أقلام حرة

أقلام حرة

يُقال أن الحجاج قتل مئة وتسعين ألفا من الرجال، وثلاثين ألفا من النساء، ومات في حبسه ستة عشر ألفا من الجفا والحر والبرد، وآخر من قتلهم، سعيد بن جبير. والحجاج بن يوسف الثقفي (41 - 95) هجرية، ولد في الطائف، ومن عائلة كريمة من بيوت ثقيف، حفظ القرآن على يد أبيه، وحضر حلقات عبد الله بن عباس، وأنس بن مالك، وسعيد بن المسيب وغيرهم، وفي بدايته إشتغل بتعليم الصبيان، وكان فصيحا فشب خطيبا، وقال عنه أبو عمرو بن العلاء " ما رأيت أفصح من الحسن البصري ومن الحجاج"، وتتميز خطبه بمقدرة فائقة في البلاغة والبيان.

وهو الذي نقّط القرآن كما يُذكر، وشجّع أعلام اللغة (نصر بن عاصم) على ضبط مخارج حروفه، وجزأه ووضع إشارات تدل على نصفه وثلثه وربعه، وجعل قراءته واحدة، وكان من المولعين بالقرآن ويجزل العطاء على المهتمين به وبحفظه.

وعندما أصبح من رجالات الدولة، صار سيفا على مناهضي إرادة عبد الملك بن مروان، فما رحم مَن لا يسمع ولا يطيع، ويا ويل الذي يحسب نفسه من المعارضين، أو الخارجين عن صراط الكرسي المستبد العنيد.

عاش أربعا وخمسين سنة، أمضى أكثر من نصفها في الحكم، وواليا على العراق لعشرين سنة، حتى وفاته.

فلا يُعرف مدى صحة المنقول عنه في كتب التأريخ، فهناك الكثير من التناقضات، والسرديات التي من الصعب التأكد من صحتها، لكنها وردتنا في صفحات المدونات .

ويمكن الاستنتاج بأنه رجل دولة، وعليه أن يثبّت أركان الحكم بالوسائل المتاحة له، فإن كانت القسوة من ضرورات ذلك فيستعملها، وأي وسيلة تؤمّن الدولة وتصون الحكم من أعدائه ومعارضيه، ويبدو أن معظم الذين أنزل فيهم عقابه من الخارجين عن طاعة الخليفة والداعين إلى إسقاطه.

فهو الذي ثبّت أركان حكم عبد الملك بن مروان، بعد أن قتل عبد الله بن الزبير، وفعل ما فعل به بعد ذلك، ولولاه لبقيت خلافته ناقصة.

ومسيرة الحجاج تقدم مثلا على كيفية تأثير كرسي الحكم على السلوك، فالشخص يكون غيره عندما يتولى الحكم، لأن النوازع المطمورة في النفوس تندلق وتريد التعبير عن رغباتها، وتطلعاتها ونوازعها الأنانية الحامية الشحناء.

ولا يوجد كرسي في الدنيا بلا أعداء!!

***

د. صادق السامرائي

 

قالوا في تسويغ الافراج عن بطل "سرقة القرن" نور زهير، ان الرجل صحى ضميره وسيعيد الاموال التي سرقها في وضح النهار، واخبرنا القاضي الذي اصدر قرارا بالإفراج عنه ان نور زهير: "أبدى استعداده لتسليم المبالغ المالية المترتبة بذمة شركاته واجراء التسوية المالية "، واتمنى عليك ان تضع اكثر من علامة استفهام حول عبارة " المبالغ المالية المترتبة بذمة شركاته " . فبدلا من ان يخبرنا القاضي ان نور زهير سارق، حاول ان يلطف الامر فيعتبر المليارين والنصف مليار دولار مجرد اموال بذمته وسيعيدها، وقال البعض بثقة أن نور زهير استيقظ ضميره وقرر أن يعيد بعض الأموال، واكتشفنا أن السيد نور زهير رجل ثري و"عينه مليانه " وأن المبلغ الذي بذمته مجرد "خردة" أمام ما يملكه، وأتمنى عليك عزيز القارئ أن لا تسخر مني، فأنا أنقل إليك ما قاله قاضي النزاهة وبالحرف الواحد: "المتهم نور زهير لديه عقارات واستثمارات تفوق المبلغ الإجمالي للأموال المسروقة، ومن المستبعد هروبه خارج البلد بعد خروجه بكفالة مالية قياساً بحجم استثماراته وعقاراته".. فلماذا يا سادة يا كرام تشعرون بالقلق وثروة نور زهير تنافس ثروة ايلون ماسك، وهو مواطن صالح، ومستعد أن يقسم أنه لم يسرق، ولم يتحايل على الدولة، فقط استدان مبلغاً من أموال الشعب، وسيعيده إن شاء الله قريباً "وتوته توته ستنتهي الحدوتة"..

في بلاد الرافدين بعض الأشياء لا نهاية لها. خصوصاً النهب المنظم، ولذلك كانت حكاية علي بابا والأربعين حرامي التي اخترعتها لنا "المرحومة" شهرزاد، حكاية عراقية خالصة، تتجدد في كل موسم، حيث مسلسلات الخديعة والشعارات الزائفة وسرقة أحلام الناس، ليظهر لنا المئات من نور زهير. كنا نأمل أن نجد مصباح علاء الدين في "أدْراج مكاتب" ساسة التغيير، فوجدنا بدلاً منه ثياباً وبدلات لأكثر من أربعين ألف نور زهير، لن تستطيع شهرزاد أن تروي حكاياتهم ولا بمليون ليلة وليلة.

زعموا أنهم اخرجوا نور زهير لكي يعيد الاموال، وانه ممنوع من السفر، ثم قرأنا في الاخبار ان نور زهير يتجول في احدى عواصم العالم .. بعدها شاهدنا مقطعا من فيلم لشارلوك هولمز عراقي يرتدي المعطف، يقف وسط الثلوج في موسكو ليبشرنا انه عثر على نور زهير، وانه، اي شرلوك هولمز العراقي، لن يسمح له ببيع المناصب، وهذه حكاية جديدة، بعدها عاد شارلوك هولمز الى ارض الوطن، واختفى نور زهير، لنقرأ اليوم في الاخبار ان محكمة الكرخ حكمت على نور زهير بالسجن غيابيا عشر سنوات، لكنهم لم يخبرونا اين الأموال؟ ومن سهل له السرقة والهروب خارج العراق.

***

علي حسين

 

علي الجارم (1881 - 1949)، ولد في مدينة رشيد المصرية، وهو شاعر وكاتب. كتب قصيدة عن بغداد (1937)، لحنها رياض السنباطي (1906 - 1981)، وغناها عبد الغني السيد (1908 - 1962)، ولا تزال ذات قدرة على التأثير في الضمائر والنفوس، ومنها:

بغداد يا بلد الرشيد...ومنارة المجد التليد

يا نسمة لما تزل...زهراء في ثغر الخلود

يا موطن الحب المقيم...ومضرب المثل الشرود

يا سطر مجد للعروبة خط في لوح الوجود

يا راية الإسلام والإسلام خفاق البنود

يا مغرب الأمل القديم...ومشرق الأمل الجديد

يا بنت دجلة قد ظمئت...لرشف مبسمك البرود

يا زهرة الصحراء ردي بهجة الدنيا وزيدي

يا جنة الأحلام طال بقومنا عهد الرقود

بغداد يا دار النهى...والفن يا بيت القصيد

نبت القريض على ضفافك بين أفنان الورود

بغداد أين البحتري...وأين أين إبن الوليد

ومجالس الشعراء في...بيت ابن يحيى والرشيد

بغداد يا وطن الأديب...وأيكة الشعر الغريد

بغداد أشرق نجمها...وبدا بها نجم السعود

***

القصيدة تمثل روح بغداد وجوهرها الحضاري، وتشير إلى دورها الإنساني المعرفي، وعصرها الذهبي عندما سادت الدنيا وأثرت بالسلوك والتفكير، حتى تبغددت المجتمعات وتطلعت للوصول إلى مقاماتها الإبداعية السامقة.

الشاعر مصري، ومن الصعب أن تجد شاعرا عراقيا، عبّر بشعره عن ذات بغداد وهويتها الحضارية وتطلعاتها الفكرية  بهذه الروعة والوضوح، ومعظم ما كتب عنها هو التغني الخيالي بها واللوعة والحنين، وربما الرثاء والعويل على ضفاف نهريها.

ترى لماذا يحسن العرب الكتابة عن بغداد؟!!

وهل توجد في شعر المتنبي قصيدة عن بغداد؟!!

***

د. صادق السامرائي

المكتوب ليُقرأ ويُفهم، لا أن يتسبب بوجع الرأس والغثيان، والإمعان بكراهية البيان.

الذي لا يستطيع أن يضع الفكرة بكلمات سهلة وعبارات واضحة عليه أن لا يكتب.

أما أن ينطلق بالغموض والرموز والإدغام والتعقيد والإسهاب والإطناب، والتنفير من الكتاب، فذلك عدوان كبير على الألباب.

عندما تقرأ المنشور بالعربية، تتنامى أمامك المصدات وتحتار في الذي تولى الكتابة وما هي غايته مما كتب، وإن تواصلت بعناء تسبر أغوار المكتوب، ستخرج بلا شيء، وتشعر بأن الكاتب يريد معاقبة القارئ، وتخميد عقله، وإعماء بصيرته، وزرع المشاعر السلبية في نفسه، ليرى أن المكتوب بلا قيمة ولا دور، ومن الأفضل له أن لا يقرأ، ويعيش في عزلة عن المواقع والمنشورات بأنواعها، لأنها ذات دوافع تجزيعية (من الجزع).

فهل أنها لغاية في نفس الأقلام؟

لماذا يتسيد على المكتوب الإبهام؟

هل نريد التعالي على القراء؟

إن السبب المهم في تخميد المجتمع وترويضه على العجز والإستكانة، ينطلق من الكتابات المعقدة التبهيمية الهادفة لتنمية الشعور بالدونية وتدمير القدرات الفردية.

فالأقلام تصنع الآلام!!

والكتاب يمهدون للعذاب!!

ركام هائل من الكتابات، وما صنعت تيارا معرفيا، ولا ساهمت بتغيير وصواب جواب!!

فأين الخلل؟

إنها محنة أكتب أكتب حتى يتجاهل الناس!!

فهل لنا أن نكتب ببساطة ووضوح، لتسترد عافيتها الروح؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

الذاكرة أرشيف وجودنا المطاوع الذي يستنهض ما فيه ويعيد صياغته بأساليب تفاعلية ما بين العصيبات الدماغية تتفق والحالة المثارة أو القائمة في أي وقت.

والعصيبات الدماغية تتفاعل وفقا للمنبهات وما يترافق معها من الانفعالات وطبيعتها، كأن تكون سلبية أو إيجابية.

والذاكرة القصيرة أو الوقتية تتحقق بواسطة التواصل ما بين العصيبات الحسية والحركية، وكلما كان المنبه شديدا ازداد التوافق التفاعلي بينهما.

وفي دماغنا ألف بليون عُصيبة، ذات تفاعلات معقدة ومطلقة مع بعضها، لأنها تؤلف أبجديات السلوك وأساسياته، وتصنع التنوع والاختلاف في الاقتراب والفهم والإدراك، والقدرة على التلقي والتفكير والخيال والانطلاق في مسارات تفرضها الطاقة المعرفية المتولدة، والمتناسبة مع درجة وقوة التفاعل العُصيبي.

والذاكرة الطويلة تحتاج إلى بروتينات وهذه بحاجة إلى تبدلات جينية لكي تنتجها، فالبروتينات عبارة عن إنتاج التأثيرات الجينية الصادرة من كروموسومات النوايا إلى سلسلة التواصل والتفاعل ما بينها وبين سايتوبلازم الخلايا، وعندما يتم إنتاج البروتين يؤدي ذلك إلى تحقيق السلوك.

وكل سلوك مرهون بقدرات البروتين الناجم عن تأثير الجين الموجود، والمحفز والجاهز للاستجابة والتفاعل مع المحيط.

وكلما تفاعلنا مع المحيط بمفرداته وتداعياته، أيقظنا الجينات وأسهمنا في بناء الترابطات الجديدة المتفقة مع الحالة التي نحن فيها، وكلما تكررت التنبيهات وتنامت الاستجابات وتسارعت، تحولت إلى فعل أوتوماتيكي أو قد نسميه لا واعي، أي لا يحتاج إلى جهد، لأن قدرات التعبير عنه ترسخت وتنامت وصارت متحكمة ومتأهبة للجواب على أي سؤال أو تحدي يواجهها.

وهكذا نصنع وجودنا الذاتي، ونساهم ببناء ما فينا ورسم خارطة أعماقنا.

فالمحيط الخارجي يدفع بالعصيبات الدماغية إلى التفاعل المتفق معها، ويؤسس لترابطات جديدة، وبتكرارها تتعز وتزداد قوة وكفاءة وقدرة على الإنجاز السريع اللازم لمواجهة الحالة المحيطية.

ويساهم في استنفار تفاعلات أخرى متنوعة للمساعدة على فاعلية الاستجابة المتحققة.

فبتعاون العصيبات الحركية والحسية بامتداداتها وموصلاتها، وبفعل التكرار، يصبح من الواجب على الخلايا أن تستعين بجيناتها، وتسعى لإحداث تغيير في التفاعلات القائمة داخل الكروموسومات، مما يؤدي إلى الإقدام على صناعة بروتينات جديدة مؤهلة للقيام بدورها.

وهذه البروتينات تتراكم في أعماق الخلايا ونواياها فتؤسس لذاكرة إنسانية لا حدود لها، ويمكن استنهاضها وإعادة ترتيب ارتباطاتها وفقا للتفاعلات القائمة، والمطلوب الاستجابة المناسبة لها.

وعليه فأننا نتحكم بسلوكنا، ومن خلال ما يجري حولنا نكون المرآة العاكسة والصوت الذي هو الصدى.

ولكي نكون وفقا لما يجب أن نكون عليه ونرتقي إليه، لا بد من وعي مؤثرات المحيط علينا، وما هي الأفكار والرؤى والتصورات والمعتقدات التي تسهم في بناء أرشيف ذاكرتنا، والكيفيات التي تؤثر بها على إنشاء الترابطات والتفاعلات القائمة ما بين العصيبات الدماغية والموصلات الفاعلة فيما بينها.

ومن هنا فأن ما هو قائم حولنا يصنعنا، وما فينا عبارة عن إنتاج أكيد للمنبهات والتفاعلات التي تدور في المحيط الذي نعيش فيه.

وبين الذات والموضوع هناك تفاعل مرهون بالبروتينات المحكومة بالتفاعلات الجينية، وما يطرأ عليها من تغيير مؤثر في السلوك.

ولهذا فالذاكرة السليمة تأتي بسلوك سليم والعكس صحيح!!

***

د. صادق السامرائي

 

اللغة عالم واسع، ويعتبر اللسان هو الجزء الاجتماعي من اللغة، كما تُعتبر الكلمة المكتوبة هي الجزء الثقافي والحضاري منها. فالمجتمع يتكون من أناس تجمعهم لغة أو عدّة لغات، اذ في الواقع لا توجد لغة بدون أفراد يتكلمون بهذه اللغة، حتى اللغات القديمة البائدة تكون حية في حدود بين الباحثين المتخصصين فيها مثل الهيروغليفية آو الفينيقية والإغريقية..

قد تكون اللغة عالمية يتحدثها الملايين من البشر، وقد تكون لغة منعزلة أو منزوية لا يتجاوز عدد المتحدثين بها بضعة ألاف كما هو الحادث مع كثير من لغات الهنود الحمر في أمريكا اللاتينية..

وتاريخ اللغة هو تاريخ الناطقين بها فتطور اللغة وازدهارها آو انكماشها وانعزالها له علاقة مباشرة بالناطقين بها وحيويتهم من عصر الى أخر ..

التعدد اللغوي يجعل دائما هناك احتكاك بين لغتين أو أكثر من لغة، قد يكون اجتماعيا وجماعيا، وقد يكون فرديا، كأن يتعلم فرد واحد لغة غير لغته..

وتكاد كل اللغات العالمية، أو المحلية تنقسم الى وظيفتين أساسيتين متكاملتين، لاستعمال اللغة؛ الوظيفة الرفيعة، في أماكن العبادة والمساجد، والآداب، والرسائل والخطب، والتدريس، والصحافة وهذا ما يُطلق عليه اللغة الفصحى، والثانية تُسمى الوظيفة المتدنية وهي الكلام بالإجمال ويشمل الأحاديث العائلية والأدب الشعبي من شعر ملحون وقصص خرافي، والأحاديث في الشوارع والسوق وهذا ما يعرف بالدارجة أو اللغة المحكية، وقد تجتمع أكثر من لهجة في مقاطعة جغرافية معينة، بل قد تكون مدينة واحدة تحوى أكثر من لهجة!..

والثنائية اللغوية ظاهرة تكاد تكون عادية في أكثر من مجتمع بسبب الحركة الاستعمارية العالمية في الماضي وتطور وسائل الاتصالات الحديثة، فاللغة الهندية مثلا استطاعت أن تعبر الحدود بسبب المسلسلات الهندية الطريفة، وكذلك اللغة اليابانية بين الشباب والمراهقين بسبب مسلسلات الأنمي الشيقة!..

لكن تبقى الترجمة والدراسات الأكاديمية المتخصصة هي الطريقة لأكثر فعالية في إثراء اللغة..

كما أن تطور اللغة وانتشارها يكون في بعض الأحيان مصاحبا للتغيرات السياسية والاقتصادية في العالم، كما هو ملاحظ اليوم ومعروف تاريخيا، الاسبانية والبرتغالية، ثم الانجليزية والفرنسية، واليوم اللغة الصينية التي يقبل العالم اليوم على تعلمها بهوس وشغف!..

***

بقلم: عبد القادر رالة

 

لقد أعادت منصات إلكترونية مثل يوتيوب وفيس بوك وإنستغرام وتيك توك تشكيل المشهد الإعلامي العالمي، إذ قدمت فرصًا غير مسبوقة لمنشئي المحتوى لتحقيق الدخل من منشوراتهم من خلال عائدات الإعلانات، وخاصة مداخيل غوغل أدسنس .

في المغرب، برز يوتيوب كمنصة مربحة للعديد من الأشخاص العاملين أو العاطلين عن العمل، مما أدى إلى ظهور موجة جديدة من اليوتوبيورز الذين يتعاملون مع قفة متنوعة من القضايا، بما في ذلك الموضوعات الأخلاقية والمالية والسياسية والإدارية. ومع ذلك، فإن إغراءات المكاسب المالية من أدسنس أثارت أيضًا نقاشات حول دوافع ومعايير أخلاقية بعض مستخدمي يوتيوب المغاربة.

فكيف يؤثر أدسنس على مستخدمي يوتيوب للتفاعل مع مواضيع وقضايا عامة وحساسة خارج تخصصاتهم، والاستغلال المحتمل للمنصة للابتزاز والتشهير، وما إذا كان ينبغي اعتبار محتوى يوتيوب صحافة مهنية أم مجرد نشاط شخصي جاءت به موجة وسائل التواصل الاجتماعي في عصرنا الحديث.

إن تحقيق الربح من خلال أدسنس يخلق ارتباطًا مباشرًا بين شعبوية المحتوى والدخل المالي. فكلما ارتفع عدد المشاهدات التي يحصل عليها مقطع فيديو، زادت الإيرادات. وقد يشجع هذا النظام على الإثارة وأساليب جذب الانتباه والبحث عن البوز، حيث تميل الموضوعات المثيرة للجدال أو الاستقطاب إلى جذب المزيد من اهتمام الرأي العام . وقد دفع هذا بعض مستخدمي يوتيوب في المغرب إلى الخوض في قضايا أخلاقية ومالية وسياسية وإدارية معقدة، حتى وهم في كثير من الأحيان يفتقرون إلى الخبرة أو المؤهلات المهنية والمعلومات الكافية لمناقشتها.

على سبيل المثال، غالبًا ما تسفر النقاشات حول الفساد أو الفضائح المجتمعية والجنسية على الخصوص عن مشاركة عالية من المتابعين . وقد يستغل المنشئون فضول الجمهور من خلال تقديم معلومات استفزازية أو تخمينية قد لا تتوافق مع دقة الحقائق والمعلومات. وفي حين يمكن لهذه النقاشات أن ترتقي بدرجة الوعي، فإن الافتقار إلى إطار صحفي أو فحص دقيق للحقائق يمكن أن يؤدي إلى نشر معلومات مضللة، مما يؤدي إلى تراجع ثقة الجمهور في المصادر الموثوقة.

وتتفاقم المعضلة الأخلاقية بسبب حقيقة مفادها أن أدسنس يكافئ اليوتوبيور على أساس تفاعل المشاهدين وليس على أساس جودة المحتوى أو دقته. وقد يشجع هذا النموذج اليوتوبيور عن غير قصد على إعطاء الأولوية للربح على الاعتبارات الأخلاقية، مما يؤدي إلى التركيز على الثرثرات وقول على قول بدلا من النقد البنّاء.

في بعض الحالات، فإن المكافآت المالية التي تقدمها أدسنسقد دفعت مستخدمي يوتيوب إلى ممارسات غير أخلاقية، بما في ذلك الابتزاز والتشهير حيث من خلال التهديد بنشر ملفات صوتية أو مقاطع فيديو فاضحة أو تشهيرية، يسعى بعض اليوتوبيورز إلى انتزاع مقايضات مالية أو غير ذلك من الأفراد أو المؤسسات. إن هذه التكتيكات الدنيئة، على الرغم من أنها مربحة في الأمد القريب، إلا أنها تثير أسئلة قانونية وأخلاقية خطيرة.

على سبيل المثال، قد يزعم أحد مستخدمي موقع يوتيوب امتلاك معلومات ضارة بشخصية عامة أو شركة ما، ويستخدم منصته كوسيلة ضغط عليها. وقد يؤدي هذا التهديد بالكشف العلني إلى إجبار المستهدفين على الامتثال، مما يقوض مبادئ العدالة والمساءلة المنطقية. ولا تؤدي مثل هذه الإجراءات إلى تشويه سمعة منشئي المحتوى المسؤولين فحسب، بل تساهم أيضًا في خلق بيئة رقمية سامة تضر بالحقل الصحفي والرأي العام .

إن السؤال حول ما إذا كان محتوى يوتيوب يقع ضمن نطاق الصحافة المهنية أو منشورات وسائل التواصل الاجتماعي أمر بالغ الأهمية لفهم دور المنصة في أنظمة المعلومات الحديثة. تقليديا، كانت وماتزال تسترشد الصحافة بمبادئ الدقة والإنصاف والمساءلة حيث يخضع الصحفيون المحترفون للتكوين والتدريب لضمان التقارير الأخلاقية والالتزام بقواعد السلوك التي وضعتها الهيئات القانونية والتنظيمية.

وعلى النقيض من ذلك، فإن المنشورات الرقمية على وسائل التواصل الاجتماعي، بما في ذلك مقاطع الفيديو على موقع يوتيوب، تعمل غالبًا خارج هذه الأطر التي ينظمها القانون. فمعظم مستخدمي موقع يوتيوب هم من المنشئين المستقلين الذين لا يخضعون لنفس المعايير أو الرقابة التي يخضع لها الصحفيون المحترفون. ويتشكل محتواهم وفقًا لوجهات نظر شخصية واختيارات الجمهور وحوافز أدسنس المالية وليس وفقًا للنزاهة الصحفية المحترفة باعتبارها سلطة رابعة.

وللتمييز بين الصحافة ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي، يجب علينا فحص القصدية والمنهجية وآليات المساءلة وراء المحتوى حيث تهدف الصحافة إلى إعلام وتثقيف الجمهور، غالبًا مع التركيز على الموضوعية والتحقق من المعلومات. من ناحية أخرى، يكون محتوى وسائل التواصل الاجتماعي أكثر ذاتية ومزاجية، ويتشكل من خلال الانحياز الشخصي والسعي إلى تحفيز الجمهور على المشاركة بهدف كسب المال.

إن تثقيف الجمهور حول التباينات بين الصحافة المهنية ومحتوى وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن يمكّن المشاهدين من تقييم المعلومات التي يستهلكونها بشكل نقدي. ويشمل ذلك التعرف على طرح الأسئلة العقلانية حول المصادر، وتحديد التقارير الموثوقة.

ومن جهة أخرى يمكن للحكومة والهيئات التنظيمية تنفيذ قوانين أكثر صرامة لمعالجة الابتزاز والتشهير وإساءة استخدام المنصات الرقمية. ومن شأن فرض عقوبات واضحة على الممارسات غير الأخلاقية أن يردع السلوك الخبيث والدنيء لجميع المتطاولين وسماسرة الإنترنت واليوتيوب بالخصوص.

ولكي يتسنى لنا الاستفادة من إمكانات يوتيوب كمنصة إعلامية لتحقيق التغيير الإيجابي، ومحاربة الفساد حقا فمن الضروري إرساء المعايير الأخلاقية، وتعزيز ثقافة مصداقية الإعلام، وضمان المساءلة القانونية للمنشئين. ومن خلال التصدي لهذه التحديات، يستطيع مستخدمو يوتيوب المساهمة في خلق بيئة رقمية أكثر وعيا ومسؤولية، حيث لا تأتي الحوافز المالية على حساب النزاهة والثقة.

***

عبده حقي

 

يُذكر أن إبن أبي الشاعر كتب إلى أهل مكة بيتين من الشعر وقال أجيبوني عنهما، وهما:

"هذا كتاب فتى طالت بليته

يقول يا منتهى شوقي وأحزاني

*

هل تعلمين وراء الحب منزلة

تدني إليك فأن الحب أقصاني"

ولما نظر أهل مكة بهما وإذا البيت الثاني ليعقوب بن إسحاق المخزومي، فوجهوا إلى المدينة وارتفعوا إلى عاملها فأدبه على سرقة البيت!!

حضرتني هذه الواقعة التي حصلت منذ قرون عديدة، وأحد الأخوة يستل بيتين من إحدى نصوصي المنشورة وينسبها لنفسه، وتنهال عليها إشارات الإعجاب والتهليل.

قرأت البيتين اللذين أعجباه والكثيرون من متابعيه، وما أشرت إلى عائديتهما، ولماذا إستولى عليهما، فالمهم أن الفكرة ذات صدى.

وسرقة المنشور ظاهرة شائعة في مجتمعات توهمت الديمقراطية والحرية، وحسبتها بلا معايير ولا ضوابط وأخلاق، وكأنها إنفلات وتسيّب.

البعض كان يذكر لي أنه ينشر في الصحف الورقية، وما أسهل ذلك، فنسخ والصق، وكفى، فما أيسر الكتابة والنشر المستباح.

عجائبنا السلوكية تحط من قيمة الإبداع والعطاء الأصيل، وتشوه الواقع وتدفع به إلى البهتان والخسران، فالحقوق ضائعة، والجهود مبددة، والتناحر والاقتلاع ديدن تفاعلي هدّام، ومستدام، من أعلى الهرم إلى قاعه، وكل يغني على ليلاه التي لا يعرفها، ويتسبب لها بأمراض قاتلة، ويخشى أن يكون طبيبها المداويا، لأنها إذا تماثلت للشفاء يفقد مبررات وجوده المكين.

و"ليس هناك شيئ لا يستحق السرقة"!!

و"لعن الله السارق"!!

***

د. صادق السامرائي

قبل أيام، احتفل العالم بأسره بمناسبة عالمية موسمية تحظى بالكثير من الاهتمام والتقدير لأنها تُمثّل قيمة حضارية راقية ورسالة إنسانية سامية، وهي اليوم العالمي للتسامح،، في السادس عشر من نوفمبرــ ت الثاني الجاري من كل عام، يحتفل العالم باليوم العالمي للتسامح، وهي أشبه بكرنفال دولي تحتفي بها الأمم والشعوب والمجتمعات من أجل ترسيخ قيم وثقافات التسامح والاحترام والتآخي، ونبذ كل مظاهر التعصب والكراهية والتمييز، إضافة إلى تكريس مبادئ السلم العالمي والإخاء المشترك والحوار الجاد بين مختلف الثقافات والحضارات البشرية.

ويعود تاريخ هذه الذكرى السنوية الرائعة إلى عام 1993 حينما أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأن يكون "16 نوفمبر" من كل عام يوماً عالمياً للتسامح. وتهدف منظمة الأمم المتحدة من إقرارها لهذا اليوم العالمي للتسامح إلى إعلاء قيمة التسامح بين جميع البشر على اختلاف دياناتهم وثقافاتهم وعرقياتهم، وذلك من أجل تحقيق حياة أفضل للإنسانية التي تحتاج إلى السلام والأمان والاستقرار وهي مضامين أساسية وضرورية وملحة تؤسس لإشاعة قيم التسامح وقبول الآخر والاحترام المتبادل بين الأمم والشعوب والمجتمعات. وقد نص إعلان مبادئ التسامح الأممي الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة على أن "التسامح في جوهره هو اعتراف الإنسان بحقوق الآخر

التسامح يساهم في تخفف التوترات والصراعات الاجتماعية والسياسية ويعزز التعاون والتضامن بين الشعوب، فعندما يتعلم الأفراد والمجتمعات الاحترام المتبادل والقدرة على الاستماع والتواصل بفعالية يمكنهم بناء جسور الفهم والمصالحة بين بعضهم البعض، التسامح لغة انسانية راقية خاصة وسط أجيالنا الصغيرة والشابة لأنها الأكثر عرضة لمظاهر التعصب ومكامن التشدد، وهو فرصة لتعزيز التفاهم والتعايش السلمي بين الثقافات والأعراق والأديان المختلفة، وترسيخ قواعد الاحترام والعدالة في المجتمعات العالمية

علينا ان نفهم كعرب ومسلمين ان التّسامح قيمة عظيمة، وأحد المبادئ الإنسانية، التي حولها الإسلام إلى واقع يتعامل به المسلم في حياته اليومية العملية، بنسيان الماضي المؤلم بكامل إرادته، والتنازل عن حقه فيما يلحقه من الآخرين من إيذاء، تنازل نابع من قوة إيمان، ورغبة صادقة في طيب العيش والمقام في الآخرة، فهمته عالية، وهدفه شامخ راقي، وهو الجنة.

 التسامح خُلق الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام والمصلحين في الأمم على مر التاريخ، لأن التسامح بوابة لتحقيق ما أرسلوا به وما يدعون إليه، ولما له من دور فاعل في تحقيق الهدف المنشود، وتماسك المجتمعات والشعوب، واصطفافهم في وجه الشر والفساد، ونبذ الفرقة والخلافات والصراعات بين جميع أفراد المجتمع، لما يفضي إليه من روح الإخاء والعدل والتراحم بين الناس. فالمتسامح يعيش حياة مختلفة عن غير المتسامحين، فهو في راحة وسعادة وطمأنينة، يستمتع في كل لحظات حياته، دون ملل أو ضجر، سعيد في علاقاته، سعيد في وقته، سعيد في بيته سعيد في أسرته، سعيد في مجتمعه، سعيد في عبادته، سعيد في طريقه الذي يسير عليه وهو طريق التسامح الذي أوصله للمحبة والرضى والسعادة وصفاء القلب وطيب النفس وحسن العلاقات مع الجميع.

***

نهاد الحدثي

معظم الإبداعات فردية، ويتحقق استخدامها من قبل عامة الناس، وهذه القاعدة تنطبق على أي نشاط بشري، والتنوير يبدأ بعدد قليل من الأفراد تسمى النخبة، فتنطلق الأفكار وتتكاثف وتتكاتف في رسالة واضحة ذات أهداف ساطعة، يرعاها مَن يؤمن بها ويتواصل في تعزيزها وتطويرها، وابتكار الآليات الكفيلة بتحقيقها والعمل بموجبها.

التنوير عندما تتبناه النخب في ميادين التفاعلات المتنوعة، على أفرادها أن يعتصموا برسالتهم وينطلقوا بها في رحاب المجتمع، لتحفيز عدد من النشطاء القادرين على حمل راياتها، والسعي الجاد لبثها في أوساط الناس.

أما أن تكون النخب متصومعة وتمعن بعزلتها، وكأنها تطرح أفكارها للجدران، ولا تبالي من تواصل دورانها في حلقة مفرغة من الابتعاد عن نهر الحياة، فهذا هو التنوير الأعور.

وما يحصل في واقعنا يمثل ذلك، ولهذا لن تجد للنخب تأثير إيجابي في المجتمع، وما حصل التغيير بتعجيل متواكب مع عصرنا، ولا تزال آليات الترقيد والتخميد فاعلة ولها تداعياتها المضرة بالحاضر والمستقبل، فالماضي يسودنا والأموات تقودنا، والدجل والبهتان يقيدنا، ولا من قدرة على الخروج من قبضة السمع والطاعة، والجهل والتجاهل، والأمية الحضارية.

فأين العلة؟

إنها في النخب العاجزة عن التعبير العملي عن منطلقاتها وجوهر أفكارها، باختصار وكثافة ذات قيمة استنهاضيه صحيحة.

النخب تكتب، ولا مَن يقرأ، لأنها في حالة انفصال وانقطاع عن واقعها المطلوب تغييره، والأخذ به إلى آفاق الوعي المعرفي الجاد.

فهل أوجدت النخب النشطاء القادرين على نشر الوعي التنويري؟

وهل تمكنت من صياغة التفاعل الهرمي بينها وبين عامة المجتمع؟

إن لم يتحقق التواصل السليم، لن نستطيع الوصول إلى هدف عظيم!!

***

د. صادق السامرائي

 

اعتادت العيون والأبصار على التفاعل مع الشاشة، وحالما تطبع ما فيها تجده بلا جاذبية ولا قدرة على شدك إليه، فهل هذه ظاهرة عامة، أم أنها تخص بعض الأفراد، من أجيال الورق، ومحبي الكتاب.

وهل أن الشاشة فرّقت بين البشر والمكتوب في الورق؟

لا يمكن الجزم، والملاحظ أن الأجيال المعاصرة تمضي معظم وقتها مع الشاشة الصغيرة، وأقلها مع المسطور على الورق.

ترى هل سيفقد الكتاب دوره وقيمته، وعلى دور النشر أن تكون إليكترونية؟

للعديد منا مكتبات خاصة، وأظن أصحابها أخذوا يستشعرون إزدياد المسافة بينهم وبينها، وتفاعلهم مع الشاشة صار أطول وأفضل، حسب واقعهم النفسي الفاعل في العصر المرهون بالشاشات.

في الربع الأخير من القرن العشرين، لم يخطر على بال الناس أن البشر سيصاب بهذا التفاعل الشاشوي المتسيد على وقته، أما في الربع الأول من القرن الحادي والعشرين، فالجميع تستعبده الشاشة، وتؤثر فيه الصورة والمعطيات المحفزة الوافدة إليه عبر الإنترنيت.

ويبدو أن الشاشة ربما انتصرت على الورق، الذي لا يتفاعل معه إلا مَن تبقى من أجيال القرن العشرين، أما أجيال القرن الواحد والعشرين، فعلاقتهم مع  القلم والورق ستتلاشى ويهيمن عليهم الكي بورد، وتتحكم بسلوكهم الشاشات الفوارة بالمعلومات والمستجدات الدفاقة.

فنفوس البشر متفاعلة مع الأحداث والتطورات بآنية غير مسبوقة، ففي الماضي كانت الأحداث تصل للناس بعد أيام وأسابيع وشهور، واليوم ما أن تحصل حتى تنتشر كالبرق في الظلام.

فهل تستوعب نفوسنا هكذا تفاعلات؟

وهل البشر مهيأ نفسيا وعقليا للتواصل مع الدنيا على أنها شاشة صغيرة في جيبه؟

إن معطيات العصر لا يمكن التكهن بها، ولسوف تلد الأيام ما لا يخطر على بال الأجيال.

فهل لنا أن نرى بعيون زماننا الفياض؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

كانت الصحافة واحدة من وسائل الدعاية البريطانية، فضلاً عن السينما والإذاعة، و"مدير الاستقبال"، وهي تسمية طريفة سنعرف تفاصيلها في ختام هذا المقال عن كتاب عبد السلام السامر" أساليب الدعاية البريطانية في العراق 1939 – 1945" الذي يتناول حقبة الحرب العالمية الثانية منذ بدايتها حتى نهايتها، وتأثيراتها على الساحة العراقية، حيث الصراع الدعائي البريطاني الألماني في العراق الذي يحتل أهمية سياسية لألمانيا وبريطانيا وحلفائها. وقد تفاقم في تلك السنوات المضطربة الصراع العراقي البريطاني وقيام انتفاضة مايس عام 1941 بقيادة العقداء الأربعة " صلاح الدين الصباغ وكامل شبيب ومحمود سلمان وفهمي سعيد " الذين طالبوا باستقالة حكومة طه الهاشمي، غير أن الإنكليز دبَّروا في ليلتها عملية هروب الوصي إلى معسكر الحبانيّة، ومن ثم نقلوه إلى البصرة لخلق أزمة دستورية، مما اضطر العقداء إلى تشكيل حكومة الدفاع الوطني برئاسة الكيلاني.

في خضم هذه الأحداث وغيرها التي عصفت بالعراق خلال سني الحرب العالمية الثانية لعبت الدعاية البريطانية دوراً متعدد الوسائل لكسب الحرب النفسية التي رافقت الحملة العسكرية البريطانية، ومارست ذلك فعلياً في القاء المنشورات الدعائية من الطائرات أو رميها بالمدافع، والتي تصف ما حدث بالمؤامرة النازية، وتدعو المواطنين إلى عدم تصديق " أكاذيب العقداء الأربعة الذين خانوكم مقابل الذهب الألماني لتحاربوا حليفتكم بريطانيا "، فضلاً عن سعي البريطانيين لتكميم الصحافة الوطنية، وقيام السفارة البريطانية بتوزيع الصحف والمجلات المؤيدة لها، إلى جانب استخدام الإذاعة كوسيلة ناجحة للدعاية سواء باستخدام الموجات القصيرة، أو من خلال البرنامج العربي من هيئة الإذاعة البريطانية في لندن، ومحطة الشرق الأدنى، والإذاعة العربية من محطة دلهي. وكانت من وسائلهم أيضاً افتتاح قاعة للمطالعة يداوم فيها يومياً موظف إنكليزي يطلق عليه تسمية "مدير الاستقبال" مهمته مقابلة الذين يطلبون الحصول على المعلومات، لكن أغلبهم جاء ليبحث عن وظيفة فيقدم لهم المساعدة بسبب صلاته الواسعة، وعلاقاته الوديّة حتى مع أصحاب المقاهي الشعبية ومدراء الفنادق" وكانت تلك المساعدة تشكل دعاية حسنة إذ تجعل هؤلاء الناس وذويهم يلهجون بالثناء لبريطانيا"!.

***

د. طه جزاع – كاتب أكاديمي

 

ما معنى أن تتفرغ وزارة الداخلية لملاحقة النوادي الاجتماعية بقرارات " قرقوشية"، وترسل قواتها المدججة لمطاردة من تسول له نفسه الاقتراب من محلات بيع الخمور، في الوقت نفسه لا تريد ان تعترف ان نسبة الجريمة ارتفعت هذا العام، فيما تشير تقارير اعلامية الى أن العراق "أصبح خلال السنوات الأخيرة ممراً مهماً لتهريب المخدرات وخصوصاً حبوب الكبتاغون ".

سيقول قارئ عزيز يا رجل العالم يغلي والدولار يتلاعب باقوات الناس، والبرلمان معطل حتى اشعار آخر، والنائب الهمام لم يلق القبض على نور زهير، وانت تخصص هذه الزاوية للحديث عن النوادي الاجتماعية والخمور، الا تخجل . ساخجل بالتاكيد واصمت لو ان القضية تتعلق بالنوادي الاجتماعية، لكنها ياسادة تتعلق بالحريات الشخصية التي كفلها الدستور، وبالدولة المدنية التي يتشدق بها معظم المسؤولين .. ليست القضية تتعلق بالخمور، لكن قرارات وزارة الداخلية جرس انذار لقضم الحريات وتأسيس امارة قندهار التي بشرنا بها ذات يوم النائب السابق " محمود الحسن " .

تخيل جنابك قوات امنية مهمتها مكافحة النوادي الاجتماعية وتعتقد الوزارة أننا بلد فاسد يجب تقويمه، وان هذا الشعب بحاجة الى حملة تعيد امجاد الحملة الايمانية، وزارة الداخلية مشغولة بالنوادي، والبرلمان مشغول البال بقانون الاحوال الشخصية، وايجاد مخرج قانوني لشمول نور زهير وجماعته من السراق والمزورين بالعفو العام المنتظر، لكن الجميع يصمت ويضع رأسه في الرمل وهو يقرأ التقارير التي تؤكد أن العراق وبفضل همة قواتنا الامنية، على قائمة الدول الأكثر تعاطياً للمخدرات، ولا ننسى أيضاً الأكثر نهباً للمال العام. مئات التقارير التي تحذر من خطر انتشار المخدرات في العراق، فماذا حدث؟.. لا شيء في هذه الدولة التي انتفضت لحفلة غنائية، لكنها تصمت، عندما يتعلق الأمر بجرائم قتل وتعذيب النساء، فحين يهتف الجميع بصوت واحد: كلا كلا للرفاهية الاجتماعية، لا تحدثني عن ملفات البطالة، ونسبة الفقر، فهذه أمور بسيطة تُحل بخطاب "ثوري" عاصف.

من المؤكد أنّ كثيراً من العراقيين يشعرون بالحسرة وهم يشاهدون كل يوم أمماً وشعوباً كثيرة تتحرك لتعديل أوضاعها، أو تصحيح بعض الأخطاء في مسيرتها، إنّ ما يفرقنا عن هذه الأمم التي تسعى دوماً إلى تصحيح أوضاعها المتردية أنهم يملكون قوى حيّة وفاعلة للتغيير، في الوقت الذي لاتزال مدننا تخرج للاحتجاج على الأوضاع المأساوية، إلا أن الساسة لا يزالون يفكرون في الفرق بين حكومة أغلبية وحكومة توافقية، وأيهما كاملة الدسم؟ ! .

اليوم لدينا إعلام يوجه أطناناً من تهم الفساد كل لحظة للعديد من المسؤولين، كباراً وصغاراً، لكنّ معظمهم يطبقون نظرية اتركوهم يكتبون ويصرخون حتى لو كان الفساد مقروناً بوثائق، وبعض الفاسدين يتبجحون علناً بفسادهم.

***

علي حسين

ذات مرة زرت بيتا يابانيا في مدينة كيتو، وكانت دعوة غداء، وأخذني صاحبه في جولة، أمام الحمام زوج نعال عليك أن تضعه في قدميك عندما تدخله، الغرف فارغة، فتح دواليبا في الحائط وأطلعني على الفراش الذي يوضع على الأرض للنوم.

وفتح لي دولابا آخر ليظهر تمثال بوذا الذي يصلي أمامه كل صباح.

وبعدها جلسنا في مكان متصل بالمطبخ، وكان حفرةً في الأرض نضع أرجلنا فيها، ونجلس حول مائدة مرتفعة قليلا فوق الحفرة.

ومما لاحظته في البيت أن السنادين عندما أسأله عن نوع النبات الذي فيها يجيبني: "نحن نزرع ما يؤكَل"!!

وتعجبت من أمر اليابانيين، لأنهم لا يتركون بقعة في الأرض خالية من اللون الأخضر.

إنتبهت إلى قوله الذي يعني "نزرع لنأكل"!!

فأخذت أقارن بينه وما يسود عندنا، فنحن لا نزرع لنأكل، بل نشتري ونستورد لنأكل.

وهذه عاهة حضارية وخيمة، فالمجتمعات تطعم نفسها وتجتهد بتطوير زراعتها، وتكون حريصة على توفير الطعام وما تحتاجه من لوازم العيش، وما يمكن تسميته بالإكتفاء الذاتي، وهو منهج العائلة في مجتمعاتنا منذ الأزل، وتبدلت في القرن العشرين، عندما عملت قِوى متعددة لتوفير أسباب التبعية والدونية والخنوع، فصار الجوع ديدننا، واحتقار الزراعة مذهبنا.

وتجدنا اليوم، نستورد معظم طعامنا، ونتوسل الآخرين بمساعدتنا على توفير رغيف الخبز.

فهل وجدتم دولة من دولنا تصدر الحنطة والذرة والشعير، وكان عدد منها يقوم بذلك في النصف الأول من القرن العشرين، وفي مقدمتها العراق.

فأين كنا، وأين أصبحنا؟

سيدّعي البعض بزيادة عدد السكان، وهذه أكذوبة، فالصين تطعم ملياراتها البشرية، ونحن نعجز عن إطعام ملاييننا المعوقة بأنظمة حكمنا الجاهلة الساذجة!!

فهل سنزرع لنأكل؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

المسافة بين قرار البرلمان الكولومبي بمنع زواج الفتاة دون سن 18، وبين إصرار برلمان بلاد الرافدين بتعديل قانون الاحوال الشخصية من اجل السماح بزواج الفتيات القاصرات، هي المسافة بين برلمان يحترم المرأة ويحمي حقوقها، وبرلمان تعطل جلساته من اجل العودة بالنساء الى زمن العصور الوسطى . كما ان صورة نواب البرلمان الكولومبي وهم يتبادلون التهاني، تذكرنا بصور لبعض نوابنا وهم يصرخون " لا بديل عن تعديل قانون الاحوال الشخصية ".
كانت مشكلتي، ولا تزال، أنني لا أعرف بماذا يفكر السياسي العراقي، وقبل ان يقول لي صديق عزيز يا رجل بدأت تهذي، فهل هؤلاء ينطبق عليهم لقب ساسة؟، ماذا افعل يا سيدي وانا مهمتي ان اكتب لجميع القراء، وهناك من القراء الأعزاء من يؤمن ان هذا السياسي وحده القادر على حماية طائفته، فيما آخر يعتقد ان هذه النائبة هي الوحيدة التي بإمكانها الاطاحة بالخصوم .
مثلك عزيزي القارئ، أجلس امام الشاشة، اقرأ ما يكتبه البعض عن تعديل قانون الاحوال الشخصية، وأشاهد ما ينشر من كتابات عجيبة وغريبة ضد كل من يعترض على التعديل فأتذكر قاعدة أرساها ألهــر الالماني جوزيف غوبلز، تقول إن الاستمرار في بث الكذب، سيجعل الناس تصدقه على انه حقائق، ولهذا يصر بعض الغوبلزيين، أن يوهم البسطاء من أمثالي، بأن هناك اتفاقا ستراتيجيا تمت صياغته بين الامبريالية وبين المطالبين باقرار قوانين تساند المرأة العراقية، بل ذهب الخيال بالبعض منهم الى القول ان محسن المندلاوي تعرض الى مؤامرة دولية لانه ساند تعديل القانون .
ولا ينسى طبعا ان يخبرنا بان الاحزاب الحاكمة ارادت ان تجعل العراق مثل المانيا، لولا مؤامرات المدنيين والعلمانيين الذين يريدون ان يوهموا الناس ان زواج القاصرات حرام، ولهذا فالضجة التي يثيرها جماعة " نزيهة الدليمي " حول تعديل قانون الاحوال الشخصية " ضجة فارغة " مثل مسرحية المرحوم وليام شكسبير.
بالتاكيد سوف تجد البعض يقول لك : يا عزيزي هذه تشريعات خاصة نريد ان نطبقها على انفسنا، فلماذا انت منزعج ؟، وينسى هؤلاء البعض ان التشريعات توضع من اجل تنظم حياة الناس وحماية حقوقهم، وأيضا ردعهم عندما يتركبون الخطأ . هناك طبعا من سخر من الحملة ضد القانون وكتب في صفحته على الفيسبوك: " لماذا انتم خائفون من زواج الفتاة الصغيرة، الم يحدد التشريع الجديد ان هذا الأمر لا يتم الا بموافقة الاب؟ ".
الغوبلزي الشاطر يريد ان يترك سلطة الاب في مواجهة طفلة صغيرة يتحكم بها حسب مصالحه الخاصة احيانا، واحيانا أخرى يخضع فيها لقوانين العشيرة وتقاليده.
***
علي حسين

من النظريات المعمول بها على المسرح العالمي، أن ليس من مصلحة القِوى العظمى أن تحل أي مشكلة في العالم، بل أن تمسك بخيوطها وتحركها حسب مصالحها.
والشواهد على ذلك واضحة في واقع أمتنا، التي أسلمت مشاكلها للآخرين فاستثمروها أيما إستثمار، فلا توجد مشكلة وصلت لحل وهي على طاولة التداولات العالمية.
فهل بمكنكم أن تأتوا بمشكلة أوجدت لها حلا القِوى التي أحيلت إليها، من مجلس الأمن إلى كافة أروقة الأمم المتحدة والمراكز المهيمنة على الدنيا؟
هل وجدتم مفترسا أسهم بحل الصراعات بين الغزلان، أم وجدها فرصة للإنقضاض عليها.
تناطح أيّلان (أيل) وتشابكت قرونهما، فهاجمهما الأسد لإفتراس أحدهما، وهكذا هي التفاعلات السياسية الممهورة بالطباع الغابية.
"إذا لم تكن ذئبا ذؤوبا...بالت عليك الثعالب"
المشاكل يحلها أصحابها، فهم أعرف بها من غيرهم، الذين ينظرون إليها بعيون مصالحهم، ومن عجائبنا، أن معظم سُراتنا لا يأبهون لمصالح البلاد والعباد، وما يعنيهم الكرسي، والحفاظ على السلطة لحين، مهما كان الثمن باهضا، وقد تجسد السلوك في بلاد الأندلس فأدى إلى ما إنتهت إليه أحوالهم.
فهل لدينا القابلية على مواجهة مشاكلنا والبحث فيها بقلوب سليمة معتصمة بإرادة واحدة، أم أن أية مشكلة تتسبب بتناثرنا، وتحاملنا على بعضنا وإنشطارنا إلى كينونات متناحرة متآمرة على بعضها، ومؤسسة للويلات والتداعيات المتفاقمة.
هذه ظاهرة محيرة في واقع أمتنا المنكودة بنا، فالمفروض أن تكون السياسة أسلوبا للتخلص من المشاكل والتحرر من الأزمات، وليس خلقها وتأجيجها وصب الزيت على نيرانها، والخاسر جميع أطرافها، والرابح الطامع بهم أجمعين.
تحية لمن يرى بعقله ويعمل بيديه، ويمارس سلوك الألفة والأخوّة والتفاعلات الإيجابية بين أبناء أمة عليها أن ترتقي إلى آفاق رسالتها الحضارية الإنسانية.
فهل سنحل مشاكلنا، أم سنبقى نبحث عن حلاّل لها ليوظفها لصالحه؟!!
***
د. صادق السامرائي

 

يبدو أن بعض المجتمعات تعاني من الإحتلال النفسي من قبل قوى طامعة بها، وهو نوع من الإستعمار الناعم الذي يفضي إلى تحقيق الإحتلال العقلي المطلق، ويعني أن عناصر الهدف تحقق بتفاعلاتها القضاء على الهدف، فالطامع لا يخسر شيئا بل يربح كل شيئ!!
وتلعب وسائل الإعلام والنخب والأقلام دورها في تأمينه والتعبير عن تفاصيل مفرداته، وآلياته اللازمة لديمومة الإنقضاضات البينية والصراعات الذاتية، المؤدية إلى تدمير جوهر الهدف وكينونته المادية والفكرية والمعنوية، فيتحول إلى عصف مأكول.
وفي زمن التواصل البشري المباح، تحولت الصور والكلمات إلى أقوى سلاح، فما عاد للممنوع شأنا وقيمة، وذهبت البشرية إلى عالم بلا حدود.
ومن الواضح أن المجتمعات الضعيفة المتأخرة، هي الضحية الدسمة لأدوات الإحتلال النفسي، لتوفر عوامل الخلخلة والتفرقة القاضية بتآكل عناصر الهدف وإضعافها لبعضها، حتى تتهاوى في أحضان الطامعين الساعين لإفتراسها أجمعين.
فالدنيا تبدلت والبشر تغير والعقول إبتكرت ما يعجز عن إستحضاره الخيال المنفلت، وغدت الأرض بحجم شاشة الهاتف النقال.
ويمكن القول، أن أي دولة لا تتناسب أحوال مواطنيها مع ثرواتها وطاقاتها الحضارية، إنما تعاني من الإحتلال النفسي الذي يؤهلها للإنمحاق، والتغني بالمظلومية والتشكي والإعتماد على الآخرين في بقائها وتوفير طعامها.
فالدول الغنية ومواطنوها فقراء، على نخبها أن تفتش عن آليات الإحتلال النفسي الفاعلة فيها، وكيف يُستعبَد مواطنيها، يضخ رؤوسهم بالبهتان والضلال، وبالغابرات والمحال، حتى تجدهم يتبعون وينعقون ويقلدون، وبالسمع والطاعة يترنمون، وعلى بعضهم يتأسدون.
وهنا يستوجب العمل على تنمية الثقافة النفسية، وإستنهاض الوعي النفسي الجماهيري، لكي تتدرع المجتمعات بالواقيات من آفات الإحتلال النفسي الغاشم.
فهل لدينا القدرة على تطهير رؤوسنا من المدمرات؟!!
***
د. صادق السامرائي

يسألونك لماذا تأخرنا، وهو سؤال قد حضر في الواقع العربي منذ القرن التاسع عشر، وأجاب عليه رجالات تفكروا وتنوّروا وشاهدوا وعايشوا أسباب التقدم والإنطلاق، وكان جوابهم صائبا ودقيقا، لكنه ألقي في مزابل الرؤوس العفنة النتنة المظلمة.
وثارت عليهم القوى المتحكمة وأعلنت بقوة إنها البُدعة والمَفسدة والدعوة لإهلاك الأمة، ولو سألوهم وما معنى "طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة"، لقالوا المقصود به علوم القرآن والفقه والشريعة، ولو سألوهم عن " أطلب العلم ولو في الصين"، لقالوا أنه حديث ضعيف وغير مسند، وما إلى غير ذلك من الإدّعاءات.
وفي حينها الحاكم أو الخليفة كان يعتمد عليهم في تثبيت أركان حكمه، فيتبع رؤاهم ولهذا لم يستمع لقول الحق، ومضى في تأكيد قول الباطل.
والعجيب في الأمر لو راجعنا خطابات رؤسائنا وحكامنا في القرن العشرين، فلن نجد ما يشير إلى أهمية العلم والتكنولوجيا في النهضة والتقدم، إلا عند الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين والقليل النادر من الآخرين.
أما خطب الجمعة فمن المُحرم على خطيب أن ينطق بكلمة علم وتكنولوجيا، ومنذ بداية القرن العشرين لن تجد ما يشير إلى ذلك، وإنما هي خطب تثير حماس السلوكيات السلبية، وتؤدي إلى الفرقة والتضاغن.
الدين الذي حسبوا العلم يفسده ويؤذيه، وإذا به يقاتل الدين وينهكه ويفسده، ولا يزالون لا يدركون أن الدين بالعلم يستقيم وينير، ولهذا فأن العلم في بلاد الغرب ما أذهب الدين، بل زانه ورفده بمقومات التفاعل المعاصر مع الناس.
والأغرب من ذلك أن المفكرين والباحثين في مجتمعاتنا أمضوا أعمارهم يكتبون ويبحثون في قضايا لا تمت إلى جوهر العلة وأسبابها الحقيقية، فألفوا مئات الكتب في متاهات التأريخ والدين، وكأن العرب لوحدهم لديهم تأريخ ودين، وأسهبوا في إستحضار أسباب لا نقاقة لها ولا جمل فيما حصل ويحصل، وما فكروا بالعلم وأهميته ودوره في التقدم، وما سعى جميعهم إلى رفع رايات العلم والمعرفة وتأكيدها والعمل بموجبها لكي يتقدم المجتمع.
وإنما هي طروحات تحقق ترسيخها في الواقع لتبرير العجز والكسل والإنكسار والإندثار، وإستلطاف الشعور بالتبعية والدونية والتأخر، ومنع التفكير بأن القدرة على التقدم ممكنة، وسلاح العلم هو السبيل للخروج من الظلمات إلى النور.
ويبدو أن التخلص من عقلية الدوران في فلك التأخر محنة عربية عظمى، لأن البشر لا يقيم وزنا لقيمته وإنسانيته وحقوقه، ويميل إلى التبعية والببغاوية والعاطفية والإنفعالية، التي تراكمت عبر أجيال وأجيال إستعبدها الضلال والبهتان، وصارت تخشى من العلم وترهب التعلم، وتجد في الجهل مرتعا منيفا.
ومن العجب العُجاب أن معظم المفكرين والباحثين قد أغفلوا أن من أهم أسباب التأخر، إهمال إعمال العقل ونكرانه لآليات وكيفيات التفكير الحضاري، التي خبرها جهابذة ورموز العلوم والمعارف العربية، كإبن سينا وإبن رشد والفارابي وإبن النفيس والرازي وإبن الهيثم والخوارزمي وأمثالهم.
ولن تتغير أحوالنا إن لم نتعلم أبجديات العلم ونمارس العلوم في حياتنا اليومية، ونعلم الأجيال ومنذ الصغر مهارات التفكير العلمي وإعمال العقل في الخبر.
فهل سنتعقل ونتعلم ونؤمن بأن العلم مُنقذنا الأمين؟!
***
د. صادق السامرائي

 

الهاتف النقال يستعبدنا، ويستحضر الدنيا على شاشة بحجم كف اليد أو أصغر، وتجد العيون محدقة فيه أينما تولي وجهك، فالعلاقة معه أصبحت إدمانية.
تعجبت، وفرحت عندما وجدت فتاة دون العشرين تقرأ كتابا، ومَن حولها منشدّين للشاشة الصغيرة.
العيون تحدق في الشاشة، في البيت والأماكن كافة، وحتى في السيارة، وأسهمت وسائل التواصل الإجتماعي بزيادة الإعتماد على الهاتف النقال، الذي أصبح مهما وأساسيا للذات الفردية، فإن فارقه الشخص لبضعة دقائق أصابه الرعب والقلق .
وهنا نهض سؤال عن ماهية العلاقة مع الكتاب.
في القرن العشرين وبدايات القرن الحادي والعشرين كانت الناس لا تفارق قراءة الكتب، فتجدهم يقرأون في الأماكن التي يتوفر فيها وقت فراغ، ولا تخلو حقيبة شخص من كتاب.
وما أن حل النصف الثاني من العقد الأول من هذا القرن، حتى صار الهاتف النقال القابض على إهتمام الناس.
الكل يحدق في شاشة!!
الكل يتخاطب عبر الشاشة!!
الناس نسيت مهارات التفاعل المباشر مع بعضها، وأصبحت الرسائل المكتوبة والصوتية وسيلتها المثلى للتفاعل.
عندما تجلس في قاعة إنتظار أو في طائرة أو قطار، لن تجد مَن يقرأ في كتاب، بل الجميع مرهون بشاشته.
تزور معارض الكتاب فتتردد في شراء كتاب، لأنه أصبح عبئا على البيت، وما عاد للمكتبات البيتية قيمة، ومعظمها بعد رحيل أصحابها ترمى في سوح المهملات، وكم من الصور الحزينة تردنا عن مكتبات أفرغت خارج بيوتها.
قال أحدهم: وددت شراء عدد من الكتب، فاحترت في حملها وأين سأضعها، فأحجمت عن الشراء!!
العديد من ربات البيوت يكرهن الكتب، لأنها ستأخذ حيزا في البيت.
فهل أن الكتاب بخير؟!!
***
د. صادق السامرائي

 

نحن نشهد تحولاً عالمياً نحو تبني مفاهيم الاستدامة والبيئة، وبرز مصطلح "التعليم الأخضر" كأحد أهم ركائز هذا التحول. ولكن هل هذا المصطلح مجرد شعار يجذب الانتباه، ام انه ترجمة فعلية لتغيير جذري في منهجياتنا التعليمية؟
مبادرات الجامعات العراقية للمشاركة في حملات مثل مبادرة اليونسكو لتخضير التعليم خطوة جديرة بالثناء، ولكن يبقى السؤال: هل تتعدى هذه المبادرات مستوى الشعارات والاعلانات لتصل إلى مستوى التطبيق العملي على أرض الواقع؟
نحن نتطلع إلى رؤية تغييرات ملموسة في المناهج الدراسية وطرق التدريس، تغييرات تعكس حقاً روح التعليم الأخضر. أين هي المناهج التي تدمج قضايا البيئة بشكل عملي في مختلف التخصصات، من العلوم والرياضيات الى العلوم الاجتماعية واللغات؟ لماذا لا نرى تغييرات جذرية في المناهج الدراسية على الرغم من أهمية القضايا البيئية؟ هل هناك دراسات حالة توضح كيف يمكن اعادة صياغة المناهج لتلبية احتياجات التعليم الأخضر؟ هل يتم تدريب التدريسيين بشكل كاف ليكونوا قادرين على ايصال هذه المفاهيم الجديدة بطريقة فعالة وشيقة ومحفزة للطلاب؟
نتساءل: هل الجامعات جاهزة حقاً لتنفيذ هذا التحول؟ هل لديها البنية التحتية المناسبة والموارد الكافية والمعرفة والأهم من ذلك الارادة السياسية لتحقيق هذا الهدف؟
نحن نؤمن بأن التعليم الأخضر ليس مجرد المشاركة في حملات او مبادرات او حتى كونه اضافة الى المناهج الدراسية، بل هو تغيير جذري في فلسفة التعليم بأكمله. يجب ان يركز على التعلم النشط وذلك بتشجيع الطلاب على المشاركة في تجارب عملية وحل مشكلات واقعية. والاستفادة من الأدوات التكنولوجية الحديثة لتعزيز الفهم والتفاعل مع المفاهيم البيئية، وبناء روح العمل الجماعي وحل المشكلات بشكل تعاوني.
باختصار، نريد ان نرى تحولا حقيقيا في التعليم، تحولا يجعل من خريجينا روادا للتغيير البيئي، قادرين على بناء مستقبل أكثر استدامة لنا وللأجيال القادمة.
دعونا نسأل أنفسنا: هل نحن جادون في تحقيق هذا الهدف، ام ان مبادراتنا ستبقى حبرا على ورق، وفعاليات شكلية لا تغير من الواقع؟
***
محمد الربيعي
بروفسور متمرس ومستشار علمي في جامعة دبلن

 

هناك طرح على الساحة الإسلامية حول القرآن الكريم وكيفية فهم آياته عن طريق التفسير أو التأويل أو الشرح علما أن الله تعالى ذكر في كتابه آيات توضح فيها منهجية فهم القرآن منها (أنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون) سورة يوسف 2 و(كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون) سورة فصلت 3 وكذلك (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين) سورة النحل 89 و(ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين) وهذا التبيان الواضح والمعاصر والمتغير في كل عصر ومكان فقد أختلف رجال الدين في عصرنا الحاضر هل فهم القرآن يحتاج شرح أو تأويل أو تفسير لمعرفة ممارسة طقوس وشرائع وعقيدة ديننا الإسلامي لذا علينا معرفة كلتا الكلمتين 0 التأويل والتفسير) أولا .
معنى التأويل: هي إرجاع الشيء إلى أصله أو العودة إلى أصل الكلمة أو التحري عن أول الكلمة ومعناها ولا يعتمده إلا من أحاط بالحوادث والوقائع كون جذر الكلمة بالعربية هي (أول) وقد ذكرت هذه الكلمة (التأويل) في القرآن في عدة مواقع منها سورة يوسف ستة مرات وسورة الكهف مرتين والفرقان والنساء ويونس تبين من خلالها معرفة البعض من الناس أو المختارين من الله وبقدرته على أحاطتهم بالأمور الغيبية وإرجاعها إلى الأصل كما حدث مع يوسف وموسى والرجل الصالح عليهم السلام أو عن طريق النبي محمد عليه الصلاة وأفضل التسليم كما قال الله تعالى وعلى لسان نبيه (... منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم) فالتأويل منوط بالله تعالى ومن الذين أختارهم الله لمحدودية علم الإنسان بوقائع والأحداث الغيبية ومعرفة أسرار الكون وعلومه .
معنى التفسير: فقد ذكرت في القرآن مرة واحدة حيث قال الحق (ولا يأتوك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا) الفرقان 33 ولو رجعنا إلى جذر الكلمة (فسر) أي أبان وكشف المغطى أو أظهر المعنى المعقول أو أخراج النص من حيز العبارة إلى اللغة العربية والأعراب لإيضاح وتبيان العلة من الكلمة أو النص لاستخراج الحكم والحكمة والدلالات والغايات وأسباب النزول وبيان مرادها أن معنى التفسير هو الأرجح من علم التأويل لمعرفة آيات القران الكريم ومرادها.
فمن خلال الثورة التنويرية الثقافية والفكرية خارج نطاق المنظومة الفكرية القديمة التي علاها غبار الزمن ومحدوديتها علينا أعادة صياغة التفسيرات القرآنية وآياته متعاضدين مع بعضنا البعض لمصلحة الدين والعقيدة الإسلامية وبتضافر الجهود للعقل الجمعي هو السبيل الوحيد لديمومة الفكر الإسلامي الصحيح وفسح المجال لكل متنور ومفكر من الجيل الجديد في وضع لمساته الفكرية على الساحة الإسلامية للخروج من قيود مئات المفسرين منذ أكثر من ألف وأربع مئة سنة مضت لكي لا نصبح أمة متكلة على عقول غيرها في البحث والتفكير والاستنباط حيث أصبحت عقولها جاهزة للعمل الفكري للخروج من قوقعة محدودية التفكير ومتقوقعة على نفسها مما جعلها فريسة للأفكار المنحرفة والضالة .وإلا كيف لأمة تعدادها أكثر من مليار ونصف المليار مسلم تأخذ أصول دينها وأحكامه وحكمه وتعاليمه ومعرفة علومه من قبل حوالي قرن ونصف وما زالت فهل الخلل في النظرية أم أتباعها أكيدا في أتباعها لأنهم أضاعوا سبل المعرفة وأدواتها وحاربوها وقطعوا السبل للوصول إلى الحقيقة لمراد السماء والدين الإسلامي وكذلك الخلل عندما وصل الحال بهذه الأمة في احتكار مفاتيح الوصول إلى كيفية فك رموز طريقة دراسة وفهم معاني القرآن الكريم ولو كان العمل على طريقة المثل الياباني (لا تعلمني كيف آكل السمك بل علمني كيف أصطاده) لكان خيرا لهذه الأمة في تطوير نفسها وتأثيرها على غيرها من الأمم.
***
ضياء محسن الاسدي

 

قال البحتري"إن جيد أبي تمام خير من جيّدي، ورديئي خير من رديئه"!!
فليس كل ما يقوله الشاعر جيدا أيا كان مقامه، بل يندر ذلك، ويكون الرديئ أكثر لميل الشاعر إلى النظم في أغلب الأحيان.
فالمديح والهجاء والرثاء والوصف والغزل في معظمها نظم، وربما يكتب الشاعر عشرات القصائد ليصل إلى ما يريد قوله بشعر جيد ومتميز، ولهذا تجد العديد منها تتراكم فيها الأبيات لتصل إلى بيت أو أكثر ممتاز الصياغة والتعبير.
ومما يثير الإستغراب أن معظم النقاد يعممون رؤاهم، فيحسبون ما يكتبه أحدهم رديئ وما يأتي به آخر جيد، ولا يفرقون بين المكتوب ويكون الإسم غالبا.
وبموجب ذلك تسيطر على الواقع الثقافي أسماء معدودة، والأجيال تكون مرهونة ببعض الذين إكتسبوا مقامات معينة، حتى توهمت بأنها لا تستطيع الخروج من أروقتهم المتمادية بالقبض عليهم.
ظاهرة الإرتهان بالماضيات، والذين رحلوا تهيمن على الوعي الجمعي، وتتسيد على مناحي الحياة المتنوعة، فتجدنا في محنة التقيد بما مضى وما إنقضى، وتدخلت عوامل عقائدية وعاطفية في نشاطاتنا فحولتنا إلى موجودات متوحلة بطين الغابرات الشديد اللزوجة.
ولهذا أصبحنا لا نبصر بواقعية وموضوعية، ونتوهم المثاليات المتخيلات، وأمضينا العصور نطارد السراب ونحسبه ماءً فراتا.
فالشعر فيه الجيد والرديئ، والجميل والقبيح، وخصوصا في الزمن الذي تمشعرت به الكتابات، وصارت منثورة على السطور، وتحمل هوية الشعر، بلا ملامح ولا مميزات، فأطلق القول على عواهنه، ونادي أنه الشعر، وهم يؤولون ويدّعون بأنهم يقرأون المبهم الغامض العنيد.
إنه الشعر، فلماذا الكلام الخارج عن سياق السائد المقبول؟
الإرث الشعري للأمة هذيانات، وخربشات على إيقاعات حوافر جمل، ونبضات قلب في خيمة تهزها رياح الصحارى وتغزوها رمال الفلوات.
فاكتب ما هو جديد، ومستورد من بلاد الأجانب الذين يصنعون كل شيئ، ولا نعرف صناعة شيء!!
والرحمة على أساطين الشعر الخالدين في مروج الذوق السليم، ولنصفق لكل متشاعر يحدثنا بمفردات مجتمعات الآخرين!!
***
د. صادق السامرائي

 

علاقة الأرض بالبشر أزلية وذات إيقاع متكرر ومتشابه، وتستعين عليهم بالأوبئة بأنواعها كلما سئمت من كثرتهم، وعلى مدى قرون عديدة حافظت على نسبة بشرية تستطيع أن ترعاها وتكفل حاجاتها للبقاء، وما بلغت أعداد البشر أكثر من مئات الملايين في معظم العصور، وعند إطلالة القرن العشرين كان العدد دون البليونين، وفي الحرب العالمية الثانية كانوا أقل من ثلاثة بلايين، وفي مطلع النصف الثاني من القرن العشرين، تمكن العلم من توفير اللقاحات التي قللت نسبة وفيات الأطفال ومنعت إصابة الكبار، إضافة إلى الثورة الدوائية وفي مقدمتها المضادات الحيوية، فتسارع نمو البشر وإزدادت أعدادهم بإضطراد غير مسبوق، وسيتجاوز الثمانية بلايين.
فهل تتحمل الأرض هذه الأعداد المتزايدة؟
هل ستطعمهم وتسقيهم وتسعدهم وتغنيهم؟
إن للأرض إرادتها وقوانينها وأساليبها للحفاظ على وجودها، فهي لا تغامر بمصيرها، وعندما تتعلق المسألة بديمومة وجودها، فلا تعرف الرأفة ولا الرحمة، وإنما تتحول إلى وحش فتاك.
ويبدو أن إرادة الأرض فاعلة في لا وعي البشر، وهي التي دفعته إلى إبتكار ما يفنيه ويقضى على النسبة العظمى من نوعه.
فالأسلحة ذات التدمير الشامل بقدراتها المتنوعة من النووية وما بعدها، وكذلك القدرات البايولوجية، التي كانت تستخدمها الأرض صار البشر يستحضرها، كما أن العدوانية تنامت، وصار البشر يخشى البشر، مما يعني أن طاقات التماحق أخذت تنبثق وتتفاعل، بعد أن توفرت الأدوات اللازمة لتنفيذ تطلعات البغضاء والكراهية والعدوان الشرس على الإنسان والبنيان.
ومن المرجح أن تعود الأرض إلى ما كانت عليه عند مطلع القرن العشرين، أي أن عدد البشر على ظهرها سيكون قليلا لكي تتحمل أعباء معيشتهم، وسعيهم الآمن فيها.
فكيف ستحقق الأرض هدفها؟
إنها ذات آليات متنوعة ومؤثرة، وستستهدف الهدف بعناصره ليتمكن من تنفيذ إرادتها، أي أنها ستسخر البشر للقضاء على البشر، وهذا ليس ببعيد، فالدنيا قاب قوسين أو أدنى من إطلاق ما يلغيها ويفنيها في لمحة بصر.
فهل ستنتصر علينا الأرض؟!!
***
د. صادق السامرائي
13\8\2022

 

المبدع أكثر تأثراً بما يسمعه وما يقرؤه، ولذلك هو مبدع يحمل مشاعره على رموش عينيه، وينتظر كلمة إنصاف أو كلمة نقد تأتي من مخلص للمبدع والإبداع، ولكنه لا يتوقع أن تأتيه كلمات على غير موعد لتوجع مشاعره، وتوجع أصدقاءه الذين يعرفون قيمته ومكانته في عالم مكتظ بأقلام الرصاص الطائش في بعض الأحيان.
يبدو المبدع اليوم أكثر ابتعاداً عن أخيه المبدع، فالمثقفون والمبدعون بمختلف صنوف الإبداع يعيشون في غرفٍ انفرادية يستنشقون أنفاسهم ذاتها، ويعيدون السلام على أنفسهم كل صباح، وحين يحاول أحد المبدعين – وغالباً من الشباب – أن يوطد أواصر الصداقةِ مع صديق له في الإبداع تجدهما يتحدّثان في كل شيء إلا التمحيص والتدقيق في مقتضيات الإبداع وموجباته، ولربما عُمل على هذا الشيء من الداخل قبل أن يكون من الخارج، فلقد شعرت السياسةُ دوماً أن الإبداع عدوٌّ لها فلجأت إلى تدجينه، أو عزله حتى صار صوت المؤسساتِ الثقافية اليوم صوتاً ناشزاً، وصارت كل كلمةٍ ينطق بها أحد أبناء هذه المؤسسات، تستدعي الهمس حول الأسباب والنتائج والجهات (المختصة) التي وجّهت هذا الكلام.
احيانا - يُكثر المبدعون من الانغلاق على آرائهم، ويكتفون بما تعلموه خلال سنوات دراستهم الجامعية،. فلا يبحث المبدع عن تجارب جديدة سواء في الموضوع أم التكنيك ويكتفي بما هو عليه لتجده بعد فترةٍ قصيرة يقع في مشكلة التكرار الممل والاجترار الواضح في آرائه، وربما يعود ذلك إلى الثقة الزائدة التي يمنحها لنفسه، كما أن الكسل يكون مردّه إلى انعدام الدعم من أي جهةٍ مسؤولة ومختصة لأي خطوة إبداعية مهما كانت أهميتها، ما يورث في قعر نفس المبدع – الحساسةِ أصلاً – شكلاً من أشكال اليأسِ في تحفيز نتاجه وتحريض حسه الإبداعي للهاث وراء المناصب ونيل المكاسب، يدفع بالعملية الإبداعية ككل إلى الخروج من متاهة الغرف المغلقة، ويجعلها أكثر انفتاحاً تجاه نقاء الثقافة ودورها المجتمعي الخالد، يُذكر أنه قد أنشئ سابقاً المجلس الأعلى للآداب والفنون ووضعت ميزانية خاصة لمشروع التفرغ للفنانين، وهناك قلادة الإبداع الذهبية تمنح للأدباء والفنانين والرياضيين والمبدعين، تقليداً أرسته مجموعة الاعلام العراقي المستقل وقناة الشرقية من اجل الاخذ بيد المبدعين الى مبتغاهم وتحقيق غاياتهم، التي هي رافد لديمومة الحياة بطيفها العراقي الوطني الاصيل، وبعيدا عن السياسة وحياة الاحزاب والطائفية، اوجدت هذه القلادة وما يترتب عليها من امتيازات قلادة الابداع الذهبية، لتكريم مبدعين عراقيين ارتبط عطاؤهم بهموم شعبهم وعبروا عن معاناة بلدهم وكرسوا حياتهم للوفاء الى وظيفتهم الابداعية، التي يضطلعون بها لأجل تحقيق أهداف وطنهم النازف واحلام فقراء شعبهم، وتكثر الأفكار التي نستطيع من خلالها إعادة ربط العلاقة بين الفن والإبداع والمجتمع، ويشعر الكثير من شباب العراق بأن مواهبهم وإبداعاتهم تعاني الإهمال من الجهات الرسمية، غير أن بعضهم قرر أن يتحدى هذه الظروف ويخطط لمستقبله دون انتظار دعم الحكومة، ومسيرة البحث العلمي في البلاد بطيئة لدرجة التجمد، خاصة في مجال دعم البحوث والمؤلفات
الإنسان لديه رغبات ومنافسات ومخططات لها هدف في تحقيق التقارب والتعاون والمحبة والقبول بين الآخرين وذلك من خلال الالتزام بالقوانين والأنظمة الاجتماعية، أما إذا تحول التنافس إلى نوع من الانتقام والخصومة والحقد والحسد والنيل من الآخر على حساب تحقيق مصالح شخصية فقط فهذا الأمر لا يعتبر تنافس إيجابي بل يؤدي إلى تفكك الأسر والأفراد وانتشار الآفات، نتيجة عدم وضع حدود معينة تغرض للتعزيز ثقافة الاختلاف الذي تؤدي إلى احترام وقبول الأطراف الأخرى حتى ولو حدث هناك خلاف بين طرف مبدع وآخر من ناحية فكرية، وثقافية، ودينية، وغيرها من نواحي أخرى، الحقد والحسد الناتج عن التنافس السلبي يدمر التماسك الاجتماعي ويقود إلى إثارة العنصرية والعنف النفسي، أن من السهل جدا أن يحمل الفرد في القلب الخاص به الضغينة والأنانية تجاه من يتنافس معه في مجال معين، ولكن من الصعب جدا أن يتحلى بالثقة بالنفس وعدم الخوف من جهة أن يكون شخص عفوي ومتسامح مع من يختلف معه في فكرة أو قناعة، فمن هنا يتفادى الإنسان إشعال الخصومات والنزاعات،، وننصح كل مبدع أن يتعامل بمسؤولية مع هذه الخلافات والمنافسات السلبية، والمقصود بالتعامل بمسؤولية هو أن لا يتم أستخدام أسلوب التسقيط تجاه الطرف المنافس، فإن التنافس القائم على التسقيط وتشويه السمعة يؤدي إلى إثارة الفتن والكراهية بالنفوس البشرية، بمعنى آخر أن الإنسان مطالب بأن يتقيد بالمبادئ والقيم الاجتماعية والإنسانية السامية، وذلك من أجل أن يعطي انطباع إيجابي تجاه البلد أو المنطقة أو القرية التي يعيش فيها، ابعدوا الفساد الثقافي ا لمتسبب في غياب النقد العلمي الموضوعي، وتحويل النظر عن أصحاب المواهب لأجل إرسالهم في بعثات علمية للدراسات العليا لمنحهم مزيداً من الكسب المعرفي لتحفيز إبداعهم، ما يجعلهم رواداً حقيقيين للنهضة الإبداعية فتعود ثقة الجمهور بهم وبفنهم وتعود حالة الاحترام للفن والفنانين والنقد والنقاد، وتكتمل حلقة الوصل بين المبدع والجمهور.
***
نهاد الحديثي

الموجودات تتفرق، وتتعدد وتنقطع عن ذاتها وجوهرها البَذْرَوي وتتحول إلى عدوٍ لمبتدئها، وتنتشر وتغيب وتتحقق وفقا لما فيها من القدرات المدفونة.
وهذا ينطبق على الأفكار والرؤى والتصورات، والعقائد والأحزاب والحركات والأديان، وكل تفاعل جمعي أو فردي في ربوع الحياة.
وعلة ذلك أن الدوران يفرض قوانينه ويؤكد حتميته، وما ستؤول إليه المكوّنات القائمة في وعاء الدوران، وآليات تمازجها وإنطلاق ما فيها من المحتويات المكنونة.
ولا يوجد حزب أو حركة أو دين، إلا وأنجب ما يُعاديه من الطاقات، التي تسعى للتعبير عنه بما يناقض كنه ما فيه من الصيرورات، ولهذا فأن مسيرة المعتقدات إلى تفرق وتنافر وتجاذب وإصطراع، ولن يهدأ لها بال، ما دام الدوران هو القانون المتحكم بالموجودات.
تلك طبيعة ما يدور، ومصير المحصور في وعاء مغلق يتقلب على نار ذات لهب، حيث يتحقق الإنطباخ والطهي المتواصل للعناصر والمواد المتراكمة في الوعاء، مما يؤدي إلى تقديم طبخاتٍ جديدة كل يوم، وبإختلاف الليل والنهار تتأكد حتمية التجدد والتبدل، والتفاعل المتغير في بواطن الأرجاء.
ووفقا لقانون الطهي الأرضي فأن وجبات الأجيال لا يمكنها أن تكون واحدة وبذات المقادير والمواد، وإنما لكل جيل وجباته المختلفة عن الأجيال السابقة واللاحقة، وهذا يعني أن العقل لا بد له من الإعمال لكي تتأكد الرسالة التبدلية، والنهج الطهيوي لكل موجود.
أي أن القبول بوجبة أجيال سابقة تتسبب بتسمم وجودي وتقيؤ حضاري، وأمراض إنهيارية ذات تراكمات تدميرية وتواشجات تخريبية، لأن في ذلك تعطيل للعقل وتدمير للمسيرة الصاعدة إلى كنه ما فيها من المعلومات، والمجهولات والتأينات النفسية والسلوكية والفكرية، مما يحتم المراجعات والمُدارسات والتنقيحات والتحريرات الضرورية للمواكبة والتمسك بحبل السرمد.
وعليه فأن القول بالجمود الذاتي والموضوعي، يُعدّ إنتحارا معرفيا ووأدا عقليا، وخلعا لرأس الحكمة وطمرا لطاقات الكائنات الساعية نحو برهان التداني من علم اليقين، مما يصيب السيل الخلقي بإصطرابات المشية وتعثر المسير، حتى لتتساقط الحياة في حفر تتناهبها الظلماء.
ومن هنا فالإجتهاد من ضرورات البقاء، والقراءة المعاصرة لأي نص من حتميات التلاقح والتناضج والتعاصر، والتواكب مع مفردات الزمان والمكان، وعدم الإنقطاع عن أفياض التداخلات الولاّدة المقتدرة الساعية لإنجابٍ أصيل يختزن إرادة مواليد.
فهل أن العدو الذاتي نافع ومفيد؟!!
***
د. صادق السامرائي

 

القوة الفاعلة فينا عبر الأجيال ومنذ قرونٍ عديدة، أننا لا نرى الواقع الذي نتحرك فيه، وإنما نتصوره . وهذه الآلية التفاعلية ضاربة في أعماق وجودنا، ويمثلها بوضوح وبتفاصيلها (قيس بن الملوح)، أو (مجنون ليلى)، الذي ما كان يرى (ليلى) على حقيقتها البشرية، وإنما يتصورها.
فليلى العامرية إمرأة عادية، ولم يُذكر بأنها ذات صفات مميزة أو جمال خارق، لكنها في نظر مجنونها شيئ آخر، يمثل روح الحياة وجوهرها.
وما كان يراها بآدميتها، وإنما كما تضفيه عليها خيالاته، فهام بها وإنتهى إلى عواقب الهيام الخيالي.
وهذه التفاعلات تمليها الهرمونات الذكرية في الرجل والإنثوية في المرأة، فتؤثر على العُصيبات الدماغية وتشحنها بما يتسبب بسلوكيات متوافقة معها.
كما أن لها سطوة جينية في صياغة النهاية السلوكية، لمتوالية التواصل ما بين الطرفين المشحونين بالعواطف.
إنها ديناميكية تفرض وجودها على أيامنا، وتتسبب بكوارث وتداعيات على مختلف المستويات والنشاطات، ولهذا تجدنا من أعجز المجتمعات على حلّ مشاكلنا، وأضعفها في مواجهة التحديات، لأننا نحلق في فنتازيا إفتراضاتنا، الناجمة عن تصوراتنا المتحركة في غياهب البعيد.
وهي من أهم الأسباب التي أدّت إلى فشلنا في إقامة نظام سياسي يخدم مصالح المواطنين، ويضع الأسس الصحيحة لإنطلاقة حضارية واعدة للأجيال.
فهل لنا أن نعي ما نتصور، ونتفاعل مع واقع قائم يمتلكنا؟!!
***
د. صادق السامرائي
21\9\2021

 

لعلها من المرات النادرة التى يبدو فيها نائب رئيس الجمهورية السابق خضير الخزاعي صادقا وهو يتحدث عن ما جرى في العراق من انتهاك لسيادته .. حدث ذلك في اخر ظهور للسيد الخزاعي على الفضائية العراقية حيث اخبرنا بكل اريحية انه اخذ موافقة من رئيس السلطة القضائية في إيران من اجل تنفيذ حكم قضائي اصدرته محكمة عراقية .. لا اريد ان ادخل في التفاصيل، فالبعض ربما يتوهم انني ادافع عن الشخص الذي صدر ضده حكم الاعدام، او لا سامح الله يتهمني بالاساءة للقضاء العراقي، لكن السيد خضير الخزاعي هو من اخبر العراقيين انه ذهب إلى طهران برفقة وفد حكومي كبير من أجل الحصول على إذن بصحة صدور حكم إعدام ضد احد رجال النظام السابق .
لم يكن حديث الخزاعي زلة لسان كما سيتوهم البعض، فالرجل كان يتحدث بكل ثقة وهو يرد على أسئلة مقدم البرنامج، وقد اكتشفنا انه استطاع ان يهدي مجاميع كبيرة من العراقيين، فالرجل يخبر مقدم البرنامح ان معظم الذين كان يلتقي معهم يؤمنون بافكاره، والسبب لانه " خوش ادمي "، لكنه بالمقابل رفض ان يعمل طالب ماركس معه، لان الماركسي لا يعجبه .
كنت ضمن الذين كتبوا عن خضير الخزاعي " الخوش ادمي "، داخر الحركة اليسارية، ايام كان وزيرا للتربية وبعدها نائبا لرئيس الجمهورية، فالرجل خطط لفصل البنين عن البنات في المدارس الابتدائية،، وكان أول مسؤول عراقي يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، حين يرى معلمة غير محجبة.. واتذكر كيف خرج علينا ذات مساء ليقول : "انه لا يسعى للمنصب لكنه تكليف شرعي وعليه تنفيذه"، وفي ذلك الوقت حين واجه ترشيحه لمنصب نائب رئيس الجمهورية، اعتراضا من بعض الكتل السياسية رفع إصبعه محذرا الجميع من أن عدم وجوده في المنصب سيجر البلاد إلى مزالق الخطر ويطيح بالعملية السياسية، كان الخزاعي حريصا ان يهدي العراقيين الى طريق الفضيلة اوكيف يمكن اخراجهم من عصور الجاهلية، وقدم لهذا الشعب ذات يوم نصيحة ذهبية عندما قال ان الاحتجاجات والتظاهرات مضرة ولا تجدي نفعا، لان العراق بلد فقير وان الحكومة لا تملك الأموال اللازمة لتحقيق كل ما يصبو إليه المواطنون الذين لو خرجوا كلهم، حسب قوله، فان أي شيء لن يتغير.
حتما لم يتغير شيء نحو الأحسن، لكن احوال خضير الخزاعي تغيرت كثيرا، فالرجل عاد الى بلده كندا وهو يحمل في جيبه راتبا مليونيا، وامتيازات واموال المدارس الحديدية، ومشاريع وزارة التربية الوهمية، وقد اخبرتنا لجنة النزاهة البرلمانية فيما بعد ان مشاريع المدارس الحديدية نهب منها ما يقارب الربع مليار دولار عدا ونقدا. وعاش "الخوش اوادم".
***
علي حسين

إستهلك: إستنفد، أفرغ
مجتمعاتنا لم تنتج أصيلا، وإستحضرت ما أنتجه الآخرون، وتوهمت بأنه يتوافق ومسيرتها المعرفية وإرثها الذوقي والإدراكي.
وإنطلقت مفاهيم غريبة منذ بدايات النصف الثاني من القرن العشرين، لا تزال بعيدة عن التمثل والقبول والإنهضام، وتحولت الإبداعات بأنواعها إلى كينونات صومعية نخبوية منقطعة عن نهر الأجيال الجاري من منابعه الدفاقة المعطاء.
إستنساخات وإستحضارات لأساليب ونتاجات وليدة واقعها الإبتكاري الصناعي التكنولوجي، المتسارع الإضافات والمؤسس لآليات حياتية تستدعي التناغم معه، ومواكبة كينونته الفيحاء.
أنماط إبداعاتنا المتنوعة أصيبت بوباء الحداثة الضبابية المشوهة البهماء، فغدت تخاطب القلة المتوهمة بالجديد، المعبأ بالغموض والرموز والإبهام الثقيل الداعي للنفور والإهمال، وعدم الرجوع إلى منطلقات الذوق المتوارث السليم.
وتجدنا أمام الإصدارات المركونة على الرفوف أو أرصفة الطرقات، وبعضها في سلال المهملات، وأصحابها يتصورون بأنهم أبدعوا الأصيل، وما سطروه إضطرابات أفكار وهلوسات يراع مألوس، يقبض على وهم الحداثة والتجدد وكأن الإبداع سيل كلمات وركام عبارات.
لو تصفحنا ما يسود على صفحات التواصل الإجتماعي، لتبين أن ما يسمى بالحداثة لا مكان له إلا فيما ندر، وتطغى على المنشور إبداعات متعارف عليها منذ قرون.
فهل يمكن مقارنة ديوان كعب بن زهير أو غيره بما يسمى بدواوين الحداثويين؟
لماذا بقيت دواوين الغابرين، وماتت دوواوين المعاصرين قبل موتهم؟
إنها معضلة الذوق السليم المتوارث المكين!!
***
د. صادق السامرائي

 

يمتاز العراقيون بمهارة التعامل مع المفردة من حيث وضعها في المكان المناسب والمؤثر يضاف الى دقة دلالتها وصواب تشبيهها ، ومن بينها العبارات التي يطلقونها عند مغادرة من هو سيء الاخلاق والسلوك والذي اجبرت الظروف على معاشرته فيقولون وراءه (روحه بلا رده) تعبيرا عن شدة البغض له وثقله خلال وجوده بينهم ، وكذلك في التعبير عن فرحة الخلاص لمثل هكذا شخصية بقولهم (أذب وراه سبع حجارات) أما لماذا يرمي خلفه سبع حجارات فهو أمر يبين به زيادة التفاؤل بعدم اللقاء به مرة أخرى باعتبار الرقم سبعة مبارك في الثقافة الشعبية العراقية ، وحينما يغادر الشخص الثقيل يقال وراءه (دفعة مردي وعصاة كردي) وتستعير العبارة عصاة الكردي لقوتها ذلك ان الرجل الكردي يصعد بها جبال و ينزل سهول فينضرب بيه المثل على القوه . اما الرجل غير المرغوب بصحبته فعندما يعتذر عن مصاحبة الجماعة يقال له (خفة وراحة)، ومن أجل ان لا يلقى أمثال هؤلاء هذه العبارات الشامتة تقوم الكاتبة احلام مستغانمي بتوجيه النصيحة لمن أصبح وجوده ثقيلا وكريه اللقاء:
قل وداعا
حين تشعر ان المكان لم يعد مكانك
وان اللحظة ثقيلة وانت معهم
وللشعراء ايضا حصة في توديع الرجل السيء ، فبعد نكبة الفضل بن مروان على يد الخليفة المعتصم الذي جعله وزيرا لكنه استبد بالأمور وكان الفضل مذموم الاخلاق لذا شمت به الناس حتى قال بعضهم فيه مودعاً:

لتبك على الفضل بن مروان نفسه
فليس له باك من الناس يعرف
*
الى النار فليذهب ومن كان مثله
على أي شيء فاتنا منه نأسف

الكثيرون من الذين دخلوا حياتنا عنوة وعبثوا بمستقبل اجيالنا يستحقون مثل هذا التوديع او حتى لا يستحقون شرف الوداع .
***
ثامر الحاج امين

منذ الصبا ويرددون على مسامعنا: "الجهل والفقر والمرض"، "وحدة حرية إشتراكية "، وغيرها، وأنظمة حكمنا طغيانية ذات غلو، وتوفر للغزاة أسباب النيل من وجودنا الوطني والإنساني، وتدعي بأنه الإستعمار، وهو القوة التي تساندهم وتثبت أركان حكمهم، مقابل الحفاظ على مصالح الطامعين بالبلاد والعباد، وعلى أحسن وجه وتمام.
ترى لماذا دول ثرية ومواطنوها في حرمان وقهر بالفقر والعوز ومعاناة شظف العيش، والتفكير بالهجرة إلى بلاد الآخرين؟
في مجتمعاتنا تسود الإستحواذية العائلية والفئوية والحزبية وتتحكم بثروات البلاد، وتحسبها ملكها المشاع، ولديها حرية التصرف بها، فتجد في بلدان النفط أشخاص أثرياء أرصدتهم بالبلايين الراقدة في بنوك أجنبية، ويعيشون ذروة البذخ والثراء، وهم قلة قليلة تكنز النسبة العظمى من الثروات الوطنية، وعامة الشعب في مآزق الفقر والتضور من قسوة الأيام، حتى أن العديد من أبناء البلدان يسكنون في أكواخ ويعتاشون على مزابل الأثرياء الذين لا يرحمونهم.
وتعقدت الأمور يتشجيع السلوكيات المؤدينة والتحزبات المتطرفة ذات الغلو الفاضح، الساعية إلى التكفير وسفك الدماء وفقا لفتاوى ذوي العاهات النفسية، المتاجرين بالدين القويم، والداعين للتجهيل والحرمان من حقوق الإنسان، التي سينالها المنكوبون في جنات النعيم، والمنبريون يرفلون بالرفاهية ويكنزون الذهب والفضة ويسكنون القصور، ويركبون السيارات الفارهة المصنوعة في بلاد الكافرين، كما يتصورون ويدعون ويضللون ويسوغون الحياة المأساوية للناس من حولهم.
ثلاثيات متنوعة، وما تمكنت الأجيال من التحرر من أصفادها، بل أمعنت في تأكيدها وتطويرها والتفاعل معها على أنها أمر ضروري للحكم وإستلاب البلاد وتخنيع العباد.
تأملوا الرعاية الصحية والتعليم ومستويات المعيشة في بلدان الثراء النفطي، وكيف يتبجح السراق والفاسدون، ويحسبون ما سرقوه رزقا من ربهم الذي يرزق بغير حساب، وهم لا مسؤولية عليهم لمساعدة مَن لو أراد ربه لأطعمه.
الدين تجارة مربحة، والفقر من أهم وسائل الحكم، والجهل من ضرورات السمع والطاعة، والمرض يساهم في منع المواطنين من التفكير بحقوقهم، ويفقدهم القوة على التعبير عن إرادتهم، ولهذا فالثلاثيات تتعدد وتترسخ وتتوالد، ما دامت الكراسي متسلطة، ومؤيدة بالأقوياء من ذوي المصالح المنشودة.
فلماذا لا تتحدثون عن الخير والسعادة الوطنية، أيها المتهكمون؟!!
***
د. صادق السامرائي

 

الذين يكتبون الشعر يعيشون وهْمَ الإتيان بجديد أصيل، وكأنهم يتغافلون عن حقيقة أن الشعراء عبر العصور قد أمعنوا في الإبداع بكل شيئ، وبلغوا ذروة التعبير الجمالي والتصويري والإيقاعي.
وما تركوا للأجيال اللاحقة ما يمكن قوله، فلن تتفوق عليهم في أغراض الشعر المتعارف عليها، ولو تفاخرت بالحداثة وما بعدها وما قبلها، فقد أجادوا بقوة وقدرة لا يمتلكها أبناء عصرنا وما بعده، ذلك لتبدل أساليب الحياة وتوفر الوقت والأجواء اللازمة لذلك الإبداع الشعري الخلاب.
فالتنافس بين شعراء اليوم لا طائل يرتجى منه، ولن يصل الواحد منهم إلى حالة تفترب من أولئك الذين غمروا الحياة بإبداعاتهم الفياضة.
وكأن القرن العشرين، كان خاتمة المطاف، فلن تنجب الأمة في القرن الحادي والعشرين من يستحق تسميته بشاعر، لأن ما يكتب لا يتوافق مع إيقاع الزمان.
البعض يكتب عن الحب ويمزج الأساطير والتراث وغير ذلك من الأساليب، لكنها مكررة ودارجة ولن تضيف شيئا إلى الوعي المعرفي والتذوق الشعري.
فالمشكلة التي يغفلها الذين يكتبون الشعر، أن عليهم أن يتواصلوا مع الأغراض الشعرية، التي يمليها القرن الحادي والعشرين.
أي أن التجديد الحقيقي يجب أن يكون في أغراض الشعر، وليس في الصور الشعرية والإيقاعية والجمالية، فهذه قد أستنفذ مفعولها ودورها، وتصلح للقرن العشرين في خمسينياته وستيناته.
فالبشرية في عصر آخر، على الإبداع أن يستوعبه ويتمثله ويعبر عنه بدقة وإخلاص.
فلا قيمة للكتابة عن الحب وبث العواطف والبوح الإيروكي، وما يتصل به، ولا قيمة للرثاء والعويل والبكاء على الأطلال، والمديح والقديح والغزل بأنواعه.
فالشعر فقد دوره ومعناه وأغراضه التقليدية التي لا زلنا نتمسك بها ونستحضرها.
ويبدو أن الشعر عليه أن يكون وثائقيا، يصور أحداث هذا القرن، وأن يتفاعل بآليات ومهارات، علمية إقناعية ذات قيمة تنويرية تساهم في نقد الوعي الجمعي، بما يعينه على صناعة التيار الثقافي اللازم للمواكبة والتغيير.
أما التوهم بأننا نكتب شعرا لا يقترب منه عصفور، فهذا سلوك هروبي وتزعة لتعجيز الأجيال وإخمادها، وتضليلها بأن العبث إنجاز واللهو جد وإجتهاد.
إن الأمة بحاجة لشعر يفجر طاقات الروح ويبني إرادة التوثب والإقدام، ويكون إيجابيا في بناء النفس المتعافية من آفات وشرور الإذعان والبهتان.
وعلى الشعر ان يكون مسطورا بحروف من نور!!
***
د. صادق السامرائي
9\8\2021

عرفت البشرية عبر مراحل متعددة من تاريخها السياسي فنون عديدة من وسائل التعذيب التي استخدمها الطغاة على مدار التاريخ، حيث تفنن الطغاة والسفاحون باستخدام وسائل القتل والتنكيل والتمثيل بضحاياهم، ومن أقبح هذه الوسائل هو الخازوق الذي يمثل أشنع وسيلة تعذيب وإعدام عرفها العالم والتاريخ والتي ابتكرتها الأنظمة الشريرة لمعاقبة خصومها او الذين يختلفون معها في الرأي، والخَازُوقُ عبارة عن عمودٌ مدبَّب الرأْس، كانوا يُجِلسون عليه المذنبَ في الأَزمان الغابرة، فيدخل في دُبره ويخرج من أَعلاه، ويذكر المؤرخ الإغريقي هيرودوت أن الملك الفارسي داريوس الأول قام بإعدام حوالي 3000 بابلي بالخازوق عندما استولى على مدينة بابل ومصادر اخرى تذكر ان العثمانيين استخدموا الخازوق بكثره لدرجه انه الان يعرف باوربا والغرب بالعقاب التركي، كما تشير المصادر الى أن سليمان الحلبي أحد طلاب الأزهر الذي قتل الجنرال كليبر عندما غزا نابليون مصر أعدمه الفرنسيون بالخازوق وتشير ايضا ستيفاني دالي في كتابها "أساطير من بلاد ما بين النهرين" ان استخدام الخازوق يعود إلى زمن بعيد جداً فقد ورد ذكر الخازوق في شريعة حمورابي ففي رسالة جوابية موجهة إلى الملك زمري-ليم من أحد القادة بأنه وضع مخافر الشرطة بحالة طوارئ للقبض على أحد المتهمين، وأنهم سيضعونه على خازوق ، وقد دخل الخازوق ساحة الأدب فكتب محفوظ عبد الرحمن مسرحيتة " حفلة على الخازوق " وكذلك الكاتب السوداني عثمان كنون كتب روايتة " تل الخازوق" ولا عجب أن يبقى الخازوق لصيق الذاكرة العربية فنجده حاضراً حتى في الأمثال، فيقولون في مصر والشام: "مثل مرزوق، يحب العلو ولو على خازوق"، اشارة الى صغير الشأن الذي يطلب الوجاهة بكل الوسائل. " . ويقول المثل الشعبي العراقي "الجلوس بين خازوقين راحة "و يضرب هذا المثل لإرتياح الإنسان بين تعذيبين كما يقال للشخص المتورط في قضية كبيره انه " أكل خازوق " كما ان الشعر لم يغفل بشاعة الخازوق ففي معرض رده على اغنية فيروز (الان الان وليس غدا .. اجراس العودة فلتقرع ) يقول الشاعر نزار قياني يائسا معتبرا هزيمة حزيران 1967 بأنها (خازوق دق بأسفلنا .. خازوق دق ولن يطلع) .

والعراقيون خلال نصف قرن ذاقوا انواعا متعددة من الخوازيق الجبارة وليس بالضرورة ان يكون الخازوق هو الوتد المدبب انما الخوازيق السياسية هي الأبرز في تاريخه والأكثر ايلاما .
***
ثامر الحاج امين

أتلقّى بين الحين والآخر رسائل من اصدقاء اعزاء، يلومونني فيها على اصراري الكتابة عن تقلبات السياسيين والعابهم، وكنت اواجه بهذا السؤال: ألا تمل من ملاحقة شطحات مشعان الجبوري، وطلات عالية نصيف، وقفزات محمد الحلبوسي، واصرار نوري المالكي ان يمسك خيوط البلاد بيده حصرا؟ وصرخات عتاب الدوري، لماذا لا تتفرغ لهويتك الحقيقية ملاحقة الكتب والكتاب .

أنا ياسادتي الأعزّاء، مجرّد كاتب مطلوب منه يومياً أن يملأ هذه المساحة بكل ما هو غريب وعجيب في بلاد الرافدين في زمن الديمقراطية، ورغم أن البعض، "مشكوراً"، يتهمني بأنني "لا يعجبني العجب"، لكني ياسادة أحاول أن أبحث في هذا العجب لأنقل لكم كيف ان رئيس البرلمان " الثوري محمود المشهداني " يتبجح انه وجماعته مجرد " مقاولين تفليش" . ولاجل عيون هذا المقاول الشاطر اخبرتنا النائبة حنان الفتلاوي أن رؤساء الكتل تحولوا الى سيطرات..من لا ينتخب المشهداني لا يمر . ومن حسن حظ هذا الشعب ان عرف اخيرا ان النائبة الفتلاوي تحمل خصلات ثورية، وبسبب هذه الثورية الزائدة قررت التوقف عن برنامجها التوازني، والسبب لان الوضع في العراق تحسن واصبحنا نعيش في نعيم .

سيرد البعض متهكّماً، وماذا بعد يارجل؟ لماذا تصرّ على تذكيرنا بـ"النوائب"،، فما الذي سيجنيه الناس من برلمان سيُعيد إلى مسامعهم الخطب نفسها وستمتلئ شاشات الفضائيّات بمعارك تاريخية، لكن رغم كل هذا الأسى، هناك خبر مشرق، النائب مثنى السامرائي، خرج علينا بنظرية جديدة، خلاصتها أنّ العراق في وقته الحالي بحاجة إلى عقل اقتصادي، ولان السيد السامرائي له خبرة " بالاقتصاد " فانا اضم صوتي الى صوته وارشحه لكي يتولى شؤون البلاد المالية، وأتمنى أن لا تتهموني باني اسخر من قامة اقتصادية، لا تقل اهمية عن صاحب نظرية " الدولره " حمد الموسوي .

وانا استمع لحديث النائبة الفتلاوي عن سيطرات الديمقراطية العراقية، تبيّن لجنابي أن الديمقراطية ليست كما بشّر بها أفلاطون، وصاغ مفاهيمها وأسسها أرسطو، فنحن حتى لحظة ظهور السيدة الفتلاوي لا نعرف أي نوع من الديمقراطية نبغي وأي ديمقراطية سنصدِّر للبشرية، ففي الديمقراطيات الحقيقية السياسي الفاشل، يعترف بفشله ويذهب الى بيته معتزلاً السياسة، بينما في ديمقراطيتنا فإن صوت السياسي نذير بساعات النحس.

للاسف هناك من يريد ان يمارس مهنة " قطاع طرق الديمقراطية "، فهم يتصورون أن الديمقراطية هي خطف اصوات النواب، وتعبئة الجماهير، هناك فارق بين الديمقراطية عندما يستخدمها رئيس كاداة لمصلحة حزبه، وبين الديمقراطية كفضاء مهمتها خدمة جميع الناس

***

علي حسين

 

في نهر الحياة الجاري، وسلطة الدوران، وما يمليه تعاقب الليل والنهار، لآيات واضحات وأدلة بينات، على أن التجديد هو المعبر الأصدق عن إرادة الحياة.
التجديد يشمل كافة النشاطات والإبداعات، ولكل جيل دوره في مسيرة التغييرات المفروضة على الموجودات.
الكتابة بأنواعها تتجدد.
والشعر أبو اللغة يتجدد، ولكن كيف يكون ذلك؟
فالشعر العربي له تأريخ طويل ومعايير ثابتة، وأساليب وألفاظ متبدلة تدل على عصره.
ولهذا يكون الفرق واضحا بين الشعر الأموي والعباسي والأندلسي، وشعر القرن العشرين والقرن الحادي والعشرين.
وللشعر ثوابت تدل على أنه شعر، وتشير إلى لغته وما فيها من ضوابط وإلتزامات، فأسلوب تأليف الجمل وتراكيبها وتفاعل العبارة مع الفكرة وما يشير إليها، وبهذا يمكن وعي الجمال وتذوق روعة التعبير باللغة.
أي أن اللغة فيها مشتركات تدل عليها وتؤكدها وتدعيها متحدية عوامل التعرية والإنقراض.
وهناك ما يتوافق مع سلطة الدوران التي تحكم الموجودات بالتغيير لكي تبقى وتعاصر وتتواكب مع مكانها وزمانها، لأن الشعر مرآة بيئته الذاتية والموضوعية، وحتى الشاعر يجد ما كتبه قبل سنوات غير ما يكتبه الآن، أي أنه يتجدد في قدراته الشعرية، وتتحسن ألفاظه ومفرداته وتتواصل مع الواقع الذي هو فيه، لأن الشعر خطاب ولا بد له أن يكون مفهوما من قبل المخاطب به، لا أن يكون مصدر إزعاج وتنفير وتشويش.
ومسيرة الشعر العربي فيها العديد من الثورات التجديدية، وستبقى روح التجديد سارية فيه.
ومن أهمها إختيار الألفاظ المتناسبة مع العصر، والمعبرة عن عناصره بوضوح، والتفاعل مع الأغراض المتوافدة إليه،
فأغراض الشعر تتجدد وألفاظه كذلك، ولا يصح المساس بكينونته وعلاماته الفارقة، التي تميزه عن صنوف الإبداع الأخرى.
ويمكن مقارنة تجديد الشعر بتجديد الموسيقى.
فللشعر ألفاظ رشيقة تناسب عصره!!
***
د. صادق السامرائي

 

لا ريبَ أنَّ الغارمَ الولهانَ بلسانِ الآباءِ والأجداد، لا يَرى فلاةَ الحياة إلّا بحدقاتِ لسانِ الضَّاد. ولقد زرتُ المُتحَفَ العِراقيَّ في بَغداد، لأستَنشقَ عبقَ الأمجَاد، ولأستَمتِعَ بألقِ الأسياد. ولقد أتحفتُ نفسي واستمتعتُ بزيارته بإسعَاد. وبينما أنا في بطنِ المُتحَفَ بإسهاد، إذ نادى في خاطري صوتُ مُناد؛
"إنَّ فتحَ الميمِ في كلمةِ "مَتحَف" هو فتحٌ خاطئٌ شائعٌ، لا فطنةَ فيهِ ولا فيهِ رَشاد، ولقد فَتَحَتهُ معاجمُ لغوية معاصرة للعِباد، كمعجمِ الرائد والوسيط واللغة العربية المعاصر، وأذاعَت به بلا اعتداد. ثمَّ هروَلَت من ورائها مؤسساتٌ ودوائرُ شتَّى بانقياد، وقد ظنُّوا بها معنىً لمستودعٍ للقىً أثرية من دهورٍ غابرة في الآماد". ونَسوا أن "مَدخَل" بفتحِ الميم هو مصدرٌ ميمي لفعلٍ ثلاثيٍّ "دَخَلَ"، بينما "مُدخَل" بضم الميم هو مصدرٌ ميميٌّ لفعلٍ رباعيٍّ "أدخَلَ"، وليسَ في لسانِ الضَّادِ اجتهاد، وليس فيهِ "قلْ كما تشاءُ يا أبا مُقداد، ودعِ الضَّبطَ ووالرَّبطَ وحسنَ السِّداد، لأنَّ لسانَ الأفرادِ على ما قالَ حتماً سوفَ يعتاد، فعلامَ الإنضباطُ بتَطَرفٍ والإرتباطُ بذي أوتاد".
كانَ ذلكَ هوَ الموجزُ، وإليكمُ تفصيلُ ما في الأنباءِ من حصاد:
إن "مُتْحَف" على وزن مُفعَل بضم الميم، وليس "مَتحَف" بفتحها، لأنَّهُ مصدرٌ ميمي ظرفي (مكان) من فعلٍ رباعيٍّ "أَتْحَفَ"، واسمُ مفعولهِ "مُتحَف"، ولأنهُ ما أتى من فعلٍ ثلاثيٍّ "تَحَفَ" وأصله "وَحَفَ" لأن تاءهُ مبدلة من واو. ونحنُ نعلمُ أنَّ المصدر الميمي من الفعلِ غير الثلاثي يُصاغُ كاسمِ مفعولهِ، على وزن فعلهِ المضارع، مع إبدال حرف المضارعة ميماً مضمومة، وفتح ما قبل الآخر، كقولنا؛ مُدخَل من أدخلَ، ومُلتقى ومُقام ومُنعطف، وفي التنزيل الحكيم: { رَّبِّ أدخِلنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وأخْرِجنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ }.
ثمَّ إنَّا نعلمُ كذلكَ، إن كانتَ فاء الفعل الثلاثي واواً، فالمَفْعِل منه بكسر العين مطلقاً، أي سواء به المصدر أو الظرف نحو: وَعَدَ يَعِدُ مَوْعِدًا، (... وإذا الفا كان واواً بكسر مطلقا حصلا) كما قالَ "بَحْرَقُ" في كتاب" فتح الأقفال وحل الإشكال بشرح لامية الأفعال المشهور بالشرح الكبير" لجمال الدين محمد بن عمر المعروف ببَحْرَقَ (٨٦٩ - ٩٣٠ هـ) بتأصيلٍ رفيعٍ وتفصيلٍ بديع. وإذاً، فقد لزمَ أن يكونَ المصدر "مَتحِف" بفتح الميم وكسر الحاء وليس "مَتحَف" بفتح الميم والحاء كليهما، وذلكَ شائنٌ ولا يُقال، بل إنَّهم قالوا؛ مُفْعُل ومُفْعَل بضم الميم، مع ضم العين أو فتحها: " مُنْخُل ومُنْخَل " و" مُنْصُل ومُنْصَل " للسيف، وهذا مما يستعمل وأوله مضموم، ومما ضُمَّ من هذا الفن أوله " مُسْعُط " و" مُدْهُن " و" مُكْحُلة " ولا يقال فيه غير ذلك.
وقد جاء في معجم لسان العرب في معنى التُّحْفةِ: ما أَتْحَفْتَ به الرجلَ من البِرِّ واللُّطْف والنَّغَص، وكذلك التُّحَفة، بفتح الحاء، والجمع تُحَفٌ، وقد أَتْحَفَه بها واتَّحَفَه؛ قال ابن هَرْمةَ: واسْتَيْقَنَتْ أَنها مُثابِرةٌ * وأَنَّها بالنَّجاحِ مُتَّحِفَه قال صاحب العين: تاؤه مبدلة من واو إلا أَنَّها لازمةٌ لجميع تَصارِيف فعلها إلا في يَتَفَعل. يقال: أَتْحَفْتُ الرجل تُحْفةً وهو يَتَوَحَّفُ، وكأَنهم كرهوا لزوم البدل ههنا لاجتماع المِثْلين فردوه إلى الأَصل، فإن كان على ما ذهب إليه فهو من وَحَفَ، وقال الأَزهري: أَصل التُّحْفةِ وُحْفةٌ، وكذلك التُّهَمَةُ أَصلها وُهَمَةٌ، وكذلك التُّخَمةُ، ورجل تُكَلةٌ، والأَصل وُكَلة، وتُقاةٌ أَصلها وُقاةٌ، وتُراثٌ أَصله وُراثٌ.

إنتهت نشرةُ أخبارِ الضاد، وشكراً لحُسنِ إصغاءٍ جميلٍ متوقدٍ وقَّاد، وأظنُّ أنَّ ما في أنبائِيَ مِن حَصاد، هو خيرٌ وأفضلُ مِن أخبارٍ
هَوسٍ بازدياد، عن طغوةِ الحكَّامِ بتجبُّرٍ وعنادٍ بارتِداد، وعن غفوةِ "برلمانيينَ" سذَّجٍ أوغاد، وكذا عن أهلِ وترٍ وطَربِ لا يعرفونَ
ما العزَّةُ ولا قدحُ الزِّناد، هم ومَن يستثمِرُهُم من ورائهمُ من فاجرٍ قَوَّاد. بيدَ أنَّهُ لا تثريبَ ولا حرجَ من إنصاتٍ بإرصاد، لأخبارِ أهلِ الرياضةِ البريئةِ من كلِّ فساد، شرطَ أن تتشاغَلَ بأخبارِ بطولاتٍ كرويةٍ لما في أوربا وأمريكا من بلاد، وأن تتناقلَ أخبارَ بطولاتٍ عن دوراتِ "الأولمبياد"، لا أن تتناولَ أخبار مباراةٍ بينَ "الوكرةِ القطري" و"أم درمان" السُّوداني، ولبئسَ المضمارُ ذاكَ، ولبئسَ ما فيهِ جياد، ولا شكَّ أنَّ أخبارَهمُ أخبارٌ تُفَتِّتُ الأكبادَ، تُدهِنُ الوجهَ بالسَّواد، وقد تجلطُ الفؤاد. فحَذارِ حَذارِ يا أبا مُقداد، من انكبابٍ في تهي دُنيا على أخبارِ رياضاتِ العربِ بتفاعلٍ ووداد، وكفى مل ينتظرُكَ في الآخرة من سوءَ مُنقلَبٍ وبئسَ المهاد.

أمزحُ وحسب، وتحياتيَ الأخوية لكَ يا أبا مُقداد.
***
علي الجنابي

 

طاقة الكا والبا

طاقة الكا: حضارة مصر القديمة كانت دائما مصدرا للدهشة والغموض لتطرقها بعمق الى فكرة حياة الاخرة
والفكرة تقول ان هناك جزاين او طاقتين في تكوين المرء طاقة تهم الجسد المادي والطاقة الاخرى اكثر من مجرد ان تكون جسدنا المادي فلقد تركت مصر القديمة بصمة لا تمحي على التاريخ بممارساتها الثقافية والدينية، ان مفهوم الكا والبا هما مكونان متكاملان لفهم المصرين القدماء المعقد للروح ولحياة الاخرة كان تصورهم بان روح المرء تتكون من طاقتين طاقة الكا وطاقة البا وان طاقة الكا هي جزء لا يتجزا من هوية المرء وتكوينه والتي تميزه عن غيرة وهي مرتبطة بالقوت وبالازدهار اثناء حياة المرء على الارض وهي طاقة موجودة داخل الجسم . ولقد اكد مفهوم الكا عند قدماء المصريين على اهمية الحفاظ على الجسم من خلال الطقوس و ممار سات الدفن والقرابين.
وكانوا يعتقدون ان الجسم المحفوظ جيدا سيضمن استمرار وجود الكا في الحياة الاخرة مما يسمح للمتوفى بسحب القوت من القرابين والتي تترك في قبره .
2 - طاقة البا
اما طاقة البا فهي الجزء الثاني للروح وتمثل شخصية الفرد ووعيه وخصائصه الفريدة ولذا كان يعتقد بانه قادر التحرك بحرية بين عام الارض وعالم الاخرة فالعلاقة بين الكا والبا علاقة تكافلية تعكس الطبيعة المترابطة للمعتقدات المصرية القديمة حول الحياة والموت ففي حين تتطلب الكا جسدا محفوظا جيدا لاستمرار وجوده في الحياة كانت البا بحاجة الى لم شمله مع الكا لتحقيق وجود متناغم ابدي .
وكان لقدماء المصريين اهتماما دقيقا بالطقوس الجنائزية وممارسات الدفن نابع من مفهوم العميق لطاقة الكا والبا اي لمفهوم الروح لديهم .
***
سالم الياس مدالو

 

إنطلق الكلام على عواهنه في كل حدب وصوب، وتشاجرت السطور على الورق، وتلاحمت على صفحات الشاشات، واندثر القلم وتسيدت إرادة الكيبورد، التي جعلت كل ذي يدٍ يكتب!!
كلمات فارغة إلتصقت حروفها ببعضها عنوة، وبدت محشورة في عبارات تنفر منها.
كيف توافدت وتجمعت كأنها سيول عارمة وغيوم مدلهمة، تقبض على أنفاس الخيال، وتدجج الوجود بالمحال، وتأخذنا إلى كهوف المجاهيل، ومواطن الأحابيل.
إنها نكبة الكلمات المصدوعة بالوجيع المداهم لأروقة الحياة.
أشلاء المعرفة على قارعة طريق الويلات، تفترسها الضباع، وتتقاتل من أجل الفوز بأكثرها، والقتلة يتفرجون على مسرح النكبات.
الأفكار تشتت والكلمات تبعثرت، والرأس في دوامة التشظي والتفاعل مع المضطربات، وكأن النسيان طيف مقيم في مملكة الإنسان.
طارت الباء من رأس البشر، وظهر عاريا لا تستره ورقة التين، وتصاعد من مسامات جلده الأنين، فاحتارت الأقلام وتاهت الأفهام، فما يأتيه جرم وآثام، وينبوع وجيع وآلام.
البشر المحجب بالعواطف والإنفعالات، والمدثر بالأمنيات، والمستحضر للويلات والتداعيات، كأنه السمك المزهور بطعم النهايات.
وترنحت الكلمات كأنها العصف المأكول، والعهن المنفوش، وقالت السطور الويل للعبارات فأنها نيران ومصدر ثبور.
وفار تنور النكبات، والناس سجيره المرهون بالضلال والبهتان المُدان، وتحولت الأبدان إلى عجين، يصنعون منه أنواع المعجنات القابلة للتفتت والضياع، ولا يزال التنور في أجيج وإلتهاب عنيف، وفال قائلهم أريد ألف رغيف ورغيف.
وكل مَن عليها طاح!!
***
د. صادق السامرائي

 

كارل بروكلمان (1868ـ1956) من أشهر المستشرقين الألمان، و كان عضوا عاملاً ونشطاً في أكبر الأكاديميات العلمية في بلده ألمانيا، أو في أوروبا..
اهتم بدراسة التاريخ الإسلامي، وله في هذا المجال كتابه المشهور والقيم تاريخ الشعوب الإسلامية.
كتب المستشرق بروكلمان بإعجاب عن البطل الجزائري الأمير عبدالقادر (أنظر كتاب تاريخ الشعوب الإسلامية ص622ـــ625) أثناء حديثه عن شمال افريقيا في العصر الحديث..
كتب فصلا بعنوان الأمير عبدالقادر يعلن الجهاد. وكتب في مقدمته " وفي هذه الأثناء عمت الفوضى مقاطعة وهران، فاستغلها مغامر شاب يدعى عبدالقادر"..
وهو ربما مثل اغلب المستشرقين لا يستطيعون النفاذ الى صميم الأمور والأحداث، اذ نظر الى الأمير كمغامر أراد أن يستفيد من الظروف التي أعقبت سقوط الجزائر المحروسة سنة 1830، واحتلالها من طرف فرنسا، وليس كانسان وطني أعلن الجهاد دفاعا عن الوطن والدين!..
وتميز الأمير عبد القادر بعدة خصال أوردها الكاتب في ذلك الفصل:
- ابن أحد المرابطين.
- أدى فريضة الحج مرتين، وكان يرغب في الحج مرة ثالثة لكن الحرب شغلته.
- كان تقياً وبارعاً وشجاعاً.
- في سنة 1835 انتصر انتصارا باهرا على الجنرال دي ميشال فعد بطلا كبيرا في شمال إفريقيا، وحامي الإسلام ومنقذه.
- خاض معارك بطولية وعنيفة ضد أكبر جنرالات فرنسا؛ دي ميشال، كلوزيل، دامريمون وبوجو..
- تدريب جنوده على الطريقة الأوروبية في القتال والمعارك..
***
بقلم: عبد القادر رالة

ما نكتبه نظري بحت، وربما أقلامنا من أمهر الأقلام النظرية في الدنيا، وما ننشره لا رصيد له في الواقع. نحلل ونفسّر ونطلق النظريات على عواهنها، وبسبب هذا التحليق في آفاق الرؤى والتصورات، ما تمكنت كتاباتنا من إستنهاض الوعي، وخلق تيار ثقافي له القدرة على الإنجاز الواعد المفيد.

ومعظم المكتوب غير مفهوم، ومبهم على كاتبه، فما أن تخوض في مقالة أو نص، تحتار بالغاية والهدف.

فهل نحن نكتب لأنفسنا؟

وهل لدينا إستعلائية على الناس؟

وهل نهدف إلى تنفير القراء؟

لا تُعرف الأجوبة، لكن القاسم المشترك في النسبة الأكبر مما يُنشر هو التنظير، الخالي من الوضوح والممعن بالتبهيم والغموض، وكأننا نكتب لنهرب من المواجهة، أو نتخذ من الكتابة وسيلة مخادعة توهمنا بأننا نتصدى للواقع، ونحن نحلق فوقه ولا نعيشه.

قرأتُ عدة مقالات هذا اليوم وما خلصت لفكرة نافعة، فالكاتب يستعمل مصطلحات لا يوضحها، ولا يكشف مقاصده فيها، وما يريده من إستخدامها، فإن كان يعرفها، لماذا يفترض أن القارئ يعرفها أيضا؟

كما أن التعقيد في طرح الموضوعات صفة سائدة في المنشور، فما أن تبدأ بأول سطر حتى تصاب بالنفور وتغادر الصفحة إلى غيرها، وعندما تتوالى الكتابات المنفّرة فالرغبة في القراءة تخمد، وبهذا يساهم عدد كبير من الكتاب بطرد القرّاء، وإيهامهم بأن المكتوب لا جدوى منه ولا معنى فيه.

ألا تساءلنا لماذا نقرا؟

وهل فكرنا بمتعة القراءة؟

فهل ما نكتبه يمنح القارئ متعة، ويشده للموضوع الذي نتناوله؟

علينا أن نعيد النظر بأساليبنا الكتابية، ونكون في عصرنا، فالأقلام تعاصر!!

***

د. صادق السامرائي

 

الصيانة تعني الإدامة، بمعنى مقاومة إرادة الزمان والمكان للحفاظ على جوهر الكائن الذي كان.

وكل موجود بحاجة لصيانة، فالمخلوقات تصون نفسها وتديم حياتها ما إستطاعت، ومنها الحيوانات والبشر الذي من المفترض أن يكون عارفا بما يضره وما ينفعه، ويتحاشى المضر ويحتفي بالمفيد النافع المديم.

والأخلاق بمعانيها ومنطلقاتها وتأثيراتها بحاجة لصيانة وعمل دائب لترسيخها وتطويرها، وتواكبها مع عصرها ومكانها والمجتمع الذي تكون فيه، فبدون الصيانة تفقد الأخلاق ملامحها ومعاييرها ومعانيها، وتتحول إلى ما يناقضها ويدمرها.

والبشر أوجد الأديان والمعتقدات لضرورات أخلاقية ولتحقيق الصيانة، وذلك لأنه قد منحها معاني علوية وإرادات سماوية، وأنها ذات صلة بالدين والإله الذي يعبده ويؤمن به، فأوجد الحلال والحرام ووضع الحدود والموانع والمحذورات، التي يتقيد بها المنتمي لأي عقيدة ودين.

والمشكلة التي تواجه البشرية في العديد من المجتمعات أن الصيانة الأخلاقية قد إنتفت، وصار المعنيون بالدين أو المعتقد يتطلعون للمنافع الدنيوية والكراسي والسلطة والحكم، وأنشأوا أحزابا يسمونها دينية للتعبير عما فيهم من الرغبات المطمورة المسوَّقة بدين، والمؤطرة بما يشير إلى دين وهي ضد الدين الذي تدّعيه.

وقد أسهمت نشاطاتهم الشرهة المنفلتة بتخريب الأخلاق وتهديم القيم والتقاليد، التي تتحلى بتقوى الله ومخافة وإحترام حقوق الإنسان وإعلاء شأنه، حتى صار البشر في عرفهم أرقاما وأدوات لتحقيق رغباتهم المسعورة المقنّعة بدين.

ولهذا يتوجب العودة إلى جوهر القيم والأخلاق وصيانتها والذود عنها، والعمل على تطويرها وتوضيحها وتحبيبها لما يتواكب مع العصر بزمانه ومكانه، وأن يتحقق التشجيع على تنميتها وتعليمها وإعتبارها من الأسس التربوية اللازمة لبناء الأجيال الصالحة لصناعة الحياة الحرة الكريمة.

فالأخلاق عماد القوة والإعتصام بالقدرة على رص الصفوف ولمّ الشمل الوطني والنسيج الإجتماعي، الذي يمنح المجتمعات والشعوب الأهلية والقابلية على إنجاز الصالح العام والحفاظ على القيم والمعايير الهادفة إلى ما هو أفضل وأحسن.

وخير الناس من نفع الناس، والدين أخلاق وقيم ومعاني نبيلة سامية وإن "إقرأ" فيه علم!!

***

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم