أقلام حرة

أقلام حرة

ثورة الشعر لهيب الثورة

وبها الشعر نداء القوةِ

كنت في حديث مع أحد الأخوة الصينيين عن الثورة الصينية، وبعد محاورات متكررة أدركت بأنه يربط بين السياسة والشعر، وبين الثورة والشعر، ويرى بأن أشعار الرئيس (ماو) كان لها الدور الأكبر في الثورة الشعبية الصينية والحركة الثقافية الوهاجة التي أوجدت الصين المعاصرة.

فكان حديثه يؤكد دائما على أن الشعر ثورة سياسية ثقافية إجتماعية، وأن القائد الذي يصنع الأمة لابد أن يكون شاعرا.

تعجبت من رأيه وآليات قراءته للتفاعلات ما بين القائد والمجتمع، ودور الشعر في الثورة والحياة.

وكلما إقتربنا من واقعنا يجيبني بأننا بحاجة لقادة شعراء!!

وأقول له: ما أكثر الشعراء في مجتمعنا!!

ويجيب فورا: شعراء وطن وثورة ومحبة وثقافة وتفجير للطاقات الكامنة في أعماق الناس وليس شعر الفنتازيا، أنتم بحاجة إلى شعراء يتحسسون هموم الناس ونبضات آلامهم وأوجاعهم، ويُطلقون الأمل والثقة والقوة والشعور بالقدرة على تحقيق المستقبل الزاهر السعيد.

ونمضي في حوارنا، بين شرقي عربي يرى ما يرى، وشرقي صيني رأى ما رأى وعاش ثورة أوجدته كما يقول من العدم، فقريته القفراء تحولت إلى مدينة معاصرة تؤثر في حياة العالم، بما تنتجه من المصنوعات الضرورية للحياة المعاصرة.

وبعد حوارنا الطويل والمتشعب، تداعت أمامي مسيرة التاريخ العربي ودور الشعر في الحياة السياسية، وتوافدت قصائد الشعراء وأسماؤهم منذ الجاهلية وما بعدها، وكيف أسهموا في صناعة الرؤية السياسية الحضارية.

وتأملت خلفاء الدولتين الأموية والعباسية، وتبين إهتمامهم بالشعر والشعراء، وبعضهم نبغ في الشعر وتقدم، وكأن الشعر رفيق السلطة والقوة والتقدم والبلاء والنصر، وكان لكل خليفة شاعر معروف ومقرب ومتميز في ديوانه.

وقد أكرم القادة الشعراء، وكان الشعر حاضرا ومؤثرا في مسيرة الحياة وراسما للتفاعل الإجتماعي والسياسي، وللقصيدة تأثير كبير في الحياة لأنها تحدد معالم السلوك العام، ولدور الشعر أثر متوهج في الأندلس، وكان بعض السلاطين شعراء بارعين فأرسوا معالم الحضارة والفن والعلم والإزدهار الخلاب.

وفي الدولة العثمانية دور الشعر ساطع في العمارة المنقوش عليها أروع أبيات الشعر والتي تزين آثارهم في إستنبول، ولا زالت قصيدة البردة منقوشة في العديد من البنايات التاريخية.

وفي العصر الحديث لعب الشعراء دورا في السلطة والسياسة لكن القائد الشاعر لم يكن حاضرا.

ومع تواكب العقود والأحداث إنكمش دور الشعر في الحياة العربية وأصبح منزويا في الصحف والمواقع الإليكترونية، وأخذ يتجه نحو التعالي عن هموم الناس وحاجاتهم المتحركة على أديم الحياة.

صار الشعر نخبويا ونشاطا خارجا عن نهر الواقع، ومحلقا عاليا في فضاءات الخيال والإمعان بالتأملية والإنفلات من قبضة الناس.

فأصبحنا نتحدث عن لوحات جمالية وصور فنية وكيف يتم رسم حالة ما بالكلمات، وما هي إلا خروج عن تيار الحياة ونهر حقيقتها.

وانفصل الشعر عن السياسة خصوصا في العقود القليلة الماضية، وصار الشعر في وادي والسياسة والناس في وادي إلا ما ندر.

ويبدو أن الثورة الناهضة أعادت إرتباط الشعر بالسياسة، ومنحته طاقة التفاعل مع الجماهير وتأثيره في صناعة السلوك.

وأخذنا نشاهد مجتمعات تفجر فيها الشعر المعبر عن تطلعات الجماهير، والراصد لمعاناتهم وحاجاتهم وتطلعاتهم الإتسانية الحرة الديمقراطية الأصيلة.

ويبدو أن عزل الشعر عن السياسة يؤدي إلى تداعيات كبيرة، وإعادة التفاعل ما بين الشعر والسياسة ينير الدروب ويحقق ثورة حضارية ذات قيمة إنساتية.

وأراني أتفق مع الأخ الصيني، على أن الشعر ثورة سياسية تصنع الحياة الأفضل للأمة، فالقائد الشاعر يمتلك آليات الإبداع الحضاري الصحيح، لأنه يرى ما وراء الأفق فيصنع قصيدة الحياة مثلما صنعها ماو!!

إنما الشعر يبوح المنطوي

لا تقل شعرا بنهجٍ ملتوي

*

صدق الشعر وخاب المدّعي

بكلامٍ ولسانٍ فوضوي

***

د. صادق السامرائي

 

دُنيوي فانٍ

رُوحّي خالد

في بعضٍ من  مراحل الحياة، يشعر الإنسان بالسكون يسري داخله، وضجيج خارج كيانه يسمعه من رهبة الكون وعظمته. فترات طويلة ربما تدوم سنوات بين خفوت وتأجج،  فرح وحزن،  غضب وتسامح، اقتراب وابتعاد. حالة تشبه مايسمى الإنفصال، إنفصال عن كل ماهو مدرك إلى ماهو أسمى وأعمق إلى اللامدرك غالباً تكون فيها بين يدّي الخالق يتبعها  لفحات من نور تفتح  بابك الباطني إلى هيكل نفسك المقدسة هي حالة ليست إنكار لوجود الجسد الذي هو امتداد لذات الروح نستمد منه طاقة الحياة.

هذه الطاقة الحركية هي نظام كوني سُمّي بالفيزياء ترددا وبالكيمياء عنصرا وعند الخالق قوّة روحية باطنية.

 قول لطاغور: الحياة الروحية هي أساس الكمال الإنساني ومصدر الطمأنينه النفسية.

حين يسقط الجسد من سهام الغدر  لن تنفعك حبة الدواء بل قوتك الذاتية فهنا يكون الجهاد بأن تكمل الطريق بمحبة ولا تبالي. فمن كذب عليك هو  كاذب. من سرق مالك هو سارق. من غدرك هو الغدار.

الأخلاق الكريمة لا تزول هي أقوى من الكلام والردود... ابتعد عن أرض ليست أرضك ولن يداوي جراحك إلآك. ولا تهين عقلك بل افعل كل شيء بحب عظيم من أقوال القديس يوحنا السلمي:

لا أنظر إلى تحت، بل اتطلع إلى فوق إلى محبة أبي الذي في السماء.

***

راغدة السمان – أستراليا

نَحنُ لَا نَزرعُ الشَّوك ولكن نحصدُهُ، تساقطت علينا أوراق الخريف، معلنة انتهاء فصول الحياة في خريف بدأ مُبكّرًا . بالشقاء والوجع من شَدَّة نزيف الدم علي . بُقعةٌ . جغرافية،كل شيء بَشعٌ وقبِيحٌ وصِراعُ وجُنُونُ السَّاسه حتي جُنُونُ الأسعار.

فأسرعت قلوب تنبض بسرعة البرق فنتفض جسدي، وتساقطت اوراق الخريف الذابلة حولي الراقده من. بُؤسٌ وجنون ما يجري ويحدث من قتل وخراب ودمار في زمن الإجرام والتسلط تحل اللعنة على البشرية من غضب الأرض من التغيرات {المناخية والكوارث الطبيعية والأوبئة} شعور باليأس وانا اقرأ وثائق "استخباراتية مَسربَةٍ " عن سيناريو اعداد للضربة الجوية الإسرائيلية لإيران من "البنتاجون" وتصريح (جو بايدن) عن وجود بصيص أمل عن وقف الحرب بعد استشهاد "يحيي السنوار هل استشهاد رجل بعد عام من الدمار كان هو الرهان علي وقف الحرب ..!! ".ورؤية نتنياهو" مابعد الحرب بالنسبة لقطاع غزة وجنوب لبنان وموضوع الاسري لدي جبهة حماس،وتصريح لسفير أمريكي عن شرق اوسط جديد وصراع جيوسياسي- استراتيجي يمتد حتي جنوب بحر الصين الجنوبي المتنازع علية بين دول الجوار، جن جنوني وانا اواجه الحقيقة بالحقيقة، ونحن لاحول لنا ولاقوة فيما يجري من أحداث وترتيبات أمنية لشكل المنطقة من توازن القوة، ولكن بشاعة المشهد وقباحة الأحداث التي. تجري من حولنا في هذا الوطن المنكوب بسبب. اطماع المجرمين في : الثروة والمال والسلطان وجريهم كالوحوش المفترسه جعلت الكراهية والحقد والشر يتسللون إلى نفسي ويحتلون كياني ووجداني ويبسطون سلطتهم علي فأسرعت ابحث عن بقايا فتات حب من مخلفات الآمس القريب الذي تبدل فجأة وتغير وصارأَسودًا كارِهًا للحياة فلا الشمس تضيء الكون من حولي باشعتها كعادتها ولا النسمات تنعش جلدي و بدني كل شيء بشع وقبيح في عالم الذئاب ..،، في مشهد عظيم خرج "الرئيس الكوبي: مع المتظاهرين ورتدي الكوفية الفلسطينة مع ملايين في العاصمة "هافانا"ضد الإبادة الجماعية،رغم اننا في بلدان عربية حرمنا التظاهر حتي ارتداء الكوفية الفلسطينية،الرئيس الفينزويلي يتهم "نتنياهو" بالوحش،والابشع من هذا كله وفوق إجرام هؤلاء حكام الرعاع السفلة من مجرمي الحرب وكذبهم .يستكبرون ويتعالون ويفترون على المستضعفون في الأرض ويطلقون عليهم حيوانات مفترسة من . دون أن يروا عوراتهم وبأنهم هم المفترسون الذين يأكلون لحوم بعضهم البعض ميتة ولا يكتفون بل يسلخون عن هؤلاء الحيوانات جلدهم ويقطعون لحومهم ويتلذذون بأكلها لم يستطع ضوء النهار الذي حضر بجلالة قدره أن يبدد بشاعة الحياة التي نعيشها بل أضاف على قبح الليل الذي مضى بشخير الخامدين النائمين من الأشرار أي كانوا صهاينة وعرب الظالمين أصواتهم التي انبعثت من جديد واستيقظت بالتهديد والوعيد وبالويل والثبور وعظائم الأمور وبرغم وهن وضعف شيوخ ونساء واطفال غزة أمام جبروت يقطع الجثث اوصال ويمزق العيش وقفوا صامدين بقوة عظيمه وتحدوا كل المصائب من ويلات الحرب والجرائم امام شاشات العالم إلي رسالات نعايا تعدد اسماء الأموات من الكبار والصغار. وغيرت من قبح سحنتي العبوس ورتبت شكلي المبعثر المريض بعد أن نفضت عني شبح الموت الواقف لي بالمرصاد وانتفضت ثائر في وجه اليأس القاتل وبدأت يومًا جدِيدًا في زمن المسخ بالقلم لفضح جرائمهم بالمرصاد في زمن الاجرام والتسلط تحل اللعنة على الناس أجمعين فَتوبًا لكُم جميعًا ايُّها الأشرَارُ الذين زرعتم في بلاد الإسراء والمعراج الشوك، وبدلتم ايام عمر النساء والشيوخ والاطفال الي جحيم من هدم وتهجير وقصف وقتل،وزرعتم الشوك ولكن نحن نحصده هذة الآيام وزرعتم الحقد والكراهية بمقتل "السنوار: فكتب روايتة من داخل معاقل سجونكم . "الشوك والقرنفل" .لتصبح عنوان للآجيال ..!!

***

محمد سعد عبد اللطيف - كاتب وباحث مصري

 

الكتابة معضلة حضارية في المجتمعات المتوهمة بالنهوض، والمتورطة بتصورات التقدم والنماء، وهي تنحدر إلى وديان الدمار الشديد.

الكتابة ربما إنحراف سلوكي أصاب مجتمعات الأمة بالإنهيار والإندثار والركض وراء خيط دخان.

فكم من الأقلام تكتب؟

وكم من الأوقات تستهلك لمجالسة الورق أو الشاشة، في عصر وفّر أدوات الكتابة السهلة، فصار الجميع يكتبون ويسطرون رؤاهم في كلمات.

مَن دق باب الكلمات، وشق صدر العبارات، وإمتطى السطور، وأجهز على اليراع المسكين، وجلده بسوط الغفلة والحسرات، وما فيه من المطمورات السيئة؟

إنها لعبة التخدير، فالكتابة كالدواء الذي يُحقن في الأوردة ليمنع الشخص من الشعور بالألم، فيعبث به المشرط وهو في عدم شعور بالوجع.

وما يحصل في واقعنا المعرفي يشير إلى أن المعاناة القاسية والمكبوتات الشرسة دفعت البشر للبوح والترويح عما فيه، ليشعر بأنه يستطيع الإنتصار على ضعفه وغياب القدرة على الإنجاز المفيد.

ولهذا فالكتابة تحولت إلى إنجاز، فالقول العمل، وخير ما يقوم به الشخص أن يكتب ويكتب، فالدواء كتابة والحياة كآبة، إن إختفت فيها الكتابة!!

ومضينا نكتب لنهرب من واقع نعجز عن مواجهته والتأثير الإيجابي فيه، فالكراسي متأسدة على الحياة وتفعل بالأوطان ما تشاء، والمجتمعات تختصرها الأفراد والفئات، والدين طوائف، والديار تشظت، وتورطت بتدنيس الساميات، والتهليل للفساد والعاديات.

فهل لنا أن نكتب بأفعالنا لا بأقلامنا؟!!

" ومن طلب العلوم بغير درس...سيدركها إذا شاب الغراب"!!

***

د. صادق السامرائي

 

يُعتبر التراث الشعبي ليس مجرد قصص قديمة أو عادات متوارثة، بل هو خلاصة التجارب التي عايشها الأجداد وأسهمت في بناء المجتمع. إدراج هذا التراث في المناهج الدراسية يُعتبر من أهم الأدوات لترسيخ قيم التعاون، الشجاعة، والعمل الجماعي، تلك القيم التي ساعدت المجتمعات على مواجهة التحديات عبر العصور. بتعلم الأجيال لتلك القيم، يكتسبون القدرة على التكيف مع التغيرات المعاصرة مع الحفاظ على هويتهم الثقافية،،، وتعليم الأجيال الجديدة عن التراث والموروث الشعبي أحد الأسس الضرورية لتعزيز الهوية الوطنية وصون الثقافة المحلية من الاندثار. في ظل التطورات السريعة والتأثيرات الثقافية العالمية، يبرز دور التعليم في نقل هذا الإرث الثري للأجيال القادمة، مما يعزز ارتباطهم بجذورهم ويجعلهم أكثر فخرًا بتراثهم،

إن تعليم التراث يلعب دورا أساسيا في تربية أجيال قادرة على التفاعل مع العالم الحديث، مع الحفاظ على هويتها الثقافية والجذور العميقة. مضيفا “من خلال تدريس التراث، نعلم الطلاب كيف كانت الحياة في الإمارات قبل النهضة الاقتصادية والتطور التكنولوجي، وكيف أن تلك الفترة التاريخية أسهمت في تكوين ملامح الدولة الحديثة، كما تلعب الأنشطة التعليمية خارج الفصول، مثل زيارة المتاحف والمواقع التاريخية، دورًا هامًا في تقريب الطلاب من ماضيهم بشكل ملموس وتفاعلي. هذه التجارب العملية تسهم في تعزيز فهم الطلاب للتراث وتجعل التعلم تجربة أكثر إثراءً.

 إن النظام التعليمي اليوم يركز بشكل كبير على التكنولوجيا والابتكار، وهو أمر مهم بلا شك، لكن يجب ألا نغفل عن أهمية تعزيز القيم التراثية. من الضروري أن يجد الطلاب توازنا بين التعلم التقني والحفاظ على هويتهم الثقافية. وهذا يتطلب من القائمين على التعليم تطوير برامج دراسية تربط بين الحداثة والتراث، وتقديم محتوى تعليمي يجعل الطلاب قادرين على التفاعل مع عالم متغير دون فقدان هويتهم،، يجب أن يكون للمعلمين دور محوري في هذه العملية. إعداد المعلمين يجب أن يكون جزءا أساسيا من أي إستراتيجية تهدف إلى دمج التراث في التعليم. المعلمون هم الجسر بين المعلومات والطلاب، وإذا لم يكونوا مجهزين بشكل جيد لتقديم التراث بأسلوب مشوق وتفاعلي، فإن الجهود المبذولة في تطوير المناهج قد لا تحقق النتائج المرجوة. لذلك، يجب توفير دورات تدريبية للمعلمين تركز على كيفية تدريس التراث بأسلوب يتناسب مع التحديات والفرص التي يقدمها القرن الحادي والعشرون.

المعلمون، بدورهم، هم العمود الفقري لهذه العملية التعليمية. إعدادهم بشكل جيد لتدريس التراث بطرق مبتكرة وتفاعلية يُسهم في جعل هذا المحتوى أكثر جاذبية للطلاب، مما يضمن بقاء هذه الثقافة حية في أذهان الأجيال القادمة،، فلا يمكن حصر الهوية الوطنية في كتب التاريخ والدراسات الاجتماعية فقط، بل يجب أن يتم دمج عناصر التراث في جميع المواد الدراسية. فعلى سبيل المثال، في دروس العلوم، يمكن للمعلمين توجيه الطلاب لاستكشاف تأثيرات البيئة الصحراوية والمناخ على الحياة ، وكيف استطاع الأجداد التكيف مع هذه الظروف. في دروس الأدب، يمكن دراسة الشعر النبطي كجزء من التراث الأدبي ،وكيف يعبر هذا النوع من الشعر عن قيم المجتمع وأفكاره.

في النهاية، يعد تعليم التراث الشعبي أداة قوية لتعزيز الانتماء الوطني، فهو ليس فقط إحياء للماضي، بل هو أيضًا بناء لجسور تواصل بين الأجيال والحفاظ على الهوية الوطنية في ظل عالم متغير.

***

نهاد الحديثي

نشأنا كمواطنين متفاعلين منتمين لوطن واحد، لا نفرّق بيننا على أي سبب مهما كان، وما تداولنا في أحاديثنا موضوعات  تخص الإنتماء لأي شيئ، فما تساءلنا عن المذهب والطائفة والدين، كنا كيان واحد متماسك.

زميلي محمد يسألني قبل أعوام: عملنا سوية لعدة سنوات فهل تعرف لأي مذهب أنتمي؟

وأحتار بالجواب.

نتزوج ولا نسأل عن إنتماء الزوج أو الزوجة لأي مذهب.

الإختلاط المذهبي شائع في مجتمعنا، والعديد من الأصدقاء والأقارب  تزوجوا من غير مذهبهم، بل من الأكراد فالكل أبناء وطن واحد.

أحد الزملاء قال لي بأن صديقه ذات يوم هاتفه مازحا: عليك أن تطلّق زوجتك لأنها من غير مذهبك، وفقا للفتوى!!

مَن الذي أوجد هكذا تفاعلات؟

لم نعهدها قبل (2003)، إنها دخيلة ومستوردة لتدمير المجتمع وتحقيق المآرب فيه، وبمعاونة أبنائه، والطامع فيه يحدث نفسه قائلا: " سعيد مَن إكتفى بغيره"!!

هذا الشرخ المجتمعي المرسوم لتأمين الضعف وإستنزاف الطاقات، والإرتهان يالتصارعات البينية والإلهاءات اللازمة لنهب الثروات، وتوجيه الأنظار بعيدا عن حقوق المواطن، وقيمة الإنسان.

أين كنا، واين أصبحنا؟!!

مجتمعات الدنيا فيها تنوعات دينية وإثنية لا تعد ولا تحصى، وتعيش بالفة وسلام ومحبة معتصمة لوطنها الذي لا تفرط به، فهو وعاؤها الجامع الذي يضمها ويحافط على مصالحها.

أي دولة غربية فيها من كافة الأجناس البشرية وتعيش متآخية، لأن الدستور الوطني يجمعها والقانون ينظم حياتها، ولا شيئ فوق الوطن والقانون.

فلماذا التشرذم والأضغان؟!!

و"حب الوطن من الإيمان"!!

***

د. صادق السامرائي

ليس هناك وجه للمقارنة بين القومي والديني إذا ما أردنا أن نخلص الى نتائج موضوعية غير مبتورة أو ناقصة من حيث الخلاصات في المدلول والمعنى.

يظل القومي قومياً كهوية يصعب نكرانها، ليس لدى العرب فحسب، إنما لدى عموم قوميات شعوب العالم .. والدين هو الآخر يصعب اختزاله، لأن الدين لله والوطن للجميع .

الاحزاب القومية، أساساً ليست كلها متساوية من حيث المنطلقات الفكرية، وإن بعضها يؤمن بمقومات قومية   واقعية ومنطقية، وبعضها الآخر موسمي تشظى خلال عقود سالفة كانت تؤمن بهوامش مفاهيم وطنية أو محلية أو شخصانية فهي في المحصلة احزاب تبخرت ولم يعد لها وجود منذ الستينيات.

اما الاحزاب الدينية فمنطلقاتها تختلف جذرياً عن الاحزاب القومية، فهي عالمية لا تعترف بالحدود ولا تعترف بالوطنية ولا حتى بالقومية إنما بحكومة عالمية.. وهذا حلم مستحيل تحقيقه ووجودها بات معرقلاً لمنظور التقدم والتطور.. بينما الدين لا يحتاج الى وسيط بين الانسان وربه سبحانه وتعالى .. وعلى هذا الاساس فهما، الاحزاب القومية والاحزاب الدينية ليست متشابهة ابداً.

كما ان الاحزاب القومية ليست كلها متساوية او متشابهة كما اسلفنا، من حيث المنهج والمنطلقات الفكرية والمعطيات، فهي لا تبخس قيمة الوطن، فقد اثبتت نتائج حكم بعض الاحزاب عن تأسيس هياكل ودعامات اقتصادية وصناعية وتعليمية وصحية وتعليمية وتربوية وعسكرية عريقة اثبتت كونها (إنموذجاً) يرفض الغرب والصهيونية ظهوره في وسط معتمات المنطقة فأسقطها حفاظاً على مصالحه وأمنه وتطلعاته الإستراتيجية في العالم,

فالتحليل العلمي يشترط الموضوعية والاحاطة وليس الإختزال، وبدلاً من التساؤل : ماذا أنجزت الاحزاب القومية وماذا حققت الاحزاب الدينية - بهذا العموم -؟ كان ينبغي التساؤل لماذا اخفقت الاحزاب القومية؟ هل لأنها عاجزة ام انها تعاني اختلالاً مبدئياً أو عقائدياً ؟ او ان هناك اشكاليات جيو- سياسية مضادة منعتها من النجاح في اطار أللآءات الثلاث (لا وحدة  ولا اتحاد ولا تقارب عربي) إنما تكريس (التجزئة ومفاهيم دويلات المدن والتشرذم)؟

إن شروط البحث العلمي الموضوعي وضع النقاط على الحروف بطريقة ممنهجة، وليس مختزلة تشكل اطاراً للفهم المشوش.

فمن الصعب تقبل القول (إن هدف الاحزاب - بهذا الإعمام - النيل من الأمة وترقيدها وتحويلها الى عصف مأكول) إنما الصحيح لماذا لم يدع الغرب الأمة واقطارها تنجز وتتطور وتأخذ مسارها التاريخي في التحديث والنهوض؟، من يخلق للأمة صراعاتها ؟ ألم يكن الاستعمار البريطاني - فرق تسد - والاستعمار الفرنسي - فرنسة المجتمعات ؟ كما ان الشعارات التي رفعتها هذه الاحزاب سرعان ما اجهضتها قوى خارجية دولية واقليمية متحالفة وقوى محلية تعمل لصالح الخارج .. وهذا الأمر قد تم إختزاله ايضا ومن الصعب معرفة السبب، هل هو كلام عام ينطوي على شيء من التهكم او ينطوي على غائية مرصودة لا تمت للوطنية والقومية بصلة؟

وكما قال احد المعلقين الكرام (لماذا السعي الى تجريد المنطقة من عروبتها واسلامها في الوقت الذي تتعرض الى ابشع هجمة صليبية حاقدة .. لماذا ؟)

ليس من الصواب خلط الاحزاب القومية ؟ وليس من الصواب الصمت على تهميش الدين بإسم الاحزاب الدينية المشبوهة.!!

***

د. جودت صالح

27 اكتوبر 2024

 

دول الدنيا فيها المخيفة وأكثرها الضعيفة، والتفاعل بينها ديدن المسار التصارعي فوق التراب منذ الأزل.

فالقوي يأكل الضعيف، والتأريخ يحدثنا عن إنفراد قوى ما في الهيمنة إلى حين، بعد أن ينهكها التوسع والإمتداد التسلطي على غيرها، إذ تستنزف قواها وتخور قدراتها  لتفترسها قوة ناهضة تتحين الفرصة للفتك بها.

وهذه دائرة تصارعية مفرغة، ما تعلمت البشرية مهارات وآليات التحرر من قبضتها وسطوتها القاهرة.

ويبدو الواقع الأرضي المعاصر في مرحلة صعود قوى وهبوط أخرى، والقول بتعدد مراكز  السيطرة لا يتوافق  وإرادة الدوران  ومعطيات التأريخ.

فلا بد من قوة واحدة، تنفرد بالهيمنة إلى أن يحين أجلها الموعود.

فكل قوة إلى صعود  وإلى هبوط في ذات الوقت، فالقوة تنجب عناصر وآليات إضعافها منذ إنطلاقها.

ولا توجد قوة في التأريخ  لم تأكل نفسها بنفسها، وتتفتت بعد أن تستنفذ عمرها، وهذا ديدن الإمبراطوريات بلا إستثناء.

والجديد المعاصر أن التغيرات متسارعة، وأعمار القوى المتنفذة آخذة بالإختصار، فالقوة التي كانت تهيمن لقرون ، لا تمتلك فرصة البقاء لبضعة عقود، وأية قوة ناهضة لن تتجاوز معدل عمر البشر المعاصر.

ولن تجد قوة تتجاوز القرن بهيمنتها على غيرها، وذلك قانون الآن المبيد!!

***

د. صادق السامرائي

16\4\2024

 

كانت الحرب الأهلية من أعنف الحروب في الصين في العصر الحديث. اذ شهدت البلاد فوضى وخراب بعد سقوط أسرة تشينغ الملكية سنة 1911 م...

استمرت الحرب الأهلية حوالي الأربعين سنة، على مرحلتين، لم تتوقف إلا أثناء الاحتلال الياباني للصين في الثلاثينات من القرن الماضي...

في سنة 1913 م أعلن الزعيم صن يات سن قيام جمهورية الصين...

وكان صن يات سن متفتحا على الشيوعيين، اذ كان معجبا بالثورة الروسية فرأى أن لا مانع من التعاون مع الشيوعيين الصينيين، لكن بعد وفاته سنة 1925م، تسلم السلطة تشان كاي تشيك، الذي انتهج سياسة العداء ضد الشيوعيين لينفجر صراع عنيف ودموي ومدمر بين الطرفين...

ورغم التدابير العنيفة التي انتهجها تشان كاي تشيك ضد الشيوعيين ابتداء من 1928 م إلا أن ماو تسي تونغ استطاع الفرار الى الجنوب وتأسيس حكومة مستقلة في مقاطعة شانشي في جنوب الصين ـ، واعتمد ماو على الريف والفلاحين..

غزت اليابان الصين سنة 1931م، فاحتلت منشوريا في الشمال، وبسبب تزايد الخطر الياباني وتهديده لبكين، وجه الشيوعيون نداء لتشان كاي تشيك لتناسي الخلافات والاتحاد لمواجهة الخطر الياباني الجدي والوشيك...

وبعد هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية سرعان ما عاد الصراع بين الشيوعيين وتشان كاي تشاك من جديد، وبطريق أعنف، الشيوعيون يساندهم الاتحاد السوفيتي، وتشان كاي تشاك تدعمه الولايات المتحدة وأوروبا واليابان...

واستطاع الشيوعيون بقيادة ماو تسي تونغ إنزال هزائم كبيرة ومتتالية بقوات تشان كاي تشيك في الشمال والشرق، وفي سنة 1949م سرعان ما عبرت القوات الشيوعية الجنوب، فاحتلت نانجينغ، وقويتشو...

وفي الفاتح أكتوبر من نفس السنة، أعلن ماو تسي تونغ من بكين قيام جمهورية الصين الشعبية، بينما فرت قوات تشان كاي تشيك الى جزيرة تايوان تحت حماية الأساطيل الأمريكية...

***

بقلم: عبد القادر رالة

 

عندما كنت أتجول في آثار سامراء، أتساءل كيف تحولت القصور الجميلة الباهية إلى خرائب وأطلال خاوية؟

وأحتار بالجواب!!

فمن خرب قصور بني العباس.

ومن خرب الجامع الكبير؟

مَن ومَن ومَن؟

هل أن المسير إلى الأعلى يحث قوة تدفع إلى الأسفل؟

هل أنها قوانين فيزيائية أم تفاعلات كيميائية تؤدي إلى نتائج مخيبة؟

يبدو أن السلوك البشري في معظمه يخضع لمعادلات تفاعلية ذات عناصر متنوعة داخلة فيها.

وكيمياء النفس البشرية أو نفس المخلوقات عموما، تعبر عن تفاعلاتها الكيميائية بنتائج سلوكية متنوعة، والمشترك الفاعل فيها جميعا، أن هناك عوامل مساعدة لإدامة التفاعل، وعندما يغيب دورها يتباطأ التفاعل وتتناقص النتائج وتترك فتتسبب بتكوين عناصر مضادة لها، شأن أي حالة ساكنة يأكلها ما فيها.

إنطلقت إرادة بني العباس بعنفوانها المعبر عن خلاصة مكنوناتها وما بلغته من ذروة الإبداع والتفاعل العقلي مع الحياة، فأشرقت أنوار المعارف والعطاء الأصيل، فكانت سامراء الرمز المادي الممثل لتلك القدرة والقوة والعزة والكبرياء، فالعمارة فيها ترمز لدولة ذات هيمنة وسطوة على مساحات شاسعة في عدد من القارات.

فكان شروق الإرادة ساطعا منذ النشأة وحتى مقتل المتوكل (247) هجرية، حيث بدأت شمسها بالأفول، وتميل نحو الغروب محفوفة بالدماء والدموع.

فما حصل في سامراء من تفاعلات خضعت لقوانين الكيمياء والفيزياء، وإنتهت معادلاتها إلى نتائج سلبية أزالت ما كان شامخا، وحولت البناء إلى ركام.

فآل العمران المهاب إلى أطلال وخرائب، وتأكد أن ما عليها فان، إذا لم يتعهده بالإدامة إنسان!!

"دور الخلائف عافها سمارها...وتقطعت أسبابها تقطيعا

درجت بساحتها الحوادث وانبرى...خطب الزمان لها فكان فظيعا"!!

***

د. صادق السامرائي

الأحزاب القومية تبخس قيمة الوطن وتحسبه وسيلتها للوصول إلى أهدافها الخيالية، والأحزاب الدينية لا تعترف بوطن وتؤمن بأمة لا حدود لها.

وهما حالتان متشابهتان وإن تباينت المنطلقات والتوصيفات، لكنهما بأخذان المجتمعات إلى دروب الفشل والخسران.

ماذا أنجزت الأحزاب القومية؟

وماذا حققت الأحزاب الدينية؟

لو تأملنا الدعوات القومية وأحزابها منذ بدايات النصف الثاني من القرن العشرين، لوجدناها قد باءت بفشل ذريع في بضعة عقود من تسنمها السلطات في عدد من بلدان الأمة.

وكذلك الأحزاب الدينية منذ النصف الأول من القرن العشرين، وخصوصا بعد الحرب العالمية الأولى، فعلت ما فعلته في المجتمعات التي نشطت فيها، ووصلت إلى خاتمة بائسة، ولا تزال في مسيرة التدمير والإحتراب.

ماذا بعني ذلك؟

يمكن القول أن مصدرها واحد، وهدفها النيل من الأمة وترقيدها وتحويلها إلى عصف مأكول.

فهل وجدتم إنجازا يستحق الذكر ويمكن للأجيال أن تبني عليه؟

التماحق ديدنها، وكل أمة تلعن أختها، ودئرة الصراعات المفرغة لا تهدأ، وما نتج عنها تداعيات مريرة وويلات كثيرة.

فهل هذا ما سعت إليه؟

وهل أنها بمستوى شعاراتها وأهدافها المعلنة، أم أنها كانت تخادع وتنافق، من أجل البقاء في سدةالحكم لأطول فترة تستطيعها؟

يبدو أن هدفها الكرسي والإستحواذ على الثروات، وما طرحته على الناس مجرد كلام فارغ، محتواه  ضياع.

تحية لصديقي الذي كانت تنتابه نوبات ضحك عارمة كلما قرأ شعارا مكتوبا على لافتة!!

والإستلاب قائد مأمون!!

***

د. صادق السامرائي

 

هذه الايام ماليزيا مشغولة بأخبار مرض باني نهضتها الحديثة مهاتير محمد بعد أن ادخل الى المستشفى، الرجل الذي يقترب من المئة عام كان قد خسر قبل سنوات مقعده في البرلمان وتعرض لهجمة من المعارضة، لكنه لم يخرج على جماهير بلاده ليعلن أن هناك مؤامرة عالمية ضده، وانه احق بالكرسي، ولم يحاول ان يحرض انصاره، بل قرر ان يعتزل العمل السياسي وقال للمقربين منه : "لا أرى نفسي ناشطاً في العمل السياسي حتى أبلغ من العمر مئة عام، أهم شيء هو نقل خبرتي إلى القادة الشباب".

لا تزال صورة الطبيب مهاتير محمد وهو يبتسم تسرق الأضواء من صور معظم سياسيي بلاده، ولا يزال اسمه يشعر كل الماليزيين بكل ألوانهم وأطيافهم وقومياتهم بالاطمئنان للمستقبل، سحر العالم بتواضعه، وصلابته، عندما قرر ذات يوم، أن ينهي التخلف في بلاده، ويضع ماليزيا في ركب البلدان الصناعية، بعد أن كانت تستورد كل شيء تقريباً، وقبل أن يرحل عن كرسي رئاسة الوزراء كان قد وضع خططاً تنموية استمرت حتى عام 2020، تاركاً وراءه إرثاً اقتصادياً وسياسياً .

السياسي الذي أصدر عام 1970 كتاباً بعنوان "معضلة المالايو" انتقد خلاله شعب المالايو واتهمهم بالكسل، فوصفته الحكومة آنذاك بالرجل الساذج، لم يتوقف عن الحلم بالتغيير، بائع الموز الذي استطاع دراسة الطب في سنغافورة، والشؤون الدولية بجامعة هارفارد، عشق السياسة، وأتقن أصولها، وقرر أن يبدأ رحلته معها عام 1964، وليصبح عام 1981 رئيساً للوزراء في بلد كان يبلغ سكانه ثلاثين مليوناً، 70 بالمئة منهم يعيشون في فقر دائم، كل ما فعله وهو ينقل شعبه من الفقر إلى الرفاهية ان يذكرهم بالعمل الجاد، يسخر من المعجزات فيكتب: "ما حدث أبعد ما يكون عن المعجزة لقد حدث النهوض نتيجة للعمل الشاق والإيمان بالحلول العملية والواقعية والاعتراف بالسوق كقوة من قوى النمو والتعليم والانفتاح مع الأفكار ".

سيقول البعض لماذا تستشهد بتجارب الشعوب الاخرى، السنا نموذجا حياً للديمقراطية، بدليل ان السيد نوري المالكي رغم مغادرته منصب رئيس الوزراء منذ عشر سنوات، لا يزال يتحكم في مؤسسات الدولة، هل تريد ديمقراطية اكثر من اصرار التحالف التنسيقي على التحكم في كرسي رئاسة البرلمان رغم ان المحاصصة البغيضة منحته للسنة، لكن الاطار التنسيقي " مشكورا" مصر على ان لا بديل عن محمود المشهداني .

يعاني كاتب مثل جنابي من مشكلة عميقة مع البيانات التي تصدر في الغرف المغلقة، ولا أعرف ما إذا كنا نعيش عصر الأفذاذ كما قال المشهداني، فما معنى ان نعيد الى المنصب رجل ظل يصر على ان لا علاقة له بما يجري من فشل سياسي ما دام " يقبض المالات "

***

علي حسين

 

معظم التأريخ لم يدون في حينه، بل أن المدون منه مكتوب بعد وقت طويل من حدوثه، وربما بعده بقرون، والقليل من التأريخ المسطور خطته الأقلام في وقت قريب من حدوثه.

والمؤرخون المعروفون لم يشهدوا أحداث ما دونوه، بل كتبوا ما تناقلته الأجيال وشاع بينها.

فهل كل ما دونوه صحيح؟

والمشكلة أن الذي يقرأ المكتوب بعد عدة قرون، يضفي رؤيته على ما يقرأ، وكأن الأحداث حصلت وفقا لمقاييس العصر الذي هو فيه.

أي أن أكثر قراء التأريخ يقطعون الحدث عن مكانه وزمانه، ويستحضرونه في الواقع المعاصر لهم، مما يتسبب بقراءات منحرفة وخائبة.

فلا يجوز النظر إلى ما كان بعيون ما يكون الآن.

البشرية اليوم – رغم ما يحصل – أرقى مما كانت عليه قبل قرون.

البشرية تتقدم وتمتلك أدوات وآليات غير مسبوقة، فهل يصح أن نطبق ما عندنا على ما كان قبلنا؟

لابد من الإقتراب الموضوعي والعلمي المنطقي المحايد، بعيدا عن النوازع المطمورة في دياجير النفوس.

ويمكن القول أن النسبة الأكبر من المصادر التأريخية المعتمدة ليست محايدة، بل تغرف من ينابيع العطايا والأموال التي تغدق على أصحابها، وأكثرها تكون هدايا لمقتدر جوّاد، واسألوا الجاحظ عن كتبه المهداة إن كنتم لا تعلمون!!

***

د. صادق السامرائي

 

السلبية ما نتميز به  في سلوكنا ورؤانا وتصوراتنا وإقتراباتنا، وهذه الآلية الإدراكية تتحكم في الكثير من عاداتنا وإستجاباتنا لبعضنا البعض.

فعندما نقوم بأي نشاط لا نرى ما هو إيجابي فيه، ونحصر رؤيتنا بما هو سلبي وحسب، ونبني على ذلك إستنتاجات  ومواقف وتصرفات محكومة بالسلبية الصرفة، وينطبق ذلك على وجودنا الثقافي والسياسي والإجتماعي.

وينعكس في كتاباتنا وأشعارنا وأدبنا بأنواعه، فمعظم ما نأتي به تعبير صريح عن السلبية العاصفة فينا.

فحينما يزورنا أحدهم، أو نقوم بزيارة لبعضنا، لا نتحدث بعد الزيارة عن الإيجابيات وما سرّنا وأبهجنا فيها، ونأخذ بالكلام عن النواقص والعيوب وما لا يُرضينا.

وعندما نواجه أنفسنا بالقول أن هذا سلبي، نغضب وننكر ذلك.

وفيما يتعلق بنشاطاتنا الأخرى، فنحن لا نقيّم الإيجابي فيها، ونضع السلبي أمام أنظارنا، ونبني عليه الكثير من الحالات الضارة.

ومن الواضح أن أي شخص مهما يفعل من جديد وجيد  فمن الصعوبة أن نراه، ونقر أكثر بالسلبية  ونضخمها ونحسبها ما يقوم به.

وهذا يعني أننا ننظر بعيون السوء لكل ما يعنينا في حياتنا ومحيطنا وتفاعلاتنا.

فعين السوء هي المهيمنة على بصيرتنا وتفاعلاتنا مع الآخرين والمحيط.

ولهذه النظرة أسباب كثيرة ومتفاعلة ومكرسة بالتكرار، ففقدان قدرات إظهار الإيجابية تحقق السلوك السلبي، لأنه النتيجة الحتمية  لما نراه ونتصوره، فالذي فينا ينعكس على ما حولنا تماما وبتأثير متفق معه.

فعندما يكون منظارنا سيئ فلا نرى إلا السوء، وعندما يكون جيدا سنرى الجيد.

وبما أننا في الغالب نميل إلى العاطفة والإنفعال الساخن، فأن العقل أسير ومرهون ومقيّد بما تمليه  العواطف والإنفعالات  السلبية المتراكمة في أعماقنا والمرشدة لسلوكنا العام والخاص.

إن وعينا لهذه العاهة السلوكية الإجتماعية الضارة، يحقق فينا  قدرات الوعي الإيجابي، والإقتراب الحضاري الناجح من الحياة.

فالإيجابية تعني الأمل والثقة والقوة والقدرة على التواصل والتفاعل المثمر والعطاء.

وبدون الإيجابية لا يمكن للشعوب أن تكون وتتطور، ولا يستطيع الإنسان المسكون بالسلبية أن يأتي بما هو نافع وطيب.

لذا يكون من الواجب الوطني والإنساني والحضاري أن نتحرر من السلبية بأنواعها، ونعمل سوية لتحقيق الإيجابية في رؤيتنا وسلوكنا الإجتماعي والسياسي والثقافي والإنساني.

فالإيجابية حضارة وإنتصار، والسلبية خراب وإنكسار!!

***

د. صادق السامرائي

 

أبحث في الأخبار ومجادلات الساسة عن موضوع لعدد اليوم، وربما عن فكرة أقنع بها القارئ المحاصر باخبار الموت والفجائع، والصمت العالمي، في كل يوم تواجه بهذا السؤال الأزلي: لماذا تكتب عن فلان وتستثني"علان"، لماذا أنتم معشر الكتاب تناصبون النائبة "الشجاعة" العداء، فيما تغضّون الطرف عن نائب يحرض على متظاهري الناصرية؟!

ماذا نكتب ياسادة في بلد يرفع سيف القانون في وجه حرية التعبير، ويعتبر الحديث عن الفساد والمفسدين رجساً من عمل الشيطان، في موسوعته الكبيرة لمحات اجتماعية من تاريخ العراق يروي علي الوردي نقلا عن مؤرخ تركي: أن صحفياً في إسطنبول وجد مقالاته كثيراً ما تمنع من قبل الرقابة، فذهب إلى مدير الرقابة يسأله عن الحدود التي يستطيع أن يكتب فيها من دون أن تُمنع مقالاته، فأجابه المدير بأريحية قائلاً: "تستطيع يا عزيزي أن تكتب في كل شيء"، ولمّا أبدى الصحفي استغرابه من هذا الجواب، أخذ مدير الرقابة يوضّح له المقصود من عبارة "كل شيء" وقال له: "طبعاً! عن كل شيء سوى، الحكّام والحكومات الأجنبية الصديقة والثورة والاضطرابات والفوضى والحرية وحقوق الشعب والسياسة الخارجية والسياسة الداخلية والدين والتفكير الحر والسلطات وحريم السلطان والوطن والأمة والقومية والنواب والشيوخ والدستور والمؤامرات ومدحت باشا ونظمي بك والسلطان مراد والإصلاحات وموسم الجراد وبعض المواضيع الأخرى المتصلة إلى حد ما بهذه المواضيع".

يخبرنا الكاتب التركي الحائز على نوبل أورهان باموق انه بدأ حياته صحفيا، ضاربا بعرض الحائط بنصيحة والديه اللذين حذراه من السجن أو الموت مشردا في مهنة تقلق السلطات حتى الديمقراطية منها.. فكيف وأنت في إسطنبول التي تصحو كل صباح على خطاب جديد من خطابات الجنرالات؟، يكتب باموق: "إن الأسوأ هو الخوف.. ألاحظ أن الجميع خائفون وهذا ليس طبيعيا حرية التعبير تدنت حتى أصبحت في الحضيض" .

ماذا يفعل بعض اللذين يلبسون رداء المدنية ويوهمون انفسهم انهم كتاب مع درس باموق هذا.. سيضحك البعض من سذاجتي ويقول ياسيدي ان هؤلاء يجيدون التعلّق بأذيال المسؤول والسياسي، ويصمتون على ما يجري من انتهاك لحرية الشباب المحتج في ذي قار، بل البعض منهم يحرض على استباحة دماء هؤلاء الشباب .

هل تنفع حكاية علي الوردي مع كاتب عمود مثلي يرى أنّ البعض لا يريد للعراق أن يعبر هذه الكيانات التي يسميها عشّاقها أحزابا وكتلا سياسية، من أجل العيش دولة يشعر فيها الفرد بالحرية والكرامة والامان، لا يصطاده مدون " قابض " بالدولار في مواقع التواصل الاجتماعي ليتهمه بالخيانة، ولا يساومه نائب"مخادع" يتعشى مع الفساد ليلا، ويرتدي ملابس النزاهة امام الفضائيات.

***

علي حسين

يا ليتنا نعرف أجدادنا ولا نتخيلهم، ونضفي عليهم ما لا يمت بصلة إليهم، ونخرجهم من آدميتهم ونتوهم بأنهم الملائكة، أو الهابطون من السماوات القصية.

ما يحصل في واقعنا المعرفي، إسقاطات تخيلية عليهم، وتحويلهم إلى موجودات لا يمكن الوصول إلى مقامها، وتحقق إضفاء القدسية المبالغ بها عليهم.

فلا يجوز أن تتساءل أو تثير موضوعا لا يتوافق مع المنطق نحوهم، لأن الكثيرين سيعتبرونه إعتداءً غاشما وسيكيلون التوصيفات القاسية عليك، ويحسبونك من أعداء الأمة والدين.

أ ليسوا بشرا؟

لماذا التوهم بأنهم غير ذلك، ويتوطنون الساميات التي لا قدرة لدينا للوضول إليها؟

إن ما جاء به الأجداد، يمكننا أن نأتي بأحسن منه أو بمثله، ولا يصح في الأفهام الشعور بالدونية والإنكسارية وفقدان القدرات الحضارية الأصيلة.

الأحفاد فيهم الكثير من خصال الأجداد، فالروح متوارثة، والعقلية الإبتكارية الإبداعية تدب في الأجيال، ولا ينقطع حبل الوصال بين السابق واللاحق.

فلا تحسبوا أجدادنا صوامع عالية، وكائنات خيالية لا تتكرر، فلكل زمان رجاله وعقوله، وما تناقلته المدونات فيه الغثيث المرتبط بإرادة الكراسي الفاعلة آنذاك.

فلا يغرنكم المنقول فتحسبونه الصدق المطلق، فالذي كتبه بشر له مواقفه وآراؤه وتطلعاته الدنيوية المعروفة، فليس كل ما دونه صحيح، ونزيه مما فيهم من المطمورات والنوازع المتنوعة.

نحترم الأجداد، ونعتز بما قدموه للحضارة ، ولا نحسبهم نهاية المطاف وذروة الإقتدار الذي لن نصل إليه.

إنها فرية تعويقية، وتوجهات مقصودة للحط من إقتدار أمة ذات رسالة وعقول مستنيرة متفاعلة مع الأكوان البعيدة.

فهل لنا أن نكون مثلهم ونتجاوزهم؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

الذين يتمترسون بالماضيات، ولا يستطيعون التحرر من أصفادها.

وما أكثر الموضوعات المأترخة، التي تحدثك بلسان الغابرات، ولا يعنيها الحاضر والمستقبل، بل تريد إحياء الأموات والترنم بقيادة الأجداث، والإذعان لرؤاهم وما تفتقت به أذهانهم في زمانهم البعيد ، فكيف نكون والغوص في الرميم ديدننا العقيم.

المنشورات معظمها تفوح منها روائح لجثث متفسخة، وأجداث ما بقي منها ما يشير إليها، بعد أن أكلها التراب، وشبعت بها ديدان الأرض وآفاتها في ظلمة بطنها.

كتابات لا تمت بصلة لعصرنا، وتستعمل مفردات غثيثة، وتتسابق المواقع ووسائل الإعلام المتنوعة لنشرها وتسويقها بإندفاعية فائقة، وكأنها تريد الثأر من الحاضر بسيوف الماضي، في زمن ما عاد للسيوف دور مهم، بعد أن توفرت الأسلحة الفتاكة المرعبة.

ما فائدة إجترار ما مضى وما إنقضى؟

هل أنها لعبة تدمير وجود الأمة ومحق هويتها؟

"تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم، ولا تسألون عما كانوا يعملون"

فهل علينا أن نفسر ونؤول ونتبع أدعياء الدين؟

متى نستيقظ ونتنبه ونعالج تحديات حاضرنا بعقولنا الحرة المتفاعلة؟

إنها لعبة تمويتنا، وتقزيمنا، وتقطيع أوصالنا، فالهدف يؤهل عناصره للنيل منه، ويبدو أن الأمة تأكلها طاقاتها وقدراتها الحضارية، وكأننا نفترس وجودنا، ليهنأ الطامعون بنا، ويسعدون بما نقدمه لهم من إنجازات تؤمّن مصالحهم وتحمي مطامعهم، ونحن في غفلتنا عامهون!!

فإلى متى يبقى غبار الغابرات يخنقنا؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

لكل مخترع فعل سوء، فنوازع البشر تميل إلى أمّارة السوء التي فيها، وتخضع لإرادتها، وتسترشد بها لتأمين العمل السيئ المطلوب.

المخترعات معظمها أوجبتها الحاجة وتم تسخيرها لفعل الشر.

لو أخذنا الطائرة – على سبيل المثال -  إخترعها الأخوان رايت في 1903، وبعدها بسنوات إشتركت في الحرب العالمية الأولى (1914 - 1918) وصارت تلقي بحممها على الناس.

وتجدنا أمام المبتكرات المعاصرة بأنواعها، نواجه إستخدامات شريرة لا تخطر على بال، وتتسبب بخسائر مروعة وفتاكة.

هذه المخترعات تحولت إلى نقمة على البشر، لأن العقول ذات قابليات عدوانية وتوظف قدراتها للإستثمار في الموجودات، التي تطوعها لغاياتها وتطلعاتها الهادفة للإضرار بالآخر.

حتى وسائل التواصل الإجتماعي تحولت إلى وبال على الناس، وتحقق العمل من خلالها لتوجيه الهجمات الإليكترونية على الدول المستهدفة.

فهل ما إخترعناه ينفعنا أم يضرنا؟

من الواضح أن نفعه أكثر من ضرره، لكن العقول تؤهله لتأمين الأضرار عندما تجد ذلك لازما، خصوصا في الحروب والتفاعلات العنيفة بين المجتمعات.

أي أن كل مبتكر يمكن تحويله إلى سلاح!!

وبتعدد المبتكرات تعددت الأسلحة  بدرجاتها التدميرية المتباينة، ما بين البنادق التقليدية والأوتوماتيكية وأسلحة التدمير الشامل.

إنها النزعات العدوانية المطمورة في أعماق البشر، تدفعه للمضي في دروب التفاعلات السلبية القاضية بسفك الدماء والمحق المبيد.

ويبدو أن زيادة المخترعات تتناسب طرديا ما زيادة أدوات الشرور، لتوفر الخيارات والعقول القادرة على تركيبها بما يصنع منها ما يؤذي ويضر.

وبموجب ذلك، فالمخترعات تتنامى والصراعات تتزايد، وتكون أكثر فتكا ودمارا، لأنها تستعملها في أتونها.

فهل بمخترعاتنا سننصرع.!!

***

د. صادق السامرائي

 

ربّ قائلٍ يقول: وما مدرستك الابتدائيَّة، كي تفرد لمئويتها (1924–2024) مقالاً، فلا هي «أم آي تي» ولا «كيمبردج»؟ أقول: نعم، قياساً بالزَّمن والمكان، كانت هكذا، قرية قصية وسط الأهوار، لا شيء غير الماء والبردي، تشكلت مِن 600 جزيرة، عدها الاجتماعي شاكر مصطفى سليم (ت: 1985) في أطروحته «دراسة أنثربولوجيا لقرية في أهوار العراق» (جامعة لندن 1955).

طلب مني أحفاد أحفاد جيل «الأسديَّة» الأول، مشاركتهم لإحياء الذكرى، الأحفاد المحاطون اليوم بطاردات العقل، فكلٌّ صار يملك الحقّ بمنبرٍ ومدرسة، فلم يبق لما قدمته «الأسديَّة» إلا الذِّكريات، لكنَّ نداء الأحفاد للاحتفاء بمدرستهم يُقلل الأسى، مع ولادتهم تحت أهوال الحروب والحملات الإيمانيَّة، وما بعد القولِ قولٌ: «سينهضُ مِن صَميمِ اليأسِ جيلٌ/ مريدُ البأسِ جبارٌ عنيدُ» (الجواهريّ، أبوظبي: 1979).

تأسست الأسديَّة (1924)، حال سقوط المشيخة، بأربع طائرت بريطانيَّة، لم تدون المعركة غير المتكافئة، وكفاني ما قصه والدي، وكان شاهد عيان، وما ذكره الموثق عبدالرّزاق الحسني (ت: 1996) ضمن رسالة نشرها للشيخ سالم الخيّون (ت: 1954) في «تاريخ الوزارات»، فقبيل الهجوم على مشيخته وهدم قصره، اعتُقل بالبصرة، ونفي لسنوات.

عقب المشيخة، وسعت الدولة حضورها، فشيدت مركزاً للدوائر، ومستوصفاً طبياً، ومدرسةً، سميت نسبةً للقبيلة (بني أسد)، وبما أنَّ ما حصل ليس ثورةً، ولا ممارسة انتقام، احتفظ أبناء المشيخة بحظوتهم الاجتماعيّة، فمنهم يُختار المراقب العام للمدرسة، وكذلك رئاسة البلدية فيهم حتَّى انقلاب (1968). بعدها التحقت البنات في صفوف البنين، بلا اعتراض.

طبقت «الأسديَّة» منهج الدَّولة بحزم، في الصَّباح يُذكر اسم الملك، وصورته على الدفاتر، الموزعة مجاناً. كان أسعد الأوقات توزيع «التغذية»: بيض يجلبه التَّلاميذ مِن بيوتهم، البيضة مقابل عشرة فلوس، تُقدم مع بصل أخضر، وحليب، وخبزٍ، مع كبسولة زيت السَّمك. حتّى ذلك الوقت لا توجد هتافات وشعارات، غير رفع العلم، لكنها سنوات، تلاقفت الأحزاب تلامذتها.

عاد أحد تلاميذ الأسديَّة، من المدرسة الرّيفيّة، ليكون مديراً، الأستاذ وحيد الأسدي، ولا أظن أحداً مِن جيلنا وقبله، يسميه بغير «استاد وحيد». كان مهيباً أنيقاً، لا نجرؤ على ملاقاته خارج المدرسة. يقف في الصباح، وكأنه قادم مِن صالون أناقة، ليعلن رفع العَلم، والتَّفتيش على النَّظافة، فإن وجد ما لا يعجبه يقول: «الماء بلاش»! حتّى دارت الأيام، وصار الماء بفلوس، بينما المنطقة كانت أكثر ماءً مما قصده ابنُ جُبير (ت: 614 هج): «سئمت أرضها كثرة الماء، حتَّى اشتاقت إلى الظَّماء» (تذكرة بالأخبار عن اتفاقات الأسفار).

كان معلمو «الأسديَّة» مِن الأديان والمذاهب والأقوام: شيعة، سُنَّة، يهود، مسيحيون، صابئة، وأكراد، تنتهي خدمتهم، ويظلون على صِلة بالمنطقة. لا نتذكر أحداً سأل عن ضمائرهم وانتماءاتهم. خرج مِن الأسديَّة أدباء وكُتاب ومحامون ومهندسون وأطباء، نافسوا ببغداد، بينهم تلميذها ومعلمنا القاص فهد الأسديّ (ت: 2013).

لا أدري ماذا سيقول مَنْ قدم دعايته الانتخابيَّة (2010) بالافتراء: «يريدوننا نترك ديننا، نترك مرجعيتنا، تركوا مناطقنا بلا مدارس»، وقد كذبته اللوحة القديمة في واجهة «الأسديَّة» (تأسست 1924). تسلم أخطر المراكز، ولم يفتح مدرسةً، والأسديَّة منذ تأسيسها تشغل بناءً، بينما كثرت مع إسلامه السّياسيّ مدارس «الأكواخ»، وحصران يجلبها التَّلاميذ من بيوتهم.

عصمتنا «الأسديّة» مِن الخرافة، لذا ظلت عقولنا سليمة مِن الجهالة، خلاف الحال في عهد صاحبنا، صارت المدارس مفرخات للرثاثة، بهتك الحدود بين المدارس والمجالس، فإذا كانت المواهب ترفع أصحابها، صار عدمها الرّافعة.

كانت «الأسديَّة» عند تأسيسها واحدة مِن (221) مدرسة بالعراق كافة (الدَّليل العراقي 1936)، تستحق مئويتها التّذكار، وقد سرني حضورها في ذاكرة الجيل الحاضر، وسرني أنها احتفظت باسمها، وقد تبدلت أسماء جامعات ومعاهد، لتحل محلها أسماء ليس لها فضل في وجودها، بل أضرت بالعراق في معارضتها وسلطتها.

***

د. رشيد الخيّون - كاتب عراقي

 

تعليقات على محاضرة د. حارث حسن حول

الدكتور حارث محمد حسن باحث مجتهد وذكي وتعجبني كتاباته.  قبل ايام ارسل لي صديق فيديو يحتوي على محاضرة للدكتور حارث ويعقب عليها الدكتور حيدر سعيد وهو ايضاً رجل كفوء.

المحاضرة كانت بعنوان:

  "من الهامش إلى المركز: تحولات العلاقة بين الدولة والمرجعية الدينية الشيعية في العراق".

الفيديو يستغرق بحدود ساعة ونصف ولقد استمعت اليه بالكامل.

الذي لفت نظري، هو الاسلوب الذي كان يصف فيه الدكتور حارث السلوك السياسي لتلك الأحزاب  التي شاركت في العملية السياسية بعد العام ٢٠٠٣ حيث كان يتحدث عنها وهي تتصرف في منتهى الأناقة السياسية والتخطيط السياسي الحصيف وتقيّم علاقاتها مع مرجعية النجف ولا تعلن بعضها ولائها لمرجعية قم (او مرجعية طهران كما اسماها الباحث) لكي تحافظ على انتمائها العراقي الخ...

استعرض المناورات العقلانية السلمية للحصول على ادوار اكبر في الحياة السياسية !!

لقد وجدت ذلك غير موضوعي وغير مكتمل الاركان لاننا شاهدنا كيف تتصارع تلك الأحزاب باستخدام ادوات المال والسلاح ووسائل الاعلام !!!

هذه حقائق كبرى والجميع يعرفها:

- كل حزب لديه جناح مسلح

- كل حزب لديه مصادر تمويل كبيرة لايستطيع احد منعه من الحصول عليها.

- كل حزب لديه صحافته ولديه محطات تلفزيونية

- كل حزب لديه مايطلق عليه مراكز ابحاث تنطق باسمه وتبرر سياساته وتروج لاجنداته المختلفة.

- معظم تلك الاحزاب لديها علاقات دولية خارج النطاق الحكومي الرسمي..

- كل هذه الاحزاب تعلن عن اهداف تتقاطع احياناً مع الاهداف الرسمية للدولة.

الصورة البريئة لتلك الأحزاب التي حاول الدكتور حارث تقديمها هي ليست واقعية ولا اعتقد ان ذلك يعود الى جهل الباحث بالوقائع لأن الكل يعرفها ، ولكنها قد تكون نوعاً من المحاباة وتجنب الخلاف معها لاسباب لا اعرفها.

نحن نتحدث عن صراعات ومنافسات سياسية بين احزاب مختلفة ويجب ان نستعرض كل ادوات ذلك الصراع.

قد يرد الباحث بالقول انه كان يتحدث عن علاقتها بالمرجعية تحديداً ، لكنه ذكر بصراحة انها كانت تسعى لاكتساب الشرعية امام المجتمع من خلال اعلانها انها تسمع وتحترم توجيهات المرجعية !!

اي ان علاقتها بالمرجعية ليست ايمانية بالضرورة بل اداة من ادوات الصراع !!

اذن لماذا لاتقدم الصورة الكاملة عن ذلك الصراع؟؟

هل كانت تمتثل بالكامل لتوجيهات المرجعية في مختلف

شؤون الحياة؟

وتلك الاحزاب طالما كانت سياسية وتدخل في ميدان التنافس السياسي فأنه ليس محرماً عليها او معيباً ان تستخدم الادوات المتاحة طالما كان الوضع الراهن يسمح لها بذلك . اذن لماذا التردد في قول كل شيء؟ هل هو خشية تلطيخ سمعتها؟

انها ليست دور عبادة او مدارس للفقه ،بل هي احزاب سياسية ذات طابع او صبغة اسلامية.

***

د. صلاح حزام

من خلال قراءتي للقرآن الكريم  ومن وصايا الله تعالى ورسوله الكريم محمدا صلوات الله عليه وسلامه أن نتدبره بتمعن وأن نعكف على دراسته المستفيضة بمنهجية عالية وعقل متفتح مواكب لكل عصر وزمان لنعلم ما فيه ومراد آياته وأن نعرف مضامينه كوننا نحن المخاطبون العاقلون الذين أرسل إليهم هذا القرآن الكريم وأن نقف على كثيرا من الأعجاز البلاغي والمعرفي والعلمي لآياته التي تخاطب وتستفز العقل البشري الذي حبانا الله تعالى به عن سائر الكائنات الأخرى من خلقه ومن هذه الآيات التي استوقفتني مليا ودعتني إلى التفكر والتمعن بها هي آيات خلق الإنسان وأطواره وخصوصا الكلمتين التي ذكرت في القرآن (الإنسان – البشر) حيث جعلتني أفكر هل الإنسان يختلف عن البشر ومن المخلوق الذي خلق قبل الآخر وهل هناك اختلاف بينهما أو علاقة حيث أن دراسة الآيات القرآنية ومعانيها وإسقاطها على ما يتوصل إليه العلماء  من خلال أبحاثهم ودراساتهم الاستكشافية والعلمية والبحوث البايلوجية قد تتطابق مع مرادها وكلما توغلنا في البحث والدراسة تتكشف لنا كثيرا من صحة الحقائق التي ذكرها القرآن الكريم عن خلق هذا الإنسان المتطور ضمن أطار منظومة معقدة محدثة جديدة النمط والأسلوب الخلقي والمواد التي صنع منها البشر بأمر من الله تعالى وهنا ما يؤكده استفهام الملائكة الكرام عن هذا المخلوق الجديد الذي يختلف على ما ألفوه في الأرض من مخلوقات .

عندما نتحدث عن الكائن البشري نجد بعض الإشارات أو الدلالات في الآيات القرآنية تتحدث عن هذا الكائن  الذي خلق من الأرض كالنبات ضمن الكائنات التي أوجدها الله تعالى على الأرض من الماء ككائن مائي ثم برمائي ثم أنبته في الأرض ثم دب عليها كسائر الكائنات الحيوانية وهو على رأس سلم الخلق كما قال سبحان تعالى (هو الذي أنبتكم من الأرض نباتا) و(ومن الماء خلقنا كل شيء حي) وفي آيات أخرى قال (أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا) حيث أن (ثم) تدل على التراخي لمدة من الزمن أو الفاصل الزمني المعين بين حدث وآخر علمها عند الله فأن خلق البشر من التراب أولا أستغرق وقتا طويلا ليصبح خلقا آخر من نطفة ثم علقة ثم عظاما كإنسان له صيرورة وكيانا بأسلوب جديد وأن كثيرا من الدراسات والبحوث والآثار و الحفريات تصرح أن المدة بين خلق البشر والخلق الجديد المميز بقدرته المعرفية والمحدث جينيا (الإنسان) أخذت حوالي (1.7) مليون سنة حسب التوقعات العلمية وكما قال الحق (هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا) أن هذا الإنسان خُلق من مزيج مادة التراب والماء وهم عنصران مهمان في الطبيعة ليصبح طين لازب ثم صلصال من حمأ مسنون وأستمر هذا المخلوق في التطور على مدة يعلمها الله تعالى ليصبح علقة ثم مضغة مخلقة وغير مخلقة وهو آدم كأول إنسان (الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ الإنسان من طين ** ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ** ثم سواه ونفخ فيه من روحه.....) ووصفه في الآية الكريمة (أنا أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين) كما ذكرنا سابقا أن الإنشاء تدل على الشيء المحدث والمتجدد والمتطور من شيء سبقه في التصوير والكيفية .وقد ذكر الله تعالى كلمة الخلق مسبوقة لخلق البشر وإيجاده على الأرض فأنها تدل بمعنى الأنشاء من العدم حيث يذكر الإنسان كأول مخلوق من البشر من نتاج تطور علمي دقيق وبأيدي خالق علمي وصنع قمة الذكاء طوره على هذه الأرض لغرض ما في الزمان والمكان المحدد له متسلح بالقلم للأشياء والمعرفة والعقل والتمييز الناضج الواعي المكلف بالشرائع والسنن والمدرك لما حوله ولمن سبقه من الخلق يشبهه جسديا ومعاصرا ومتعايشا معه على الأرض أن كلمة الخلق التي سبقت الإنسان هي الابتكار والإبداع أصدق وأدق عبارة تعبر عن الإنسان وفي الختام يبقى هذا رأيا شخصيا وتحليلا وفهما لبعض آيات القرآن الكريم في هذا المجال من خلال تدبرها ووضعها على طاولة البحث والدراسة الذي أمرنا الله بها لفهم القرآن وآياته ومراده ليبقى هذا الكتاب المقدس متجددا في الفهم على مدى العصور تتلاقفه العقول النيرة المتطورة حتى قيام الساعة وليبقى الإسلام ومبادئه وإعجازه متطورا و معاصرا.

***

ضياء محسن الاسدي

كان لي قريب توفاه الله، مختصا بالنباتات، وعكف على تأليف موسوعته  عن الشجر في البلاد، لكنه لم يكملها وضاعت في غياهب حاسوبه، وما إستطاع أحد من أنجاله أن يستعيدها.

كان يحدثني عن الشجرة وأهميتها للحياة، وضرورة نشر ثقافة التشجير، وإحترام الشجرة ورعايتها بإهمام وإخلاص، فهي مصدر قوة وراحة نفسية، وتساهم في تهدأة المشاعر السلبية، فاللون الأخضر يبعث الراحة والسلام، وكلما تجردت الأرض من كسوتها الخضراء إزدادت هموم الناس وتألبوا على بعضهم، فالأرض الجرداء تعادي أهلها.

وعندما نعاين المجتمعات المقهورة الموبوءة بالويلات، نكتشف قلة مساحات اللون الأخضر في ديارها، وسيادة الأرض الكالحة الرمضاء.

في اليابان لا يتركون بقعة تراب مهما كانت صغيرة دون زراعة!!

فالإهتمام بزراعة الشجر يؤالف القلوب، ويوظف الطاقات للخير والنماء، ويبشر بتواصل الحياة ورقيها،  وتجاوزها لمحطات العوز والحرمان والشقاء، لأن البهجة سترفرف على المتواجدين في مروج الشجر،  والآنسين بروعة المناظر الزاهية الوارفة الظلال.

فما أروع التواجد في ربوع ناضرة خضراء.

إن التشجيع على سلوك التشجير، نشاط وطني مفيد، وتهيأة الوعاء الوطن الجميل للأجيال لتساهم في إنطلاقه الأصيل.

ويبدو أن العديد من أبناء المجتمع، أدركوا أهمية توطين الشجر في مدنهم وقراهم لمردودات إقتصادية وجمالية وسلوكية صالحة للحياة.

وإذا تواصل التشجير وتحقق توارثه، وأصبح قطع الشجر جريمة يحاسب عليها القانون ، فأن البلاد ستكون بعافية وألف خير.

ومَن لا يحترم أرضه لا يهنأ فوقها، فازرع ولا تقطع!!

***

د. صادق السامرائي

 

كان دريد لحام مدرسا للكيمياء عندما قرر أن يستبدل المعادلات الكيميائية بقبقاب خشبي، ليدخلنا معه الى عالم الكوميديا الغرائبية، حيث وجه انظارنا واسماعنا الى المصائب التي تحيط بنا من خلال دراما ضاحكة وحادة وسياسية في نفس الوقت.

كنت قبل مدة اشاهد مقطعا قديماً يظهر فيه غوار الطوشي وهو يجلس الى احد زبائن الحمام، حيث يخبره ان اسرة احد سكنة الحارة ستقيم دعوى ضد المختار، والسبب ان جناب المختار كان يتحدث مع سكان الحارة عن متانة الوضع واستقراره وعن الرفاهية التي يعيشون فيها، لكن المواطن المسكين ما ان سمع هذه الكلمات حتى مات من الضحك.

وجنابي غص بالضحك ايضا وهو يقرأ ما نشره الناطق ياسم وزارة البيئة حول أسباب التلوث في أجواء بغداد واصدر لنا سيادته مشكورا عددا من التوصيات منها ان نقلل من تواجدنا في الهواء الطلق فهو مضر للصحة، وان نلزم بيوتنا، وان نغلق النوافذ تيمنا بالمثل الشهير " الباب التجيك منخ الريح سده واستريح".

وكانت مواقع التواصل الاجتماعي قد ضجت باخبار التلوث البيئي في بغداد، وهو تلوث لا يختلف كثيرا عن التلوث السياسي الذي تعيشه العاصمة بظله، في الوقت الذي يسأل المواطن نفسه: اين مجلس محافظة بغداد مما يجري؟ .. لعل الجواب سهل عزيزي القارئ الكريم، فنحن نعرف جيدا ان الاحزاب التي استولت على مجلس محافظة بغداد، حولت بعض مناطق العاصمة إلى إقطاعيات خاصة بها. ولهذا اتنمى ان لا تسألوا لماذا تصر معظم الأحزاب للسيطرة على العاصمة بغداد، وكيف أن البعض لا يزال منزعجاً لأن كتب التاريخ تقول إن أبا جعفر المنصور بنى مدينة بغداد.

في مرات كثيرة يعاتبني بعض القرّاء لأنني أكتب بإعجاب عن مدن مثل دبي وسنغافورة وطوكيو، والآن اسمحوا لي أن أكتب عن مدن قريبة منا تحولت إلى مدن تضاهي مدن أوروبا، ونقرأ في الأخبار أن العراق يتقدم بدرجة واحدة على جيبوتي في مؤشر جهوزية نظامه البيئي . اما الدولة التي تصدرت في المدن الاكثر اهتماما بجودة الحياة في بلادنا العربية فهي ابو ظبي والرياض ومسقط .. وربما يقول البعض وهو محق؛ ما لنا والبيئة ونحن نعيش مع عقول تستطيع أن تشتري وتبيع المناصب في وضح النهار.

دائماً ما أشير إلى المرحوم جان جاك روسو.. لان صاحب العقد الاجتماعي يرشدنا إلى أن الأمم لا تزدهر في ظل مسولين يعتقدون أنهم وحدهم يعرفون مصلحة البلاد.. فالازدهار والتنمية والعدالة لا مكان لها في ظل خطابات طائفية ومتحيزة يعتقد اصحابها انهم وحدهم يملكون القوة والحزم، يخيفون الناس، لقد أدركت الشعوب أن الحل في دولة مؤسسات يديرها مسؤول لا يطالب الناس بغلق النوافذ .

***

علي حسين

 

والشعراء يتبعهم الغاوون، هذه كانت بداية الآيات الأخيرة من سورة “الشعراء”، والتي سميت بها، وهي آيات حافلة بالمعاني، تتحدث عن طبقة وصنف من الناس تمكنوا من أدوات الكلام العربي واستعملوه في خطابات مختلفة الأشكال والأنواع، عرف الشعراء بقدرات كبيرة على تحسين القبيح وتقبيح الحسن، والوعد بما لا يمكن الوفاء به، وإيهام استحالة ما يمكن الوفاء به، مستعملين أدوات بلاغية دقيقة تستطيع الوصول بمحمولات الخطاب الخبيث إلى أعماق الوعي دون استئذان للجهة المخاطَبة، وهي نفسها أدوات الخطاب السياسي.

والحقيقة أن المقصود بالشعراء في هذه الآيات الكريمة شعراء الكفار الذين كانوا بمثابة قنوات فضائية توجه سهامها للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى رأسهم عبدالله بن الزبعري، وضرار بن الخطاب الفهري، وأبو عزة الجمحي وغيرهم. وقد أشار إلى هذا الزمخِشري في (الكشاف)، والنيسابوري في (تفسير غرائب القرآن)، فالحق يقول في هذه الآيات: (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ)، مما يدل على أنها لا تشمل الشعراء المسلمين وهم المؤمنون العاملون للصالحات

وكان الخطاب السياسي أحد المضامين الشعرية الثقيلة عند شيوخ القبائل ورؤساء المعادن، ووقفة مع هذه الآيات تكشف بدقة عالية خصائص هذا النوع من الخطاب وحقيقته ومقاصده وجهاته المستهدفة،، وكان “السوفسطائيون” طبقة مثقفة يونانية اشتهرت بالقدرة على الإيهام والتشكيك والتلاعب بالمفاهيم والحقائق، وبغض النظر عن محلهم في الفكر العقلي الإغريقي فقد كان هؤلاء أساتذة بامتياز لمجموعات لها سلطات على العقل الاجتماعي والفكري، فيعلم الباحثون أن تلامذة هؤلاء كانوا غالبا محاميين وسياسيين، وكانت حججهم الخطابية والشعرية أكثر أنواع الخطابات المستعملة. شعراء البارحة -سياسيو اليوم- من البلاغة إلى شروط نجاح الخطبة السياسية مرورا بأسئلة مثل: …لماذا يكذب القادة السياسيون؟ وكيف يكذبون؟ وهما سؤالان يحيلان على عمق نظام الخطاب السياسي، فتحت الموضوع عجائب وغرائب.

لماذا يكذب القادة؟ عنوان كتاب ألفه جون جي ميرشيمر، يحكي فيه صاحبه حقيقة الكذب في السياسة الدولية، هم السياسيون أتباع “أفلاطون” صاحب نظرية “الأكاذيب السياسية النبيلة”! والتي نسج على طريقتها إسحاق شامير بقوله: “يجوز الكذب من أجل أرض إسرائيل”،،، هكذا هم الشعراء،، هكذا هم السياسيون، يتبعهم الغاوون والمغفلون، تراهم في كل واد يهيمون، وبالمخاطبين يتلاعبون، يقولون ما لا يفعلون، ولا يوازيهم إلا سحرة فراعنة عصر التنوير والتزوير، من مهرجي ومشعوذي الإعلام المكتوب والمرئي، فلا يقبل “الصباح” وإلا وكذبة أو أكثر.. ويتبعه “المساء” بمثله فيما يشبه “أذكار “الصباح” و”المساء” عند المؤمنين،، الكذب هو أداة من أدوات فن الحكم وحاول تحديد أصناف الكذب والأسباب التي تقود صانع القرار أو القائد للكذب والتكاليف والفوائد المحتملة.،، والكذب عادة موجه للداخل أي للمواطنين أكثر منه للخارج، فالقادة لا يلجأون للكذب على بعضهم البعض لعدة أسباب أهمها أمنية وللحفاظ على الثقة المتبادلة، ولكن القائد -حسب المؤلِف- يمكنه أن يكذب على شعبه وفي الأغلب هذه الكذبات أو التصريحات المغلوطة تصب في مصلحة الدولة حسب وجهة نظر القادة.

يقول بعض الفقهاء أن الإعلام والإعلاميين- في هذا الزمن- هم داخلون في قول الله عزوجل {والشعراء يتبعهم الغاوون} لان بعضهم يبطلو الحق ويحقو الباطل،، يرفعوا أقواما ويحطوا من قدر الآخرين،، فهم كالشعراء، أنهم يسلكون في المديح والهجاء كل طريق، يمدحون الشيء بعد أن ذمّوه، ويعظّمون الشخص بعد أن احتقروه .وقال الطبري: وهذا مثلٌ ضربه الله لهم في افتتانهم في الوجوه التي يُفتنون فيها بغير حق، فيمدحون بالباطل قوماً ويهجون آخرين {وأنهم يقولون مالا يفعلون} أي يكذبون فينسبون لأنفسهم ما لم يعملوه . وهذا حال بعض الإعلاميين اليوم، فهم يشبهون تماما أولئك الشعراء.

***

نهاد الحديثي

هي الفترة منذ سقوط بغداد في (1258) إلى دخول نابليون  مصر (1798)، والتي إستمرت (540) سنة، عاش فيها العرب بسبات عميق، وحالما إصطدموا بالفرنسيين، إستيقظوا، وإنطلقت في ربوعهم مدرسة البعث والإحياء، فسعت لإطلاق الطاقات الإبداعية المتصلة بجوهر الكينونة المعرفية، التي تألقت منذ عصر ما قبل الإسلام وحتى غزو هولاكو لبغداد.

ومن روادها محمود سامي البارودي (1839 - 1903).

ولا بد من إستثناء الأندلس التي سقطت في (1492)، وذهبت ريحها بعد ذلك.

الثابت أن الأمة بدأت تخرج من شرنقة الظلامية بعد منتصف القرن التاسع عشر، وتوثبت نحو التمسك بذاتها وموضوعها في النصف الأول من القرن العشرين، ففترة نهوضها عمرها يقاس بالعقود وليس بالقرون، وفي أقل من قرن تقدمت بقوة وقدرات متميزة، وبرز فيها أعلام نهضويون ومصلحون أفذاذ، وقادة أرادوها أن تصل إلى مقامات جوهرها الساطع.

وهذا يعني أنها أمة حية وقادرة على إستعادة دورها وتفاعلاتها الأصيلة مع عصرها، فأمم الدنيا إحتاجت لقرون لتخرج من ظلمتها وجهلها، ودول أوربا تقدم مثلا واضحا على ذلك.

فالأمة بخير رغم ما يحيق بها من التداعيات ويكتنفها من الويلات، فستتخطاها وتحقق وجودها اللائق بقيمها ومعانيها الإنسانية الحضارية.

فالأمة التي تحررت من قبضة أكثر من خمسة قرون، وإنطلقت في مشوارها متحديةً ومؤمنة بصيرورتها المُثلى، لقادرة على الإنتصار على نكباتها، والتفاعل مع إرادتها العزومة الطافحة بالمستجدات المعبرة عن هويتها وخصالها الفريدة.

إنها تكدح بجد ونشاط للخروج من أصفاد القنوط والتبعية والخنوع، وستنتصر وتكون.

فما يجري في ربوعها، يبعث على الأمل، ويطلق براعم التفاؤل والمعاني الحياة الحرة الكريمة، فالذي يستحضر التأريخ ويقارن مسيرتها الطويلة، يجد أنها بخير وتسير على سكة التعافي والسموق الحضاري الأثيل.

قد يستغرب البعض مما تقدم، لكن الزمن كفيل بتوضيح ذلك بأحداثه وتفاعلاته مع الأجيال الوافدة، فالأمة أفضل مما كانت عليه في بداية القرن العشرين، وستكون أقوى وأروع في نهاية القرن الحادي والعشرين.

وتلك سنة الحياة، وإرادة أكون الفاعلة فينا!!

***

د. صادق السامرائي

 

هل تعرف عزيزي القارئ ما هي المشكلة المزمنة التي نعاني منها في بلاد الرافدين، انها الذاكرة .. الكثير منا لا وقت لديه لكي يتذكر احداثا جرت قبل اشهر، فهو مشغول البال بالترند الجديد الذي يكتسح مواقع التواصل الاجتماعي، لا مكان لمراجعة الاحداث، ولا سؤال عن القضايا التي كانت تشغلنا قبل اسابيع قليلة واصبحت اليوم بلا اجابات، بل ان البعض يريد لها ان تغيب في دهاليز النسيان، قبل أيام كنت أقرأ خبراً عن فتاة أمريكية تعاني من مشكلة صحية حيرت الكثير من الأطباء حيث أن ذاكرتها تعيد ضبط نفسها كل ساعتين، ووصل بها الحال أنها لا تتذكر الناس الذين قابلتهم في نفس اليوم. وقال الأطباء إن الفتاة تعاني من مرض اسمه "ذاكرة السمكة" الذي يقول العلماء إن صاحبتنا السمكة تعاني الضعف في مسألة الذاكرة .

تذكرت السمكة وذاكرتها وأنا اتابع اخبار" الفتى المدلل " نور زهير، فقد عشنا مع اخباره، ولم يكن يمرّ يوم من دون أن نقرأ أو نسمع عن سرقة القرن، وكيف أن الدولة مهتمة باستعادة الأموال التي نهبت في وضح النهار.. والأموال كما يعرف جنابكم الكريم تقترب من ثلاثة مليارات دولار، وفي كل مرة نسمع جعجعة فقط، ولا نرى افعالا باستثناء التصريح " الحاسم " الذي فاجأنا به القاضي ضياء جعفر حيث اخبرنا " مشكورا " بانه كان وراء قرار اطلاق سراح نور زهير، اما قرار سفره فربما صدر عن جهات عليا اخرى من اجل ان يعيش الرجل حرا يتمتع بما لديه من أموال، فيما نحن منشغلون بـ " ترند " جديد يعيد ضبط ذاكرة هذا الشعب.

يكتب الحائز على نوبل للآداب وول سوينكا: "تعلمت أن لا أثق أبداً في سياسي"، وأعتقد أن العراقيين اليوم وبعد 21 من تحارب الفشل لا يثقون بالساسة، مثلما لا يصدقون ان هذه البلاد ستعيش عصر النزاهة ما دامت الفضائيات مصرة ان تذكرنا اننا نعيش عصر حميد الهايس .

بعد 21 عاما لا بد ان نؤمن ان بناء هذا البلد لا يتم عبر الخطابات والاهازيج . إننا، أيها السادة، نعيش الآن، صراع الوجود لا صراع الطائفية. وفي نهاية هذه المعركة ثمة طريقان: أما بلاد تسعى للمستقبل، واما الاستمرار في البحث عن أصحاب "ذاكرة السمكة".

المشكلة الكبرى في هذه البلاد أن الجميع يتحدث بالقانون، لكنه يرفض التمييز بين العدالة والكوميديا، وفي الدول العادية يكون القانون سيفاً قاطعاً لمحاربة سراق المال العام. أما في بلاد الرافدين فنجد المسؤول والسياسي يصر على اننا شعب بلا ذاكرة

***

علي حسين

 

هذه المرة لن أتحدث عن السياسة وإنما عن كرة القدم.

في محاضرة له في الديوان العراقي في ولاية فرجينيا الأمريكية كانت لنا فرصة اللقاء بالأخ هشام عطا عجاج، وأنا هنا لست في وارد الحديث عن طيبة هذا الرياضي اللامع وعن نبله ورفعة أخلاقه إضافة إلى الانجازات الكبيرة التي حققها للرياضة العراقية وجعلته إحدى أيقونات كرة القدم عراقياً وعربياً، وإنما الذي يهمني هنا ما قاله وهو يؤشر تاريخ اللعبة في العراق إن اباه كان قد طلب منه في بداية ممارسته لهذه اللعبة التوقف فوراً لأن هذه اللعبة (ما توكل خبز) ولأن نظرة المجتمع إلى اللاعبين كانت غير لائقة.

تذكرت ما قاله، وأنا أتابع أخبار صفقات إنتقال اللاعبين من نادي إلى آخر حيث عرض نادي سعودي مبلغاً بمئات الملايين من الدولار على الأسطورة الكروية ميسي تغطية لعامين من اللعب بين صفوف فريقه. وفي زمن سبقه كانت صفقة إنتقال اللاعب البرازيلي نيمار من برشلونة إلى باريس سان جرمان قد بلغت مبلغ 222 مليون دولار إضافة إلى حصوله على مبلغ 50 مليون أخرى تعويضا عن ما أدري شنو

ولأن ملكية نادي سان جرمان الفرنسي تعود إلى مستثمرين قطريين فإن خبراء فن الكولسة والتسويق سرعان ما أكدوا على أن الصفقة ليست تجارية بحتة، وإنما هي إحدى الوسائل الأساسية لتحسين صورة قطر أمام العالم وذلك لتقديمها كدولة متحضرة بعد أن بذل اخوتها الخليجيون أقصى جهودهم لتصويرها على أنها الراعي الأول للإرهاب في العالم.

***

نسخة منه إلى ...

1- نجم الرياضة العراقية هشام عطا عجاج الذي أكاد اسمعه وهو يتحدث مع صورة المرحوم أبيه الذي قال له ذات يوم أن كرة القدم ما توكل خبز

2- إرهابيو داعش وماعش وما بينهما لتذكيرهم أن العمل على تدريب وإرسال لاعب كرة قدم مسلم إلى نادي كرة قدم أوروبي هو خير دعاية للإسلام بدلا من إرسال "لاعب" من فريق إنتحاري، وإن سجود اللاعب الأيقونة صلاح على أرض الملاعب الإنكليزية بعد تسجيله لهدف رائع هو خير دعاية للإسلام بين صفوف الأوربيين الذين يصفقون له إعجاباً بعد أن كان له فضل جعل إسم (محمد) اسماً يتغنى به الإنكليز بعد أن حوله الإسلاميون على الطرف الإرهابي إلى إسم يخاف منه حامله المسلم.

3- لسيدنا الذي حرم ذات يوم لعبة كرة القدم لأنها تلهي الناس عن العبادة لأجل أن يتذكر أن كرة القدم في العراق هي إحدى الوسائل الأكثر نفعاً لخدمة شعار (اخوان سنة وشيعة هذا الوطن ما نبيعة).

4- إلى كل من يقرأ مطبوعي هذا مذكراً إياه إنني لا أتحدث هنا عن السياسة وإنما أتحدث عن السياسة.

***

د. جعفر المظفر

حول اللغة العربية بأفريقيا في دولة تشاد

أعلنت رئاسة المؤتمر العلمي الدولي، الذي سيقام بالعاصمة التشادية إنجامينا، تحت رعاية رئيس الجمهورية التشادية محمد ادريس ديبي إتنو، والرئاسة الشرفية للإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، في موضوع "تحديات اللغة العربية في أفريقيا وآفاق التواصل الحضاري" احتفاء باليوم العالمي للغة العربية دورة 2024 ، والمنظم في الفترة ما بين 18 / 20 دجنبر 2024، بمبادرة من المجلس الأعلى للغة العربية في أفريقيا، (أعلنت) اعتمادها ثلاثة خبراء مغاربة ينتمون للائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية بالمملكة المغربية، على رأس هيئات ولجان المؤتمر.

ويتعلق الأمر بكل من الدكتور فؤاد بوعلي، نائب رئيس اللجنة العلمية ونائب رئيس المجلس الأعلى للغة العربية بأفريقيا، والدكتورة فاطمة حسيني، عن لجنة تنسيق المؤتمر، والدكتور مصطفى غلمان مكلف بالإعلام الدولي للمؤتمر. ويشارك في المؤتمر الدولي العلمي إياه، نخبة من أكبر مفكري عربية الضاد وأكاديمييها، من عدة دول عربية وإسلامية وأفريقية، حيث سيناقشون أدوار ومواقع مؤسسات اللغة العربية في إفريقيا في ترسيخ التواصل الحضاري، وتكاثف الجهود وتبادل الخبرات والتجارب والمبادرات في مجال قضايا اللغة العربية وآفاقها في إفريقيا، وكذا التعريف بمرجعيات وأسس إعداد مناهج تعليم العربية في إفريقيا في مختلف المراحل التعليمية، علاوة على التعريف بالمناهج المعتمدة في مؤسسات التعليم لأغراض دينية وتحدياتها وآفاق تطويرها، وتسليط الضوء على مقاربات جديدة تستجيب للمعايير الدولية في تعليم اللغة العربية للناطقين بغريها وتعلمها، وتشخيص واقع برامج تكوين معلمي العربية ف يإفريقيا بين المعايير والتحديات ومواصفات معلمي اللغة العربية في السياق الرقمي، والتحديات التي تواجه تعليم اللغة العربية وتعلمها في افريقيا والفرص المتاحة له.

***

 

تعاملت مع محررين أجانب عندما كنت أكتب باللغة الإنكليزية، وتعجبت من ملاحظاتهم، وأذكر أن أحد المقالات أعيدت إلي عدة مرات، وفي كل مرة يطلب المحرر النظر في عبارة ما لأنها غير مفهومة، ويجب أن تكون واضحة للقارئ، وإلا ما قيمة أن يقرأ المواطن شيئا غامضا!!

تذكرت تلك التفاعلات مع المحررين الأجانب في المجلات العلمية الرصينة، وأنا أتصفح المنشور الذي يبعدك عنه من أول سطر، وعندما تحاول مواصلة القراءة تجد نفسك ما عرفت شيئا، ولا فهمت ما يريد الكاتب؟

فهل هذه كتابات، أم خربشات وهذيانات، وعبارات مغلفة بالخوف، وتفوح من كلماتها رائحة الرعب؟

الكتابة جرأة، وتحدي وإصرار وتمسك بالحقيقة مهما كان الثمن باهضا، ومن لا يستطيع الإرتقاء إلى قيمة الكتابة ودورها التنويري التثويري، عليه أن يكسر القلم ويستريح، ولا يتعبنا بالغموض الغثيث، الذي حولناه إلى ميزة عالية للكتابة بأنواعها.

لمن الكتابة؟

هل أنها للكاتب نفسه، أم للقارئ؟

إذا كانت للقارئ عليها أن تتسم بالوضوح، وتمنح المتعة وتحفز التفكير وتطلق الأفكار القابلة للحياة، أما أن تجد كتابات لا يعرف كاتبها ما يريد قوله، وكأنه يكتب بمداد الحيرة، فهذا إعتداء على الذوق العام، وتحطيم لأركان الكتابة، ومحق لرسالتها.

ويواجهك العديد من أولياء الغموض بالتقليل من قيمة الكتابات الواضحة، وينعتونها بالمباشرة الخالية من الرمزية والقابلية على التأويل والتعليل، ولا تمنح الفرصة لتشريح النص والوصول إلى دلالاته، وكأن الكتابة الجيدة يجب أن تكون ملغزة ومزعجة للقارئ، وعليه أن يعاني ليعرف مقاصد مَن كتبها.

فلماذا لا نكتب بوضوح لنريح ونستريح؟ّ!!

و"عقول الناس مدونة في أطراف أقلامهم"!!

***

د. صادق السامرائي

 

الاوضاع العامة تشيرالى متغيرات على المسرح السياسي الدولي، الأمر الذي يستدعي تحديد هذه المتغيرات وتحليل أبعادها ومضامينها ومدى اقترابها او إبتعادها عن الأحداث التي تجري في ساحات الصراع في المنطقة وخاصة الملفات المهمة فيها .

 وقد أجمع كل من (أميركا وإسرائيل وأوربا) على قرار ينفذه الكيان الصهيوني في اطار استراتيجية متوسطة المدى تعني بمنطقة الشرق الأوسط التي تمتد من حافات المحيط الأطلسي حتى الخليج العربي وتضم كل من تركيا وايران .

ويعد هذا الإجماع والهدف الذي تم تحديده، بعد طوفان الأقصى، ضرب مراكز القوة في المنطقة إثر حدث 7 اكتوبر الماضي، الذي كان لتأمين نظام الحكم في طهران من الإنهيار .. وذلك في معادلة غير محسوبة العواقب أو أن حساباتها غير دقيقة وربما مخترقة في شكل توريط افضى بتدمير القوة في جنوب لبنان وتدمير القوة في جبال صعدة وجزيرة حنيش اليمنيتين ووضع القوة المسلحة في العراق أمام حالة الردع القصوى .. الأمر الذي جعل المنطقة تواجه متغيرات متفق عليها أميركيا وأوربياً وإسرائيلياً ومحلياً عربياً تشدد على أهمية وضع مقيدات وضوابط (جيو- استراتيجية) تمنع التمدد او التوسع وتمنع الخرق وزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة الغنية بالنفط .

وأحد اهم الخيارات الأستراتيجية ضبط عناصر القوة النووية الاقليمية في المنطقة، ومعالجة أدوات الخرق المضادة على وفق نظرية (الرأس والأطراف) وأيهما الأولي..؟ وقد اتضح أن هذه الاستراتيجية قد نفذت أولاً بالأطراف، حيث الحزب الأسلامي في لبنان والحزب الحوثي في اليمن والتنظيمات الإسلامية العراقية المسلحة تحت الضغط .. ومن المحتمل انتقال هذه النظرية من الأطراف إلى الرأس في حال الإنتهاء من المرحلة الأولى لهذه النظرية والتوجه لإجهاض الخط العسكري النووي السري جنوب بحر قزوين، شريطة انهاء حالة التمدد خارج حدود (الجغرافيا – السياسية) لدول المنطقة وعدم تهديد مركز المصالح الدولية المشتركة فيها والإلتزام بالتراجع خلف الحدودها الاقليمية المرسومة والإلتزام بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى .

فهل ان هذه الإستراتيجية كفيلة بأن تضع قواعد جديدة للتعامل تتضمن قيود صارمة تمنع الإخلال بنصوصها وتمنع التسلل عبر مختلف الأدوات غير المبررة من اجل زعزعة الأمن الاجتماعي والاضطراب السياسي ونهب الموارد؟

المعادلة الإستراتيجية الجدبدة هذه لها ابعاد لا تتحمل التجزئة كما إنها لا تتحمل السلوك الإنتقائي ..!!

***

د. جودت صالح

12/10/2024 

 

رفضت هان كانغ، أول كورية تفوز بجائزة نوبل للادب، عقد مؤتمر صحفي، مشيرة إلى المآسي العالمية الناجمة عن الحرب بين أوكرانيا وروسيا والصراع الإسرائيلي الفلسطيني. ونقل والدها الروائي هان سونغ وون، البالغ من العمر 85 عامًا، رسالتها خلال مؤتمر صحفي حيث قائلا:"  قالت لي (هان) مع تصاعد حدة الحرب وقتل الناس كل يوم، كيف يمكننا أن نحتفل أو نعقد مؤتمرا صحفيا؟ مؤكدة إنها لن تعقد مؤتمرا صحفيا".. وكان والدها قد صرح للصحفيين بانه لم يستطع تصديق الخبر في البداية، وعندما اتصلت به احدى الصحف قال للمراسل:" يبدو ان بعض الاخبار الكاذبة بدأت تضللكم "

وكان هان سونغ قد نصح ابنته بعد اعلان فوزها بالجائزة باختيار دار نشر لعقد مؤتمر صحفي،  في البداية وافقت وقالت له إنها سوف "تجرب الأمر"، ولكنها غيرت رأيها فيما بعد ..كما نصحت هان كانغ والدها بعدم إقامة مأدبة احتفالية في المدرسة الأدبية.

وكان الاب يخطط  لإقامة حفل في مسقط راس ابنته لكن الفائزة بنوبل طلبت منه ألا فعل ذلك. وقالت: "من فضلك لا تحتفل بينما تشهد هذه الأحداث المأساوية. لم تمنحني الأكاديمية السويدية هذه الجائزة للاستمتاع بها، بل لكي أحافظ على صفاء ذهني".

وكانت هان كانغ قد اعربت عن دهشتها بعد تلقيها خبر فوزها بالجائزة، وقال لابنها يبدو ان الامر مجرد خدعة . لكنها بعد ان تلقت مكالمة سكرتير جائزة نوبل قالت:" أنا مندهشة للغاية وأشعر بالفخر الشديد.. لذا آمل أن تكون هذه الأخبار سارة لقراء الأدب الكورى وأصدقائى وكتابى". واضافت:" عندما انتهت المكالمة الهاتفية مع سكرتير الجائزة، استعدت إحساسي بالواقع ببطء وبدأت أشعر بالامتتنان  "

واستقبل الكوريون الخبر بفرحة عارمة فى الشوارع بحسب تقارير إخبارية كورية، وبعد اعلان الخبر امتدت طوابير الزبائن خارج متاجر الكتب، وقالت أكبر سلسلة متاجر كتب في كوريا الجنوبية  إن المخزون من رواينها نفذ على الفور، كما ارتفعت مبيعات أعمالها  الروائية فى المكتبات الإلكترونية فى كوريا الجنوبية، حيث تم بيع أكثر من 130 ألف نسخة فى أقل من يوم واحد على منصتين رئيسيتين. وأفاد مركز "كيوبو" للكتب وموقع "يس 24" بان جميع جميع كتبها بيعت بشكل فوري، ولا يمكن الحصول عليها إلا عن طريق الطلب المسبق.

***

علي حسين

 

البشر جميعهم، كلٌ ينظر الى الاشياء والاحوال من زاويته الخاصة .. والزوايا الخاصة لا تعد ولا تحصى، تتضارب وتتقاطع وتتساوى وتتصارع وتهادن وتعايش، وكل منها يشعر ويعلن انه الأمثل والأحسن والأقوى والأجدر والأجمل.. ومن هذا الزخم الهائج تنز الفوضى والصراعات وتحتدم الاضداد.

هل كل ذلك بسبب الدين كما يقول البعض؟ أم بسبب نوازع البشر ورؤيتهم للاشياء والاحوال من زواياهم الخاصة، ولا من يضبط إيقاع الرؤى لمنع الصراع من أن يبلغ مستوى العنف.

في الدين ضوابط اقوى من ضوابط الدنيا ومع ذلك يستمر الاحتدام وتستمر النوازع تحصد الشر اعتمادا على تلك الرؤى المنبثقة من تلك الزوايا الضيقة التي مبعثها البشر.

يقولون لولا الدين او الاديان لما كان هناك صراع بين البشر؟ فهو، في زعمهم سبب التطرف والعنف والتعصب، تحت ذريعة حماية أو الاحتماء بقدسية النص الالهي، وكأن الله سبحانه قد وزع تفويضاً على رجال الدين لكي يكونوا ظلا له على الارض و يعملوا كوكلاء، والاخرون تابعون صاغرون لا يمتلكون (الحقيقة) ولا يحق لهم الاعتراض، بل عليهم الطاعة وتقبيل ايادي الذين يفتون .

سبب الصراع والعنف لا يكمن في الدين، إنما في مدركات العقل البشري ونوازعهم الانانية والتفردية المتسلطة وإذا ما تم تشذيب هذه النوازع تتلاشى تقريبا تلك (المماحكات) والإحتكاكات والصراعات التي تظهر بهذا الشكل أو ذاك تبعاً لصرامة الموضوع أو الحدث.

فهل يستطيع الانسان ان يتخلى عن الايمان بالافكار والمعتقدات ..؟ فمن الصعب الإعتقاد بذلك طالما أن الكائن يحتاج إلى (أمل) للوصول إلى هدف قد يكون في صيغة معتقد .. فمن حق الكائن ان يعتقد بما يشاء ومن حقه أن يؤمن ايضا .. ففي الهند طوائف تعبد البقر وطوائف تعبد الفئران وطوائف تعبد فرج المرأة .. ومنهم من يتبارك بشرب بول البقر والإبل ، وهناك من كان يعبد الشمس والقمر والرياح في الزمن السحيق، وهناك من يؤله الإنسان ويعتقد بأنه إبن الله، وهناك من يرى الامام ظل الله على الارض وهناك من يرجح الإمامة ويرجح الاولياء الصالحين على الانبياء المرسلين، في ذكره وقيامه وجلوسه وترحاله والنبي موحى له من الله سبحانه، والأولياء والصالحون ليس موحى لهم . هم اولياء وليسوا انبياء ، هنا الفرق الذي يكرس الخلط الذي بدوره ينشأ الخطأ . الله يختار انبياءه ولا يختار اولياءه،  وهذه حقيقة جازمة لا غبار عليها ولا تشكل أية إساءه لا للأولياء  ولا للدين .

 الله والدين والسياسة.. هل من ترابط؟

التفكير السليم والمنطق العقلي يؤكد على ان الله سبحانه وتعالى مكانته في علاه خالق الكون .. وان الله لا يمتلك احزاباً سياسية ينشر من خلالها آياته ورحمته واحسانه وعدله على الناس .. فلماذا تأسست (احزاب الله) إذن؟ ومن اسسها؟ وهل كان ذلك بتفويض من الله؟ هل قال الله لعباده اسسوا لي احزابا على الأرض؟

كيف نضع اصبعنا على الاشكالية؟

هل الدين او الاديان هي سبب الصراعات الجوهرية أم أن الرؤى الضيقة القاصرة المعقدة للبشر هي السبب الجوهري للصراعات؟ وهل ان الاديان التي جاء بها الله سبحانه لكي يتصارع بسببها البشر وتسفك الدماء؟ أم جاء الدين او الاديان من اجل الهداية والرحمة والانصاف والعدل والمساواة بين البشر؟

اذن اين يكمن السبب؟ من الذي يبدأ ويباشر بالصراع والتناحر وارتكاب الأثم والفساد هل الدين أم الأنسان؟

- الأنسان قد يغالي ويكابر ويكذب وينافق.. أما الدين فلا يرتكب الإثم والفساد والكذب والنفاق.

- الأنسان قد يفتي ويزعم انه ظل الله على الارض، وان الله أوكله روحياً ومادياً ليحكم البشر بأسم الله، فهو (روح الله) و (وكيل الله) .. ولكن البشر، يأكلون ويشربون ويتغوطون ويتناسلون.. فكيف للإنسان أن يكون روح الله ووكيل الله ؟ وهل يحتاج الله إلى وكيل ينوب عنه ليحكم بغرائزه ويقود البشر كما يريد؟

- القدسية في الكتب السماوية التي انزلها الله سبجانه على انبيائه الكرام وخاتمتها القرآن الكريم المنزل على النبي الكريم محمد (ص).

فالبشر ليسوا مقدسين، قد يكونوا صالحين في تفكيرهم وسلوكهم ونتائج أعمالهم يسمونهم مصلحون ومفكرون وعلماء وناسكون في الصوامع والكنائس والجوامع، ولكنهم غير مقدسين لكونهم بشر، والبشري ليس مقدساً إلا الذي يوحى له حصراً وهو النبي .

- في ظل الرسالة النبوية الشريفة كان النبي الكريم يجمع بين سلطتين (دينية ودنيوية)، وحين توفاه الله لم تعد هنالك سلطة دينية، إنما دنيوية ممثلة بسلطة الإدارة وهي سلطة سياسية انتجت بعد الوفاة صراعات على الحكم وإدعاءات بالأحقية وكلها رغبات (دنيوية- سياسية) ما تزال الشعوب تعاني من ويلاتها لحد الآن، عدى بعض الدول التي: فصلت الدين عن السياسة وإستخلصت روح الدين وهي (العدالة والإنصاف والمساواة في الحقوق والواجبات) وطبقتها في تشريعاتها الادارية والمدنية واكدت على السيادة والاستقلال الوطني وتمسكت بمبدا عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى واتخذت مسار عدم الانحياز لأية قوة دولية أو إقليمية. وباشرت بالتنمية المستدامة ونوعت مصادر الاقتصاد والتسلح وطبقت مبدأ المعاملة بالمثل.

- المبدأ الأول لتطور الدولة هو فصل الدين عن السياسة،  إذ لا يجوز لرجل الدين ان يقحم الدين في السياسة ولا يجوز لرجل السياسة ان يستخدم الدين اداة في السياسة.

- المبدأ الاول لتطور المجتمع هو فصل الدين عن السياسة.

- عمل رجل الدين في اروقة المساجد والجوامع والمعابد .. وعمل رجل السياسة في اروقة مؤسسات الدولة السياسية كالبرلمانات والرئاسات والوزارات .

هذا هو الطريق الأمثل لنجاة الدين ونجاة الدولة من التداخل والتفسخ .. فالدولة الدينية لا تعيش طويلا  بسبب احتكار السلطة وتكفيرالآخر والتسلط والتحكم .. والدولة السياسية لا تعمر طويلا إذا ما ابتعدت عن توفير حاجات الشعب ومتطلباته الاساسية (الغذاء والدواء  والأمن والأمان والحياة الحرة الكريمة).. وتعد هذه المتطلبات المحك الذي يبقي أو يزيل الحكومات في أية دولة، وهو في حقيقته قانون واقعي - اجتماعي يتسم بالتوازن، حتى إذا وفرت الحكومات الغذاء والدواء وأخلت بالأمن والأمان أو بالحرية والاستقلال الوطني، فإن بقاء هذه الحكومات غير مضمون، ولا يعمر طويلا.

العالم يخلو تقريباً من حكومات دينية وذلك بحكم الواقع السياسي الدولي والظروف الموضوعية التي لا تسمح بذلك. فيما تمارس حكومة دولة سياسات استراتيجية وتعلن نفسها دولة دينية .. ومن هذه الزاوية تنشأ (الإزدواجية) في النظرية والتطبيق .. فلا هي دولة دينية ولا هي حكومة سياسية .. الأمر الذي يجعل التعامل معها أمراً معقداً وفي غاية الصعوبة، كما انها تبقى مصدرا للإرباك وتشويش قواعد التعامل السياسي والدبلوماسي والثقافي والاقتصادي والاجتماعي في محيطها القريب والبعيد.

والتساؤل هنا ما هو مستقبل دولة الازدواج في المنطقة؟ هل تبقى على حالها كما هي تريد او كما يراد لها ان تبقى؟

هي طبعاً تريد ان تبقى وتستمر .. ولكن المتغيرات تشير إلى ان إزدواجية الدولة الدينية من الصعب تقبلها في محيطها السياسي القريب ولا البعيد بحكم تغير الظروف الموضوعية التي لن تعد تسمح .!!

***

د. جودت صالح

7 / 10 / 2024

 

الكلمة نور، والفكرة نور، تصنعان فضاءات أنوار في عبارات ذات حضور.

الكلمة الطيبة صدقة، والفكرة الراجحة بركة، والقول الصادق منار، والرأي الصائب مسار.

ما أغلى الكلمة، تحمل فكرة، تبني أجيال عطاء، تنبت براعم نماء.

نحن بلغتنا، وما يفرقنا عن مخلوقات الدنيا، لساننا الذي نتخاطب به، ونعبر عما يعترينا، ونبوح لأنفسنا ولمعيتنا، ونحوّلها لأبجديات نخط بها إبداعاتنا.

ونسعى بسفينة اللغة، نبحر في فضاءات الوجود، نطارد خيط حقيقة، وسراب دراية، وضباب معرفة، وهشيم يقين.

النور الساطع مجهول، الحندس الداجي المشؤوم معلوم، الناس ترحب بالأكاذيب والأضاليل والبهتان، وتخشى قول الحق، وتعادي الصادقين، فالكذب مشروع حياة أمين.

الغيب قائدنا، وأدعياء الدراية به، يتبعهم الجاهلون، ويحف بهم المغفلون، البائسون اليائسون المضمخون بالقنوط.

علاّم الغيوب واحد، ومن البشر ألف واحد وواحد.

الأنوار تعمي العيون، وتبلد البصائر، وتزعزع النفوس، وترتج لها الأرواح، وترتعب القلوب.

كنت أبحث عن حبة نور في بيدر عتمة، وعن يدٍ بيضاء تخرج من جيب الظلمة، لكن الأرض أجّت، والنيران على رؤوس الأعلام حطت، فغصتُ في رمال الغيبوبة، أطارد ذاتي المسلوبة.

بدأت الأيام كمشعل أمل، وعزم واعد، وإشراقٍ فياض لا يعرف الغروب، فدحرجها الدوران على سفوح المجهول، فأوت في كهف مغفول.

تأملتُ النور الباهر، والإبداع الزاهر، وارتويت من حُلمٍ عامر، وحلقت في أكوانٍ إلى العروش تسافر، فرأيت ما رأيت، وانكشف غطاء البصر، وتاه النظر!!

وقال الإبداع إلى أين المفر!!

فلماذا غابت المحبة وعمّ الخصام؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

في التاريخ الإسلامي تعتبر نكبة البرامكة أشهر وأعظم وأشّد النكبات التي طالت أناس وشخصيات كانوا مقربين جدا من الخليفة، ومُدللين في البلاط الحاكم، فكانوا يأمرون وينهون ويُستشارون في كل أمور مهمة تخصُ الدولة ويشاركون الخليفة في مجالس لهوه وأدبه ! ..

وإن اختلف المؤرخون في القديم أو في عصرنا الحديث حول تحديد أسباب نكبة البرامكة المفاجئة، والعنيفة، غير أن الراجح أن أسبابها سياسية ذات علاقة بالتجاذب العربي الفارسي في ظل الخلافة العباسية في سنينها الأولى تحت حكم الخليفة العباسي هارون الرشيد...

وبعد قرون من تلك النكبة، وبعد أحداث جسام ودمار تعرضتْ له بغداد حدثت نكبة أخرى تساويها وتماثلها، وان كانت في بلاد فارس في ظل حكم المغول، لكنها طالت أيضا أناس وأفراد كانوا مقربين جدا وذوي نفوذ في البلاط الحاكم!..

والضحية كان شخصيةً فذّة اسمه شمس الدين الجويني، وهو رجل دولة كبير خدم المغول الايليخانيين في فارس، منذ فترة حكم هولاكو خان، ثم ابنه أباقا خان فحفيده أرغون خان، ووزّر لهم على مدى تسعة وعشرون عاما، وكان الوزير الأعظم والشخص الأول في دولة المغول الايليخانيين ...

وبسبب الصراعات السياسية داخل البيت الحاكم والوشاية والحسد ناله الشرر المتطاير من تلك الصراعات الدامية فقضى عليه ..

وقف شمس الدين الجويني مع أحمد تكودار ضد أرغون بن أخيه أباقا خان، غير أن أرغون استطاع هزيمة أحمد تكودار و القضاء عليه، فقرب من وقفوا معه وأبعد من وقفوا مع عدوه، بل وانتقم منهم ـ، وكان من بينهم شمس الدين الجويني الذي ألصقت له تهم كثيرة، فلم يستطع الدفاع عن نفسه اذ حاصره التآمر والحسد ..

قٌتل هو، وأولاده وأحفاده وأخوته ....

***

عبد القادر رالة

الإدْلاء من دلو، وكل يدلو بدلوه ليغرف من بئر الويلات، ويسكبه في نهر الحياة الصاخب، فتختلط الأشياء وتضيع الملامح، وتنطمس العلامات الفارقة، ويشرب التراب عصير الملمات.

يكتبون، وعلى المنابر يصدحون، ويقولون ما يقولون، ولن يدوم إلا ما ينفع الناس وتأنس به الأرض، وغيره يذهب جفاءً.

فلماذا التأوف والتأفف من سيل المنشورات الدافق، دع الزهور تتفتح، والقادرة على بث عطرها ستبقى، والتي تذبل وتذوي ريحها ستندثر، فتلك طبيعة الأشياء وديدن الدوران والإنطلاق.

الأيام "تغربلنا"، وتعرينا، فلا خوف من المكتوب والمنطوق، فالزمان حَكم عادل، وغرابيل العصور تعزل الغث عن السمين، والباقيات أقل من الذاهبات، فالكثرة توجد القلة المتميزة، وكلما زاد العطاء برزت الطاقات الأصيلة القادرة على الحياة.

أتعجب من الذين ينزعجون من كثرة الإبداع وتنوعه، مهما كانت مستوياته، وكأنهم ينحسرون في زوايا حادة، ويحسبون كل شيئ يجب أن يكون جيدا، وهذا منافي لطبيعة الأمور، فنهر الحياة ليس زلالا صافيا، بل تختلط فيه الأشياء وتتمازج، ويشذبها الجريان.

المكتوب والمنطوق يعبّر عن المطمورات الفاعلة في النفوس، ويتعرى أمام شمس الألباب فيعرف مصيره ويستيقظ من غفلته وأفونه، وما أكثر الذين إستعادوا رشدهم بعد أن فقؤا دماملهم المتقيحة في دنياهم، فالدمامل لا بد لها أن تنفجر ليستريح صاحبها من ندسات أوجاعها.

فاطلق ما عندك ولا تتردد، وضعه تحت أضواء الآخرين، لتكتشف الخطأ من الصواب.

فهل لديك الجرأة على إندلاق ما فيك؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

.. وانا احضر مناقشة رسالة زميلنا الاثير الاستاذ شاكر حامد الخاصة بالمراسل الحربي، التي شهدتها قاعة الادريسي بكلية الآداب في بغداد الاثنين ٧ / ١٠ الحالي بحضور نخبوي كبير، خرجت بنتيجة ان هذا النوع من العمل الاعلامي، هو الأهم في مسيرة الاعلام   حيث يتطلب من المراسل الحربي الكفء، معرفة جيدة بالقوانين والمواثيق الدولية، وطبيعة الصراع في المناطق الساخنة التي ينقل احداثها، وقدرة على تحمل المشاهد الدموية التي تكثر فيها، واطلاع مسبق على حيثيات ظروف التحديات المتقابلة بين اطراف النزاع ..

لقد حملت رسالة الاستاذ شاكر حامد عنوانا عميقا في معناه هو (الوعي المهني وعلاقته بدافع الانجاز لدى المراسل الحربي) وقد دافع عن طروحات ما جاءت به رسالته بشجاعة الواثق من نفسه، فقد جمع في مضمون الرسالة تجربته  الشخصية المعاشة في التغطيات التي قام بيها بوصفه اعلاميا متميزا في الاعلام العراقي والعربي والعالمي ..     

 الرسالة اخذت الجانب النفسي في عمل المراسل الحربي، وبذلك يمكن القول انها اول رسالة اكاديمية عن المراسل الحربي تقدم في علم النفس، وقد حصلت على الامتياز أثر المناقشة العلمية  التي قامت بها لجنة المناقشة  المكونة من : ا. د خليل ابراهيم رسول  وأ.م . د كمال محمد سرحان عضوا ومشرفا و أ. د طه جزاع  وأ.م. د عباس حنون الاسدي ..

إن المراسلين الحربيين يرون أن من واجبهم الاقتراب من  الساحات الساخنة، لنقل ما يجري بها للعالم من خلال شاشات التلفزة  او التوثيق السينمائي، في جانبيها الإيجابي الخاص بتضحيات الجنود والمدافعين عن الإنسان والوطن، أو الجانب السلبي الذي يتعلق بالانتهاكات التي تطال المدنيين، رغم أن بعضهم  ليسوا من أطراف النزاع..

لقد اشار الزميل شاكر حامد، في رسالته المهمة الى شروط ينبغي تواجدها  في المراسل الحربي ، منها أن يكون محترفاً في مهارات العمل الاعلامي، وعلى دراية بمتطلباته على المستوى الشخصي" النفسي" والمستوى المجتمعي، ومحب  لدوره الاعلامي، فالمراسل الحربي يضحي بوقته وسلامته وأمنه أكثر من غيره ؛ فهو اعلامي جسور، يخوض الصعاب بتجرد ومهنية، وينطلق في عمله الصعب والخطير  برصانة وأمانة، معتمدا في نجاحه على المصداقية والموضوعية، فعبرهما يستطيع إيصال المادة الخبرية بصيغة يمكن الوثوق بصحتها وتصديقها، بعيدا عن الإثارة المصطنعة، انطلاقا من رؤيته بأن الاعلام رسالة مقدسة..

ان ذاكرتي مشبعة بقراءات سابقة، تشير الى اسماء مهمة في حياتنا العربية والعالمية، لشخوص خاضوا مهام المراسل الحربي، ونجحوا فيها، واهم الاسماء في ذاكرتي هي  الكاتب الشهير محمد حسنين هيكل، الذي عمل مراسلا حربيا لتغطية أشرس معارك الحرب العالمية الثانية  لصحيفة "إيجيبشيان جازيت" في العام 1942.. وكذلك الكاتب الأميركي الشهير "إرنست همنغواي" حيث بدأ مسيرته المهنية بتغطية صحفية من ساحات نزاع في النصف الأول من القرن المنصرم.. وايضا "ونستون تشرشل" الذي قاد بلاده " بريطانيا" أثناء الحرب العالمية الثانية، كان قد عمل أيضا مراسلا حربيا، حيث رافق باعتباره مراسلا حربيا، الحملة المصرية الإنكليزية التي توجهت إلى السودان في أواخر القرن الـ19 للقضاء على الدولة المهدية وإعادة سيطرة مصر على السودان، كما عمل مراسلا حربيا أيضا أثناء حرب "البوير" في جنوب أفريقيا عام 1899..

مبارك لأبي عشتار، منجزه الاكاديمي، متمنيا له دوام السرور والنجاح الدائم .

***

زيد الحلي

دَعَّنيَ المَلَكُ الى بَابِ جَهنَّمَ دَعَّاً، فأستَغثتُ مِنهُ مُتَأوِّهَاً؛ "وَيْلَاهُ". وإذ كانَ مَلَكٌ غَليظَ القَلبِ شَديدَ البَطشِ ذا وَجهٍ قَبيحٍ، وبالشَّرَرِ كانَت تَنفُثُ مُقلتاهُ. فقُلتُ للغَليظِ عندَ عَتَبَةِ بابِها مُتَأفِّفَاً بالوَاهِ والأوَّاهُ؛ "هَلّا سَمَحتَ ليَ أن أسألَ رَبَّكَ سُؤالاً لا ثانيَ لهُ في صَداهُ". وقُبَيلَ أن يَركلَنيَ الملَكُ نَادَانيَ اللهُ؛

"سَلْ يا عَبدي ولَا تَخَفْ فإِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَىٰ كلَّ دَبيبٍ في مَمشَاهُ وفي مَسراهُ".

فَصَرَختُ مِن فَوري مُتَرشِّحَ الجِبَاه مُتَكَلِّحَ الشِّفَاه؛

- لمَ خَلَقتَ الشَّرَ يا اللهُ؟

- كي أمُنَّ عَليكَ بالخَيرِ وأنِّيَ أنا العليمُ الحكيمُ اللهُ. أفلم ترَ الى أسى الدَّاءِ وأذاهُ، وكيفَ يَردفُهُ هناءُ الشِّفاءِ وبَهاهُ. وأنّى لكَ أن تشعرَ ببَهجةِ الخيرِ مالم ترَ حَذوَكَ وَهجةً من الشَّرِ في فَناه.

- وهل لمِثلِكَ يا رَبَّاه، حَاجةً في أن يَلتَفَّ لِيَمْنُنَ على مَخلوقٍ مثليَ واهٍ لَاهٍ في جَفاهُ، وإنَّكَ لأنتَ الرَّبُّ العَليُّ، والمَلِيكُ الغَنيُّ، وأنتَ الإلهُ اللهُ.

- أجل، إنِّيَ أنا اللهُ الغَنِيٌّ عَنِ كلِّ مَوُجُودِ حين نَهارِهِ في مَسعَاه، وحينَ هُجوعِهِ في ليلاه. أمَ حَسِبتَ أنَّ نَقرَاتِ الدِّيكِ التي كنتَ تَسجُدُها لي كانَت تَعَبُّداً و"صَلَاة". أوَلم تَعلمْ أنَّكَ كنتَ مِن قبلُ في جَنَّةٍ لا تَجُوعَ فيها وَلَا تَعْرَىٰ، ولَا تَظْمَأُ وَلَا تَضْحَىٰ من فَلاة. ورُغمَ أنَّكَ كنتَ فيها كائِناً مُخيَّراً غَيرَ مُسَيَّرِ الفِكرِ في خُطَاه. ورَغمَ أنَّكَ فيها كُنتَ بائِناً غيرَ مُكَلَّفٍ بحجٍّ ولا زكاة، ولا صِيامٍ ولا نَقراتِ دَجَاجَةٍ تَحسَبُها صَلاة. ورَغمَ أنَّ الخيرَ كلَّهُ كانَ قد أحاطَ بكَ هنالكَ في فَضاهُ، وما كانَ من شَرٍّ هناكَ قطُّ ولا تَأفُّفَ من نَاه، ولا تأوُّهَ من شاهٍ بآوَّاه. وبالرغمِ من كلِّ أولئكَ فإنِّي ما سَألتُكَ عِبَادةً فيها وإنّيَ الغَنيُّ عن نَقَراتِ دِيَكَةِ يَحسبُونَها صَلاة، وإنَّما نَهيتُكَ عن ثَمَرِ شَجَرةٍ واحدةٍ وتَرَكتُ لكَ ما سواهُ، فارتَكبتَ وما انتَهيتَ وكنتَ فيها غَيرَ مُتناهٍ، فزالَ عَنكَ الرَّخاءُ والاعتِبارُ والجَاهُ.

- إي واللهِ ربَّاهُ، حقَّاً إنَّ الشَّرَ ما كانَ مَخلُوقاً في أوَّلِ جَولَةٍ من جَولتينِ قد خَلَت من حَياة، وأنا ما رأيتُ شرَّاً في أولاهما قطُّ وما لمحتُ خيطاً من أسَاه، ولومَا مَعصِيَتي لمَا هَبَطتُ في إختِبارٍ عَسيرٍ على كثبانِ الشَّرِ ورُباه. وحُقَّ عَليَّ اليومَ أن أنطَّ طَواعِيةً من فوقِ عَتَبَةِ بابِ الجَحيمِ ذا لأكتَويَ بِلظاهُ.

- بلِ استَدِرْ يا عَبدي بِرَحمَتي، وعُدْ الى دَارِ السَّلامِ وسَناهُ، وحَيثُ الجَولَةُ الآخرةُ التي لا جُوعَ فيها وَلَا عَرْيَّ، ولَا ظَمَأَ فيها وَلَا ضَحْواً في فَلاهُ. ارجعْ فادخُلْ دَارَ السَّلام وحيثُ الخيرُ كلُّهُ بكَ سيُحيطُ في رَفاه. وحيثُ لا شَرَّ أبَداً هَهُنا في ثراهُ ولا في فَضاهُ. وحيثُ التَّسبيحُ بحَمدِيَ يكون إلهَاماً ههُنا في هُداه، تَتَوَهَّجُ بهِ الجِباهُ وتَتَلَهَّجُ بهِ الشِّفاهُ. وما مِن هالِكٍ سوفَ يَأكلُ من شَجرةٍ ويَتَخاتَلُ في هَواه، فلا اختِبارَ بعدَ اليومِ من نَقرَاتِ دِيَكةٍ حَسِبتُموها عليَّ صَلاة.

- ما أرحَمكَ رَبَّاهُ! ما أرحَمكَ يا رَبَّاه! ما أرحَمكَ رَبَّاهُ!

ثمَّ التَفتُّ الى الغَليظِ الشَّديدِ فرأيتُهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً من خشيةِ الله، ومُنذهِلاً من رَحمةِ رَبِّيَ الكريمِ سُبحَانهُ وجَلَّ في عُلاهُ. ثُمَّ انقَلبَ وجهُهُ القَبيح الى وجهِ فَجرٍ رَبيعيٍّ في نداهُ، ثُمَّ تَلا الغَليظُ بعدَما عادَ لهُ رباطَ جَأشهِ واستَعادَ قواه، تَلا آيةً كأنّي ما سَمِعتُ بها من قبلُ، فتَلوتُ بَعدَهُ ما تَلاهُ؛

"قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا". آية 77 - سُورَةُ الفُرقَانِ.

***

علي الجنابي

واحد وخمسون عَامًا علي حرب اكتوبر 1973، وعلي أكبر معركة جوية بعد الحرب العالمية الثانية، فوق قريتنا التي استمرت حوالي 55 دقيقة،  وعلي ضرب حقول قريتنا وتفريغ القاذفات والقنابل، وصهاريج وقود الطائرات الإسرائيلية في أراضي (حوض الطويل) كلما اقتربت من المكان والذكري والزمان، وصرخات وعويل النساء والأطفال يوم ان استشهد جارنا احمد البسيوني في الحقل نتيجة قاذفة، ذاكرتي حاضرة تبحث في الآثار عن الذاكرة المفقودة، عن الحب والألم وهي آثار لا ترى لكنها لا تُمحى من الذاكرة..

للآسف أصبحنا أبناء الغيوم العابرة.. وكأننا أمام فيلم" رحلة النسيان"، الريح تمحو آثار حقول القطن.، والأمطار تمحو آثار خطىٰ البشر…

والشمس تمحو آثار الزمن. نحن الذين ولدنا في حقول القطن في يوم مجهول، وسنوات مجهولة، من أمهات بلا شهادات وتاريخ ميلاد، ومن آباء هبطوا من الغيوم، وماتوا دون أن يعرفوا متى عاشوا، هل كانوا أحياء أو موتي علي الأرض.. انطفأوا كنيازك في الظلام، كما سننطفيء يومًا..سكنا في وطن لا نعرف لمن، وحارب الأهل دون أن يعرفوا لماذا…؟ وقتلنا دون ان نعرف السبب وأحببنا ببراءة بلا أهداف..

ومشينا علي جسور النهر والترع والمراوي، كما يمشي الغرباء في الشوارع، وجلدنا بالفلكة في المدارس لأننا حاولنا أن نكون كما نريد لا كما يراد، وسكنا في بيوت من الطوب الاخضر وغرف مجاورة مع حظائر المواشي والطيور..، وخرجنا نهتف ونغني :وطني حبيبي وطني الغالي "وهتفنا خلي السلاح صاحي "

وأمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة "

” نحن الذين كنا نباع في الصباح وفي المساء من نظام الى آخر كما تباع الأغنام، نحن أبناء الغروب والتراحيل والمعدومين وأبناء العتمة والغياب والصمت نطوف حول شارع داير الناحية، نغني في المساء ونحن أطفال " طفي النور ياولية احنا عساكر دورية، خوفًا. وتحذير من قصف الطائرات لقريتنا التي تقع داخل الحزام الحدودي للقاعدة الجوية، وقواعد للدفعات الجوية والصاروخية عام 1970 ونحن في الصف الاول الإبتدائي بعد غارة وضرب قاعدة للصورايخ في حرب الإستنزاف، نغني وعرفنا القاعدة الصاروخية بين الزمار والمنشية، استيقظنا علي دق شباك حجرتنا جارنا "محمد الغزوازي "ينادي علي أبي " عبد الناصر مات " خرجت قريتنا تودع الزعيم "جمال عبد الناصر" عن بِكرَةِ ابِيهَا..ولم يمضي سنوات كنا نمزق صور الزعيم ناصر..بعد كل إنقلاب في الوطن العربي..في الصباح نعرف ان انقلاباً حدث وقتل رئيس وجاء آخر.. ومناهج جديدة ونشيد وطني جديد وصور في الشوارع وعلي حيطان المنازل وقوانين جديدة، كيف يتوازن ونحن اطفال على قيم ومبادئ وتقاليد ومناهج متغيرة كل مرة…؟

تربينا علي فيلم /الرصاصة مازالت في جيبي / ولكن في عصر المسخ نصحوا محمد افندي أن يضع الرصاصة في مؤخرتة كعلاج جديد للبواسير،، قبل الإفطار كنا نتجمع أمام مسجد الخفاجية في قريتنا كل يوم من شهر رمضان من كل عام،  بعد صلاة العصر، حتي رفع آذان المغرب، علمنا بعد صلاة عصر يوم/ 6 اكتوبر من المرحوم /الأستاذ رياض فهيم/ تجمع الأهالي حول الخبر ونحن أطفال ننتظر صعود الشيخ" محمد عرفة" بالصعود علي سطح المسجد لرفع الآذان للإعلان عن موعد الإفطار في رمضان..وقفنا نسمع من الأستاذ رياض قال :سمعت من نشرة الأخبار أن جيشنا العربي دخل في حرب وصار في أرض أخرى، ونحن اصبحنا جنُوداً ونحن اطفال بدعوة الاحتياط قبل نزع سراويل ملابس المدارس،

لم نكن نعرف لماذا..؟ ثم علمنا ان جيشنا عبر البر الشرقي للقناة ثم سُحق في الحرب وثلث جنودنا لم يعودوا. ومحاصر الجيش الثالث في منطقة "الدفرسوار. ولم نعرف لماذا انتصرنا ولماذا هزمنا، ولا لماذا لم يعد جنودنا ولا أين ذهبوا..،

وطلب منا الذهاب للاحتفال بالهزيمة بثياب النصر…، لم نعرف لماذا حوصرنا في حرب اكتوبر وهل كانت حرب تحرير او حرب تحريك..؟ ولماذا نتساقط في الشوارع من الأمراض بلا دم…؟

حرمنا من الأسئلة ومن الأجوبة، ومن الصمت، ومن الكلام ومن الحلم، ومن النوايا” السيئة” وحتى من الأحلام “المعادية”وتحولت أجسادنا الى حقل للآمراض المتوطنة وحتي من الأحلام …،،

ونتجول في شوارع قريتنا.. كهايكل صامتة رغم ضجيج الفوضي العارمة في الشوارع..،، ثم قالوا لنا “الأعداء قادمون “من خلف الحدود وعلينا الإستعداد لحرب لا نعرف عنها شَيئًا. وأهداف لا نفهمها وأن ندافع عن وطن كنا أطفال فيه بلا كرامة نحن يتامى التاريخ والاوطان والسياسة والأرض والثروة والمستقبل، نحن مثل ركاب قطار مات سائقه ولا ننتظر سوى الإرتطام الأخير، متى يأتي الإرتطام الأخير كي تنتهي هذه الحكاية المملة…؟كنا محرومين من السؤال ومحرومين من الجواب، لأننا قبل زمن الآلات الحديثة، بُرمجنا على الصمت وعلى النسيان، نسيان كل شيء حتى من نكون ولماذا نكون لأننا أشياء، لأن هناك من يفكر ويخطط ويحلم ويتوهم بالإنابة عنا… فخرج الرئيس السادات علي شاشات التلفزة ليعلن للعالم أن حرب اكتوبر أخر الحروب.

نحن الهامش الفائض عن الحاجة والرقم في بلاغات القتلى العسكرية. وفي خطابات الأحزاب وفي احتفالات القادة:” نحن حزب المستضعفين في الأرض “،

لم نسقط في معركة حرية ولم نُقتل ونحن في الطريق الى تاريخ مختلف، ولا ولادة حكاية حياة جديدة تبزغ غَدًا إجتياح بيروت عام 1982 وضرب مفاعل العراق وضرب مقرات منظمة التحرير الفلسطينية في مذبحة شط الحمامات في تونس،  وكان الغد اسوأ بل قتلنا تحت الأحذية في السراديب وخلف الأسوار العالية.. دون أن يحمل أحدنا سر ثورة في ميادين ديار العرب في خريف ثوراتها.. نحن أبناء الغيوم نجلد كل يوم تحت عصي التاريخ والخطباء والقادة والدول الشقيقة والصديقة، والبعيدة والقريبة والغنية والفقيرة، والأحلام المتفسخة، والشركات الحقيقية والوهمية والبرامج والأوهام والعصابات والمرض، وتمص شرايينا بكامل الصحو والعلنية وأطفالنا يبحثون في ركام المعارك عن دفتر وقلم وفي المزابل عن مستقبل لن نشارك في صنعه وحياة لا علاقة لنا بها، وأرض لم يعد يربطنا بها سوى الحذاء…،

ماذا حدث في خلال نصف قرن من تغيرات منذ حرب اكتوبر …! نعم هناك حدث إنقلاب في المجتمع مجتمع بلا اخلاق ولا قيم.فالأخلاق قبل الحضارة كما تعلمنا، كنا نذهب الى حفل العرس بكل صفاء ونذهب في موكب الجنازات بكل صدق، نتألم مع من في حالة مخاض وولادة متعثرة، ونمشي في جنازات الغرباء باكين حزن الغرباء، نحن الوجع المخفي بالكبرياء والدموع الحبيسة والخوف المزمن.،

من نحن أبناء  الغيوم..؟

في ذكري حرب اكتوبر..ماذا يحدث الآن في {غزة ولبنان وسوريا والعراق واليمن وليبيا والسودان} أين العراق الممزق، أين اليمن السعيد، وليبيا، واين فلسطين ولبنان والسودان حرام والف حرام.، تعيش امة بعد نصف قرن من حرب اكتوبر بلا هوية، تدافع عنها أمة الفرس، فمتي يعلنون المزاد عن بيع كل ديار العرب، مقابل حذاء طفل تحت الانقاض في غزة..!!

***

محمد سعد عبد اللطيف - كاتب وباحث / مصري

 

يتم تصوير ما تمر به البلاد وتعانيه العباد، وكأنه لم يحصل في الدنيا من قبل، وبأنه نهاية كل شيئ ولا يمكن الخروج منه والإنتصار عليه، فكل السبل مسدودة وعسيرة، وعلينا أن نذعن للمستحيل ونستسلم ونستكين.

بينما المدون في التأريخ من النواكب والمصائب والويلات يفوق ما تمر به البلاد وتعانيه العباد مئات المرات، وتحقق تجاوز تلك الصعاب الهائلات وبناء الحياة.

فالمجتمع يمر بمراحل عسيرة وفترات نكداء، ومظالم وقهر وفساد وإستهتار بالقيم والأخلاق، وتم إستخدام الدين فيها لشتى الأغراض والتطلعات االدنيئة، والنيل من المواطنين وإستعبادهم والمتاجرة بوجودهم.

البلاد والعباد مروا بأصعب مما هو قائم وانتصروا عليه، وحل اليسر بعد العسر الأليم والحكم السقيم.

وبغداد من مدن الدنيا التي تعرضت لأشرس الهجمات في التأريخ القديم والمعاصر، وتمكنت من الخروج من محنتها ومواصلة مسيرتها الحضارية، فمنذ هجوم التتار عليها سنة 656 هجرية، وما قبل ذلك وبعده، ومتواليات الهجمات لا تنقطع عنها، وهي الصابرة المحتسبة المؤمنة بقدرتها على تجاوز الملمات وردم مستنقعات التداعيات، وما حصل فيها منذ بداية القرن الحادي العشرين قد جربته وعانت منه على مر العصور.

إن الأقلام التي تكتب عن الواقع بيأس وقنوط لا تقترب من الحقيقة، وتتمادى في الوهم الداعي إلى السوداوية، والإحباطية والكمون في خنادق التعادي والبغضاء، والتستر في أقبية ظلماء تحجب النظر.

على الأقلام التي تكتب بمداد التحدي والإصرار على التقدم والرقاء، وتجاوز العقبات والإنتصار على كافة أنواع المحبطات، والسلوكيات المنحرفة الفاسدة الخرقاء، فلن يدوم إلا ما ينفع الناس، أما ما يشذ عن القيم والأخلاق والأعراف والتقاليد فذاهب إلى بئس المصير.

وإن الشمس ستشرق من جديد، والأجيال الواعدة لصاعدة ومنتصرة على كل جبار عتيد!!

***

د. صادق السامرائي

10\1\2022

 

نصوصنا الشعرية مكتوبة بمداد الدموع والدماء، وتغرف من أغادير اللوعة، ونستلطف نيران الأنين، وتتمادى في التشكي والمظلومية والنواحية، وتمعن بالرثاء والتوجع على الأطلال، والتأكيد على أن الذي فات خير مما هو آت.

ما يعجبنا من الشعر الذي يذم الحياة ويتغنى بالفقدان والحنين للماضيات، فالبارحة في أشعارنا سيدة الكلام.

والمعضلة أن الشعر لا يمكن تعريفه بسهولة، فأصبح القول بأن المكتوب شعر يعتمد على الذي دوّن الكلمات كما يرى على أنها شعر، خصوصا في الزمن الذي إختلط فيه حابلها بنابلها، وما عاد الفرق بين النثر والشعر، وكأن الإيقاع لا قيمة له، والوضوح ضعف، والغموض وإضطراب الأفكار أم الشعر وأبوه.

وبموجب ذلك، صارت البوحيات بأنواعها تُنشر على أنها الشعر، فتقيأ ما فيك على السطور وتوهم بأنك تكتب شعرا.

وما دامت الدموع غزيرة والويلات كثيرة، والأحزان وفيرة، والنفوس كسيرة، فاكتب بأبجديات الوجيع ما تسميه شعرا.

كلمات دامعة، وعبارات نادبة، يتصاعد منها التأوه، وتحترق السطور من حسراتها، وكأننا في مسيرات ندب وعويل، ولا نريد الخروج من خنادق المآسي والويلات المتواليات.

فهل أن الشعر لإرساء وجودنا الكسيح؟

لكي نخرج من ظلمات الأيام، علينا أن نوقد مشاعل إرادتنا، ونحمل شموع الأمل، وعزيمة التفاؤل والإصرار على أن نكون ونعاصر، فلنتحرر من المفردات الداعية للإستسلام والقنوط.

فهل نستطيع الكتابة بمداد الحياة الحرة الكريمة؟

وليسمي مَن يكتب، ما يسطره كما يشاء!!

وهل أضحى الشعر هذياننا؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم