مجتمعنا العورة الكبرى التي تكررت هو سفك الدماء، حتى توهمت الأجيال بأن تغيير نظام الحكم لا بد أن يقترن بالقتل والإعتقالات والتعذيب والإمتهانات.

فيوم الرابع عشر من تموز عام ألف وتسعمائة وثمان وخمسين، قدم قدوة سيئة، مضت على هديها أنظمة الحكم اللاحقة، فصارت الإعدامات والتعذيب من شروط وعناصر الإنقلابات التي تسمى دوما بالثورات، وهي تفاعلات عدوانية عمياء، فشلت في بناء نظام حكم دستوري يحافظ على البلاد في دولة، والعباد في مجتمع تحكمه أواصر المواطنة وحقوق الإنسان.

ولا يزال مجتمعنا يتعثر بذات الحجارة ولا يستطيع إقالتها عن الطريق، ويعيش نتائج ذلك اليوم العصيب، المتجذر في أعماق الوعي الجمعي، ولا يمكن تخيل مطالبة بحقوق أو تظاهرة دون سفك دماء وقتل وإعتقال وترهيب وتهديد، فما أرخص البشر، وقتله أيسر من قتل الحشر.

فلماذا العقول معطلة، والكفاءات مغيبة، والتبعية مبجلة، والخيانة وطنية، والمطالب بحقه معارض معادي للوطن، لمصلحة مَن ما جرى ويجري، فهل إستفاد الشعب من الإنقلابات، وهل أسست الجمهوريات أنظمة لبناء دولة معاصرة؟!!

أين السيادة، وكيف يمكن فهم ما آلت إليه أحوال مجتمعاتنا؟

تساؤلات في غياهب اللا أدري!!

***

د. صادق السامرائي

تأريخنا أرقى وأنصع من تأريخ الأمم الأخرى، والفرق في عصرنا، أننا نسلط الأضواء على العثرات ونغفل الإنجازات، والأخلاقيات والقيم السامية، والتفاعلات العزيزة الأبية، ونتوطن في ظلمات الإدّعاءات المجحفة القاضية بتدميرنا، ومحق جوهرنا وتعطيل إرادتنا.

الأمم الأخرى تدفن تأريخها السلبي وتركز على الإيجابي، وتقدمه على طبق من ذهب للأجيال، ونحن نجيد طمر تأريخنا، والإمعان بإيهام الأجيال بأننا أمة سيئات، وتداعيات وحروب وصراعات عبثية عدوانية، لا تساهم في تأمين الإعتصام بالوحدة والحرية والعدالة الإجتماعية، وتكريم قيمة الإنسان.

ما نستحضره من التأريخ لمحق قيمة الإنسان، وتبديد طاقات الأجيال، ويتأكد الإستثمار في الدين لتحويل نوره إلى نار، وكأننا الأمة الوحيدة التي عندها دين.

فكيف نطوّع لأنفسنا، أن نقدم الغثيث الذي لا ينفع الناس، وندفن عناصر الحياة ومولداتها في دثار من الخيبات والنوائب المنتقاة لتمرير الإدّعاءات، وتكرار النكبات لإيهام الأجيال بأنها دون القدرة على صناعة الحياة، وبناء الحاضر الزاهر والمستقبل السعيد.

علينا أن نستيقظ من غفلتنا، ونتدرع بحقيقتنا الحضارية، ونمثل جوهرنا المعرفي الأصيل، ونوطن أنفسنا على العزم والإصرار وشحذ الهمم بالقيم، الكفيلة بدفعنا بتوثب مقدام إلى آفاق المستقبل المستقيم القويم.

التاريخ المتداول ينهرنا ولا يعلمنا، يعوقنا ولا يهذبنا، يبتلعنا ولا ينورنا، إنه كالآفة التي تلتقم ما تصادفه من الأحياء، التأريخ المشوه يخيم على وعينا الجمعي، وتتكرر منطلقاته التدميرية لذاتنا وموضوعنا، ويرمي بنا في آبار ما فات ما مات، فنتحول إلى أموات تتدحرج فوق تراب الذين فيه رميم يتحكمون بمصائرنا، ويسحقون وجودنا ويمحقون تطلعاتنا، لأننا من رهائنهم التابعة الخانعة المنوّمة بالأضاليل والخداعات والبهتان المقيم.

التأريخ ما وعيناها، بل عقمنا به، وتعطلت عقولنا بأوهامه، وصدقنا ما توارد إلينا من قصص وحكايات لا تتوافق مع بديهيات الأمور، فهو تأريخ كراسي، وفيه هذربات خيال وتحليقات في مناطيد التصورات الكارثية لبشر أضفيت عليهم توصيفات خارقة لا يستطيعها مخلوق آدمي، إذ تتقاطع مع طاقاته الخلقية وقدراته البايولوجية والفسيلوجية والعقلية.

التأريخ فيه الكثير من الكتابات على أبواب التسول والمديح الداعي للمكرمات، ومعظم كتبه تهدى للسلاطين، وهي تشيد بهم وتعظم مآثمهم، وتحسب خطاياهم من المكرمات والأعمال التي ترضي رب العالمين.

فهل لنا أن نقرأ التأريخ بعيون علمية باصرة ذات ضوابط ومعايير واقعية؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

جهة (....) تطلب من ادارة جريدة الصباح حجب صفحة (حذار من اليأس).. فتستجيب مضطرة!

ان تستمر صفحة كاملة لعشر سنوات في اوسع الجرائد العراقية انتشارا، فهذا يعني انها مقروءة ومطلوبة جماهيريا.. ليس برأي محرر الصفحة، بل بشهادات محرري وكتّاب جريدة الصباح ورأي اكاديميين ايضا.

فحين بدأت حذار سنتها السابعة احتفت (الصباح) بها وكتبت المسؤولة عن الصفحة السيدة سعاد البياتي: (على مدى السنوات الماضيات من عمر التألق والجدية والبحوث النفسية الراقية في الطرح والارشادات، كان "لحذار من اليأس" الصفحة التي رافقتني اينما حللت في عملي الصحفي.. تعدّ من امهر الصفحات الاجتماعية التي تغور في اعماق النفس وقضايا الاسرة والمجتمع وتضع لها الحلول الشافية حتى غدا اشبه بعيادة طبية للكثير من الحالات النفسية والاجتماعية التي اجاد الدكتور " قاسم حسين صالح" في ابرازها ومعالجتها وتوضيحها للقرّاء ولمتابعي صفحاته القيمة، أذ دقت في خيمة ملحق الصباح وتدا" لا يمكن زحزحته بيسر، لان الذي اسبغ اوراقه وكلماته اجاد في تشكيل لوحة ماهرة لا تنسى في معبد الاسرة والمجتمع).

وكتب مسؤول الملحق، السيد سامر المشعل شهادة عنونها (لا يأس مع قاسم حسين صالح): (نبارك للزميل قاسم حسين صالح جهوده المثمرة وتواصله مع باب حذار من اليأس وهو يدخل عامه السابع بنجاح، وهذا دليل مضاف الى عمق انتماءه للخطاب الاعلامي وتواصله مع القرّاء بروح رياضية عالية. وبما انني حديث العهد على ملحق الاسرة والمجتمع، اذ تسلمت ادارته منذ شهرين.. فانه يزيدني فخرا واعتزازا التعاون مع استاذي د. صالح و(حذاره) الذي يعدّ نافذة مهمة في الملحق. نتمنى ان يظل منارا لاضاءة الزوايا المعتمة في مجتمعنا برفده المتواصل في ميدان الصحة النفسية والمجتمعية..وعقبال مئة عام على ( حذار من اليأس).

 وشهادة ثالثة من الصحفي المخضرم (قاسم موزان).. نقتطف منها:

(ليس من السهل على عالم قضى عمره في البحث والتجريب والاستقصاء، ان يبسط اختصاصه الدقيق الموغل بالتعقيدات العلمية والمصطلحات السايكلوجية الثقيلة ويقدمها الى ذهن المتلقي بوضوح وسلاسة. الا ان رئيس الجمعية النفسية العراقية البروفيسور د. قاسم حسين صالح قد فعلها بجدارة في برنامجه الاذاعي "حذار من اليأس" ثم ملحق الاسرة والمجتمع في جريدتنا "الصباح" فيما بعد الذي يعدّ شهقات امل دافئة للمواطن العراقي المتخم بالمعاناة والالم الازلي).

شهادات اكاديميين

 تجاوزت الأشادات (بحذار) المئة.. لأكاديميين ومثقفين نلتقط واحدة لأكاديمي وأعلامي ايضا هو الدكتور محمد فلحي:

 (عرفت الاستاذ الدكتور قاسم منذ اكثر من ثلاثين عاماً، ناشطاَ ثقافياً وإعلاميا وأكاديميا، وكان مدار نشاطه المستمر تخصصه العلمي في مجال (علم النفس)، يحركه طموح لا ينضب لكشف اغوار النفس البشرية ومعالجة ازماتها وتعقيداتها، ومحاربة الدجل والخرافة، واسقاط الاقنعة الزائفة، وبث الوعي وتنمية القدرات البشرية، عبر المنهج العلمي، والأسلوب السهل الممتنع، من خلال الوسائل الاعلامية الجماهيرية كالإذاعة والتلفاز والصحافة. واستطاع عبر ايقونته الاعلامية الخاصة (حذار من اليأس) أن يغير حياة الكثيرين ويؤثر في الملايين، في خطاب يجمع بين النصيحة والمشورة والتحليل والعلاج النفسي، في وقت تزداد فيه حاجة الناس إلى لمسة حب وتسامح وتفاهم في مقابل العنف والكراهية والموت الأعمى!. حذار من اليأس.. قد تختصر هذه العبارة الرسالة النبيلة التي نذر الدكتور صالح حياته من اجل اشاعتها في مجتمع يتعامل بحذر وخوف وتعتيم مع معاناة النفس ومتغيراتها وتقلباتها.. وقد ظل الرجل ثابتاً على طريق العلم والحق والمصارحة رغم وعورته وقلة سالكيه!!).

الكلية الملكية البريطانية.. تبارك

 حظيت (حذار) بتكريم معنوي من الكلية الملكية البريطانية (المعنية بالصحة النفسية) فرع الشرق الأوسط حيث قام رئيسها الأستاذ الدكتور صباح صادق بطبع (15) حلقة من "حذار" واصدارها في كتيب جرى توزيعه على الاطباء النفسيين العراقيين والعرب للاطلاع على ما في هذا المنجز من موضوعات علمية جرى تطويع لغتها الأكاديمية في أسلوب صحفي سهل. وجاء في تقديم الدكتور صباح له: (ان الجهود التي بذلها الأستاذ الدكتور قاسم حسين صالح على مدى العشرين سنة الماضية في إشراك الإعلام الهادف للنهوض بالصحة النفسية المجتمعية وإشراك الجهات الرسمية وذوي الاختصاص في هذا المشروع يدعو إلى الفخر والاعتزاز. وما هذا المنشور إلا صفحة لامعة وركيزة نحو أعمال مباركة أخرى للوصول إلى طموحنا في مجتمع راقٍ يتمتع بالسعادة والرفاهية والعافية التامة).

وحين اكملت (حذار) سنتها العاشرة كتبنا في (الصباح): ان أنبل أنواع السعادة هي أن تجعل الناس سعداء، وأضمن وسيلة لتحقيق ذلك ان تجعلهم يغادرون اليأس ويتعلقون بالحياة .ولقد أضفنا عشر سنوات صحفية في تقديم هذه الخدمة الى ثمان عشرة سنة اذاعية متواصلة في أشهر برنامج اذاعي درامي وأطولها عمرا على صعيد اذاعة بغداد و الأذاعات العربية ايضا.. وسعادتي الشخصية أنني قضيت ربع قرن أعمل على نشر الثقافة النفسية بين الناس.. دون انتظار تكريم من احد، مع ان عملا كهذا يدخل سنته العاشرة في صعود ينبغي ان يحظى بتكريم وزارة الصحة بوصفها الجهة المسؤولة عن الصحة النفسية، ووزارة الثقافة ونقابة الصحفيين.. كونها الوحيدة في الصحافة العراقية التي تشيع بين الناس ثقافة جديدة تمكّن الانسان من فهم نفسه وشريك حياته والآخرين والتعامل الايجابي مع الضغوط والتمسك بالحياة برغم ان الواقع العراقي صار مليئا بالفواجع.

 وبدل ان تنال هذه التجربة المتميزة على صعيد الاعلام العراقي والعربي.. التكريم، فان الجهة(...) اوقفت مسيرتها لسبب اترك تشخيص قصده لحضراتكم.

***

أ.د. قاسم حسين صالح

مؤسس و رئيس الجمعية النفسية العراقية

 

لم تعد الكتابة في الشأن العراقي الداخلي ذات معنى أو جدوى بعد أن بلغ تفسخ السلطات الثلاث درجة لا سابقة لها، وبعد أن بلغ الانفصام المرضي بين حكام الفساد والواقع العراقي درجة كارثية. بالأمس عقدت جلسة لمجلس النواب شكك في نصابها نواب عديدون وتحدثت تقارير من داخل المجلس عن أن النواب الذين كانوا في كافيتريا المجلس أكثر ممن كانوا في قاعة الجلسة ومع ذلك تم التصويت على ثلاثة قوانين في سلة واحدة. هذا التصويت بطريقة السلة الواحدة يعكس انعدام ثقة النواب ببعضهم تماما. ولكن التصويت تمَّ رغم الاحتجاجات والصخب الذي أثارته أقلية من النواب الرافضين دخلت القاعة، وحتى بعد التصويت تداعى عشرات النواب إلى جمع أكثر من خمسين توقيعا مطالبين بإقالة رئيس المجلس محمود المشهداني.

لقد حققت رئاسة المجلس وزعماء الكتل النيابية ما أرادت وأقرت مشاريع القوانين الثلاثة وهي: قوانين الأحوال الشخصية الذي يقسم المجتمع العراقي طائفيا ويجعل الأحوال الشخصية للعراقيين حسب طائفة الشخص، وحسب ما تقوله المدونة الفقهية التي سيكتبها الفقهاء لاحقا وتحل محل القانون الجمهوري 188 لسنة 1959.

أي أن هذا القانون التقدمي والمنسجم مع المتفق عليه في الفقه الإسلامي سيتم تهميشه ثم دفنه ليسود بدلا منه فقه الطوائف والمذاهب الدينية الغرائزي. ومعلوم أن هذا التعديل القانون الطائفي الجديد لن يسري على منطقة إقليم كردستان والتي تتصرف حكومتها المحلية كحكومة دولة مستقلة بل هي تعتمد القانون الجمهوري أو نسخة قريبة جدا منه. وهكذا سيتحول الإقليم إلى نقطة جذب وقوة مثال لسائر مناطق العراق يتوجه إليها العراقيون الهاربون من القمع والقوانين الطائفية الرجعية كما تحولت قبرص إلى نقطة جذب للبنانيين الهاربين من الفقه والقوانين الطائفية والباحثين عن محاكم مدنية متحضرة يعقدون فيها عقود زواجهم أو طلاقهم وأحوالهم الشخصية.

القانون الثاني هو قانون العفو العام والذي شمل العفو بموجبه الانتماء للجماعات الإرهابية أو الترويج والتنظير للإرهاب واستثنى الجرائم الإرهابية التي تسببت بالقتل أو العاهة المستديمة أو محاربة القوات العراقية، مع العلم أن جريمة الترويج والتنظير للإرهاب تكون عادة أخطر من جريمة يرتكبها متطرف جاهل خطره محدود بشخصه أما خطر المنظر للإرهاب فهو أوسع وأعمق كما شمل قانون العفو العام الفاسدين ولصوص المال العام من أمثال نور زهير ورائد جوحي وهيثم الجبوري أبطال ما سمي "سرقة القرن" كما أكد النائب المستقل ياسر الحسيني.

 أما القانون الثالث فكان بخصوص إعادة العقارات التي استولى عليها النظام السابق وخصوصا في كركوك لأصحابها الأصليين وهذا القرار سيكون على الأرجح كلمة حق يراد بها باطل ومن المرجح أن يذهب ضحية تطبيقه مواطنون آخرون – وخصوصا من العرب -وكان ينبغي أن يصار الى إعادة توزيع الأراضي على أهالي كركوك بغض النظر عن هوياتهم.

بعد هذه الضربة الثلاثية للعراق الموحد بقوانينه التقدمية العريقة يكون الحاكمون الطائفيون الفاسدون ومعهم نخبتهم الإعلامية والثقافية الأجيرة قد تقدموا خطوات على طريق تقسيم العراق مجتمعيا على أسس طائفية ومذهبية وتكريس الظلامية والتخلف ليدخل العراق فترة مظلمة لا يمكن التنبؤ بموعد نهايتها، ولكن انقشاعها سيكون حتميا كما يعلمنا تأريخ العراق القديم والحديث، رغم التضليل والتحشيد الطائفي المذهبي الراهن، ورغم غسيل الأدمغة الجماعي الذي يساهم فيه بعض الكتبة والإعلاميين المجندين لخدمة الأحزاب النافذة اليوم؛ فهو العراق الأكبر من ديوك الطوائف والعرقيات الفاسدين التابعين للأجنبي!

***

علاء اللامي - كاتب عراقي

 

أسمج حكاية ونكتة إنطلت على الناس عبر الأجيال المتواكبة، أن مجتمعاتنا ذات مكونات متنوعة تتسبب بتعويقها، وهي عقبة كأداء في طريق تطورها ورقيها.

ومن المضحك أن الخطاب الإعلامي والرسمي يتمحور حول هذه الفرية المصطنعة، والمرسَّخة في الوعي الجمعي منذ بداية القرن العشرين.

فهل وجدتم طرحا كهذا في المجتمعات المتقدمة؟

هل تساءلتم عن مكونات شعوبها وأعراق مجتمعاتها؟

لو أخذتم أمريكا أو أية دولة أوربية، لتبين بأن مجتمعاتها تضم أناسا من شعوب الدنيا قاطبة، وما يجمعها ويؤمّن حياتها هو الدستور الوطني الذي يحفظ مصالحها، والقانون الذي يضبط سلوكها.

فالمهم في الدول المعاصرة الدستور والقانون، وكل موضوع آخر دونهما، والدول التي لا تزال تتحدث عن المكونات، يغيب فيها الدستور ويُنتهك القانون، فالكراسي محصنة وفوق كل شيئ، وتتصرف بصلاحيات مطلقة، ولا مَن يحاسبها، ويسائلها، ولكي تبقى في مناصبها، تتحدث عن موضوعات بائدة لخداع الجماهير وتضليلها، ونهب ثرواتها ومصادرة حقوقها.

مجتمعات اليوم متنوعة، ولا يوجد تجانس، فالسعي نحو السبائك المجتمعية يقتضي الإختلاف ومزج الألوان ببعضها، لصناعة الكينونة البشرية الأقوى، فإختلاط الجينات وتفاعل العقول من ضرورات القوة والإقتدار المعاصر.

فهل سنستفيق من وهمنا القتّال؟

"وخلقناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم"!!

و"أنر الزاوية التي أنت فيها"!!

***

د. صادق السامرائي

 

شاهدنا العرض الكوميدي في جلسة مجلس النواب والتي تم فيها عقد صفقة تمرير قانون العفو مقابل قانون الاحوال الشخصية، والقانونين مقابل قانون العقارات، وقد اخبرتنا النائبة نور الجليحاوي، أن قانوني الأحوال والعفو مرا دون أن يرفع النواب أيديهم " الكريمة "، وكانت النائبة شجاعة حين وصفت ما جرى بالمهزلة، فنحن لا نزال نعيش عصر المهازل الكوميدية بامتياز، ولكي تكتمل فصول المسرحية خرج علينا محمود المشهداني ليهنئ السنة بقانون العفو، وابرق نواب الشيعة الى جماهيرهم بهنئونهم بقانون الاحوال الشخصية، وفي كلتا التهنئتين فان المواطن العراقي لا يدري يضحك ام يبكي؟.

كوميديو مجلس النواب مثل كوميديي مجالس النواب التي تعتمد على الصوت العال وتغيب فيها القوانين التي تهم الناس. ويجب أن نتذكر في هذا المكان عميد الكوميديا العراقية مثنى السامرائي الذي وصف جلسة مجلس النواب الاخيرة بانها تاريخية، ولو تسنى لنا لرشحنا السامرائي للجلوس على عرش الكوميدا العربية، ربما يخطف لقب " كشكش بك " من عميد الكوميدا العربية العراقي نجيب الريحاني الذي شرح قبل مئة عام، في كلمات معبرة احوال وصفات اصحاب الكلمات المنمقة وخطبهم التي ليست: " إلا لهوا ولعبا وتجارة، يمارسها البعض للضحك بها على عقول السذج وقاصري الإدراك".

توفي نجيب الريحاني عام 1949. ومنذ ذلك الوقت وهو يتربع على عرش الضحك الصافي والنبيل، وهو ضحك لا يشبه ما يجري في مجلس النواب العراقي.

الطفل الذي ولد في حي باب الشعريَّة بِمدينة القاهرة عام 18889، لِأب عراقي مسيحي من مدينة الموصل يُدعى " إلياس ريحانة"، استقر به الحال في القاهرة لِيتزوج امرأةً من صعيد مصر أنجب منها ثلاثة أبناء منهم نجيب.. ورغم مرور اكثر من 75 عاما على رحيله فان كتاب تاريخ المسرح وفنون الكوميديا، لا يزالون يعتبرون ابن الرجل الموصلي، كبير صناع الكوميديا والسخرية في بلادنا العربية. في تحليله لظاهرة نجيب الريحاني يكتب يحيى حقي: "لا أريد أن أتحدث عن منشأ الريحاني وعشيرته التي ينتمي إليها أصله، وقدرتها على الاندماج في مصر أو قدرة ثرى مصر على استيعابها، فقد أصدر شعب مصر السخي الكريم حكمه، فلا نقض له ولا استئناف، ارتضى أن يحتضن الريحاني وأن ينزله عنده منزلة الأبناء.

اتخيل احيانا لو ان نجيب الريحاني قرر ان يصنع فيلما عن احوال اهله الاصليين في بلاد الرافدين، وهم يعيشون زمن ديمقراطية المالكي والمشهداني.. سيسخر بالتأكيد من شعارات الاصلاح والتنمية، ويقدم لنا مشهدا كوميديا عن المواطن المغلوب على امره، وهو يحاول ان يتناول وجبة غداء مليئة بشعارات الانتخابات البراقة.

شاهدنا العرض الكوميدي في جلسة مجلس النواب والتي تم فيها عقد صفقة تمرير قانون العفو مقابل قانون الاحوال الشخصية، والقانونين مقابل قانون العقارات، وقد اخبرتنا النائبة نور الجليحاوي، أن قانوني الأحوال والعفو مرا دون أن يرفع النواب أيديهم " الكريمة "، وكانت النائبة شجاعة حين وصفت ما جرى بالمهزلة، فنحن لا نزال نعيش عصر المهازل الكوميدية بامتياز، ولكي تكتمل فصول المسرحية خرج علينا محمود المشهداني ليهنئ السنة بقانون العفو، وابرق نواب الشيعة الى جماهيرهم بهنئونهم بقانون الاحوال الشخصية، وفي كلتا التهنئتين فان المواطن العراقي لا يدري يضحك ام يبكي ؟.

كوميديو مجلس النواب مثل كوميديي مجالس النواب التي تعتمد على الصوت العال وتغيب فيها القوانين التي تهم الناس. ويجب أن نتذكر في هذا المكان عميد الكوميديا العراقية مثنى السامرائي الذي وصف جلسة مجلس النواب الاخيرة بانها تاريخية، ولو تسنى لنا لرشحنا السامرائي للجلوس على عرش الكوميدا العربية، ربما يخطف لقب " كشكش بك " من عميد الكوميدا العربية العراقي نجيب الريحاني الذي شرح قبل مئة عام، في كلمات معبرة احوال وصفات اصحاب الكلمات المنمقة وخطبهم التي ليست: " إلا لهوا ولعبا وتجارة، يمارسها البعض للضحك بها على عقول السذج وقاصري الإدراك".

توفي نجيب الريحاني عام 1949. ومنذ ذلك الوقت وهو يتربع على عرش الضحك الصافي والنبيل، وهو ضحك لا يشبه ما يجري في مجلس النواب العراقي.

الطفل الذي ولد في حي باب الشعريَّة بِمدينة القاهرة عام 18889، لِأب عراقي مسيحي من مدينة الموصل يُدعى " إلياس ريحانة"، استقر به الحال في القاهرة لِيتزوج امرأةً من صعيد مصر أنجب منها ثلاثة أبناء منهم نجيب.. ورغم مرور اكثر من 75 عاما على رحيله فان كتاب تاريخ المسرح وفنون الكوميديا، لا يزالون يعتبرون ابن الرجل الموصلي، كبير صناع الكوميديا والسخرية في بلادنا العربية. في تحليله لظاهرة نجيب الريحاني يكتب يحيى حقي: "لا أريد أن أتحدث عن منشأ الريحاني وعشيرته التي ينتمي إليها أصله، وقدرتها على الاندماج في مصر أو قدرة ثرى مصر على استيعابها، فقد أصدر شعب مصر السخي الكريم حكمه، فلا نقض له ولا استئناف، ارتضى أن يحتضن الريحاني وأن ينزله عنده منزلة الأبناء.

اتخيل احيانا لو ان نجيب الريحاني قرر ان يصنع فيلما عن احوال اهله الاصليين في بلاد الرافدين، وهم يعيشون زمن ديمقراطية المالكي والمشهداني.. سيسخر بالتأكيد من شعارات الاصلاح والتنمية، ويقدم لنا مشهدا كوميديا عن المواطن المغلوب على امره، وهو يحاول ان يتناول وجبة غداء مليئة بشعارات الانتخابات البراقة.

***

علي حسين

 

نحرير: حاذق، فاطن، عاقل

ما أكثر الفطناء والأذكياء المتميزين في مجتمعاتنا، ونواجههم بالإهمال والإقصاء والتبخيس، وندفعهم إلى مغادرة البلاد والتعبير عن قدراتهم الإبداعية في مجتمعات الآخرين.

فنحن نعطل العقول الفاعلة، ونستضيف العقول العاطلة، ونوفر للناجحين أسباب الفشل، وللفاشلين المزيد من الكسل، ونسلط الأغبياء على الأذكياء، ونرهن مصير البلاد والعباد بالبُقلاء.

والكثيرون منا يقولون لأنفسهم، لو كنت قد ولدت في غير مكاني لكنت صاحب شأن ثاني!!

لماذا نهين عقولنا ونؤجج سوء نفوسنا؟

لا يمكن لشعب مترع بالطاقات الواعدة، والموروثات الحضارية المتميزة، أن لا يجد الوقت الملائم لإنبثاق جوهره الأصيل، مهما تكالبت عليه الظروف وتراكمت التداعيات، فالأصالة لا تنفني، والجوهر لا بد له أن يبين.

 في المرحلة الإبتدائية كان الصف يزدحم بالمواهب المتنوعة، وبالقدرات الواعدة، لكن الحرب القاسية أكلت معظمنا، وما نجا منها إلا القلة المحظوظة أو المعضوضة بأنيابها الجائرة.

عند مقارنة شعبنا بشعوب الدنيا يبدو متقدما على العديد منها في عدة مجالات حضارية ومعرفية، فالأمية لا تعني عدم القراءة والكتابة، فما أكثر الذين يقرأون ويكتبون ويحملون الشهادات المتنوعة، ويعيشون أمية مدقعة.

ولا زلت أذكر تلك العجوز الجبلية التي وجدت فيها معلمة نادرة، فكانت صاحبة معارف ومدارك تتفوق بها على أمثالي، فأصبحت تلميذها في مدرسة الحياة، وأنا طبيبها العاجز عن مضاهاتها بما تمتلكه من خبرات حياة وأنوار إشراقية.

فالمتشائمون والقانطون، يتجاهلون الذخائر الحضارية الكامنة في أعماق الأجيال، وهي كالبذور الراقدة في تربة الوجود تنتظر الظروف المؤاتبة لإنباتها، وصناعة المروج الخضراء.

إن يوم السطوع والتوهج الوطني بات قريبا، فالأذهان تفتحت والعقول تفعلت، والإرادات تحمست، والثقة تعاظمت، والكينونة  إنطلقت، وغدنا باسل عزيز، وحاضرنا يسير نحو مجدٍ أثيل.

و"ليس ثمة مكان أغلى من الوطن"!!

و"الوطنية تعمل ولا تتكلم"!!

***

د. صادق السامرائي

 

هل يصنع الدماغ أفكارنا؟.. تساؤل بحاجة لبحث ودراسة معمقة، فالدماغ يبدو وكأنه جهاز إستقبال، لا ورشة تصنيع وإبتكار، فالأدمغة تختلف بقدراتها على تأهيل الدوائر العُصيبية، للتمكن من إلتقاط الأفكار المبثوثة في الفضاء.

فالأفكار تبدو وكأنها أمواج أو فوتونات ضوئية، تهبط في مرافئ دماغية قادرة على إيوائها وإستثمارها.

وهذا ما نطلق عليه بالتطور الحضاري، أي أن البشر تواجدت فيه قدرات تلقي للأفكار أكثر مما سبق، بمعنى أن الأجيال اللاحقة تستطيع توليد الدوائر العُصيبية المتقدمة بقدراتها عن سابق الأجيال.

ولهذا فالأدمغة تختلف بين جيل وجيل، وهي مطواعة ويمكن برمجتها وتحفيزها لتلقي فكرة ما، والعمل بموجبها.

فهناك تأهيل بحكم الضغط الجمعي  وكما يحصل في التفاعلات الجمعية (أديان، أحزاب، فئات) وغيرها العديد من الكينونات البشرية.

وهناك تأهيل بحكم التفاعلات ما بين الأجيال، وما يترتب على ذلك من إضافات ومحفزات تدفع الأدمغة لإستقبالات جديدة.

وهذا بعني أننا إقتربنا من توصيف نوعيات الأدمغة وطبائعا، بأجهزة الرسم الكهرومغناطيسي اللازمة لمعرفة ما سيقوم به الشخص وما يستحوذ على وعيه من أفكار، وربما ستتوفر أجهزة لقراءة وترجمة ما يعتمل في الأدمغة من أفكار ونوايا وتطلعات، بل يمكن رسم خارطة سلوك أي شخص من ولادته حتى وفاته.

قد يكون الطرح غريبا، لكن المعطيات والتفاعلات توحي بأننا إقتربنا من تعرية أدمغتنا ونفوسنا، بعد أن بدأت أفاعيل التعرية تتحرك في دنيانا، وأصبح المكشوف يتحكم بوجودنا.

فهل أن الأفكار تداهمنا وتستعبدنا رغما عنا؟!!

***

د. صادق السامرائي

15\1\2025

قبل خمسين عاما بالتمام والكمال رحلت عن عالمنا سيدة اسمها صبيحة الشيخ داود، كانت اول امرأة تدخل كلية الحقوق، رغم مطالبات المجتمع آنذاك ان تجلس في البيت فهي ابنة لرجل كان يتولى وزارة الأوقاف، لكن المفاجأة لم تكن في اصرار الطالبة صبيحة الشيخ داود، وانما كانت في موقف والدها رجل الدين المتنور الذي لم تمنعه وظيفته الدينية من أن يقف في وجه الجميع معلناً : " إن ابنتي ستختار الكلية التي تريدها"، نتذكر صبيحة الشيخ داود وحكاية كتابها " في اول الطريق " الذي وضعت فيه الاسس الاولية لنهوض المرأة العراقية، ولك أن تتخيل عزيزي القارئ ان هذا الكتاب صدر قبل سبعين عاما، واليوم نجد لجنة المرأة في مجلس النواب تقرر الاستعانة بتجربة الجمهورية الايرانية من اجل وضع قانون للاسرة.

هل كنا نتوقع يوماً في هذه البلاد ان لجنة للمرأة في مجلس النواب تقف بالضد من حقوق المرأة؟، ونتذكر كيف ان رئيسة اللجنة النائبة دنيا الشمري خرجت علينا ذات يوم من على احدى الفضائيات لتتهم النساء اللواتي رفضن تعديلات قانون الاحوال الشخصية بانهن ضد المذهب.

في هذا المناخ الذي تقوده لجنة المرأة ضد المرأة العراقية وحقوقها في مجتمع مدني، لم يعد عداد الانتهاكات ضد النساء يشغل أحدًا، كما أن منظر حرق فتاة او قتلها لا يهز وجدان لجنة المرأة البرلمانية التي يتصاعد خطابها الذي يرسخ مفهومًا متخلفًا: لا يهم أن تقهر المرأة وتستلب شخصيتها !!، المهم أن تعيش التقاليد والاعراف.

اليوم، الواقع يقول، إن حقوق المرأة مهدورة ليس فقط في الشارع والجامعات ودوائر الدولة وإنما في البيت والهدف أن تظل المرأة مواطنة من الدرجة الثانية، وبامر اعلى سلطة قضائية في البلاد.

ولأنني أنتمي إلى بلاد يتعوذ فيها السياسي والمسؤول عندما يُذكر اسم المرأة أمامه. سأصدّع رؤوسكم مرة أخرى بموضوعة تجارب الشعوب، وأضع المقارنات والمفارقات بين ما جرى في بلاد الرافدين التي كانت أول بلد عربي يضع سيدة على كرسي الوزارة، وأقصد نزيهة الدليمي، ويرفع من شأن النساء. في ذلك الحين كانت نزيهة الدليمي تؤكد في كل اجتماعات مجلس الوزراء، أن المساواة لا تعني فقط التعليم والحصول على فرص العمل، لكنها تغيير النظرة القاصرة التي ينظرها المجتمع إلى المرأة، باعتبارها ناقصة عقل ودين.

سيقول البعض يا رجل تحتل المرأة في العراق منذ سنوات ربع مقاعد البرلمان، لكن يا سادة للأسف تتشكل الحكومات وتنحل من دون أن ينتبه أحد إلى أن المرأة يجب أن تكون ممثَّلة فيها. والمؤسف أنه عندما أعطيت حقها البرلماني، طلب منها الساسة أن تظل مجرد رقم على الهامش ونقرأ في الأخبار أن أحزاباً وتكتلات سياسية تصر على تعديل قانون الاحوال الشخصية وبتشجيع من لجنة المرأة البرلمانية.

***

علي حسين

 

الجاهلية تتداولها الأجيال وتفترض أن ما قبل الإسلام كان عالما ممرغا بالجهل والأمية المعرفية، وكأن العرب يختلفون عن غيرهم من أمم ذلك الزمان، الذي تتواصل فيه المجتمعات وفقا لوسائل إتصالها وخصوصا التفاعلاات التجارية، والحروب والغزوات.

فهل أنهم  كانوا جهلاء؟!!

أولا: تُهْمَةُ الجاهلية!!

الجهل: عدم المعرفة

الجاهلية مصطلح جاء به المسلمون لمحق ما قبلهم، والإنطلاق بدينهم على أساس أبيض ناصع، ولكي تسود لغة القرآن وأسلوبه في التعبير، فصار الشعراء يتبعهم الغاوون، ويقولون ما لايفعلون، وتحقق منع تداول روائع البيان العربي النثري بأنواعه، ولا يُعرف كيف نجا بعض الشعر الذي سبق الإسلام من الزوال.

العرب قبل الإسلام أصحاب مَعارف وثقافات وحِكَم وخطب وأشعار، ومَلاحم نثرية وقصصية متنوعة، ومَن يقرأ بعض ما نجا من دمار المسلمين، يكتشف المستوى الفكري والإدراكي الذي كانوا عليه، فأشعار زهير بن أبي سلمى، وخطب قس بن ساعدة، وغيرها،  تخبرنا بأنهم كانوا من العالِمين.

والإسلام محقَ ما قبله من الثقافات والمعارف الإبداعية العربية، وتقيّدَ بثقافة القرآن ولغته ومنطلقاته، وحرّم على المسلمين تداول ما كان آباؤهم وأجدادهم يتوارثونه من التراث العربي الأصيل، وبهذا تسبب بغياب مسيرة معرفية طويلة، وأزالها وإتهمها بالجاهلية، والتي تعني أنها لا تمت بصلة إلى الإسلام وليس غير ذلك، كما توهمنا على مدى القرون المشحونة بالخوف من السيف لو جيئ بغيرها.

فالإسلام كان صارما شديدا في بدايته لتأكيد العقيدة وسيادة القرآن، وما تسامح في هذا الشأن، بل الحزم ديدنه، وتأكيد قيمه ومنهجه.

وبلغ ذروته بعد الهجرة للمدينة وفتح مكة، فالإسلام كان ثورة بكل ما قام به وأسس له، أي أنه أحدث تغييرا جذريا في المجتمع، وألغى معظم ما كان سائدا فيه من سلوكيات وثقافات متوارثة.

وجاء بمصطلح الجاهلية ليصف مَن لا يعتنق ثقافة القرآن، ويميل إلى ما إعتادت عليه الأجيال من قبله، حتى صار التفكير بما قبل الإسلام نوع من الخطيئة والإثم، ولهذا توقف العديد من الشعراء والأدباء عن نشاطاتهم بعد أن دخلوا الإسلام، فتبرؤا مما مضى!!

 ويبدو أن بعض أعداء العرب قد إستثمروا في هذا المصطلح، فأوهموا الدنيا بأن العرب كانوا من الجاهلين الهمج الرعاع، فكتبوا ما كتبوه عنهم  وعن حروبهم، وكأن الدنيا كانت بلا حروب ونزاعات داخلية طويلة ومتعاقبة.

وتجد اليوم مَن يضللنا بحروب العرب الطويلة كحرب داحس والغبراء، ويجردها من زمانها، ولا يدري كم حرب أطول منها كانت تجري ببن قبائل الدنيا آنذاك.

فعلينا أن نقرأ التأريخ بعقل ناقد وبمنظار نفسي سلوكي!!

ثانيا: الجاهلية وما هي!!

كتب طه حسين (1889 - 1973) كتابه (في الشعر الجاهلي) سنة (1926)، وأقام الدنيا ولم يقعدها، وكتب بعده مَن كتب، وتبددت طاقات الكتاب والمفكرين فيما لا ينفع.

فما قيمة القول بأن المعلقات ليست من ذلك الزمان، وفقا لمنهج الشك وتحكيم العقل، وتقييم حالة داستها سنابك القرون؟

أثبتنا عقليا أم لم نثبت ماذا سنجني؟

وهل أن العقل لوحده يكفي للإثبات والنفي؟

فليس كل ما يبدو مقنعا عقليا بصائب!!

الجاهلية مصطلح ربما لا وجود له في الواقع، فالمجتمعات وليدة زمانها ومكانها، فإن كان العرب من الجاهلين بما تعنيه الكلمة من توصيفات متعددة، فالمجتعات من حولهم كمثلهم أو هم كمثل غيرهم، فهم على تواصل مع مجتمعات الدنيا بوسائل الحياة المتاحة آنذاك.

ومن الأدلة البينة التي لا تحتاج إلى تمحيص أن القرآن يخاطب المجتمع الذي إنتشر فيه، ولا يوجد ما يؤكد أن النبي الكريم كان يشرح ويفسر للناس ما تعنيه الآيات، بل أنه مكث بينهم ثلاثة عشر عاما يخوض مناقشات وحوارات، وما قتلوه، ولو كانوا كما يُراد تصويرهم لأجهزوا عليه منذ البداية، ولما تحملوه طيلة بقائه في مكة.

بعيدا عن الحفريات والآثار المادية، فالبراهين السلوكية تؤكد أن العرب قبل الإسلام كانوا أمة متحضرة وفقا لمفردات عصرها، ولديهم قدرات فكرية ومعرفية ذات قيمة حضارية وإنسانية، وعندهم نظامهم الذي يساهم في الحفاظ على قوتهم وبقائهم العزيز.

وهم مجتمعات ذات أخلاقيات ومبادئ وأعراف أشبه بالقوانين والدساتير، ويعرفون معطيات زمانهم وقيمة مكانهم، وتفكيرهم إقتصادي وتجاري، وهو أساس القوة والإقتدار، وهذا ما تفتقده المجتمعات العربية المعاصرة، خصوصا التي بلّدها النفط.

وعودة للشعر ما قبل الإسلام، لا يمكن إنكار موطنه وزمنه، والقول بأنه صناعة عباسية لا يستند على براهين ذات قيمة، وهو مجرد لعبة عقلية تنطلق من أرضية الشك، التي لا تصلح لكل شيئ، فالعقل ليس مطلق الإقتدار، ومحكوم بما يتوفر له من المفردات والعناصر المعرفية، وكلما عرف يرى أنه لا يعرف، فكيف لقطرة ماء أن تحدثنا عن المحيط الذي تتوطنه؟

لنبتعد عن هذه الإقترابات الإلهائية المبددة للطاقات والمحاصرة للقدرات!!

وهل لنا أن نتفاعل مع مكاننا وزماننا لنعاصر ونكون؟!!

وربما يكون عصرنا المعوق بالتصاراعات والتفاعلات المتلاحية، يمثل روح الجاهلية التي يُراد لها أن تسري في دنيا الأجيال، لتعطل الوعي الجمعي، وتصادر العقل، وتقتح الأبواب للإنفعالات المتأججة الحامية، فينال الطامعون ما يبتغون من الأهداف.

 فهل الجاهلية صفة عالمية في أوانها؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

الجمهوري والديمقراطي الأمريكي أنموذجا

ينهال علينا في الإعلام بين الحين والآخر ما يسمى "اقتصاديون" ويسردوا حيثيات مالية مثل الناتج الإجمالي، عجز وفائض وتضخم ورخاء الموازنة العامة، الميزان التجاري، التقشف، الفائدة العامة والمركبة،… آليات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.. الخ. وهدف هذه المصطلحات محاولة لتعمية اكبر عدد من المجتمع عما يخفيه الساسة في إدارة الاقتصاد، وبيان أن علمية الوضع الاقتصادي في هذه العناوين فقط لا غير.

لو دققنا في حياة البشر لوجدنا أن الاقتصاد كل شيء، ولهذا عملت الأنظمة السياسية الحاكمة على خلق هويات عرقية وقومية وعقائدية وفئوية لتمرير الكيفية الاقتصادية تحت هذه المسميات، وتحتاج دائما إلى رفع شعارات فكرية وسياسية لتبرير توسعها وهيمنتها السياسية من اجل الاقتصاد، سواء على المستوى الإقليمي أو العالمي، بغض النظر عن مدى الزيف والخداع والتضليل التي تحملها تلك الشعارات.

ينطوي علم السياسة والاجتماع والنفس والتاريخ تحت الاقتصاد، والذي يتكون من قسمين لا غير:

القسم الأول: النظام الاقتصادي الرأسمالي الذي ينقسم إلى نوعين:

الأول/ يسمى (رأسمالية الدولة) ويشمل سوريا ولبنان والعراق وإيران والصين والاتحاد السوفيتي... يعتمد هذا النوع على أن الطبقة السياسية الحاكمة تسيطر على موارد البلد وتأخذ حصتها الفردية ومن ثم توزع الأموال حسب أمزجتها، وتلونه بقانون لتشريعه. كما غنت سميرة توفيق: (بيع الجمل يا علي واشتري مهر إلي).

الثاني:/ يسمى رأسمالية السوق (الشركات) وهذا واضح مثل أمريكا وأوربا والصين والاعتماد على نظام الخصخصة. الذي يمثل تهرب الدولة من مسؤوليتها تجاه المواطن. حيث تأخذ الطبقة الحاكمة كل الموارد المالية للبلد بصيغة قانونية، وتأتي بشركات خارجية تأخذ أجور خدمتها من دخل المواطنين. وهنا تكون حصة المواطن صفر من موارد المالية للدولة، في حين دور الدولة قانونا الإشراف على تلك الشركات، ولأجل ربح الطبقة الحاكمة وامتلاكهم لتلك الشركات بشكل غير مباشر يكون الإشراف شكليا لا يحقق حماية حقيقية للمواطن.

إن القسمين أعلاه يزيح فكرة الإنسان ويستبدله بفكرة الربح، لذا تسحق الطبقات الحاكمة البشر لأجل أرباحها المالية، بواسطة صناعة هويات سياسية تنعكس على هويات المجتمع، وبالتالي؛ تلقائيا يتم تقسيم المجتمع. وصناعة الثراء والفقر.

القسم الثاني: النظام الاقتصادي الاشتراكي وببساطة هو إلغاء العمل المأجور. وهذا نظام حديث متطور لم يطبق في العالم إلى الآن سوى ٣-٦ سنوات فترة رئاسة فلاديمير لينين في الاتحاد السوفيتي ومن ثم حصل الانقلاب الناعم السري من قبل جوزيف ستالين ومجموعته على مبادئ الثورة الاشتراكية، وعملوا سرا بنظام رأسمالية الدولة انفة الذكر بشعار الاشتراكية، ومن ثم بدأت الكثير من أنظمة الحكم في العالم تستغل أسم (الاشتراكية) لأنها أصبحت عشق الشعوب آنذاك.

إن الغاية من هذا الطرح هو أي نظام حكم يخفي النظام الاقتصادي الذي يعمل به، لذا نشاهد العالم السياسي اليوم متعدد الأقطاب، روسيا - الصين وحلفائهم، أمريكا وحلفائها، لكن الحقيقة هم قطب اقتصادي واحد تحت خيمة الإجرام وإفقار الشعوب هي (الرأسمالية). لكن الطبقات الحاكمة تخفيها بشعارات، يتوهم بعض البشر بهذا الشعار هو السبب والمسبب لمعاناتهم.

ومما تقدم نجد أن الجمهوري ترامب والديمقراطي بايدن يتوحد الهيكل الاقتصادي لهما وتختلف الشعارات، والهدف هو الربح من قوت وحياة الشعوب. وينطبق هذا أيضا على ساسة روسيا والصين وحلفائهم رغم خلافهم مع الناتو.

***

حسام عبد الحسين

في الخامس عشر من شهر كانون الثاني الجاري مرت الذكرى الثالثة والعشرون على رحيل القمر الدغاري الشاعر "يعقوب جواد 1957 ــ 2002" الذي عاش حياة ملؤها الألم حيث فقد شريكة حياته قبل ان تمضي سنة واحدة على اقترانه بها والتي تركت أثرا مأساويا في قلب الشاعر، بعدها بفترة قصيرة اصيب بالمرض الخبيث وظل يصارع المرض بأراده قوية للأسف لم تفلح في هزيمة المرض اذا ودع الحياة وهو في قمة نضجه وعطائه، ونلمس في رثاثه لحبيبته وشريكة حياته " أمل " ان الشاعر ومنذ تلك الفاجعة تنبأ ببداية رحلته مع العذابات فيقول لها:

أنا للحزن بعدك والدموع

شرابي، والدموع دمٌ نجيعُ

يقولون التصيّر عنك أجدى

ولكني أنا لا استطيع

هبيني منك للسلوان قلبا

جليدا لا تضيق به الضلوع

حتى يصل به الحال من اليأس وتراجع الأمل بفسحة من الهدوء والسكينة انه يصف عمره بعد فقدانها صار عبارة عن جسد محطم ينوء بألم الفقدان والوحدة والمرض لاحقا:

انا والله بعدك عبء عمر

ينوء بحمله جسدٌ وجيع ُ

ينام معي الذهول ويحتويني

وتدهمني الفجاءة والخشوع

قبل سنوات وتزامنا مع ذكراه بادرت عائلة الشاعر الى اصدار ديوانه الثاني (خريف السومري الأخير) بعد ان صدر ديوانه الأول (للخريف التاسع والعشرين) عن دار الشؤون الثقافية العامة في بغداد عام 2002 ولم تتكحل عيون الشاعر بكلا الديوانين، فالأول صدر عقب رحيله بفترة قصيرة وبسعي مخلص من اصدقائه المقربين والثاني صدر بعد عشرين عام وعلى نفقة عائلته، وفي كلا الديوانين اللذين ضما قصائد من الشعر العمودي والتفعيلة تقرأ الشاعر يعقوب جواد يعيش هاجس الموت والشعور بالرحيل المبكر كما عاشه السياب من قبله، فقد عاش معاناة الفقدان والمرض مبكرا مما افقداه لذة العيش وصلت الى الرغبة في الخلاص من عذابات المرض ومحنته ولو كلفه ذلك اغلى الاثمان فهو يبوح لصديقته بهذا العذاب:

يا سيدتي

إني يأكلني صدأ السنوات الصفر

ويحز بقلبي سكين

أقسم يا نسرين

لو كان العمر رجلا لقتلته

بهذا الاحساس المشبع بالألم ظل الشاعر يعقوب جواد يتقلب على جمر عذابه محاولا تجاوز محنته بالصبر وقوة الارادة فلا تسمع منه شكوى او جزع، الا انك تقرأ في اشعاره وصفا لشبح الموت الذي كان يلوّح له حيث يدرك ويقر بعد مكابرة يائسة انه لا مفر من الفاجعة وان الموت قريب:

لا عزاء !!

تفر الليالي ..

وتضيع السنين

انه عمر كالشراع

خافق بالرحيل الحزين

قبل ابتلائه بالفواجع المتلاحقة تقرأ اشعار جواد في الغزل فلا تكاد تصدق ان هذا الشاعر المزهو بالحب والممتلئ نشوة وخيلاء يتحول الى جسد محطم و(مقفر كالموائد، واجم كالمقاهي الحزينة) كان يخاطب اللذين يلومونه على اندفاعه صوب مملكة الحب:

ليت من أكثروا بحبك لوماً

جرّبوا بعض ناره ثم لاموا

لو يلاقون ما ألاقي لتابوا

ولصّلوا من أجلنا ولصاموا

والذي يقرأ سيرة الشاعر "يعقوب جواد " الانسانية والشعرية يجد ثمة مشتركات جمعت بينه وبين الشاعر "بدر شاكر السياب " فالاثنان شاعران عراقيان بدأ كلاهما بكتابة الشعر العمودي وانتهيا بشعر التفعيلة، كما ان الشاعرين عانيا من ألم الفقد المبكر لأحبة لهما وتسرب هذا الألم الى مساحة ليست بالقليلة من منجزهما الشعري، فالسياب فقد أمه وهو صغير وبث ألم رحيلها في عدد كبير من قصائده وكذلك الشاعر جواد فُجع بالغياب المبكر لزوجته " ام منور "، والشاعرين ايضا وفي مرحلة مبكرة من حياتهما قد ابتليا بالمرض العضال وكانا في أوج نشاطهما وعطائهما مما افقدهما صفاء الحياة ولذة العيش حيث خيّم شبح الموت والشعور المبكر بالرحيل على جانب كبير من منجزهما الشعري، يضاف الى ان ثنائية (الوطن والحب) كانت واضحة ومهيمنة علي بدايات جواد الشعرية فقد تربى الشاعر على قيم الوطنية واليسار وتغنى في العديد من قصائده بالوطن وحتمية انتصار قوى الخير فيه:

ياذا العراقي ان الشر منهزمٌ

وانتَ عزمٌ وتصميمٌ واصرارُ

أين اتجهت ف للإبداع متجهٌ

وكيف قلتَ فأعجاز وابهارُ

تمضي الحضارات والمجد اليشاد هنا

يبقى ومأمونةٌ تبقى هي الدار

ان تجربة القمر الدغاري الشاعر " يعقوب جواد " تظل واحدة من المحطات المضيئة في ساحتنا الشعرية وتبقى اخلاقه وجمال روحه ماثلة امامنا ونموذجا للإنسان المبدع والرائع ..

***

ثامر الحاج امين

 

كلما زاد البشر تنامى الخطر، تلك معادلة محكومة بإرادة الدوران، ودستور الأكوان، القاضي بالموازنة بين ما في الوعاء الدوّار وقدراتها على الإستيعاب والبقاء.

الأرض ثلاثة أرباعها ماء، وربعها يابسة تصطخب فيها النيران، التي تسعّرها المخلوقات الساعية لسفك الدماء وحشو التراب بالأبدان.

فما يجري على ظهر كوكبنا ترجمة عملية للمعادلة الأزلية، والتي بموجبها سيتحتم على المخلوقات تحقيق الإبادة الذاتية، وتدمير الوعاء الذي تتوطنه، وتحويله إلى رمضاء يشتعل فيها الماء.

الأدلة والبراهين تخبرنا بوجود حياة في مجموعات شمسية أخرى، والعديد منها إنتهت بطاقة تدميرية تنامت في ربوعها، وأوجدتها المخلوقات التي توطنتها، ولن تشذ عن ذلك أرضنا التي صارت قاب قوسين أو أدنى من التحول إلى يباب مهجور.

فهل ستحترق الأرض بأسرها وتتحول إلى عصف مأكول، كما تحترق أية مدينة ذات عمران وجمال وأفول؟

"نار حامية"

"وإذا البحار سجّرت"!!

كل شيئ فوق التراب قابل للإحتراق، فالنار شرهة وتأكل ما تناله وتداهمه، فوجودنا على شفا حفرة من نار الهاوية.

البشر يتكاثر وأمواجه تتزاحم في نهر الحياة الصاخب الوثاب، بتياره العارم الصبّاب، فالكل سواء وإن إختلفت المظاهر والألقاب.

التراب أمير المساواة، والسيد المهاب، فلن تفلت الدنيا من قبضة الدوران، ولسوف تعلمون، علم اليقين، بأن البشر مغفل حزين!!

***

د. صادق السامرائي

 

هناك ظاهرة راسخة في كتاباتنا وتحليلاتنا، مفادها أن المجتمع فيه العديد من التنوعات الإثنية والعقائدية، وكأن مجتمعاتنا تنفرد بهذه الخواص دون غيرها.

فهل وجدتم مجتمعا متجانس الأعراق في أية بقعة أرضية؟

الدول الغربية فيها جميع الأنواع البشرية، فلماذا لم تحسب ذلك معوقا وعاهة وطنية؟

التنوع في الدنيا يصنع سبيكة إجتماعية، ويعزز القدرات وينمي الطاقات، وفي مجتمعاتنا نحسبه مشكلة كبيرة، والعلة الحقيقية في الكراسي الجاهلة الخالية من الوعي الوطني.

ألا تخجل الأقلام التي تكرر هذه الطروحات المجردة من الفهم الإنساني المعاصر.

إنه لعيب مشين أن تبقى النخب تتمنطق بتعدد الحالات في مجتمعاتنا، وهي في حقيقتها من أقل مجتمعات الدنيا تنوعا.

لو تأملت أي مدينة أوربية ستجد فيها تنوعات تتفوق على أي دولة في أوطان الأمة، ولتعجبتَ من اللغات والثقافات والعادات والتقاليد المتباينة.

فلماذا يتكرر الإدّعاء؟

يبدو أنه لتبرير عجز الكراسي عن التفاعل الوطني وتأمين حقوق المواطنة والإنسان، والإعتماد على ما يساهم في سطوتها وإستلابها للبلاد والعباد، فمن الأضمن لبقائها فترة أطول في الحكم، أن تطلق ذريعة التنوعات التي تمنعها من تحقيق ما تسعى إليه من الأهداف والبرامج والخطط، وهي أكذوبة أكل عليها الدهر وشرب.

لماذا لا يوجد دستور وطني يضمن مصالح الجميع؟

لماذا لا تتبدل أنظمة الحكم إلا بسفك الدماء؟

لماذا التفرد بالحكم وتحويله إلى سلوك إستحواذي إنتهابي غنائمي، لا يسمح لغير المتسلطين على الشعب، من التصرف بثرواته، وتأكيد مراميهم الشخصية بعيدا عن المواطنين، الذين إذا طالبوا بحقوقهم، آوتهم سجون العذاب والتغييب؟!!

فهل سنتحرر من هذه الفرية الرعناء؟!!

***

د. صادق السامرائي

عرفت عون/النسخة القديمة عن بعد، فماذا عن عون/ النسخة الجديدة..؟

حصل في عام 1989 وكنت أعمل في معمل سمنت المثنى الذي يبعد عن السماوة باتجاه باديتها التي تنتهي بصحراء السعودية بـ 37 كم، والذي انتقلت وظيفياً إليه قبل ذلك بسنتين تاركاً أفضليات السكن في بغداد والعمل ضمن دائرة أكثر من مرموقة فيها مضطراً للخلاص من الملاحقة الأمنية والسبب الوحيد وراء تلك الملاحقة عدم انصياعي للانتماء الى حزب البعث، وفي حينه ولعدم تمكني من الإفلات لخارج العراق لأسباب عائلية صرفه، قلت: أعوف بغداد وأعود الى السماوة بعد عشرين سنه وهناك أجد من يرعى عائلتي في حالة غيابي لأي سبب، وأيضاً اذا عضو شعبه أو عضو فرع فحتماً أعرف اسم أمه وزوجته وأقول له: يمعود..!، وبالفعل خاطبت أحدهم يعمل في نفس الدائرة وكان عضو فرقه أو شعبه وكان يوم كنت تلميذ في الابتدائية فراش في مدرستي، قائلاً: أبو فلان أنت مو چنت خوش ولد ؟! ..ضحك الحاضرون واشترك معهم بالضحك قائلين: وهسا..؟ كَلتلهم: لا مو على حطة ايدي.. أما الآخر وكان أيضاً عضو فرقه وكان من عشيرتي ويحضر اجتماع مجلس الإدارة للشركة كونه مسؤول حزبي ولا يفوت أي رأي يطرحه أي من المدراء أعضاء مجلس الادارة في الاجتماع دون أن يُخطئه فقد دخل يوماً لمكتبي وخاطبني قائلاً: أنت تعرف أن البعث يسري في شراييني وأوردتي، قلت: نعم والله فقد عرفتك بعثياً لا يشق له غبار من أيام الحرس القومي، قال: بس انت عندي تسوا عفلق..!، كتمت الضحكة بصدري خشية ان يتراجع وشكرته، وعلى مدى سنة كاملة إن أبديت رأيا في اجتماع مجلس الادارة وأغوته نفسه الأمّارة بالتعقيب لتخطئة ما أقول، خاطبته بالمباشر: أبو ثائر مو آنا أسوا ذاك الرجال.. خوب ما نسيت..؟ فيبتلع كلامه ويصمت..!

في ذلك اليوم من عام 1989 خابرني موظف الاستعلامات في المدخل الرئيسي وهي في دوائر وزارة الصناعة تبعد كثيراً عن الادارة، أن أثنين من الجهاز يريدان الدخول إليك، وكانت مفردة الجهاز في تلك الحقبة تستخدم للدلالة على جهاز المخابرات فقط لا غير وهو اسم مرعب، قلت فليتفضلا، لكني بعد إن أغلقت سماعة الهاتف قلت مع نفسي: الله لا يوفقهم لعمق الصحراء ولحقوني.. فإلى أين أذهب بغية الخلاص منهم ..؟

عندما وصلا كانا طويلي القامة يرتديان ملابس عربية بيضاء جميعاً باستثناء العقال الرفيع على الغترة البيضاء فلونه أسود لأن الوقت صيفاً وتلك الملابس ما يرتديه سكنة تكريت بالذات.. قدم الأول نفسه لي قائلاً: اللواء "س" من الجهاز، وقدم الثاني نفسه قائلاً: المقدم "ع" من الجهاز، بعد ترحيبي بهما بتوجس كانت الدقائق اللازمة للانتهاء من شرب الشاي ثقيلة عليَّ أريدها تمضي ليفصحا عن مرادهما، هل يتعلق بي ..؟ وما هو..؟

انتهيا من شرب الشاي فأخرج "اللواء" من حقيبته كتاباً رسمياً عليه ختم جهاز المخابرات / مكتب الرئيس ووضعه أمامي..

الكتاب يقول: نريد 30 ألف طن سمنت..! يعني انهم لم يكونا قادمين لاعتقالي..! انهم يريدون سمنت، انعل أبو السمنت لابو أهله..!! أطلقت ضحكة مكتومة وألتفت على حاجبي "الفراش" وكان يقف بجواره على رأسي مسؤول أمن المعمل بدرجة عضو فرقة في الحزب، وقلت لأبي ثائر مسؤول الأمن: بالحال أبو ثائر توجه لمطعم المعمل لإعداد غداء فخم يليق بالضيوف والجهاز..!

وبعد إن عرفت أني لست المطلوب اطمأنت نفسي وبدأت أتفلسف فقلت: تعرفان أن الوقت إعمار الفاو والسيد الرئيس يشرف شخصياً على عملية الإعمار التي تحتاج الى كميات هائلة من السمنت وانتاج المعمل محجوز لهذا الغرض حصراً، ثم انكم جهاز المخابرات وليس وزارة الاسكان فتستخدم السمنت ولا وزارة التجارة لتبيعه فما علاقة جهاز المخابرات أو حاجته للإسمنت..؟

قال الذي رتبته لواء: نحن نعرفك انسان مثقف وكنت تعمل في الدائرة الفلانية سابقاً، "يعني معلوماتهم كامله عني"، وأضاف قائلاً: كما تعلم بأن علاقتنا متينة جداً بميشيل عون ونريد ارسال أسلحة له بكميات كبيرة، ولكن لا توجد حدود مشتركه بين العراق ولبنان، في هذه الحالة نحتاج لكميات كبيره من السمنت نغطي بها الأسلحة التي سنرسلها عبر البواخر لميشيل عون..!".

في داخلي ضحكت على سفاهتهما لأن مثل هذا السر الخطير لا يمكن كشفه لمثلي، وأعرف الدافع الحقيقي، إذ أن الحكومة في حينه تشترط على التجار أن يسددوا 50% من قيمة ما يصدرونه بالدولار الأمريكي لدى البنك المركزي لحاجة الخزينة للعملة الأجنبية والـ 50% الأخرى بإمكانهم التصرف فيها وهؤلاء محتالون يريدون السمنت مجهزاً باسم جهاز المخابرات ليبيعونه لشركة كويتية اسمها الشراع الأزرق و "يلهفون" الدولارات فلا يسددونها للبنك المركزي والسلام.

وبما إن الأوراق حقيقية فالكتاب صادر من جهاز المخابرات الى وزارة الصناعة ووزير الصناعة موافق على تجهيز جهاز المخابرات بالكمية المطلوبة، فإذن دوري يكون تنفيذي بحت ولا علاقة لي بغير ذلك..

قلت: "يصير خير كَوموا لغداكم".. لكني لم أذهب معهما للمطعم استصغاراً لشأنهما بعد إن عرفت الغاية، واني لست المقصود بمجيئهما، وبعد إن اطمأن قلبي من الاعتقال.. بعد تناولهما غداؤهما أصدرت أمراً لدائرة التجهيز في المعمل أن اقسموا انتاجكم مناصفة نصف ترسلونه لإعمار الفاو بقيادة السيد الرئيس، ونصف تسلمونه لهؤلاء لحين الانتهاء من تجهيز الكمية البالغة 30 ألف طن..

بعد مرور 3 أشهر والدوام في منشئات وزارة الصناعة أطول من غيره كنت أتناول غدائي في بيتي بعد عودتي من عملي وكانت قد بلغت السابعة مساء، واتابع التلفاز، في حينه كان برنامج الأمن والمجتمع يُعرض في السابعة ويعرضون فيه برؤوس حليقة من ارتكبوا جرائم بحق الدولة.. واذا بوجه سبق إن رأيته، من هذا، من هذا..؟ آه ..هذا صاحبي أبو الجهاز، اللواء في جهاز المخابرات وقد عرضوه برأس حليق..! ومقدم البرنامج يقول: نعرض على حضراتكم رئيس عصابة للتخريب الاقتصادي..!

تبين لاحقاً أن سيادة اللواء بحكم عمله في الجهاز قد مارس السطو على مكتب رئيس جهاز المخابرات وسرق أوراق فارغة عليها شعار الجهاز وطبع عليها ما يريد وزوَّر توقيع رئيس جهاز المخابرات ووضع عليه رقم الصادر وأرسله الى مكتب وزير الصناعة فوافق الأخير ووقع كتاب موجه الى مدير عام شركة السمنت وهذا بدوره حرر كتاب رسمي موجه لمعملنا أصوليا ..وأنا نفذت، لكنهم بعد مرور 3 أشهر على بيعهم الكميات لم يسددوا 50% من أقيامها بالدولار للبنك المركزي وعندما طالب البنك المركزي جهاز المخابرات جاءهم الرد من الجهاز بأنه لم يقم بطلب اسمنت ولم يوجه كتاباً، فتم التحري وكشف التزوير والعصابة ..

بعد عشر دقائق ضغط أحدهم جرس الباب فخرجت فكنت وجهاً لوجه مع زميلي مدير الانتاج في المعمل.. لكنه بدلاً من أن يواسيني بادرني بقوله: أحترق فيلمك..! قلت كيف..؟ قال أما رأيت " الأمن والمجتمع" ..؟ قلت بلى لكن موقفي سليم 100% ونارهم تاكل حطبهم..!

وحكم عليهم بالمؤبد وعلى رأسهم سيادة اللواء و12 آخرين.. بعد مضي 40 يوم صدر عفو خاص من الرئيس الملهم بحقهم..! لماذا..؟ لأن من بينهم ثائر المجيد وهو ابن أخو صدام.

ولأن ميشيل عون قد أطال الله مدة بقاءه رئيساً للبنان كل هذه المدة فإني والحق يقال كلما رأيت صورة له أو خبر تذكرت الحادثة وسيادة اللواء وكيف ارتعبت من مجيئهما إليَّ وخوفي من ملاحقة الجهاز لي في عمق بادية السماوة المفضية الى صحراء السعودية..

في الأيام الأخيرة الماضية برز اسم عون ثانية ليكون رئيساً لجمهورية لبنان الشقيقة فضحكت مطولاً، وخشيت أن يرسل له العراق ثانية اسلحة تحت أكياس الإسمنت، لكني عندما قرأت أول تصريح له يقول بوجوب حصر السلاح بيد الدولة تيقنت بأن النسخة الحالية لعون غير النسخة الأولى وان جوزيف عون غير ميشيل عون...

من جانب آخر فقد بحت أصواتنا في مجالدتنا لطبقتنا السياسية في العراق ونحن نصيح بملأ الفم بأن غادروا المحاصصة يرحمكم الله فقد أتت على كل شيء في العراق ودونكم حكومة التكنوقراط فهم الأقدر على إدارة الشؤون العامة في البلاد.. لكنهم يصرون على التمسك بالمحاصصة مع أنهم أنفسهم يشتمونها على رؤوس الأشهاد ويصفونها بأقذع الأوصاف في نفس الوقت يحضنونها بشبق ويتمسكون بها تمسك الغريق، وبعد لأي قدموا من بين صفوفهم الأشد ولاءً وقالوا: هذا ماجستير وذاك دكتوراه..! قلنا يا قوم: التكنوقراط لا يعني الشهادة فحسب بل يعني وهذا هو الأهم أن يتصرف المعني في منصبه في ضوء الخبرة ولمصلحة الشعب وولاءه للبلاد والعباد وبوصلته الدستور والقانون.. وليس الحزب والطائفة.

وما دمتم يا قوم تقلدون في محاصصتكم محاصصة الشقيقة لبنان التي سبقتكم بعقود فـ هاكم لبنان التي اختارت سلام ولكن بنسخة نواف وليس بنسخة صائب سلام طيب الله ثراه.. أتعلمون الفرق بين سلام بنسخته الجديدة عن سلام بنسخته القديمة..؟ تفضلوا: هو حاصل على الدكتوراه ليس من السوربون فقط بل أخرى من هارفرد أيضاً، ورأس محكمة العدل الدولية في لاهاي، وسبق ذلك سفيراً دائماً لبلاده في الأمم المتحدة ورأس مجلس الأمن الدولي والأهم بل والأهم كثيراً انه من خارج الطبقة التقليدية الحاكمة في لبنان المتهمة بالفساد وبتغليب منطق المحاصصة على بناء الدولة.. والآن هل بات مدلول التكنوقراط واضحاً لديكمُ..؟

***

د. موسى فرج

 

أعرف جيداً أن البعض من الأعزاء يجدون في حديثي عمّا يجري في بلدان العالم نوعاً من البطر لا يهم المواطن المشغول باجتماعات الكتل السياسية التي دائما ما تطابنا بـ " رص الصفوف "، والعناية " باللحمة الوطنية "، ولكن اسمحوا للعبد الفقير أن يتحدث عن خبر ربما لا يثير اهتمام المواطن العراقي المحاصر بارتفاع الدولار، وتفشي البطالة وغياب الخدمات .الخبر يقول ان " محكمة في دولة الكويت اصدرت قرارا بحبس وزير الداخلية والدفاع السابق الشيخ طلال الخالد 14 سنة في قضيتي اختلاس مال عام "، هل انتهى الخبر عند هذه العقوبة ؟، لا ياسادة، فقد قررت المحكمة الزامه باعادة مبلغ وقدره 10 ملايين دينار كويتي هو قيمة الاختلاس، وايضا تغريمه مبلغا يعادل ضعف المبلغ المختلس . لم تطلب الدولة من الوزير ان يعيد بعض الاموال الى الخزينة مثلما فعلنا مع " المحروس " نور زهير، ولم تطلق سراحه بكفالة كما فعل احد القضاة في بلاد الرافدين، واتمنى عليكم ان تعرفوا ان هذا الوزير المسجون ينتمي الى العائلة الحاكمة في الكويت، وليس الى حزب سياسي مثلما يحدث في العراق عندما تتكاتف جهود الاحزاب السياسية للدفاع عن " الحرامية " .

مع هذا الخبر تذكر أيها القارئ عدد السراق في بلاد الرافدين الذين سمح لهم بكل اريحية ان ينهبوا المال العام ويتمتعوا به في عواصم العالم، وأتمنى عليك ان تمسح من ذاكرتك الارقام الفلكية التي سُرقت من موازنات الداخلية والدفاع، ويمكنك ان تضيف لها مليارات الكهرباء والتجارة، حيث يرفض مسؤولونا ان يراهم الناس خلف القضبان .. فكيف يمكن لمسؤول انقذ العراق ونشر الديمقراطية ان يُحاسب على الاموال التي لفلفها، والتي هي حق مشاع لمعظم المسؤولين؟ .

في بلاد الرافدين بعض الأشياء لا نهاية لها. خصوصاً النهب المنظم، ولذلك كانت حكاية علي بابا والأربعين حرامي التي اخترعتها لنا "المرحومة" شهرزاد، حكاية عراقية خالصة، تتجدد في كل موسم، حيث مسلسلات الخديعة والشعارات الزائفة وسرقة أحلام الناس، ليظهر لنا المئات من حسين الشهرستاني وخضير الخزاعي وايهم السامرائي وملاس عبد الكريم . لكن تبقى حكاية الشهرستاني هي اروع حكاية من حكايات الف ليلة وليلة العراقية بنسختها الحديثة، فقد اخبرنا الشهرستاني عام 2008، أنه سيصدر الكهرباء للصين، وإذا بنا بعد أن سُرق 80 مليار دولار عداً ونقداً، نتوسل بايران ان لاتقطع عنا الغاز .

الدرس الذي قدمته جارتنا الكويت موجه على نحو خاص، الى بلد البرلمان الذي ينام ويصحو على قانون الاحوال الشخصية، ويستكثر على هذا الشعب ان يرى مسؤولاً كبيرا سارقا خلف القضبان .

***

علي حسين

 

الطائفية السياسية هي علاقة سياسية واجتماعية تقوم على المادة الخام التي هي الطائفية التكوينية البسيطة المحايدة والتي تعني أن الإنسان يجد نفسه منذ ولادته فردا في طائفة لم يخترها وهو يختلف تماما عن الطائفي الصريح. الطائفي الصريح والسياسي، وبغض النظر عن اسم طائفته الدينية أو مذهبه، هو ذلك المواطن البسيط والمحدود المعارف والثقافة والذي أصبح حزبياً في أحد أحزاب أو مليشيات السلطة التي تقدم له بعض الامتيازات والفوائد على هيئة رواتب أو تعينات أو وجاهة...إلخ أو في المعارضة ليعيش على أمل وصول جماعته الى الحكم ليحصل على ثمن انحيازه. هذا المواطن الطائفي الصريح والمتحزب يكرر كالببغاء ما تقوله له قيادته أو رجل الدين الذي "يقلده" ويقتدي به. وقد يكون هذا الشخص خارج الأحزاب مكتفيا بممارسة طقوسه وشعائره الطائفية الموروثة في الزيارات الدينية واللطم أو الدرباشة، وهذا الشخص لا يمكن اعتباره طائفيا سياسيا، لأن طائفيته شخصية وطقوسية إنما تتحول إلى طائفية من النوع السلبي إذا تماهت مع السياسة لتصبح "طائفية سياسية".

أما الطائفي المقنع فقد يكون مثقفا علمانيا أو مقنعا بقناع أكاديمي وقد يكون مسيحيا أو صابئيا أو ماركسيا أو ليبراليا أو قوميا بعثيا أو ناصريا، ولكنه في كلامه وكتاباته وحركته ونشاطاته العامة يعبر بكل وضوح عن جوهر الفكر الطائفي السياسي ومن النوع الضار والخطير.

ولأن الطائفية السياسية ليست مذهبا دينيا أو ممارسة لطقوس وشعائر خاصة بل هي علاقة وموقف سياسي من نظام حكم والدستور. فقد تجد أمثال هذا الطائفي من دين آخر غير دين ومذهب ساسة الطائفة الأكبر، وقد يكون غير مؤمن بدين أو مذهب معين، ولكنه يدافع عن نظام الحكم المحاصصاتي الطائفي وأركانه ودستوره وزعاماته وعن حليفه الأجنبي بضراوة وكأنه نظامه هو.

وفي المقابل قد تجد رجل دين شيعيا أو سنيا يرفض هذا النظام ويطالب بكسر الهيمنة الأجنبية وإعادة كتابة دستور بريمر المكوناتي وتقديم رجال الطبقة الحاكمة الفاسدين وبغض النظر عن طائفتهم إلى المحاكم فهذا المواطن لا يمكن وصفه بالطائفية بل هو شخص وطني استقلالي وديموقراطي حقيقي.

إن الشخص الإسلامي سياسيا سيكون بالضرورة طائفيا في العراق والدول الأخرى المنقسمة طائفيا، فهو إذا كان إسلاميا سُنيا فإنه يريد إقامة دولة الخلافة أو تطبيق حكم الشريعة بحسب المذهب الذي يتبعه. وبالمثل، فإذا كان شخص ما إسلاميا شيعيا فهو سيكون من دعاة ولاية الفقيه أو قريبا منها، وبهذا المعنى فكل إسلامي هو طائفي شاء أم أبى، فلا يوجد في العراق والعالم العربي والإسلامي حزب إسلامي واحد مفتوح لكل أبناء الطوائف الإسلامية ويعتمد برنامجا محايدا مذهبيا.

* خارج نطاق الإسلاميين يتكاثر الطائفيون المقنعون وخصوصا بين المثقفين والكُتاب والأدباء والفنانين سواء كانوا من هذه الطائفة أو تلك ويمكن أن نكشف عن هؤلاء بسهولة من خلال:

1- دفاعهم عن دستور المكونات وحكم المحاصصة التوافقي.

2- الدفاع عن وجود الأحزاب الطائفية سنية وشيعية بحجة الديموقراطية والسكوت على حكم الإقطاع السياسي الكردي الفاسد في الإقليم.

3- الدفاع عن مرجعيته الدينية وتقديسها واتباع تعليماتها حتى لو كانت مضرة بمصالح البلاد والشعب فإذا أمرته هذه المرجعية باعتبار المحتلين الأجانب ضيوفا اعتبرهم ضيوفا، وإن أمرته بالتصويت بنعم لدستور المكونات المدمر سارع الى التصويت كما أمرته.

4- يوجه الطائفي السياسي المقنع النقد الحاد إلى الساسة والمسؤولين الفاسدين في الطائفة أو العرقية المقابلة "الخصم" ولكنه يسكت وقد يبرر فساد الساسة والمسؤولين من أبناء طائفته.

5- الدفاع عن حلفاء النظام أو طلب المساعدة منهم لتغيير النظام، فترى الشيعي يستنجد بإيران ويعول عليها في الصغيرة والكبيرة، وترى السني أو حتى الشيعي اللبرالي القشري يستنجد بأميركا أو تركيا أو دول الخليج ويعول عليها لإحداث التغيير المراد!

إن خطورة الطائفي المقنع تتأتى من أنه يعرقل بروز الوطنيين الاستقلاليين لكنه سيكون الخط الثاني الاحتياطي لساسة الفساد الحاكمين الآن، فإذا ما سقط أو انسحب هؤلاء لهذا السبب أو ذاك من السلطة صعد الطائفيون المقنعون ليحلوا محلهم وليعيدوا إنتاج النظام المحاصصاتي الطائفي مرة أخرى!

شخصيا لا تهمني المواصفات القشرية والشخصية للجمهور العام فلا أتوقف عن سلوك هذا المواطن أو ذاك إذا أراد ممارسة شعائره وطقوسه الدينية لأنه حر في ذلك، ولكني أتوقف عنده وحتى عند غيره من زاعمي الديموقراطية والعلمانية إذا ما دافعوا عن أسس وركائز هذا النظام الرجعي التابع للأجنبي وعن دستوره المكوناتي أس البلاء والمصائب التي حلت وتحل بالعراق والعراقيين!

***

علاء اللامي - كاتب عراقي

 

ظاهرة سارية في مجتمعات الأمة، تحسب بعض الأفراد منزهين ومقدسين، وتذعن لرؤاهم وتقلدهم وتذوب في دنياهم، وهم كغيرهم من البشر، اجتهدوا في مجال معين وأطلقوا أفكارهم، والكثير منهم أقواله لا تتوافق مع أفعاله.

والسؤال المحير مفاده: لماذا لا نتفاعل معهم بحرية وعقل فاعل، ونرضخ لمسلماتهم ونجعلهم سادتنا ومستعبدينا؟

ما أكثر الأسماء التي تحجرت في وعينا الجمعي، وتحولنا إلى أصداء جامدة لمعطياتهم ومميزاتهم، وما عرفناهم بجوهرهم، وإتخذنا قشورهم قدوة لنا وتأثرنا بالقشور المسوقة المتألقة، وأغفلنا الجوهر الأصيل الداعي لحرية التفكير وإعمال العقل.

فهل نحن عقلاء أم سذج؟

لا يوجد في مجتمعات الدنيا، أغادير ومستنقعات آدمية، مثلما تنتشر في ربوعنا التأسنات العفنة التي أزرت بالأجيال، ودفعت بهم إلى حفر الويلات والتداعيات المريرة.

الدنيا نهر يجري عارم التيار، وعندنا بركة ماء راكدة تتكاثر فيها العظايا والبعوض وما فيها يأكل بعضه حتى النهاية المقرفة.

هذه الظاهرة تشخص عندما تقرأ عن أحدهم، وإذا بنا أمام حالة لا يمكن بلوغها، ونصفها بالنادرة فهي لن تتكرر وعلينا أن نتجمد في أحضانها ونندثر.

إعلامنا كيار وأفذاذ، وهذا لا يعني أن الأمة قد عقمت بعدهم ولن تلد مَن هم أحسن منهم، الأجيال عليها أن تتواصل مع السابقين وتطور أفكاهم وتنطلق منهم لا أن تموت فيهم.

هكذا الشعوب تمضي في سكة الحياة وتبني حاضرها وتتطلع لمستقبلها، فلماذا نميل نحو الإندحار في الماضيات، ونستلطف السكون والقنوط؟!!

***

د. صادق السامرائي

من المرويات المدونة والتي وردتنا قصة مقتل إبن المقفع والحلاج وغيرهم، وأكثرها بشاعة قتل الفقيه أبو بكر النابلسي بسلخ جلده حيا وملخص القصة كالآتي:

اللنابلسي عالم دين وزاهد، كان إماما في الحديث والفقه، ومن المحدثين الكبار.

توفى في القاهرة (363) هجرية.

فبعد أن إستولى الفاطميون على الشام، حاول الهرب منها، وكان يرى قتالهم، وقال: "لو كان عندي عشرة أسهم كنت أرمي واحدا إلى الروم وإلى هذا الطاغي تسعة" ويقصد المعز لدين الله.

وتم القبض عليه وجعله في قفص خشب، ولما وصل قائد جيوش المعز إلى دمشق، سلمه إليه حاكمها فحمله إلى مصر.

وعندما مثل بين يدي المعز لدين الله دار بينهما الحوار التالي:

المعز: بلغنا أنك قلت " إذا كان مع الرجل عشرة أسهم وجب أن يرمي في الروم سهما وفينا تسعة"

النابلسي: "ما قلت هكذا"!!

المعز: "فكيف قلت"؟

النابلسي: "قلت إذا كان معه عشرة وجب أن يرميكم بتسعة ويرمي العاشر فيكم أيضا".

المعز: "ولم ذلك"؟

النابلسي: "لأنكم غيرتم دين الأمة، وقتلتم الصالحين، وأطفأتم نور الإلهية، وادعيتم ما ليس لكم".

فأمر المعز بإشهاره في أول يوم، وفي الثاني ضربه بالسياط ضربا مبرحا، وفي اليوم الثالث أمر جزارا بسلخ جلده حيا.

فسلخه من مفرق رأسه حتى وجهه، وكان يذكر الله ويصبر حتى وصل العضد، فرحمه الجزار ورق عليه، فوكز السكين في موضع القلب فقضى عليه.

وحُشيَ جلده تبنا وصُلب على أبواب القاهرة.

هذا قائد يدّعي الإسلام يأمر بقتل فقيه مسلم بعدوانية فائقة ووحشية خارقة، فأي بشر يتربع على كرسي الحكم والسلطة في بلاد أمة الرحمن الرحيم!!

أمثال هذه القتلات تتكرر في مسيرة الأمة، فالمسلم ربما أشد قسوة على المسلم خصوصا عندما يكفّره، ويكون في السلطة ويعاديه.

فكرسي الحكم يستعين بالجور والطغيان على البلاد والعباد!!

***

د. صادق السامرائي

 

عندما سُئلت المستشارة الألمانية انجيلا ميركل عن اهدافها من الترشيح لمنصب المستشار، قالت جملة واحدة: "يمكنكم أن تثقوا بي" كان ذلك عام 2004، وكان عمرها آنذاك 48 عاماً، لتُنتخب عام 2005 مستشارة لألمانيا، في ذلك الوقت كانت ألمانيا تعاني من أزمة اقتصادية وصل فيها العجز المالي إلى مئة مليار دولار وملايين العاطلين، وقفت وسط الجموع لتطلق عبارتها الأخرى "نعم نستطيع".

أعرف جيداً أن الكثيرين من القرّاء الأعزاء يجدون في حديثي عمّا يجري في بلدان العالم نوعاً من الترف لا يهم المواطن البسيط المبتلى بأنباء الاصلاح والبحث عن الدولة التي اضاعها " جهابذة " السياسة، ولكن اسمحوا للعبد الفقير أن يتحدث عن المستشارة الألمانية ميركل التي اصدرت قبل اشهر قليلة مذكراتها وقد وضعت لها عنوان " الحرية " وفيها نتعرف على السيدة التي ولدت في المانيا الشرقية وقضت 16 عاماً تجلس على كرسي الحكم، واستطاعت ان تحتل المرتبة الأولى في الأداء السياسي والوطني.

16 عاماً كانت فيها تتسوق بمفردها من دون حمايات ولا مصفحات، ولا ضجيج، ومعها صورة لعشرات السيارات الحديثة ومعها كبار ضباط الجيش جميعهم يرافقون موكب السيد محمد الحلبوس وهو لا يملك منصبا في الدولة، واغنيات كتبت ولحنت خصيصا للوزيرة عديلة حمود التي حولت وزارة الصحة الى شركة مساهمة لافراد عائلتها، في الوقت الذي لا يزال فيه السيد نوري المالكي وهو خارج السلطة يتحكم في معظم مؤسسات الدولة.

في مذكراتها تكتب: " إن الحرية، التى يبدأ عندها عدم تقبل الحدود المفروضة علينا كأشخاص، تبدو أقرب إلى رحلة منها إلى حالة، حيث التحسن المستمر وعدم التوقف أبدًا عن التعلم، وألا نقف مكتوفي الأيدى أمام الصعوبات، والإصرار على الاستمرار فى المضي قدمًا في الحياة حتى بعد ترك خشبة مسرح السياسة" . ماذا تذكركم هذه العبارة؟ بالتأكيد بعبارة ابراهيم الجعفري الشهيرة عن المارد الذي خرج من القمقم.

ستقول مثلي ما أعظم المسؤول حين يؤمن أنه إنسان عادي في زمن يصر فيه المسؤول والسياسي العراقي على ان لا يخرج إلى الشارع إلا وأفواج الحمايات تحيطه من كل جانب، خوفاً من نظرات الحسد التي يحملها الناس له .

أرجو أن لا يظن أحد أنني أحاول أن أعقد مقارنة بين بلاد ميركل وبلاد أصحاب الفخامة، لكنني أحاول القول دوماً، إنه لا شيء يحمي الشعوب من آفة الخراب سوى مسؤولين ومعهم رجال دين يعرفون معنى التواضع وينظرون إلى العراقي باعتباره شريكاً لهم في الوطن، وليس مجرد نزيل لا يحق له حتى الاحتجاج، ولهذا من حق المواطن ان لا يثق بجهابذة الساسة في بلاد الرافدين .

***

علي حسين

بيتر غالبرث.. موظف محترف في لجنة العلاقات الخارجية لمجلس الشيوخ، وسفير سابق وخبير في شؤون الدفاع، ويعدّ احد اهم الخبراء الامريكيين في ما يتعلق بشؤون العراق الذي خبره قبل اكثر من اربعين سنة.

كانت زيارته الأولى (المعلنة!) عام 1984 ..التقى فيها نائب رئيس الوزراء (طارق عزيز) ونائب الرئيس (طه ياسين)  من اجل توطيد العلاقات الأمريكية العراقية، والتفكير بأن يكون للعراق دور في عملية السلام في الشرق الأوسط. وفي 1988 ترأس بعثة قامت بتوثيق استخدام العراق للاسلحة الكيمياوية، مما دفع مجلس الشيوخ الى الموافقة بالاجماع على فرض عقوبات شاملة وحصار شامل استمر 13 سنة.

 غالبرث هذا عمل مستشارا اخباريا في بغداد لشبكة ABC   خلال الأسابيع الأولى لسقوط نظام صدام حسين. وشهد ووثق معظم احداث العراق، بينها حادثة تفجير مرقد الإمام العسكري صباح 22-2-2006 . ومن تلك الحادثة، يخرج برمزية من مقتل الصحفية (الشهيدة أطوار بهجت، عملت معي في التسعينات بمكتب الاستشارات النفسية).. خلال قيامها بتغطية حية لمرقد الإمام.

 ومن كونها انها من أب شيعي وأم سنية، ومن احداث اخرى.. يخرج غالبرث في كتابه (نهاية العراق)  باستقراء او استنتاج ..ان العراق "دولة اسسه الأنجليز وفككه الأمريكان"، وان العراق الجديد "لا مكان فيه للتعايش بين السنة والشيعة".. واصفا تباعدهما عن الأقتتال بأنه  مجرد استراحة محاربين يستجمعون قواهم.

ومن الحقائق التي يذكرها انه وصف (بريمر) وطاقمه المؤلف معظمه من موظفين صغار.. ما كانوا يمتلكون المعلومات المطلوبة عن العراق والعراقيين، وأن هدفهم كان التحكم بمليارات الدولارات لصالح الحزب الجمهوري الامريكي.

 ومن دواهي هذا الرجل انه أئتمن على أربعة عشر طنا من الوثائق التي حصل عليها من الاتحاد الوطني الكردستاني و..نقلها إلى أمريكا!

ويبقى التساؤل..

هل سيشهد العراق تقسيما (بثلاث دويلات) في السيناريو (الأمريكي الأسرائيلي).. ام أن العراق سيبقى عند العراقيين في القلب؟

***

د. قاسم حسين صالح

............................

* كتابه نهاية العراق  صدر في 2007  عن الدار العربية للعلوم – ناشرون، ترجمة أياد احمد.

 

في المثقف اليوم