أقلام حرة

أقلام حرة

الأسبوع الأول في كلية الطب، كان المحاضر مصريا وإسمه "طلعت"، وكان يدرّسنا كتابه في المادة التي ندرسها، وبدأ بتعليمنا كيف نقرأه، وأوضح لنا أن المهم الأفكار الأساسية في الكتاب، وما بعدها تفصيل وإسهاب.
أستمعُ لملخصات كتب لخبراء متمرسين بالقراءات السريعة، ويمكنهم أن يقدموا الكتاب مهما كان عدد صفحاته بأقل من ساعة، والسر في ذلك أنهم يذكرون الأفكار الأساسية الكبيرة أو الجوهرية، فمعظم الكتب فيها فكرة واحدة وما عداها حشو.
وتجدنا أمام أعداد من الأسماء التي يُنسب إليها تأليف عشرات الكتب، وهي تريد الإنتساب إلى حالات معرفية متقدمة، فهل أنها كتب ذات قيمة ثقافية حقا؟
وهل تجد مَن يقرأها؟
معظم الكتب المطبوعة لا يتجاوز عددها العشرات أو بضعة مئات لا أكثر، ولا تُشترى إذا عرضت في المكتبات، ومعارض الكتب تكشف هذه العورة بوضوح.
وما يحصل أن مؤلفها يبدأ بإهدائها لمعارفه!!
فما الفائدة من طباعة كتب لا تنفع؟
يبدو أن الذين أمعنوا في التأليف من أجيال القرن العشرين، الذين يحسبون إغراق السطور بالكلمات يعبر عن ثقافة ومعرفة ستنفع الأجيال، والكتاب يُعرَف من عنوانه، وخير الكلام ما قل ودل، وكم برع أجدادنا بالتلخيص والتكثيف والتركيز، لإيصال الفكرة إلى القارئ، فحتى قبل قرون عندما كان هناك وقت عند الناس، لم تكن الكتابة بإسهاب شائعة.
وهذه من العلل التي نكررها في مسيرة الأجيال، ولا نتعلم منها، فالمهم ليس تأليف الكتاب، وإنما ما نقدمه للقارئ من أفكار وموضوعات لبناء الحياة.
المجتمعات المتطورة تهتم بتوضيح الأفكار، وإختصار ما يدل عليها بكلمات تفصح عنها بسهولة وإتقان، أما نحن فنصول على السطور كالحصان الجامح، ونحسب أننا نكتب، فهذا هو العبث!!
فهل لنا أن نكتب ما يُقرأ، وفي الإختصار فضيلة؟
و"الكتاب الجيد صديق حميم"!!
***
د. صادق السامرائي

 

ليس هذا مقالا صحفيا بل هو دراسة علمية استهدفت تشخيص صفات الحاكم من منظور الأمام علي في نص وثيقة عهده للاشتر النخعي حين ولاّه على مصر اعتمدت طريقة (تحليل المحتوى) التي تعد احدى الطرق العلمية المعتمدة لتحليل (المضمون). ولقد استعنت بمن كان طالبي الراحل الدكتور شوقي يوسف بهنام (الذي كانت رسالته للماجستير عن تحليل المحتوى)، وحددنا اهداف تحليل نص (وثيقة العهد) بثلاثة:
- معرفة القيم السيكولوجية الخاصة بشخصية الحاكم،
- الكشف عن القيم الخاصة بعلاقة (سلوك) الحاكم بالرعية،
- ومقارنة القيم في عهد الأمام علي وما عليها في عهد حكّام أحزاب الآسلام السياسي في العراق.
لماذا القيم؟
كان اختيارنا للقيم Values مقصودا، لدورها الرئيس في صناعة الانسان وتحديد سلوكه وتوجيهه، ولأنها نظام متكامل من الاحكام والقواعد الاخلاقية والمعايير يخلقه النظام السياسي والمجتمع في نسق مميز ويعمل على اعطائه اساسا عقليا يستقر في اذهان افراده، ويزودهم بمعنى الحياة والهدف الذي يجمعهم من أجل البقاء.
دلالات العهد
يتضمن عهد الإمام (ع) لمالك الأشتر النخعي حين ولاّه مصر مجموعة قيم هدف منها تحقيق ما توصل اليه علماء النفس المعاصرون في ثلاث قضايا اساسية،
الأولى:ان يتمثل الحاكم القيم الايجابية في شخصيته بوصفه القدوة التي تتماهى به الرعية وتقلده،
والثانية: ان القيم هي التي تحدد سلوك الحاكم مع الرعية، وهي التي تحدد موقف الرعية منه،
والثالثة: ان القيم هي الرابط الذي يوحّد افراد المجتمع، وبدونها يتهرأ النسيج الاجتماعي وتشيع الكراهية والعنف والعدوان.
فضلا عن ان الأمام اراد لهذا العهد ان يكون وثيقة تستقى منها المباديء التي ينبغي على الحكّام ان يهتدوا بها في كل زمان ومكان.
تحليل النتائج
اجرينا تحليلا احصائيا (للعهد) بجدولين تضمن الأول القيم الخاصة بشخصية الحاكم وكانت (16) قيمة، بينها:
تقوى الله واتباع ما أمر به،
اختيار أفضل الرعية للحكم،
الاستعانة بأهل الخبرة في طلب المشورة،
اكرام العلماء ومجالستهم،
وانتهاء بسعة الصدر وعدم التسرع في اتخاذ القرارات.
وتضمن الثاني القيم الخاصة بسلوك الحاكم مع الرعية وكانت (15) قيمة، بينها:
العدل والانصاف في التعامل،
عمارة الأرض،
اعتماد مبدأ التدرج الوظيفي،
عدم اشعار الرعية بالمنّية،
مراقبة دور الحاشية والمتملقين والمنافقين،
الأصغاء للعامة من الناس،
وانتهاء بالابتعاد عن الغضب المؤذي والقسوة.
ولدى المقارنة بين مواصفات الحاكم وسلوكه مع الرعية في عهد الامام علي وبين عهد حكّام احزاب الاسلام السياسي(2003-)، تبين ان واقع الحال هو بالضد من تلك القيم، وسنكتفي بواحدة تخص الضمير تحديدا، بوصفه الرقيب على افعال الانسان، أو القاضي الذي يحكم بالعدل، أو صوت الله في الانسان.. وفص العقيق في الخاتم الذي اذا نزعته منه صار لا يساوي شيئا.
أقبح الضمائر
مع بشاعة الضمائر الميتة، فأن أقبحها هو خيانة الأمانة التي تخص الناس حين تكون بذمّة حاكم مسؤول عن الرعية، وأوحشها حين يكون هذا الحاكم قياديا في حزب اسلامي، وافجعها حين يعلن هذا الحزب انه يقتدي بالأمام علي.
وللتاريخ فان السيد نوري المالكي يعدّ هو المسؤول الأول عن خيانة الذمة بشهادته الصريحة عبر الفضائيات:(لديّ ملفات للفساد لو كشفتها لانقلب عاليها سافلها) لأنه كان على يقين بأنه ان كشف الفاسدين من الخصوم فأنهم سيفضحون حيتان فساد ..شيعة.. من حزبه.
ولم يصغ هو ومن بعده للرعية كما أمر الأمام، ولم يستجيبوا لمطالب المتظاهرين بالأصلاح التي استمرت تظاهراتهم من شباط 2011 الى انتفاضة تشرين/اكتوبر 2019، ولم يكترثوا بما نشرته الصحف من كاريكاتورات ساخرة بمرارة عن وزير هرب بأموال الناس المساكين بما يعادل ميزانية موريتانيا، وموظف كبير يستحرم أخذ الرشوة في الدائرة لأنه صائم، ويطلب من الراشي ان يأتيه بالدبس الى بيته بعد الافطار!
الحاكم..سيكولوجيا:
يقدّم العهد مآثر في فلسفة الحكم وسيكولوجية الحاكم. ففي قوله (لا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم اكلهم..)، فانه يطرح مقياسا كاملا للعدالة فيه بعد سيكولوجي هو ان يضع الحاكم نفسه موضع المحكوم، فيكره له ما يكرهه لنفسه.
والتقط حقيقة سيكولوجية بثلاث مفردات في قوله (اجتنب ماتنكر أمثاله).. اي عدم فعل ما لا تحب ان يفعله الآخرون بك. ويذكّر الذين جاءوا الى السلطة من داخل الشعب انهم كانوا قبل ذلك يثيرون النقد ضد سيئات الحاكم السابق، فيدعوهم الى ان لا ينسوا مواقعهم النقدية السابقة فيصغوا الى النقد الآتي من القاعدة الشعبية.. وتلك اثمن نصيحة لم يأخذ بها من جاء بهم الشعب الى السلطة بعد التغيير، مع اننا كنّا اطلقناها في (2004 ) وموثقة في كتابنا (الشخصية العراقية بين المظهر والجوهر)لأنهم كانوا لا يستعينون بأهل الخبرة في طلب المشورة ولا يجالسون العلماء، بل انهم احاطوا انفسهم بالذين يقولون لهم ما يحبون ان يسمعوه.. ولهذا كانوا هم الأفشل والأفسد في تاريخ العراق الذي اعتبروه غنيمة لهم فتقاسموه.. والأقبح من ذلك، ان الحكّام والقادة الذين يعدون انفسهم من احفاده، ومن اخلص شيعته.. هم نقيضه وضده النوعي ..في الحكم والأخلاق ، يكفي انه قال يوم تولى الخلافة (جئتكم بجلبابي هذا وثوبي فان خرجت بغيرهما فأنا خائن)..وتعرفون بما خرجوا من خزائن يسألونها هل امتلأت تقول هل من مزيد.. ويعيشون برفاهية في قصور مشيدة.. وافقروا 13 مليون عراقي من شيعة علي في بلد هو الأغنى في المنطقة.
***
أ.د. قاسم حسين صالح

اعجز مثل غيري عن إدراك التحولات "الفلسفية" عند رئيس البرلمان محمود المشهداني وحل لغزها في فكره، ربما لا املك ملكة الفهم التي تتيح لي حل احاجي حواراته الفضائية.
محمود المشهداني الذي عشنا معه من قبل فصولاً عجيبة وغريبة، عاد الينا ليقدم لنا فصلا جديدا من فواصل المهزلة السياسية كشف فيه عن مساعيه لإصدار فتوى بتحريم رواتب أعضاء البرلمان بسبب استمرار توقف عقد الجلسات، رغم ان قطع ارزاق النواب صعب على السيد المشهداني فهو يقول بكل اريحية: " قلبي ما ينطيني”.
ولأننا شعب ناكر للجميل فأنني اقترح على البرلمان العراقي ان يصدر كتابا عن انجازات ومعجزات النواب، وان يكتب السيد المشهداني مقدمة الكتاب يقول فيها للعراقيين بأنهم كانوا غارقين في مستنقعات التخلف حتى أنقذتهم "فتاوى المشهداني" من مصير اسود في منتهى البؤس، وأتمنى عليه وهو يكتب المقدمة أن لا يغادر صغيرة وكبيرة في عصرنا السعيد هذا إلا ويسجلها إنجازا يضاف إلى الانجازات الكبيرة والعملاقة التي نفذت خلال السنوات الماضية والتي جعلت العراق يتجاوز دولاً مثل ألمانيا واليابان. الناس بحاجة إلى كتاب يقدم لهم عصور مجلس النواب الزاهية الذي اتمنى ومعي ملايين العراقيين أن يأخذ البرلمان إجازة استجمام طويلة، فربما يرتاح الناس من فوضى الخطابات والهتافات التي تفاقم أزمة الاحتقان السياسي، فما الذي سيجنيه الناس من برلمان يعيد إلى مسامعهم الخطب نفسها وتمتلئ شاشات الفضائيات بمعارك تاريخية غير مسبوقة؟ وتتحول جلساته إلى مناكفات شخصية، ويملأ أعضاؤه السماوات والأرض بتصريحات عن الوطنية ومصلحة البلاد والدفاع عن قضايا الشعوب، لكنهم يعجزون عن مناقشة قانون يصب في مصلحة الناس.
سيقول البعض ان "فتوى المشهداني" انما هي تشخيصٍ دقيق للحالة العراقيةً، منذ استولى "الروزخونية" على رئاسة البرلمان، بغطاء ديني وفرته خطب وشعارات تنتقص من الدولة المدنية وتعتبرها كفر وإلحاد.
ولا أدري هل صاحب القلب الرحيم، واقصد السيد المشهداني، وهو يساهم مع زملاء له يفتقرون الى مشروع سياسي واقتصادي أو ثقافي يناسب اللحظة التي نعيشها بمفاهيم الحياة الآن، ولهذا نجدهم يُغطون على الخراب والفساد الذي ينخر جسد العراق بمعارك وخطب عن الأخلاق والفضيلة التي ضاعت بسبب مطالبة العراقيين بالدولة المدنية.
للأسف نعيش مع طبقة حاكمة منفعية تصر على اننا لا نزال نعيش عصر فيلم “الرسالة” وأن مهمة المسؤول ليست توفير الخدمات والأمن للناس، وإنما تحشيد الجيوش لفتح بلاد الكفار ونشر نظرية مثنى السامرائي في كيف تصبح مليارديرا في أربع سنوات وأننا أصحاب رسالة تؤمن بأن الخلاص من كل المشاكل يتلخص في اصدار "فتوى" المشهداني .
***
علي حسين

 

لطالما كان التعليم حجر الزاوية في بناء الحضارات، والعلم بوابة الأمم إلى النهضة الفكرية والاجتماعية. غير أن هذه المكانة السامية التي حظي بها المعلم على مر العصور باتت اليوم موضع تآكلٍ وتراجع، ليس بفعل عوامل طبيعية، بل نتيجة انهيار منظومة القيم التي كانت تكرّس له الاحترام والتقدير. إنّ ظاهرة الاستخفاف بالمعلّم، وانحسار سلطة المعرفة أمام تمدد الفوضى، لا تمثل إشكالًا معزولًا، بل هي انعكاسٌ لأزمةٍ فكريةٍ أعمق تتجلى في صمت النخب الفكرية، وتخاذل المثقف، وتراجع دور الوعي الجمعي في صون المرجعيات العلمية والتربوية.
النكوص المعرفي المثقف بين التخاذل والانفصال عن الواقع
لطالما قدم المثقف نفسه باعتباره ضمير الأمة، وحارس الوعي، وحامل لواء التنوير في مواجهة الرداءة والجهل. ومع ذلك، نجد أن هذه الفئة، التي كان يُفترض أن تكون في طليعة الدفاع عن مكانة المعلّم، باتت في كثيرٍ من الأحيان منشغلةً بالتصورات النظرية، منعزلةً عن القضايا الحقيقية التي تمس جوهر العملية التربوية. فكيف يمكن تفسير هذا الانفصال الصارخ بين المنظّر والواقع؟ ولماذا يغيب صوت المثقف حين يتعرض أحد أعمدة الحضارة – المعلم – للإهانة والتقويض؟
إنّ السلوكيات الفوضوية التي تتجلى في بيئة الصفوف الدراسية ليست مجرد تصرفات فردية معزولة، بل هي انعكاسٌ لانحدارٍ أخلاقي وقيمي أوسع، يشترك في ترسيخه أولئك الذين يرون الجهل يتسلل إلى المؤسسات التعليمية دون أن يحركوا ساكنًا. فالمعلم الذي كان يُنظر إليه بوصفه رمزًا للهيبة بات اليوم هدفًا للسخرية، ولم يعد يمتلك سوى رفع صوته ليحظى بالإنصات، في مشهدٍ يعكس عمق الأزمة التي تعانيها المنظومة التعليمية والثقافية.
التاريخ لا يسجّل الصمت، لكنه يدينه
لطالما وثّقت كتب التاريخ سقوط الحضارات، محللةً أسباب الانهيار ومتتبعةً المسارات التي أفضت إلى ذلك. لكنّ ما لا يسجله التاريخ بالقدر ذاته هو الصمت الذي سبق هذا السقوط، والتخاذل الذي مهّد له. إنّ انهيار المؤسسات التربوية ليس مجرد نتيجة لتغيرات اجتماعية عابرة، بل هو عرضٌ من أعراض أزمةٍ فكريةٍ أعمق، قوامها تراجع دور المثقف في توجيه الرأي العام، وعزوف القارئ عن تحمّل مسؤوليته في الدفاع عن قِيَم المعرفة، وتحوّل المؤرخ إلى راصدٍ للانحطاط بدلًا من أن يكون صوتًا يُحذّر منه قبل وقوعه.
الحياد الأكاديمي بين الموضوعية والتواطؤ غير المباشر
إنّ الصمت الذي يحيط بهذه الأزمة لا يمكن اعتباره مجرد موقفٍ حيادي، بل هو في جوهره تواطؤٌ غير مباشر مع التدهور القيمي والمعرفي. فحين تتعرض أسس العملية التعليمية للاهتزاز، لا يكون الحياد الأكاديمي خيارًا مشروعًا، بل يصبح إشكاليةً في حد ذاته. فالمؤسسات العلمية والفكرية مطالَبةٌ اليوم ليس فقط بتوصيف هذه الظواهر، بل باتخاذ مواقف حاسمة إزاءها، والعمل على استعادة الدور الريادي للمعرفة في تشكيل وعي الأفراد والجماعات.
إنّ التحدي الحقيقي الذي يواجهنا لا يكمن فقط في كيفية النهوض بالمنظومة التعليمية، بل في منع انهيارها منذ البداية. فحين يفقد المجتمع احترامه لمعلميه، وحين يتراجع المثقف عن دوره في توجيه الفكر العام، وحين يتحوّل التاريخ إلى مجرد سجلٍ للخسائر دون أن يكون جرس إنذار، فإنّ السؤال الذي ينبغي طرحه ليس متى سقطت الأمم، بل لماذا سمح أبناؤها بسقوطها دون مقاومة؟
***
الكاتب سجاد مصطفى حمود

 

مَثلٌ ذكره " الميداني " المتوفي 518 هـ في كتابه الشهير (مجمع الأمثال) الذي يروي قصة اعرابي أُغِيرَ على إبله فأُخذت ، فلما تواروا صعد على تله وجعل يشتم السراق ، وحين رجع الى قومه سألوه عن ابله قال قولته (اوسعتهم سباً واودوا بالابل) أي اشبعتهم شتما لكنهم ذهبوا ظافرين بمالي وقد ذهبت مثلا لمن ليس عنده الا الكلام والشتم لسراق ثرواته ، وقيل اول من قاله كعب بن زهير بن ابي سلمى، وهذا المثل يكاد ينطبق بنسبة كبيرة على ما يدور في واقعنا العراقي وعلاقة الحاكم بالمحكوم في هذا الواقع الغريب الذي لم يتغير ايقاعه خلال عقدين من الزمن ، فرجال السلطة في الحكومات التي تعاقبت على سدة الحكم في العراق أقاموا لهم امبراطوريات مالية من أموال السرقات المباشرة والصفقات المشبوهة التي وفرتها لهم سياسة المحاصصة وتقاسم المناصب بين ثلة من المتنفذين فيما الشعب وعلى طريقة ذلك الاعرابي اكتفى بالشتم والانتقاد دون فعل حقيقي ضاغط على الحكام لتغيير طريقة ادارتهم لشؤون البلاد واجبار الحكومة على اتخاذ اجراءات جدية لمحاربة الفساد والضرب على ايدي الفاسدين ووضع حد لهدر المال العام وايقاف نزيف السرقات الهائلة باستثناء ما حدث في تشرين من انتفاضة بوجه الفساد تم اخمادها بالرصاص والهراوات والشيطنة ، والغريب ان المسؤول وبعد كل الخراب الذي شهده العراق نتيجة الأداء السيء والاستحواذ على المقدرات مازال ليل نهار يتكلم عن الانجازات ويوعد الشعب بالمستقبل الباهر الأمر الذي يضطرنا ان نقول له ما قال ابن شبرمة لإ ياس بن معاوية عندما استمر في الثرثرة والترهات: شكلي وشكلك لا يتفقان، أنت لا تشتهي أن تسكت، وأنا لا أشتهي أن أسمع .... للأسف اكتفينا بالشتم في حين هم أودوا بالابل .
***
ثامر الحاج امين

 

لقد شاع في زماننا الحالي الظلم وأصبح ممارسة شبه يومية وثقافة سائدة على نطاق واسع في حياتنا مما سبب تغيرات في المفاهيم الحياتية للفرد والمجتمع وساهم في تشقق وتصدع في أسلوب الحياة وسادت الفوضى والظلم والجور والطغيان على حقوق العامة والخاصة على حساب العدل والمساواة والمبادئ والقيم نتيجة تمادي الإنسان في طغيانه وفساده وسلب الحقوق من أصحابها ليصل إلى حد الإجرام وهذا يؤدي إلى قطع الصلة بالله تعالى الذين لا يجدون من يستمع لهم ولا يكلمهم الله وفي النار خالدين فيها من غير حساب حيث قال تعالى (قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يُرد إلى ربه فيعذبه عذابا نُكرا) (ولو أن لكل نفس ظلمت ما في الأرض لافتدت به وأسروا الندامة لما رأوا العذاب)
- وما زال الظلم والجور مستمرا من قبل الإنسان فقد أفقده طريق الصواب وأعمى بصيرته زخرف الحياة وزينتها مما حولتها إلى حياة وحشية كالغابة يتصارع فيها القوي مع الضعيف لأجل البقاء وهي أخطر الصراعات الإنسانية عندما يتحول المجتمع إلى غابة موحشة يتلاشى فيها العدل والحق والمساواة والإنسانية وخصوصا الأخلاق القاعدة والمرتكز الأساس في بناء المجتمع وحضارته وقد بان أثرها على ما تبقى من حاملي المبادئ والقيم الإنسانية الذين تربوا عليها لعقود كثيرة وعلموا أبنائهم لكن التيار أصبح أكثر قوة وأشد تأثيرا على المجتمع كونهم يعلمون أن القرآن الكريم ركز على الظلم ونبذ موضوعاته وأثرها في المجتمع ب( 289) موردا على هيئة عبارات منها (العدوان – النقصان –بخس الناس أشيائهم – الشرك -الطغيان – البغي – التعدي –الحيف –الجنف) علما أن الله تعالى قد شرع للإنسان منهج حياتي مجتمعي عل نظام موحد موافق لكل العصور والأزمان للحصول على الطيبات من الرزق الحلال المتاح وفق معايير إنسانية وعقلانية .
أن الإنسان ضيع هذه الفرصة من يده بالانجرار إلى ما خُطط إليه من تدمير نفسيته وسلوكياته ونمط تعامله في مجتمعه وأسرته بأبعاده عن منهجية الدين والمبادئ الصحيحة والأخلاقيات في التعامل المجتمعي ومع بني جنسه التي رسمت له بظلم الآخرين والاستحواذ على مكتسبات دنيوية بغير وجه حق ومشروعية للمساهمة في تحويل المجتمعات إلى غابة تعج بالصراعات الدموية للحصول على مغريات دنيوية ليعرض نفسه لعقوبات في الدنيا والآخرة إلا من تاب توبة نصوحة وآب إلى ربه قبل فوات الأوان ( والذين فعلوا الفاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ولا يغفر الذنوب إلا الله .........). عليه أن يعرف حق المعرفة أن هذا لن يدوم طويلا فالعاقبة سريعة بأمر من الله تعالى (ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار.
***
ضياء محسن الاسدي

بين المعتقد الشعبي والتاريخ

في الرّيف المصري، حيثُ تمتزجُ الأسطورةُ بالتاريخ، ظلَّ الاعتقادُ بأنَّ الأولياءَ الصالحين هم حُرّاسُ القُرَى وأمنُها الروحيُّ مُتجذِّرًا لعقودٍ طويلة. لم تكن مقاماتُهم مجردَ أضرحةٍ لذكرى شخصياتٍ دينية، بل كانت بمثابةِ حُصونٍ رمزيةٍ تحمي القُرى من الشرورِ والمِحَن. ومع كلِّ مقامٍ يُهدَم أو يندثر، ترتفعُ أصواتُ التحذيرِ من حلولِ الخرابِ والنهبِ، كما حدثَ في قصةِ مقامِ سيدي الأزمازي، الذي ارتبطت به حكاياتٌ من نَسجِ الذاكرةِ الشعبية.
الأولياءُ الصالحون… أسطورةُ الحمايةِ والعقاب
عبرَ التاريخ، شاعت في الرّيفِ المصريِّ معتقداتٌ تربطُ بين الأولياءِ الصالحين والحمايةِ الإلهية. فكان الناسُ يؤمنونَ بأنَّ وجودَ مقامٍ لوليٍّ من أولياءِ الله الصالحين في القريةِ هو بمثابةِ درعٍ واقٍ ضدَّ الكوارثِ، سواءٌ كانت غاراتِ اللصوصِ، أو انتشارَ الأوبئة، أو حتى الفِتنِ الداخلية. وفي المقابل، كان هدمُ أو انتهاكُ حُرمةِ هذه المقاماتِ يجلبُ الغضبَ الإلهيَّ، حيثُ تنتشرُ اللّعناتُ، ويحلُّ الخرابُ على القرية.
هذا الاعتقادُ ليسَ حديثَ العهد، بل يمتدُّ إلى قرونٍ طويلةٍ، حيثُ ارتبطت الكثيرُ من المدنِ والقُرى المصريةِ بأضرحةِ مشايخَ وأولياءَ، مثل سيدي عبد الرحيم القنائي في قنا، وسيدي المرسي أبو العباس في الإسكندرية، وسيدي أبو الحجاج في الأقصر. وكان يُعتَقَدُ أنَّ هؤلاءِ الأولياءَ لا تزالُ أرواحُهم تُراقبُ المكانَ، وتحفظُهُ من الشر.
قصةُ مقامِ سيدي الأزمازي… بين الهدمِ والخوفِ من اللعنة
في قريتنا، كان مقامُ سيدي الأزمازي واحدًا من هذه الحُصونِ الروحية، حيثُ ظلَّ لسنواتٍ طويلةٍ محطَّ أنظارِ الأهالي الذين يقصدونهُ للتبرُّكِ والدعاءِ. لكنَّ الزمنَ لم يكنْ رحيمًا به، فمعَ التغيّراتِ العمرانيةِ والاجتماعيةِ، تعرّضَ للهدمِ والاندثار.
حينها، وقفَ رجلٌ من أهلِ القرية، علي الدمرداشي، رحمهُ الله، محذِّرًا من عواقبِ هذا الفعل، قائلًا: "سوف يحلُّ على القريةِ الخرابُ والنهبُ والسرقةُ لأننا هدمنا مقامَ سيدي العارفِ بالله الأزمازي!". وبالفعل، بدأ البعضُ يربطون بين الأحداثِ السلبيةِ التي وقعت لاحقًا وبينَ غيابِ المقام، في صورةٍ من صورِ الاعتقادِ الشعبيِّ الذي يرى أنَّ الأولياءَ الصالحين لا يغيبُ أثرُهم حتى بعدَ رحيلهم.
الجانبُ التاريخيُّ للمقامات… بين الدينِ والمجتمع
كانَ للأضرحةِ والمقاماتِ دورٌ بارزٌ في حياةِ المصريين منذ العصورِ الإسلاميةِ الأولى. ففي عهدِ الفاطميينَ والمماليكِ، ازدهرت ظاهرةُ بناءِ القبابِ والمقاماتِ تخليدًا للأولياءِ والمُتصوِّفةِ، وأصبحَ لكلِّ منطقةٍ وَلِيٌّ يُنسبُ إليها. ورغمَ أنَّ الإسلامَ لا يُقرُّ بمفهومِ "الحمايةِ الغيبية" للأماكنِ عبرَ الأولياء، إلا أنَّ التَّصوفَ الشعبيَّ عزَّزَ هذا الاعتقاد، حتى صارَ جزءًا لا يتجزأ من الموروثِ الثقافيِّ.
لكن مع التغيُّراتِ الحديثة، وتوسُّعِ العمران، بدأت هذهِ المقاماتُ تختفي، وبدأتِ المعتقداتُ المرتبطةُ بها تتلاشى تدريجيًا، لكنَّ آثارها لا تزالُ حاضرةً في وجدانِ الأجيالِ القديمة، ممّن نشأوا على قصصِ كراماتِ الأولياءِ وتحذيراتِهم الغامضة.
ما بين الإيمانِ والخُرافة… هل فقدتِ القُرى حُرّاسَها؟
اليوم، وبعدَ أنْ تلاشى الكثيرُ من هذهِ المقامات، يظلُّ السؤالُ مطروحًا: هل فقدتِ القُرى حُرّاسَها الروحيين؟ أم أنَّ الأمانَ لا يرتبطُ بمكانٍ أو شخص، بل بمنظومةٍ أخلاقيةٍ واجتماعيةٍ تحمي المجتمعَ من الفوضى والخراب؟
مهما كانَ الجواب، فإنَّ المعتقدَ الشعبيَّ حولَ حراسةِ الأولياءِ للقُرى سيبقى جزءًا من التراثِ الثقافي، يُروى في الليالي الرِّيفية، حيثُ تلتقي الحقيقةُ بالأسطورة، والخوفُ بالإيمان، في عالمٍ يظلُّ فيه الماضي حاضرًا في تفاصيلِ الحاضر.،،!!
***
محمد سعد عبد اللطيف - كاتب وباحث مصري

 

مع إنطلاق القرن الحادي والعشرون، بدأت البشرية تسير فوق الهواء، بعد أن كانت تمشي على الورق، وعلى مدى قرون، وكان المكتوب صراطها القويم، والقلم عنوانها الوسيم.
وبعد أكثر من عقدين وجدتنا أمام أجيال لا تعرف الكتابة بالقلم وتجيد الضرب على (الكي بورد)، فالكتابة بالقلم أصبحت من الماضيات.
ترى هل أن هذه العاصفة التي إجتاحت البشرية ستنكمش وستعود إلى بداياتها، فيستعيد القلم هيبته والورق قيمته والكتاب دوره في الحياة بدلا من الشاشات، التي إختطفت الأنظار وأسرت الناس وما عادت لديها رغبة في التفاعل مع الكتاب.
إن مسيرتنا في عوالم الإنترنيت كشفت عن مخاطر ومعارك حامية ما بين الدول، فلا يمكن حماية أجهزة الكومبيوتر في أي مكان من الهجمات التي تدمرها وتعطل أنظمتها، وتصيب الحياة بشلل خطير يترتب عليه خسائر إقتصادية هائلة.
هذه المخاطر التدميرية من الصعب الوقاية منها، لأن إختراق شبكات الإنترنيت بات سهلا ويمكن إنجازه بسرعة وبتكاليف قليلة تؤدي إلى أضرار جسيمة ومروعة.
فيمكن لشخص في بقعة ما أن يعطل أجهزة دول بضربة واحدة أو أكثر، بعد أن تمكن من إختراق أنظمتها التشغيلية.
ومهما توهمنا بأن أنظمة منع الفايروسات الإليكترونية من هجمة فتاكة قادرة على الحماية والمناعة، فأن هناك مَن يستطيع الإلتفاف عليها وتحقيق هجمة كبيرة على الهدف.
وقد بلغت الحروب الإليكترونية ذروتها في بداية العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، وصارت تديرها مراكز متطورة وذات خبرات عالية وقدرات تدميرية فظيعة.
فالدول القوية أصبحت تحت رحمة الهجمات المتوالية على شبكاتها وأجهزتها، مما يبدد طاقاتها ويربك أعمالها، ويضعها في محن تفاعلية خطيرة.
ومع تعاظم الهجمات وتأثيراتها، يحضر التساؤل الكبير الذي خلاصته، هل ستعود البشرية إلى بداياتها؟
هل ستعود إلى الورق والقلم وتتحرر من قبضة الكومبيوتر وإستبداد الإنترنيت؟!!
لا لن تعود، فالأرض تدور وتجود، وقوانينها تحكمنا وتسود، وأيامنا ذات إبراقٍ ورعود، وكلُّ جديدٍ وليدٌ يقود!!
***
د. صادق السامرائي

 

من خلال الأحداث المحلية والإقليمية والدولية، المثير منها والخطير على صعيد السياسة والدين والمجتمع والاقتصاد والأمن - منذ بداية القرن الواحد والعشرين حتى يومنا هذا - تبدو الثقافة العربية المعاصرة كطائر امتلك جناحين لكنه لم يتمكن من الطيران. فبرغم ما تنعم به الثقافة من حرية في التفكير وحرية في التعبير وحرية في النشر. وبرغم ما اتاحته حركة التطور العلمي والصناعي العالمي من تقنيات رقمية اختصرت الزمن في سرعة الإتصال والتواصل نتج عنها عنوانات كتب كثيرة جداً، وظهرت المطابع الحديثة، وازداد عدد حملة الشهادات العليا، ومضى الإعلام في تسليط أضوائه على الحركة الثقافية، وتنوعت برامج اللقاء بالمثقفين هنا وهناك، وصار لكثير من الكتاب والباحثين منصاتهم الخاصة على مواقع التواصل الإجتماعي يكتبون ويعلقون وينتقدون ويوثقون. ورغم ان أمنية الفيلسوف الفرنسي فولتير التي تمناها في القرن الثامن عشر بوجود مطبعة وعدد من الفلاسفة قد تحققت اليوم، إلا انّ اعتقاده بقدرة ذلك على إحداث ثورة في العقول لم يتحقق لحد الآن.
ترى ما بال الكتب التي اغرقها المغول في نهر دجلة في بغداد، لم تعلم الماء كيف يحيي في عروق الثقافة ظمأ الثورة كل هذه السنين.
وما بالها ضمائر القوم لم تعرق عندما ابتلت عروقهم بعد انطلاق مدفع الإفطار.
وما بال كثيرين لم يتعلموا من عطش الحسين عليه السلام في كربلاء، ان الظمأ لا يكون الى الماء حين (تستطيع بندقية يرفعها جبان ان تسحق الإنسان..)
ترى ماذا كان سيكتب عبد الرحمن الكواكبي في "طبائع الإستبداد" بعد وصول (دواعش) سوريا الى السلطة.
ترى لماذا لم تعد حقول القمح تذكّر القوم بجوع الفقراء وسلة الغذاء، ألأن لون الحبوب الذهبي قد سوّل لنفوس التافهين النظر الى سعر الذهب في السوق فشيطن تفكيرهم بالأرض فجعله تفكيراً تجارياً أرغم الزراعة على مغادرة مكانها، فأصبحت البلاد سوقاً كبيرة، والناس فيها بين مستهلٍك ومستهلَك.
اذا كان قابيل قد ندب حظه وهو يرى (غراباً يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه )، فإنه اليوم يأمر بفتح تحقيق في المجازر التي يرتكبها أتباعه بحق مدنيين وأطفال ونساء هنا وهناك، ثم يعلن أمام الإعلام رفضه واستنكاره لما يحدث في البلاد، مثلما استهجن يزيد بالأمس فعل جنوده بقتل الحسين وانصاره. لغة القوم ما تغيرت، والناس على لسان الشاعر احمد مطر يلعنون ( كل كلمة لم تنطلق من بعدها مسيرة..
ولم يخط الشعب في آثارها مصيره..)
ويلعنون ( كل شاعر ينام فوق الجمل الندية الوثيرة..
وشعبه ينام في المقابر..)
من مشاكل ثقافتنا العربية المعاصرة انها بلغت ما بلغته في مشوار حركتها في عمر الزمن، وهي مكتظة بالقلق الثقافي في شخصية العربي الذي مرّ به عصر التطور العلمي والتقني فنجح في إستخدام أدوات التقنية المتطورة وأجاد توظيفها في خدمة مجالات حياته، لكنه لم ينجح في تطوير نضجه النفسي والعقلي، التطوير الذي عوقته التغييرات والتحولات الكثيرة والمثيرة في العالم العربي كالتغيير السياسي وموجات العنف والإرهاب والإختلال الأمني والإحتلال الأمريكي وثورات الربيع العربي وعورات الخريف السياسي، والسوق العالمية، والمشروع الصهيوأمريكي، ومشروع إسلام الشرق اوسطي الأمريكي..
لا تخلو حياة كل شخص من محطات مقلقة لأسباب متعددة ومتنوعة، لكن ما يدعو الى الحيرة هو ان هذا القلق الثقافي الذي أصيبت به الشخصية العربية في العقدين الماضيين منذ بداية القرن الواحد والعشرين، لم يجد من يداويه.
لأن القوتين الأكثر فاعلية في المشهد الحياتي للمجتمع العربي، قوة الدين وقوة السياسة، لم يكن لهما دور بليغ ومؤثر في مساعدة الناس على تجاوز مرحلة القلق هذه، مما تسبب في ظهور انماط سلوكية غريبة وبعيدة كل البعد عن طبيعة المجتمع، فقد كثرت المشاكل الإجتماعية، واصبحت الأخلاق والقيم والمثل العليا مفاهيماً مهمة وضرورية متى ما استطاعت ان تحقق حضورها الذاتي فقط، في واقع انهكته الإنقسامات السياسية والنعرات الطائفية، الأمر الذي دفع بالعقل العربي المعاصر الى تشكيل خبرته الثقافية بعيداُ عن حضور هاتين القوتين بعدما ظهرت على المجتمع علامات الشعور بالضياع وضعف مقدرة المجتمع والأسرة على معالجة مشاكل الفرد ومواكبة مشاغله بكفاءة عالية كافية لحفظ توازن شخصيته في جوانبها النفسية والأخلاقية والسلوكية والفكرية والعاطفية. لذا صار لزاماً على الثقافة ان تضطلع بدور قيادي ريادي في هذه المرحلة من أجل تمكين المجتمع ثقافياً كي يفرض حضوره كقوة فاعلة مؤثرة في المشهد الحياتي اليوم الذي بات مثقلاً بكثير من الهموم والقضايا الخطيرة والكبيرة ذات المساس المباشر بقيمة وجود الإنسان المواطن.
***
عدي عدنان البلداوي

اتابع العمود الاسبوعي الذي تكتبه الصحفية والروائية إنعام كجه جي، وكنت ومازلت مغرماً بروايتها الساحرة التي تكشف لنا من خلالها عمق ارتباطها بوطنها ومحبتها التي تتعمق يوما بعد آخر بالعراق برغم سنوات الفراق.
في المقال الأخير تحكي لنا واحدة من قصص العراقيين المرتبطين بأرضهم، وهذه المرة نقرأ عن "محبة سعد القهوجي"، الفتاة العراقية الموصلية التي نافست سكان بلاد موليير ومارسيل بروست على فن الخطابة باللغة الفرنسية، وحصدت المركز الاول.
الفتاة التي ولدت بعد التغيير في عام 2003 بأشهر، تركت الموصل عام 2015 بعد ان نجت مع عائلتها من سكاكين داعش الارهابية، لتحط الرحال في فرنسا، هناك تبدأ حياة جديدة تأمل من خلالها ان تمد يد العون لأهلها في العراق.
محبة التي تفوقت في بلاد تحب الشعر والخطابة تقول لإنعام كجه جي عندما تسألها عن اللغة التي تفضل أن تحاورها بها: "العربية.. أفتخر بأنني ما زلتُ أقرأ وأكتب بها. لو لم أكن عراقية لكان حلمي أن أكون عراقية".
وأنا اقرأ عبارة محبة القهوجي وحلمها العراقي، تذكرت رجل الدين الشيخ مصطفى الانصاري الذي خرج علينا ذات يوم من على شاشة احدى الفضائيات ليقول بكل اريحية ان العراق غير مهم بالنسبة له، مثل اهمية ايران. لان العراق حسب رأي الشيخ الانصاري مشروع استعماري بريطاني، وكنت اتمنى لو يقرأ الشيخ ومعه اعضاء جمعية كارهي العراق كلمات العراقية محبة القهوجي.
تنتمي محبة إلى صف طويل من الذين يمثلون العراق الحقيقي، والذين أدركوا معنى أنهم يتباهون بانتمائهم الوطني، في مواجهة ساسة الصدفة الذين يريدون ان يتحول الى دويلات صغيرة واحدة ترفع علم السنة والاخرى تتمسك براية الشيعة.
أحزاب وتجمعات تسخر من الوطنية وتعتبرها عارًا، فيما يتنازع على حريّة الناس في العراق ومستقبلهم نوعان، الأول يشرّع قوانين للتقليل من شأن المرأة في المجتمع، والثاني يبتسم في الفضائيات وهو يخبرنا ان همه الاول ان تعيش دول الجوار برفاهية.
أخطر ما ابتلي به العراق أن تولى أمره وتحدث باسمه من لا يعرف قدره ومكانته.. بالأمس كنت ابحث في غوغل عن محبة القهوجي، فوجدتها تتحدث الى اذاعة مونت كارلو، وتقول انها بعد الغربة صارت تحب العراق اكثر: " حبي للغتي الام زاد .. حبي لثقافة العراق، فالبعد لم يغير شيئا، بالعكس البعد يُقرب " .
هذا هو وجه العراق الحقيقي، وجه صادق، أكثر اجتهاداً ومحبة لروح المواطنة، لا حديث عن الطائفة والمذهب، وإنما سجال عن عراقة العراق، ولهذا تظل محبة القهوجي نموذجاً مهيباً، في مواجهة مجاميع لا تتحدث إلا بالمنفعة ونهب الاموال.
***
علي حسين

 

مقارنة الأديان بالإمبراطوريات أمر غير صحيح

في مقابلة تلفزيونية ظهر فيها الدكتور خزعل الماجدي مع السيد خالد الرشد مقدم البرامج في تلفزيون روسيا اليوم، انتقد فيها الاثنان ما اطلقوا عليه عقدة الشعوب الصغيرة والتي يقصدون بها ان الديانات ذات الاتباع المحدودين تشعر بالنقص عندما تنظر الى عظمة الامبراطوريات الكبيرة كالفرعونية والرومانية والبابلية والاشورية الخ..
لذلك تنتقص منها وتتهمها بالفساد والفجور والرذيلة..
وفي نظري ان هذه مغالطة كبرى لأن الامبراطوريات شيء والاديان شيء آخر..
الاديان رسائل اخلاقية (بعيداً عما تتعرض له من تشويه وسوء استخدام من قبل الحكام انفسهم وتوظيفها سياسياً واقتصادياً).
اذا حاول بعض الحكام تحويل الدين الى نظام حكم ودولة فأنهم كانوا يوظفون الدين في غير وظيفته الاصلية..
لو أخذنا موسى مثلاً، فأنه قد طُلِب منه كما ورد في القران، ان يذهب الى فرعون مع أخيه ليقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر او يخشى لأنه طغى.. لم يكن الهدف الاطاحة بحكم فرعون بل تقديم النصيحة..
والنبي عيسى ايضاً لم يكن يريد اقامة دولة بدل الدولة الرومانية وانما كان يدعو الى العدالة والانسانية واتبعه بعض الناس باعتباره حزب معارض بالمعنى المعاصر.
كان هؤلاء الانبياء يدعون الى دين فيه عدالة لا توافق على

سلوك الحاكم لذلك حاربهم الحاكم لان لديه دين يسمح له ان يقوم بكل شيء لانه بمثابة أله !!
الامبراطوريات ظالمة ولا يمكن ان تقوم بدون الظلم.
لنأخذ الامبراطورية الرومانية وما ارتكبه الاباطرة من ظلم بحق البشر وكيف ان انجازاتهم الهندسية والعلمية قد قامت على جبال من جماجم البشر وكذلك الفارسية وقبلها البابلية والاشورية، (يكفي ان نراجع ما يرتكبه الآشوريون بحق البابليين وبالعكس عندما يتحاربان).
لا يحق لأحد الافتراء على التاريخ كما ان منتقدي الاديان والذين لايفوتون فرصة للاستهزاء والسخرية منها واتهام الانبياء بالكذب، هؤلاء السادة يرفضون اعتبار الانبياء كمعارضة للسلطات لهم وجهة نظر في اسلوب ادارة الدول والمجتمعات مع انهم يعلنون الآن وفي زمننا الحاضر انهم ليبراليون ويدعون الى حرية التعبير !!
قال له مقدم البرنامج السيد خالد الرشد: يبدو انها عقدة الشعوب الصغيرة؟
فأجابه د. خزعل بحماس: نعم بالضبط انها عقدة الشعوب الصغيرة !! واضاف ان موسى ومن معه كانوا اقلية وخاصة ان دينهم غير تبشيري لذلك يشعرون بالنقص إزاء عظمة الامبراطورية الفرعونية !!
ثم اضاف: لماذا لم يحددوا اي فرعون هو المقصود؟ لقد تناوب على حكم مصر حوالي ٤٠٠ فرعون من مختلف السلالات !
لقد نسي ان الرسالة كانت تستهدف نمط واسلوب حكم وادارة تعسفي ولم تكن تستهدف فرعوناً بعينه..

الدكتور خزعل الماجدي بدأ حياته شاعراً ثم تحول الى مؤرخ ثم اصبح عالم آثار ثم اصبح من اكبر محاربي الاديان..
انه ينفعل ويغضب ولا يكمل الكلمات من شدة الانفعال عندما يتحدث عن الشؤون الدينية!!
انه استاذ ويستطيع الحديث بهدوء وبطريقة حيادية وبدون تحامل مسبق يظهر على حركاته الجسدية..
انا احترمه واحترم انصرافه للكتابة والبحث الدؤوب لكني اتمنى عليه الهدوء والتأني وعدم الاندفاع في استنتاجات ينقصها البحث الدقيق.
الناس يتبعون أديان مختلفة واعدادهم بالمليارات فكيف يجوز تسفيه قناعاتهم واتهامهم بالجهل والغفلة والطعن في صحة معتقداتهم؟؟
يبدو ان البعض يعلن انه ديمقراطي ويؤمن باحترام آراء الآخرين، فقط من باب الدعاية والتظاهر.
ختاماً، اود الاعلان بانني هنا لا ادافع عن دين معين ولكني اعترض على الاسلوب في التعامل مع الفكر الديني.
المصلحون الذين تبنوا النهج العلمي في إدارة الدول لم يهاجموا الاديان ولم يقوموا بالغاء الطقوس وانما فصلوا الدين عن الدولة واعادو الدين الى دور العبادة وجعلوا الذهاب الى دور العبادة واتّباع طقوسها شأناً شخصياً. اي انهم اعادوا الدين الى طبيعته الاصلية كرسائل وعظية اختيارية دون تدخل في شؤون ادارة الدولة.. وذلك بعد اساءة استخدام الدين من قبل الحكام في مختلف العصور..
علماء في وكالة ناسا واساتذة جامعيين يذهبون الى الكنيسة بانتظام وعلماء هنود كبار يأتون لالقاء المحاضرات بعد ذهابهم
في الصباح الى معابدهم وممارسة بعض الطقوس بحيث ترى اثار تلك الطقوس على وجوههم...
ليسوا اغبياء وليسوا مستغفلين وانما لديهم قناعات شخصية لا يحق لأحد الاعتراض عليها او انتقادها.
***
صلاح حزام

 

في عالم يموج بالآراء والتوجهات المختلفة، يتساءل البعض: هل يجب على الكاتب أن يرضي الجميع...؟ وهل يمكن أن يكون الإبداع مرهونًا بقبول الآخرين له...؟ وهل كل من امتلك منصة أو حقق تفاعلات على وسائل التواصل الاجتماعي يمكن اعتباره مبدعًا...؟
الحقيقة أن الكتابة ليست عملًا يُقاس بعدد "الإعجابات" أو التعليقات، وليست مهمة الكاتب أن يكون بوقًا للجماهير أو أن يسعى وراء إرضاء الجميع، فهذا طريق مسدود يؤدي إلى إفراغ الإبداع من جوهره. الكاتب الحقيقي هو من يكتب بصدق، متحررًا من قيود التملق أو البحث عن القبول، فالكتابة ليست استعراضًا ولا أداة لإثارة الغيرة أو التحدي، وإنما هي صوت يحمل رؤية، حتى وإن لم يُرضِ إلا قلة قليلة.
الإبداع بين التخصص والذائقة العامة
ليس كل من قرأ كتابًا أو شاهد فيلمًا قادرًا على نقده نقدًا منهجيًا، فالنقد فن له أصوله، وليس كل قارئ ناقدًا مؤهلًا للحكم على العمل الإبداعي. لكن هذا لا يعني إلغاء رأي الجمهور، فالقارئ العادي شريك في عملية الإبداع، وهو الذي يمنح العمل قيمته الحقيقية، سواء عبر التفاعل معه أو رفضه. ومع ذلك، لا ينبغي للكاتب أن يقع تحت رحمة مزاج الجمهور أو أن يجعل كلماته أسيرة لما يطلبه القراء، فذلك يُحوِّله إلى مجرد صانع محتوى يبحث عن التفاعل بدلًا من أن يكون صاحب رؤية.
هل الكاتب مسؤول عن ردود الفعل؟
العالم مليء بالتناقضات، وكل إنجاز أو فكرة جديدة قد تثير الحسد أو الغضب عند البعض، لكن هذا ليس مسؤولية المبدع. فلو كان الناس يسعون فقط لإرضاء الآخرين، لما ظهر أي تقدم أو تغيير في المجتمعات. الكاتب الذي يسعى لإرضاء الجميع سيفقد هويته، وسيتحول إلى مجرد كاتب "فرجة ولايكات"، يكتب ما يريده الجمهور لا ما يراه هو جديرًا بالكتابة.
أخيرًا
الكاتب الحقيقي لا يكتب لإرضاء الجميع، بل ليطرح فكرًا، ويفتح أفقًا جديدًا، ويكون مرآة للواقع أو كاشفًا له. من يكتب فقط بحثًا عن الإعجاب أو الشهرة سيفقد قيمته سريعًا، بينما يظل أثر الكاتب الحقيقي ممتدًا، لأنه كتب بصدق، ولم يخضع إلا لما يراه صحيحًا، بغض النظر عن القبول أو الرفض.

***
محمد سعد عبد اللطيف – كاتب وباحث مصرى

 

المآسي تتكرر والتأريخ معطل، والتشجيع على الإنغماس في الماضيات على أشده في مجتمعات الأمة، ويُقال أن المجتمعات عندما تضعف وتهون تستحضر التأريخ وتتوهم صيروتها الخالدة فيه.
رايات الأموات مرفوعة في العديد من الأماكن، وإفتراض أنهم الأحياء وكل جيل بعدهم من الأموات، والأمم بحاضرها وتطلعاتها لمستقبلها، وتأريخها تأخذ منه العِبَر الصالحة لزمانها ومكانها، فلكل أمة أجلها، وسكة مسيرها المتناسبة مع وجودها في حينها.
إن إستحضار ما مضى وما إنقضى وفرضه على واقع بعيد عنه عدة قرون، من الجرائم والخطايا المصيرية المؤدية إلى تداعيات خسرانية فادحة.
يُذكر أن الحافين من حول الكراسي هم الذين أقنعوا سلاطين زمانهم بالإبتعاد عن العلم، لأنه بدعة وسيضعف قبضة السلطان على مصير الرعايا المرهونين بإرادته فهو رمز للدين وربه.
ويبدو أن التأريخ المسوّق بيننا ورطتنا الكبرى، ومأساتنا العظمى، لأنه إكتسب صفة القدسية والصوابية العالية، وبالتكرارية المقصودة ترسمت رؤانا وآليات إقترابنا من الواقع الذي يخنقنا، فأصبحنا نستلطف المآسي والويلات، ونتوهم بأنها جواز سفرنا إلى ما هو أفضل وأبقى بعد أن يأكلنا التراب الذي عليه ندوس وضده نعمل.
الأمم لديها تأريخها وأديانها، فلماذا شذذنا عنها، وغطسنا في الغابرات، وأنكرنا الحياة؟!
و"....أنشأكم من الأرض وإستعمركم فيها..."
و"عندما لا ندري ما هي الحياة، كيف يمكننا أن نعرف ما هو الموت"!!
***
د. صادق السامرائي

 

خاص بالمسلمين لمناسبة شهر رمضان المبارك.

قالَ خليلي وهو يُحَدِّثُني بتَرَنُّمٍ وباغتِباط:
لستُ فقيهاً، وإن أنا إلّا مسلمٌ عَلِمَ قليلاً من مناسكِ دينهِ وبها ما أحاط. وأراني مُذَبذباً في إدائِها، في حرِّ شهرِ تموزَ وفي قّرِّ شَهرِ شباط. بيدَ أنّي لن أكونَ يَـُٔوساً قَنُوطاً جلّاداً لظهري بالسِّياط، بل أظُنُّني من ثلَّةٍ "ءَاخَرُونَ ٱعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلًا صَٰلِحًا وَءَاخَرَ سَيِّئًا" ولا تقلْ عنّي بأنِّيَ امرؤٌ متَهَوِّرٌ شَطَّاط. بل قلْ يا صاحُ، امرؤٌ مُتَكَوِّرِ خَلَّاط.
وإذ رَجَعتُ من مسجدِ الحيِّ ذاتَ فجرٍ ربيعيٍّ نديٍّ بشغفٍ واغتباط، وإذ شَخيرُ الأنامِ كانَ ينطَلقُ مِن أسرَّةِ في الغُرُفاتِ، أو لرُبَما يتحَلَّقُ من نُوَّمٍ في الحُجُراتِ على بلاط. وكأنِّي بالشَّخيرِ كانَ مسموعاً في الطُّرقاتِ بشتَّى الأنماط، وكأنَّهُ زفافُ قبيلةٍ من قبائلِ الوُطواط . ولسوفَ يستيقظُ رجالاتُ الشَّخيرِ بعدَ هُنيهَةٍ وكأنَّ أحدَهم عليمٌ مُستنيرٌ بألفِ قِراط، وفهيمٌ مستثيرٌ يُجادلُ في اللهِ الكبيرِ المتعالِ ولا يَحتاط، ويُماطِلُ في "البخاري ومسلم"بإنخراط، ويُشَرِّحُ الصَّحيحينِ بأجرب مالديهِ مِن مِشراط، مُتناسياً أنَّ شخيرهُ قبيلَ لحظاتٍ كانَ يُغَلِّفُهُ فُساءٌ وضراط.
وبينما كنتُ أرمي الخطى هوناً ببهجةٍ وارتباط، مع دندَنَةٍ لتلاوةِ آياتِ سورةِ "براءة" برقَّةٍ وبدِقَّةِ خشيةَ الأغلاط. إذ رأيتُني أقفُ عندَ آيةِ؛ "وَءَاخَرُونَ ٱعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلًا صَٰلِحًا وَءَاخَرَ سَيِّئًا"، بخُشوعٍ وانضِبَاط. وإذ نُسِّيتُ خِتامُ هذي الآيةِ عن جَهلٍ منّي أو غُمَّ عليَّ ختامُها بإقماط، أو لعلَّ ختامَها قدِ التبسَ عليَّ بإسقاط، رُغمَ ما كانَ في خَافقي من نَشوةٍ ونَشاط. فَضَربَت صدريَ حَوبةٌ منَ ضِيقِ بِخَجل، بل نوبةٌ من زعلٍ بل إحباط. وإذاً..
فقد أضعتُ الأمرُ ما بينَ ختامٍ؛ "واللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" لكلِّ متهوِّرٍ خَلَّاط، وبينَ ختامٍ؛ "إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" مَهما كانتِ الأَغْلاَط. لذلكَ رأيتُنيَ أتَوقفُ عن التلاوةِ لأتَلَقفَ دَندنةً كانَت تأزُّني تحتَ النِّياط. كانَتِ الدَّندنةُ الأخرى تلهجُ بدعاءٍ مُتَضَرِّعٍ في أن يكونَ الختامُ مؤَكداً؛ "إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ"، مَهما كانتِ الأَغْلاَط.
ولمَّا أن وَصَلتُ الدَّارَ تصفَّحتُ المُصحفَ بلهفٍ كلهفَةِ صَحابيٍّ مُبَشَّرٍ بعُبورِ الصِّراط. ورُغمَ أنَّ قلبي يَعرفُ ربَّهُ ومُتَيقِنٌ بختمةٍ تكونُ مُوَكدَةً ب"إنَّ" مَهما كانتِ الأوزارُ والأَغْلاَط، لكنَّ لسانَ حالِ القلبِ ساعتئذٍ كانَ يقولُ بانضِغَاط: " بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي" بإحتِيَاط. ثُمَّ إنَّك يا قلبُ تُريدُ حِفظاً دقيقَ المباني يضعُ الحروفَ على النِّقاط، لئلَّا يَحيدَ عن رقيقِ المعانيَ وما احتوَت من بُشرَياتٍ وأنواط. فلمَّا قرأتُ الآيةَ المباركةَ كانَ ختامُها؛ "وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" ، لكلِّ خَلَّاط، مَهما كانتِ آثامُهُ وأوزارُهُ وذنوبُهُ ومعاصيهِ والأغلاط.
ثمَّ تبسَّمَ لي خليلي قائلاً بتَرَنُّمٍ وباغتِباط:
ألا فأبشِرْ أيُّها الخَلّاط؛ "إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ".
***
علي الجنابي

الشعر في حقيقته تسطير لمسيرة العرب منذ ما يسمى (العصر الجاهلي)، حتى أصبح ديوانهم الحاوي على مآثرهم ومثالبهم وقصص حياتهم في أزمنتها المتعاقبة.
فلكي تقرأ التأريخ بموضوعية لابد أن تطلع على ما كتبه الشعراء في الفترة المعينة.
وفي بلادنا برز عدد من الشعراء في القرن العشرين، وفي مقدمتهم معروف الرصافي، الزهاوي والجواهري، الذين رسموا صورة الحياة بأشعارهم، ويمكن القول بأن الجواهري خصوصا قد دوّن تأريخ القرن العشرين بشعره وصوّر الحياة العراقية والعربية والعالمية بأروع ما يمكن.
والرصافي برع في الكتابة عن معاناة الشعب ومواجهاته مع الحكومة وما عاناه منها، ولديه العديد من أبيات الشعر المتداولة:
"علمٌ ودستورٌ ومجلس "نائبٍ"...كلٌ عن المعنى الصحيح محرّف"
"لا يخدعنك هتاف القوم بالوطن...فالقوم في السر غير القوم في العلن"
ويستطيع الباحث الجاد أن يسطر ما دونه الشعراء عن أحوال زمانهم ويقدم للأجيال صورة تقريبية للواقع التأريخي آنذاك، وما دار من الأحداث في حينه.
أي دراسة تأريخية لا تطلع على مدونات الشعراء في الفترة التي تبحث فيها، لن تقدم صورة متكاملة عن الحياة بعواملها المتفاعلة.
إذ يمكن القول بأن معظم الشعر توثيقي ومعبر عن نبض الحياة الحقيقي، أكثر من الكتابات التأريخية البحتة، وفي كلا الحالتين هناك ما يؤكد المساومة والمتاجرة بالقلم.
وعندما نتساءل أين السياسة، فقول الرصافي يختصرها، ولازلنا على سكة ما قال نسير.
فأين السيادة، وإرادة تقرير المصير، والشعوب تنام على الحصير؟!!
***
د. صادق السامرائي

 

في مرحلة مبكرة من الدراسة المتوسطة قرأت كتاب (تأريخ البشرية) بجزأيه، للمؤرخ (أرنولد توينبي)، وبقيت في ذاكرتي مفاهيم لا أدركها، منها، أن العلاقات بين الدول، كعلاقات المخلوقات في الغاب، وأن الإبتكارات ستتنامى بإزدياد عدد البشر وعمره، وكذلك كتاب (مجمع الأحياء) من تأليف (عباس محمود العقاد).
ومضيت لا أفهم ما ترسخ في ذاكرتي من أفكار، وبعد أن دارت السنون بتحدياتها وأحداثها، وغرقنا في الفيضان المعلوماتي، ومعطيات التواصل الإجتماعي، بدأت تتضح الصورة وتتجسم، فالدنيا التي تجاوز عدد البشر فيها الثمانية مليارات، صارت تضخ المبتكرات التي تسابق الخيال، وكذلك الصراعات بينها، محكومة بقانون القوة التي تفترس الضعيف.
أسود وقرود وثعالب وذئاب وأرانب تسمى دول، في مجمع الأحياء العقّادية، تجتمع مخلوقات الغاب الدولية، ووفقا لمنطلقات أرنولد توينبي، علينا أن نقارن بين كل دولة والحيوان الذي تمثله.
الأسود قليلة والغزلان والأرانب كثيرة، والأسود لا تأكل الأسود، ولكي تكون أسدا عليك أن تمتلك السلاح النووي الفتاك وأبعد، ومن لا يصنع سلاحه ولا يُطعم نفسه يكون من فصيلة الغزلان والأرانب.
تلك مسرحية الحياة على خشبة التراب، وبعض الدول متفرجة، وأخرى تجيد التمثيل وغيرها الإخراج وبعضها التسويق، وما أعجز المتفرجين المغفلين، الذين يضحكون ويهرّجون والممثلون يعدّونهم لوليمتهم الشهية بعد إسدال الستار على فصول المسرحية.
عجائب سلوكية، بها تملأ بطونها الدول الثرية، التي لا تعرف الإنسانية، في عالم يتباهى بالنزاعات العسكرية، ويرفع رايات الحرية، في وسائله الإعلامية، والأفعال عدوانية!!
وكل مَن عليها خار، ومن فوقها طار، وتحول إلى غبار، أو إندفن في الدار، وتسعّرت في أركان وجوده النار، وتناثرت الأحجار، فالضعف إنسجار، والقوة إقتدار، والإعصار يتلوه إعصار، والناس تأكلها المخاوف والأخطار، فإلى أين الفرار؟!!
أسدٌ أنت وأنت الظالمُ...وكذئبٍ وبصيدٍ ينعمُ
لا تكن ظبيا خنوعا مبلسا...بمروجٍ اصطفاها الغانم
***
د. صادق السامرائي

 

خطوات التربية الذكية (3)

سابعا: الحوار:
إذا كانت التربية التقليدية تعتمد على فرض الرأي على الأطفال دون مناقشة أو حوار و لا تهتم بما يريده الطفل فإن التربية الذكية تعتمد على الحوار البناء بين أفراد الأسرة و هو أفضل وسيلة للتواصل بالحوار له فوائد كثيرة ذكرها خبراء التربية منها :
- يساعد على تفريغ طاقة الطفل وإخراج المشاعر المكبوتة خاصة السلبية.
- يساعدنا على معرفة المشكلات التي يعاني منها الطفل حتى يمكنتا مساعدته وإيجاد الحلول المناسبة.
-يساعد على بناء شخصية سليمة للطفل من خلال توجيهه و إرشاده إلى الطريق الصحيح.
- يتعلم عن طريق الحوار احترام آراء الآخرين ولا يفرض رأيه فقط ..
ثامنا: ضرورة الصبر
إن المربي الذكي وهو يمارس دوره التربوي ورسالته النبيلة لابد أن يتحلى بالصبر فلا بتعصب ولا يغضب ولا يجعل السلوكات السيئة الصادرة من الطفل تفقده أعصابه وتوازنه فيلجأ إلى التهديد والضرب والتوبيخ بل يعالج أخطاء الصغير بحكمة و اناة..
تاسعا: عدم تذكير الطفل بأخطاء الماضي
دائما المربي الذكي يركز على إيجابيات الطفل ولا يذكره بأخطائه الماضية حتى لا يضعف ثقته بنفسه وهذا من الحكمة التربوية.
***
الكاتب شدري معمر علي - الجزائر

 

من الواضح في دراسات التأريخ وتعليمه للأجيال، التركيز على إقرانه برموز يُضفى عليها ما ليس فيها، وتتصل بطولاتها بالعنف وسفك الدماء، وفي هذا تضليل وتأهيل للموت العبثي والدمار الممنهج، وتعطيل العقول ورهنها بالعدوانية والشرور.
التأريخ مسيرة طويلة للأمم والشعوب، فيها السيئ والجيد، الخير والشر، فالذي يصنعه البشر بما فيهم وما عليهم، وسلوكهم نابع من شمائلهم، وبعضهم تأثر سلوكه بما يعتقده، والكثيرون ما غيرت طبائعهم أي العقائد.
فليس من الموضوعية النظر للتأريخ من طرف واحد، وإهمال الطرف الآخر، فيجب أن يكون الإستحضار متوازنا ومحايدا، ومعظم ما وردنا في المدونات مبني على آليات قال وذكر، ولم يكن مدوّن بأقلام عاصرته، وإنما بعد عدة عقود وربما قرون.
وأكثر المؤرخين يسجلون رأيهم ووجهات نظرهم، وما يقومون به صناعة يبتغون من ورائها مالا، فهي مصدر عيشهم وسبب مكانتهم، فلا يُعقل أن يروّجوا لبضاعة لا تخدم الكرسي الفاعل في زمانهم، كما أن معظم كتب التأريخ مهداة للمقتدرين في الدولة، مما يعني أنها ذات دوافع تسول وتقرب للحكام.
وفي مجتمعات محنطة بتأريخها، لضعفها وعدم قدرتها على المواكبة والمنافسة، يتطلب التفاعل مع التأريخ عقولا ناقدة وبعلمية ومنهجية، حاضرة في زمن الحدث، لآ أن تستحضر الحدث لزمانها.
التاريخ يؤرقنا، ولا يزيدنا عبرة وقدرة على التواصل الواعي الرشيد، ذلك أن المعنيين بكتابته أتخذوه صنعة، كشعراء زمانهم الذين صار المديح مصدر عيشتهم ومكانتهم.
فلذلك يكون التمحيص المعرفي العلمي المنهجي من ضرورات وعي التأريخ، والإقتناع بأن الغابرين كانوا بشرا وليس أكثر!!
فلماذا يطغى تأريخ الدم ويغيب تأريخ العلم؟!!
"ولكل دهر دولة ورجال"!!
و"إن العلماء ورثة الأنبياء"!!
***
د. صادق السامرائي

 

خطوات التربية الذكية (2)

4. تحديد عواقب مخالفة القواعد:
عندما تضع قواعد للطفل ينبغي عليه أن يلتزم بها وإلا تعرض إلى عقاب غير بدني كحرمانه من الأشياء التي يحبها وعلى المربي أن لا يستسلم عند بكاء الطفل فيخضع ويترك هذه الوسيلة العقابية فهذا خطأ تربوي فادح يقع فيه الآباء والمربون، التطبيق بصرامة ودون عواطف...
5. وجود مرجعية ثابتة:
مما يساعد على التربية الذكية بشكل صحيح هو وجود مرجعية ثابتة داخل الأسرة فلا نأمر الطفل بشيء ونحن لا نفعله كأن نحثه على احترام الوقت وهو يشاهدنا نضيع أوقاتنا بالساعات أمام الهاتف أو الرائي (التلفزيون).
فالطفل يتعلم بالقدوة، عندما يرى والديه يصليان هذا يساعده على الصلاة فيقبل عليها دون أن نكرهه على ذلك.
6. غرس الصفات الحميدة:
يبدأ هذا من الوالدين فالتزامهما بالأخلاق الحميدة وأداء واجباتهما الدينية و إشاعة جو من الحب والتفاهم داخل الأسرة والحرص على تربية الأطفال على الأخلاق الحميدة و قراءة لهم قصص الشخصيات التي تتسم بهذه الصفات، سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم و قصص الصحابة والتابعين و العلماء الربانيين حتى تنغرس فيه هذه الصفات وتصير ملازمة له في حياته..
***
الكاتب شدري معمر علي - الجزائر

 

التمسك بحرية التعبير مهم للغاية لفتح مجتمعات تحترم حقوق الإنسان، ولكن بعضنا يتخذ من حرية الرأي وسيلة لبث الكراهية، وزرع مساوئ التشرذم في مجتمعاتنا، ومع هذا تحظر معاهدات حقوق الإنسان الخطاب المسيء عندما يشكل خطرًا أو تهديدًا للآخرين، من المخاطر التي تهدد وتقوّض حياة أمم وأقوام، تفشي ظاهرة الكراهية بين الأفراد، لأسباب تتعلق بالمعتقدات الدينية أو الاختلافات السياسية، أو الفوارق الاجتماعية، وقد تكون بين الإخوة والزملاء، تتمثل في تبادل حوار أو خطاب تغذّيه العنصرية والاحتقار والتقليل من قيمة ومكانة الآخرين.
للاسف - وقد يكون شائعاً لمجرد الاختلاف في الرأي، فتتزايد نبرة التشاحن بين المختلفين على منصات التواصل الاجتماعي، سواء لرأي، أو توجه مجتمعي، مثل مشجعي الأندية الرياضية والتحقير والتسفيه من كل فريق للفرق الأخرى، فتعلو نبرة الاستعلاء والاحتقار، وهذا ما يطلق عليه اصطلاحاً، خطاب الكراهية، الذي نبهتنا إليه قيمنا الدينية، وأخلاقنا وموروثاتنا الثقافية والتراثية، وأزعم أن خطاب الكراهية في مجتمعاتنا أقل كثيراً مما يتواجد في الخارج.
وعلينا ان ندق ناقوس الخطر، خاصة مع زيادة الفرقة الاجتماعية؛ نتيجة لوسائل التواصل الاجتماعي والثقافة التي تفرضها علينا فرضاً، ولا نستطيع منها فكاكاً، فقد أضحت اللغة المتداولة خطراً يهدد المجتمعات وسلامها الاجتماعي، وأمنها الداخلي، فالأمر أخطر من مجرد شعارات ننادي بها، بل قيم نريد أن نعيدها إلى طاولة الاهتمام من جديد.
إن التمسك بحرية التعبير مهم للغاية لفتح مجتمعات تحترم حقوق الإنسان، ولكن بعضنا يتخذ من حرية الرأي وسيلة لبث الكراهية، وزرع مساوئ التشرذم في مجتمعاتنا، ومع هذا تحظر معاهدات حقوق الإنسان الخطاب المسيء عندما يشكل خطرًا أو تهديدًا للآخرين.
يعد اليوم الدولي لمكافحة خطاب الكراهية مبادرة تستند إلى استراتيجية وخطة عمل الأمم المتحدة بشأن خطاب الكراهية التي تم إطلاقها في 18 حزيران 2019. توفر هذه المبادرة الأولى على نطاق منظومة الأمم المتحدة المصممة لمعالجة خطاب الكراهية إطارًا أساسيًا لكيفية قيام المنظمة دعم جهود الدول واستكمالها، حيث تؤكد الاستراتيجية على ضرورة مواجهة الكراهية بشكل شامل وفي ظل الاحترام الكامل لحرية الرأي والتعبير، مع العمل بالتعاون وسائل الإعلام وشركات التكنولوجيا ومنصات التواصل الاجتماعي.
بعد الاحتلال انتشرت الطائفية والمحاصصة، وعمدت الاحزاب لتعميق مفاهيم لا تتناسب مع القيم الإسلامية السمحة، وطغت ملامح التطرف والكراهية والعنف، ورغم تلك الاجواء الضبابة، بقيت ثقافة الطيبين تنادي بالاعتدال ومكافحة الفكر المتطرف وتحجيم خطاب الكراهية، ومازال هناك رواد يطلقون مبادرات التسامح والتحاور، بدلاً من الصدام والتناحر، ويسعون لتعزيز الامن والاستقرار، لانهم يدركون بايمان راسخ بأن التسامح بين الناس أساس للتعايش، ومنهج حياة، ومن المبادئ الجامعة بين الأفراد،
ونؤكد ان وسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية، وتشجيع الناس للإبلاغ عن جرائم الكراهية، وتعزيز دور التربية والتعليم تجاه مكافحة خطاب الكراهية ودعم ثقافة التعايش الإنساني، وقبول التعددية ودعم المواطنة المشتركة بين الدول،، كلها من مهام واجبات الاعلام والمنظمات المجتمعية، هذه المفاهيم وترسيخها وجعلها جزءاً أصيلاً من ثقافة المجتمع، والعمل على تحجيم خطاب الكراهية ومحاصرة دعاته من خلال تجفيف منابع الكراهية وتعزيز التسامح والمحبة وعدم الانقياد لاهداف الاحزاب والشخصيات الحاقدة في تحريضهم على العنف، وتقويض التماسك الاجتماعي والتسامح والتسبب في أذى نفسي وعاطفي وجسدي للمتضررين، فلا يؤثر خطاب الكراهية على الأفراد والجماعات المستهدفة فحسب، بل يؤثر أيضًا على المجتمعات ككل.
***
نهاد الحديثي

غالب الناس لا ينتقدك وجهاً لوجه وانما يعيب عليك سلوكك خلفك، وبذلك تفوته كثير من الحقائق والتوضيحات والنصائح. فرب ملوم لاذنب له. بينما الانتقاد وجهاً لوجه هو شكل من اشكال النصيحة وشجاعة رأي وكذلك يعد تقبلها من المُنتقد شجاعة ايضاً وشيئاً من صلاح النفس ولطفها.
وهي ولاشك تقلل من النزاعات وسوء الفهم والعداوات، بينما التعييب والانتقاد خلفك هو جُبنْ في حقيقته ومعناه وطعناً في الخلف ويجر الى العداوات والنزاعات واغلب المشاكل تبدأ من كلمة قيلت في ظهرك ...
وهي ايضاً غِيبة، والغِيبَة هي ذكر الشخص بما يكره من العيوب التي فيه في غَيْبَته بلفظٍ، أو إشارةٍ، أو محاكاةٍ، وهي خُلق نهي عنه الإسلام.
ولكن كما قيل بحق: "إنك ان نصحت الجاهل عاداك وان نصحت الحكيم قدرك". وهذا راجع الى اسباب تاريخية موضوعية وغير موضوعية من عناصرها الجهل والعصبية والنرجسية الفارغة.
وعزاؤنا في ذلك قول الامام علي (عليه السلام): العالم يعرف الجاهل لانه كان جاهلا، والجاهل لا يعرف العالم لانه لم يكن عالما. وبما ان الشئ بالشئ يذكر نذكر مقولة القائد الاسكندر المقدوني، حيث قال:
(لقد استفدت من أعدائى أكثر مما انتفعت من أصدقائى، لأن أعدائى كانوا يعايروننى ويكشفون لى عن عيوبى، وبذلك أتنبه إلى الخطأ فأستدركه، أما أصدقائى فإنهم كانوا يزينون لى الخطأ ويشجعوننى عليه). وهذا يعطينا معلومة اضافية ان (التزلف) قديمة وتاريخية وانها من اهم اسباب الفشل السياسي لدى قادتنا الأشاوس في الماضر والحاضر.
***
فارس حامد عبد الكريم

 

هذه الخطوات تساعدك على التربية الذكية بشكل صحيح وتكون على بينة من أمرك..
1: تحديد السلوكات السيئة للطفل:
هي أهم خطوة يركز عليها المربي إذا أراد أن يصوب أخطاء من يربيه وهنا نفرق بين خطأ يرتكبه الطفل بشكل عفوي ولمرة واحدة وبين خطأ مكرّر لافت للانتباه..
ومن هذه السلوكات الخاطئة التي يرتكبها الطفل:
- السرقة.
- الكذب.
- التأخر في العودة إلى المنزل.
- مشاهدة التلفاز أو اليوتيوب أو تصفح الهاتف أو اللوحة لساعات طويلة..
- الفحش في الكلام والسخرية من زملائه.
العدوانية تجاه الآخرين -
- عدم الاهتمام بترتيب غرفته ومكانه.
عدم الإهتمام بنظافة ملابسه.
2. وضع قواعد تمنع السلوكات الخاطئة:
عندما تحدد كمربي بعض السلوكات الخاطئة لطفلك، تأتي المرحلة الثانية المهمة وهي وضع قواعد تمنع هذه السلوكات الخاطئة تطبيقها بحزم فإذا طلبت من ابنك ترتيب غرفته أو مكان لعبه أو النوم في ساعة محددة وإلا تعرض لعقاب كحرمانه من أشياء يحبها...
3. اعتماد نظام الحوافز:
الطفل إذا التزم بالنظام الذي وضعته له قم بتحفيزه وهذا يختلف من طفل إلى آخر حسب المرحلة العمرية فمثلا طفل بعمر أربع سنوات إذا نام في الوقت المحدد يمكن أن تكافئه بحلوى يحبها أما الطفل بعمر الثالثة عشرة سنة إذا التزم بالعودة إلى البيت في الوقت المحدد يمكن أن تسمح له بزيارة صديقه..
***
الكاتب علي شدري معمر
.......................
هوامش
1- مفهوم التربية الذكية وأهم الخطوات لتطبيقها بشكل صحيح، النجاح نت.

 

إذا فقدت الكلمة قيمتها ودورها، فهل سيبقى للكتاب تأثير في حياتنا، التي سرقت أنظارنا الشاشة وأطاحت بالورق.
الرغبة النفسية للقراءة في كتاب أو النظر للورق أصابها الخواء، فجاذبية الشاشة أعمق تأثيرا وتواصلا مع الناس، الذين صاروا يمضون معظم أوقاتهم معها، فتقلصت ملازمتهم للكتاب.
فكيف نعيد للكتاب دوره المعرفي؟
هل لمعارض الكتاب فعاليتها؟
في القرن العشرين كنا نتسابق على معارض الكتب، فنشتري منها ما نستطيع حمله، واليوم معظمنا يزورها متفرجا ولا يخرج وبيده كتاب.
دهشتُ ذات مرة عندما زرت معرضا للكتاب في إحدى دولنا، فوجدته خاليا من الزائرين الذين كنت أتصورهم، ظننت بأنني سأسير وسط الزحام، وإذا بي وكأنني لوحدي مع بضعة أشحاص، وغادرت بمجموعة كتب، وما رأيت الخارجين من المعرض يحملون كتبا!!
عند أحد الأكشاك قال صاحبه: "كسدت بضاعة الكتاب، فالمبيعات قليلة "!!
حاولت أن أواسيه، فقلت له: "إنها أزمة وستزول، فالأجيال الوافدة تقرأ"!!
ولا أدري إن صدقت، لأن الشاشة تستلب أوقات الناس، فهم يقرأون ولكن من خلال الشاشات، التي تقدم المعلومة بيسر وسرعة.
فما هو مصير الكتاب في القرن الحادي والعشرين؟!!
وهل من آليات مبتكرة لتسويق الكتاب وتشجيع التفاعل مع المكتوب في الورق؟!!
وربما لا يصح القول بعد اليوم: "... وخير جليسٍ في الأنام كتابُ"!!
***
د. صادق السامرائي

 

في كلِّ المجتمعاتِ التي تعيشُ وطأةَ الدكتاتوريةِ، ينصبُّ جهدُ الطاغيةِ على خلقِ قطيعٍ من المؤمنينَ بأفكارِهِ عن طريقِ القسرِ والإكراهِ. هذا الإيمانُ لا ينبعُ من قناعةٍ حقيقيةٍ، بل هو نتاجٌ للقهرِ والخوفِ والقلقِ والترقبِ. أما في الجمهورياتِ التي يصنعُ فيها القطيعُ إيماناً بقداسةِ الحاكمِ، فإن هذا المجتمعَ يتميزُ بالطاعةِ العمياءِ غيرِ المشروطةِ، لأنها جاءت عن وعيٍ مزيفٍ وإيمانٍ عميقٍ مصنوعٍ بقدسيةِ الحاكمِ. هذا النوعُ من الإيمانِ من الصعبِ تغييرُهُ، لأنه مبنيٌّ على جهلٍ مقدسٍ يُقدَّسُ بدورِهِ.
وإذا نظرنا إلى التاريخِ الدينيِّ، نجدُ أن رجالَ الدينِ كانوا على وعيٍ تامٍ بآلياتِ ترويضِ الجماهيرِ وتحويلِها إلى قطيعٍ يتبعُ دون مساءلةٍ. فهم يعملونَ على تدعيمِ أركانِ هذا الإيمانِ المزيفِ بمعتقداتٍ وهميةٍ، مثل اختلاقِ المعجزاتِ والكراماتِ الزائفةِ، وحكاياتِ الخوارقِ، وحتى الأعمالِ الخيريةِ التي تُنسبُ إلى المقدسِ. كلُّ هذا يتمُّ لضمانِ استمراريةِ السيطرةِ على العقولِ والقلوبِ.
ومن الأمورِ الأساسيةِ التي ترافقُ أيَّ دينٍ أو طائفةٍ، هي مصادرُ التمويلِ. فبدونِ المالِ، لا يمكنُ لأيِّ مؤسسةٍ دينيةٍ أن تستمرَّ أو تنجحَ. تتعددُ مصادرُ الأموالِ في هذه المؤسساتِ المقدسةِ، فتارةً تُسمى بالنذرِ المقدسِ، وتارةً أخرى بالزكاةِ، وأحياناً بالصدقةِ أو الخمسِ أو الغنائمِ. ولكن السؤالَ الذي يطرحُ نفسَهُ هو: هل يتمُّ توزيعُ هذه الأموالِ وفقاً للقواعدِ الشرعيةِ التي فرضتْها الشريعةُ؟ أم أن هناك استغلالاً لهذه الأموالِ باسمِ المقدسِ؟
من خلالِ الرواياتِ التاريخيةِ، نعلمُ أن الخلفاءَ الأوائلَ، مثل أبي بكرٍ وعمرَ وعليٍّ، كانوا يوزعونَ الأموالَ التي تجمعُ من الزكاةِ والغنائمِ بشكلٍ شفافٍ وعادلٍ بين أفرادِ المجتمعِ. كان كلُّ فردٍ يعرفُ مقدارَ حقِّهِ، ولم يكن هناك مجالٌ للشكِّ في نزاهةِ التوزيعِ. ومع ذلك، كانت هناك أصواتٌ تشككُ في عدالةِ القسمةِ، وهو ما يظهرُ أن الشكَّ في نزاهةِ الحكامِ ليس وليدَ العصرِ الحديثِ.
لكن الوضعَ اليومَ يختلفُ تماماً. ففي عصرِنا الحاليِّ، نعيشُ في مجتمعٍ رأسماليٍّ متحولٍ، حيث تتدفقُ الأموالُ بكمياتٍ هائلةٍ، وتُستثمرُ في مشاريعَ ضخمةٍ. والمؤسساتُ الدينيةُ، التي تجمعُ ملياراتِ الدولاراتِ سنوياً، لم تعدْ تكتفي بتوزيعِ هذه الأموالِ على الفقراءِ والمحتاجينَ، بل أصبحتْ تستثمرُها في مشاريعَ تجاريةٍ وعقاريةٍ وصناعيةٍ. وهنا يبرزُ السؤالُ الأخلاقيُّ: هل من العدلِ أن تُستثمرَ أموالُ الفقراءِ والمساكينَ، التي فُرضتْ لهم بحكمِ الشرعِ، في مشاريعَ تدرُّ أرباحاً طائلةً على المؤسساتِ الدينيةِ، بينما يبقى أصحابُ الحقِّ الأصليونَ في فقرٍ مدقعٍ؟
المشكلةُ تكمنُ في أن هذه الأموالَ، التي من المفترضِ أن تُنفقَ على الفقراءِ والمساكينَ وابنِ السبيلِ وطلابِ العلمِ، أصبحتْ تُستخدمُ لبناءِ إمبراطورياتٍ اقتصاديةٍ تحملُ أسماءً مقدسةً، وتدارُ بأيدي كوادرَ مقدسةٍ، وتُروَّجُ لها في وسائلِ إعلامٍ مقدسةٍ. هذه المشاريعُ، التي تُفتتحُ باحتفالاتٍ مهيبةٍ ويعلنُ عنها في كلِّ مكانٍ، سرعانَ ما تتحولُ إلى آلاتٍ لاستنزافِ جيوبِ الفقراءِ أنفسِهِم.
خذوا على سبيلِ المثالِ المستشفياتِ التي تُفتتحُ بأسماءٍ مقدسةٍ. في البدايةِ، تُقدمُ الخدماتُ الطبيةُ مجاناً لفترةٍ محدودةٍ، كجزءٍ من حملةِ ترويضِ الجماهيرِ وإقناعِهِم بقدسيةِ المؤسسةِ. ولكن بعد ذلك، تتحولُ هذه المستشفياتُ إلى مراكزَ تجاريةٍ تفرضُ رسوماً باهظةً على المرضى، الذين هم في الأصلِ أصحابُ الحقِّ في هذه الأموالِ. هذا التحولُ من الخدمةِ المجانيةِ إلى الاستغلالِ التجاريِّ هو ما أسميه "المكرَ المقدسَ".
ولو عادَ عقيلُ بنُ أبي طالبٍ إلى الحياةِ اليومَ، لوجدَ أن الأموالَ التي طلبها من أخيهِ الخليفةِ عليِّ بنِ أبي طالبٍ، والتي حُرمَ منها، أصبحتْ تُدارُ الآن بأيدي آلافِ "المعاوياتِ" الجددِ. هؤلاءِ الذين يستغلونَ الدينَ والمقدسَ لبناءِ إمبراطورياتِهِم الاقتصاديةِ، بينما يبقى الفقراءُ والمحتاجونَ في ذيلِ قائمةِ الأولوياتِ.
في النهايةِ، ما نراهُ اليومَ هو استغلالٌ فاضحٌ للمقدسِ، حيث تُستخدمُ الأموالُ التي فُرضتْ لمساعدةِ الفقراءِ في بناءِ مشاريعَ تخدمُ مصالحَ فئةٍ قليلةٍ. هذا ليس فقط خيانةً للثقةِ، بل هو أيضاً خروجٌ صارخٌ عن المبادئِ الأساسيةِ للعدالةِ الاجتماعيةِ التي تدعو إليها الأديانُ. إنه "المكرُ المقدسُ" بكلِّ ما تحملهُ الكلمةُ من معنى.
***
بقلم: د. علي الطائي

 

انتهت معركة قوانين السلة التي ادى دور البطولة فيها السيد محمود المشهداني، ليفتح الستار عن معركة جديدة عنوانها المساءلة والعدالة وقانون الحشد.. وبين هذه المعارك وتلك قرر البرلمان أن يغط في نوم عميق.
المواطن العراقي المسكين وهو يتابع نوم برلماننا العتيد، يجد نفسه كل يوم محاصرا بأخبار الصراع على المكاسب والقوانين،، وخطب الساسة عن النزاهة والاصلاح، وعودة اسامة النجيفي، ونظرية حنان الفتوي عن التقلب في المواقف.
هذا المواطن للاسف صدق أكذوبة أن أشخاصاً خدموا في بلاط الطائفية منذ عام 2003، يستطيعون أن يقدموا له نظاماً سياسياً معافى يكون شعاره الوطن للجميع، وعاش سنوات دور المخدوع، الذي أدمن على متابعة تغريدات عالية نصيف التي بشرتنا فيها بأن ننام ملء جفوننا عن شواردها، ما دام السيد المالكي حارساً أمينا على راحتنا ومستقبلنا، مع الاعتذار لعمنا المتنبي الذي دائماً ما أحشره مع قامات "ديمقراطية" من عينة حنان الفتلاوي وخميس الخنجر والعلامة عزة الشابندر.
اثنان وعشرون عاماً لم نسمع خلالها سوى بيانات ومؤتمرات تطالب بدولة المواطنة وتشتم الطائفيين، وكلما أمعنوا في الكلام عن دولة العدالة الاجتماعية والمساواة التي سيعيشها الناس على أيديهم، كانت المصائب والمآسي تصب على رؤوس العراقيين، لنصحو جميعاً على دولة يعيث فيها الخراب.
من ينسى صراخ الحلبوسي وهو يحذرنا من النزعات الطائفية الضيقة؟، ولعل كلمات همام حمودي عن الديمقراطية ونعيمها لا يزال صداها يتردد في الفضاء .. اليوم تثبت الوقائع أن النجيفي كان يضحك علينا، وأن جماعة همام حمودي هدفهم الدفاع عن الكرسي فقط .
وسيسأل سائل، ما الضير أن تدافع أحزاب وتتحالف تيارات عن حقها الذي كفلته لها صناديق الانتخابات؟ أليست هذه الديمقراطية التي تتحدثون بها وتكتبون عنها؟، وسأقول إن كل ممارسة سياسية سلمية أمر مرحب به ما دامت لا تستخدم العنف والكذب والخديعة طريقاً للحكم، لكن المطلوب أولاً، وثانياً، وثالثاً، والى ما لانهاية، أن تُبنى هذه التكتلات على أرضية وطنية خالصة، لا على برلمان طائفي فقد اهميته وأوامر من وراء الحدود.
لقد ظل سياسيونا مصرين على اعتقال إرادة العراقيين داخل أسوار الطائفية والإحساس بالخطر من الآخر، وافتعلوا أزمات سياسية محبوكة، بالتوازي مع إشاعة أفلام الرعب من الخطر الخارجي الذي يحيق بأبناء الطائفة، مراهنين على أن المواطن سيلغي عقله، وينصرف تماماً إلى البحث عن غطاء طائفي يحميه من غدر الآخرين.
هل ان الذين يتحكمون في رقاب البلاد والعباد لا يدركون ان المواطن العراقي يرفع يديه الى السماء صباح كل يوم، متمنيا ان يستمر البرلمان العراقي في نومه العميق حفاظا على السلامة العامة.
***
علي حسين

 

إن الأساليب التربوية الخاطئة التي تربى عليها جيلنا عفا عليها الزمن ولم تعد في عصرنا الحالي مقبولة وأنا لا أقصد ذلك الحرص الذي كان عند الإباء والجيران والمجتمع بصفة عامة في تأديب الطفل ونصحه وإرشاده وكانت النيات صافية رغم الوقوع في أخطاء غير مقصودة فالضرب والتجريح والمقارنة وكثرة اللوم والعتاب والإهمال العاطفي هي من سمات المربي الغبي الفاشل..
فالتربية الذكية " تعني توجيه الطفل ومساعدته في الأمور التي تجعله يتخطى مرحلة الطفولة بنجاح ليصبح إنسانا ناضجا في المستقبل قادرا على بناء حياة جيدة وتكوين علاقات صحيحة مع الآخرين سواء في مجال الدراسة أو العمل أو حتى مع الأهل" (1)
ومساعدة طفلك على تخطي مرحلة طفولته بنجاح وبناء شخصيته ليكون إنسانا فاعلا مؤثرا تتطلب منك عزيزي المربي أن تترك تلك الأساليب البالية في التربية من صراخ وعصبية وعنف والتركيز على الأخطاء والتهديد فهذه الأساليب هي التي تنتج طفلا عنيفا فاشلا، متخلفا في دراسته، يكون سهل الانقياد من طرف رفقاء السوء، فكن مربيا ذكيا تسعد وتسعد من تربيهم...
***
الكاتب: علي شدري معمر - الجزائر
........................
هوامش
1- سوزي ماترجي، مفهوم التربية الذكية، فنجان كوم..

 

أجيالنا تعيش وهما فاعلا فيها منذ قرون إذ تحسب الدنيا واحة خضراء، بفوح منها عطر الأخلاق وأريج القيم والمعاني الإنسانية السامية.
وهذا إثم حضاري فادح، يتجاوز الخطيئة بحق الأجيال المتعاقبة.
الدنيا سوح غاب، القوي فيها يأكل الضعيف، وذوي المخالب والأنياب يفترسون كل مخلوق بلا أنياب ومخالب، وتلك قوانين الصراعات الدائبة فوق التراب المتعطش للدماء.
من العجيب تواصلنا بالحديث عن المؤامرات وأن الآخر أراد ما أراد، ونتظلم ونتشكى، ونتهم غيرنا بنصب الأفخاخ لنا، ونتمسك بأن المعاهدات في القرن العشرين بين الدول المستعمرة لنا قد منعتنا من التقدم والرقاء، وكأننا نتحرك على بساط من المروج الخضراء، ونتجاهل الوحوش المفترسة المتربصة لفرائسها المطيعة الشهية البلهاء.
هم لا غيرهم، تخبرنا "لماذا" بما شاءت وتوهمت، وما إستطعنا إطعام أنفسنا، ولا صناعة أسلحتنا، ولا تفاعلنا مع بعضنا بإيجابية، وما إعتصمنا بضرورة الحفاظ على مصالحنا، بل أكثرنا أسكرهم النفط، وعطل عقولهم، وحولهم إلى توابع في غاب إسستحواذ الأقوياء على ما يملكه الضعفاء.
قميص الآخرين نحمّله ملاحم عجزنا وتناحرنا مع أنفسنا، وتنافرنا من بعضنا، وخنوعنا وإستسلامنا، وهواننا، ونيلنا من ذاتنا وموضوعنا، وإسفافنا بسفك دمائنا، وتحويلنا لكل نعمة عندنا إلى نقمة علينا، حتى صار نور وجودنا نارا تحرقنا.
فنحن ننزه أنفسنا ونبرر خطايانا، ونلغي عقولنا، ونهين أجدادنا، ونتشبث بالغابرات بجهلنا!!
فهل لنا إعادة ترميم ذاتنا، وتعمير حياتنا، والتعبير عن جوهرنا المكنون؟!!
"وعش رجبا ترَ عجبا"!!
***
د. صادق السامرائي

 

قد يصدمُ هذا العنوانُ التافهُ عددًا كبيرًا من القرّاء. قد يَحكمون على كاتبه بالزندقة. قد يُخرجون كاتبه من رِبقَةِ الدين، أو من جماعة المسلمين. لماذا؟
ببساطة شديدة، لأن الله (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ). وكأنه اكتشاف سوف يهز الكاتب. أغلب هؤلاء لم يقرأوا المقال، بل حكموا على كاتبه اللعين بالطرد من جماعتهم بسبب العنوان ليس إلا. أو قد يحكمون عليه بالإلحاد وهم لا يعلمون معنى هذه المفردة.
دعونا نتحاورُ قليلا، بالرغم من قناعتي الشديدة أن لا حوار منتج بيني وبين هؤلاء، لسبب تافه هو تفاهة هذه العقول، المؤدلجة، والمؤطرة بإطار ديني طائفي، وأن الجدال معي يعد ضرباً من ضروب السيئات بل الموبقات. ولم يعلموا أو ربما يتجاهلون، وأنا أرجح الثانية، أن الله يقول (وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ). أظنهم يخبؤون من كتاب الله الكثير من الآيات الداعية إلى تحرير البشر فكريا، وعقائديا.
كلنا سمعنا المقولة الشهيرة: هذا الولد ابنُ أبيه، وهذه البنتُ ابنةُ أمها أو أبيها. والمقصودُ منها أن هذا الولد (ابن أبيه) ذو شأن عظيم فاق كل إخوانه. هذا الولدُ يشبه أباه، و(من يشابه أبه فما ظلم). هذا إذا كان الأب عظيما، وكبير الشأن، ولو كان تافها، كأغلب الآباء اليوم، سقطت حكمة العرب الآنفة الذكر.
الله، بلا شك، هو أعظم شيء في الوجود، ولا يشبهه شيء كما نصت الآيات الكثيرة عليه. وحينما يدَّعي أحدٌ أنه ابنُ الله، تتحقق الحكمة العربية التي أسلفناها. لكن هل من أحد منا يتجرأ على هذا الادعاء؟
لا أحدَ بالطبع، إلا ما سبق في ديانة النصارى. وكل المسلمين، اعتمادا على كتاب الله، يشجبون هذا.
لا أتحدثُ عن هؤلاء، إنما أتحدثُ عن مجموعةٍ من المسلمين لا النصارى ولا اليهود، الذين لم يدَّعوا في الواقع أنهم أبناءُ الله صراحة، بل على طريقة لسان الحال أو المقال يحسبون أنهم كذلك.
من خلالِ ما قرأتُ وما سمعتُ طيلة أكثر من أربعين عاماً مضت، فهمتُ أنَّ اللهَ اختار من البشر مَن سماهم (المصطفين الأخيار) أي الذين اصطفاهم الله وذكروا في آيات القرآن، من قبيل (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ) و (اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ) . ولا يسعنا في هذا المكان إلا أن نذعن لما جاء في الكتاب السماوي الأخير. لكن الأمر المهم في هذا أن الله صرح بأسماء هؤلاء أو ربما فهم من السياق الذوات المقصودون والمصطفون. وأعود فأقول: وهؤلاء لم أقصدهم في مقالي هذا ولا أرغب بالدخول في جدال عقيم في قوم ماتوا منذ قرون وذرَّ الهواء تراب أجسادهم لأنه جدال لم ولن يأتيَ بأية ثمرة. الذين أقصدهم هم من يعيش بين أظهرنا ويأكل طعامنا، ويشرب شرابنا، ويتنفس هواءنا.
قلت له: ذلك الملاك الذي يلبس زي العلماء، ويرتدي عمامة الفقهاء، يفتي بقتل البشر لأنهم لا يتبعون أفكاره.
قال: هذا الذي تتحدث عنه خط أحمر، لأن صلته بالله قوية، فلا تغضب ربك، واستغفر من ذنبك، لأن الشك فيهم حرام.
قلت مستغربا: الله يأمر بقتل البشر وهو الذي حرم القتل بغير الحق، أو القصاص؟
قال: أستغفر الله، لم يفعل هذا، ولا أمر به.
قلت: إذن كيف يأمر هذا الرجل بقتل من لا يتفق معه فكراً، وعقيدة؟
قال: ومتى فعل هذا؟
قلت: ألم تقرأ فتاواه التي تنوء به كتبه؟
لم يفطن هذا المُغرمُ إلى ممارسات هذا الملاك وأشباهه مع سائر الناس. ينظر إليه وكأنه محاط بملائكة الله المقربين. فُتِنَ به وبأحاديثه التي تخلبُ عقولَ السطحيين أمثالِه.
هذا الملائكي هو الذي صنع قدسيته بنفسه، فصدقه الآخرون من سواد الناس، الذين اعتادوا على تسليم ذممهم وعقولهم لأمثال هؤلاء الذين يجيدون فن الإقناع والخداع. إنهم لا يألون جهدا من إظلال العامة، لأن العامة في الغالب من بسطاء العقول، أو تاركيها على الأرجح. إنهم سلموا ما بعهدتهم من خلايا المخ وعواطف القلوب إلى أمثال هؤلاء المتشدقين، المتفيهقين، والمتفقهين. المظهر الخارجي لهذا المقدس هو الأهم عند هؤلاء، لا يعلمون أنهم لبسوا مظهره، وتبنوا فكره، واستقرضوا عقله، وتكلموا بلسانه، ولم يكن لهم من فضل إلا نقل أفكاره ورؤاه، وهم يؤمنون بمقالة ناقل الفكر ليس بكافر، ولم يعلموا أن ناقل الفكر والعاملَ به دون تمحيص هو كافر بالعقل والإنسانية. إنه يجيد التشدق بالفم، والتلويح باليدين، ويتقن هز الرأس، وإفاضة العيون بدموع الغش والخداع. يتسلق إلى أفهام العامة بسلم العاطفة وصدور الحور العين، وأنهار اللبن والخمر التي وعد المتقون، المستسلمون له، لأنه ابن الله الذي اصطفاه وأعطاه العلم قذفا، لأن الله يهدي من يشاء ويظل من يشاء، وهو على كل شيء قدير.
إنه يبني للآخرة، لأنه لم ينس نصيبه من الدنيا، فتجده يراكم لبنات التبر والفضة ويكنز الملايين باسم الله الذي يتحرك في بحبوحته، ولا أحد له الكلمة إلا هو، لأنه مقدس، والمقدس لابد أن تكون أفعاله مقدسة، ولا يأتي بالمنكر. إنه يقدر بما أوتي من علم المنطق الأرسطوطاليسي العتيق على تحليل ما يشاء، وتحريم ما لا يشتهي. ولا قدرة لأحد على الرد عليه لأنه ابن الله.
إنه الأوحد الذي له أن يقطب وجهه في وجوه البؤساء، فتغرورق عيونهم بالدموع، وكيف لا وقد رسَّخَ في عقولهم أن الدمعة تطفئ حر جهنم!!!!
إنه النور الذي انتقل من أصلاب الأجداد حتى استقر في خصى الأحفاد!!! فأنجب الابن البار.
هو كاشفُ الظلمة في حنادس الليالي التي غاب عنها القمر، بل هو القمر بذاته، أو أنه خلق من أجله!! إنه الوجه الذي رسمه الله على سطح القمر وليست صورة تضاريسه!!!
هو الثريا التي تظهر للرائي حين يرفع بصره يدعو الله في سمائه!!!
إنه الحافظ الذي لولاه ما استقرت الأرض في مدارها، وما هدأت الجبال في أماكنها!!!
لولاه ما كنا، ولما خلق الله البعير، والحمار، والكلب لولاه!!!
ولولاه ما أطعمنا الله الفول والجرجير والبطيخ!!!
إنه (في أفكار هذا العبد الفقير) لا يأكل مما نأكل، ولا يشرب مما نشرب، ولا يواقع زوجته مثلما نفعل نحن التافهون.
إنه على صلة وثيقة بلا واسطة مع الخالق، يطعمه من ثمار الجنة، ويسقيه من الرحيق المختوم، والعسل المصفى، وزوجه ليست من نساء الأرض اللواتي لا ينفع مع وخمتهن كل عطور الدنيا!!!
إنه يعلم ما في صدرك وكأنه شقه فاطلع على أسراره، وهو يعلم بكم أينما كنتم. فحاذر الظهور أمامه والشك يملأ قلبك، ويفيض العناد من رأسك. لن تبلغ أجرك حتى تسلِّمَ رأسك وما يحتويه، وعينك بمقلتها ودموعها الحرّى، وبطنك بكرشها، ولسانَكَ بطولِهِ وبذاءته، واحذر أن تضاجع زوجك حتى يأذن لك ويحدد لك أمتع الطرق!!! وأفضل الأوقات!!! لأنك لو فعلت غير هذا وخرج الطفل مشوها، أو أعور، فلا تلومن إلا نفسك!!!
إنه ذلك الابن الذي لو مشى على الأرض لسبَّحَت الحصى له، وكل الشجر والجت والبرسيم!!! وغردت الطيور وزقزقت العصافير، وصاحت البوم، وكله تسبيح وتهليل فرحاً بمروره المقدس!!!
إنه الذي يتكلم مع الملائكة في غلس الليل، ويقيم المجالس معهم فيأمرهم وهم له طائعون!!! ولو كان على شغل أو زحمة من أمره، أتوه في عالمِ الطيفِ والرؤيا حتى يسجل حضوره المقدس!!
لولاه لوجدنا الأيتام تملأ دورهم التي بناها أهل الخير!!!
ولولاه لازدحمت السبل بالفقراء والمساكين!!!
ولولاه ما عشنا (كما نحن الآن) في جنة الأرض التي وعدنا الله بها!!!
إنه السبب الأول لنزول القطر من السماء، ولولاه لأصابنا القحط والجفاف!!
لولاه لمات الرافدان( دجلة والفرات) ولما رأيناهما يفيضان كل موسمٍ فيغرقان الحرث والنسل!!! ويبطشان بالمدنِ والقرى.
هو الذي ببركة عمامته خلصنا الله من الداء الذي فتك بأهل الأرض، كورونا اللعين، والذي هو من الفيروسات التي غضب الله عليها لأنها من القومِ الكافرين!!!
لولا وجوده لتهدمت المدارس وجلس التلاميذ على حصران من الخوص والقصب، في العراء تحت الشمس اللاهبة وبرد الشتاء القارص!!!
لولا وجوده وبركة جلبابه المقدس لعاث الفقراء والمساكين شرا بأكوام النفايات!!! بحثا عن شيء له ثمن يسترون به عوراتهم التي تستظل تحت بيوت من الصفيح، وتحتهم يئن النفط ويبكي عليهم!!! في بلد نصف أرضه مخلوق من بترول!!!
لولا وجوده وبركة لحيته الطاهرة، لكنا اليوم نأكل مما يزرعه الغرب، ونلبس ما ينسجه الغرب الكافر، ونركب الإبل، ونمشي حفاة، ونرتدي عمامة إسرائيلية، أو (صاية) صينية الصنع!!!
هذه هي بعض فيوضات ابن الله الذي أخبرتك عنه، ولو استرسلت في الحديث لطال بنا المقال، ولك أن تَصِمَني بما تشاء، لكن تذكر أنني تحت رعاية الله وبصره، لأنني أفكر، ولأنني أعقل ما يدور حولي. أما أنت فلن تنعم بهذه النعمة، ولو صرت ابنا لله!!!!
***
د. علي الطائي

السلوك البشري يخبرنا أن لكل تغيير ضريبة قد تكون قاسية، وأولها سفك الدماء البريئة، وإرتكاب الآثام والخطيئة، والنيل من العمران والدريئة.
فلا يمكن الإقتناع بوجود ثورة بيضاء، أو حركة بلا إراقة دماء، فذلك لا يوافق الطبع البشري الذي مضى فوق التراب منذ الأزل.
فلكل خطوة ثمن، وعندما يتعلق الأمر بالقوة والسلطة، فسيرتعب الزمن.
ما يجري في العديد من المجتمعات من المآسي والويلات، لم يخرج عن نطاق المسلمات السلوكية الداعية للنيل من البشر بالبشر، وتفتيت الحجر بالبشر، وكأن الناس مستودعات خطر، وينابيع سوء وضرر.
الأخبار مشحونة بالعنف والدمار، والتجويع والحصار، والتهديد والإنذار، والتأسد والإندحار، فالقوة عاتية، والأرض حامية، والأسلحة متأهبة للقاضية، وما أدراك ما هي.
كل من عليها سيفنى، والقلة ستغنى، فالملايين خابية، وبضعة في عيشة راضية، مليارات في جيب، وقرش في قلب، فالأغنياء أقوياء، والفقراء ضعفاء، والإنسانية محض هراء، والقوي وما يشاء، كالصقر فوق القمة الشماء.
الغاب لهّاب، لا يعرف التحاور والخطاب، يطلق الأوامر وعنده الحساب، ويدخل من كل باب، كأنه السحاب، يتوثب ولا يهاب، فالأسود تثب إن داهمها إرتياب، فهل تعرت الدول وخلعت الثياب؟
تساؤلات معفرة بالخياب، يتمتم بها ألف مصاب ومصاب، لا يستطيعون الإياب، بعد أن تدثروا بالتراب.
فهل تُراق الدماء ليبدأ البناء؟!!
ودم التغيير أمير!!
***
د. صادق السامرائي

 

أصبحت أشهر الحكايات في تاريخ البشرية، لا نعرف كم مؤلفاً كُتب عنها، إذ بين اليوم والغد تضاف إليها دفعة جديدة من الدراسات التي تريد أن تحلل أسطورة سمّيت ألف ليلة وليلة.
من كتبها؟، كيف جمعت؟، لماذا هي ألف ليلة وليست تسع مئة؟ أسئلة شغلت الباحثين، فمنهم من اعتقد أن أصلها ليس عربياً، وكان صاحب هذا الرأي المصري حسين فوزي في كتابه (حديث السندباد القديم)، فيما انتهت سهير القلماوي إلى أن الليالي نصفها عراقي والآخر مصري، وظلّ عدد هذه الحكايات ألفاً وواحدة بالتمام والكمال، حتى ظهر العلّامة العراقي محسن مهدي ليقول لنا إننا عشنا مع ألف حكاية من الخيال، وإن السيدة شهرزاد لم تسهر مع شهريار سوى 282 ليلة فقط لا غير، لكنّ المفاجأة الأهم التي فجّرها المرحوم مهدي، وهو يقدم نسخته المحققة من الليالي، هي أنّ علي بابا ومعه الحرامية "الأربعون"، وعلاء الدين ومصباحه السحري لم يتنزّهوا في شوارع بغداد، من أين جاءوا إذن؟ وهل يعقل أن هذه البلاد التي انتشر فيها مئات علي بابا هذه الأيام، لم تكن هي الراعي الرسمي لهذه الماركة من السرّاق خفيفي اليد والظل، من أمثال أيهم السامرائي وفلاح السوداني وصاحب المصباح "النووي" حسين الشهرستاني الذي أخبرنا قبل سنوات بأننا سنصدِّر الكهرباء للصين؟، وبما أننا نتحدث عن الوهم فلا حديث لصفحات التواصل الاجتماعي في بلاد الرافدين هذه الأيام سوى أخبار"الانتخابات " التي ستخرجنا من مغارة المحاصصة لأنها مغارة تفوقت بالمنافع على مغارة علي بابا.
قبل ايام ضجت مواقع التواصل الاجتماعي في بلاد الرافدين بحكاية علي بابا برلماني وغابات الموصل، والاغرب حكاية وزارة التربية مع الغابات، ففي الوقت الذي يحتاج فيه العراق الى تطوير منهاج التربية وبناء مدارس حديثة، نجد ان القائمين على شؤون التربية في العراق، تداخلت عندهم السياسة مع ألعاب الفساد مع المحاصصة مع زمرة المنتفعين في أن يتولوا مناصب مهمة في هذا القطاع لتكون النتيجة واضحة؛ البحث عن المكاسب ومحاولة تحويل غابات الموصل الى مشروع استثماري، وربما تسأل عزيزي القارئ ما علاقة التربية بالغابات ؟ والجواب : نحن نعيش في عراق العجائب والغرائب .. وواحدة من اشهر قصص العراق الغريبة ان يتحكم النائب مثنى السامرائي بشؤون وزارة التربية منذ سنوات وحتى لحظة كتابة هذه السطور.
حكايات ساستنا مع الاصلاح والنزاهة يمكن أن تضاف إلى حكايات المرحومة شهرزاد، والغريب أن معظم الكتل التي تتحدث عن الإصلاح، ترفض مغادرة مغارة المحاصصة، والجميع يريد عدداً من الكراسي، لكن النائب مثنى السامرائي تفوق عليهم بأن حدد نوع المحاصصة التي يرغب بها، وزارة التربية ومعها غابات الموصل، لكن أغرب حكاية كانت البشرى التي زفها لنا السامرائي من أنه سيترك الغابات حفاظا على البيئة .
***
علي حسين

نعيش في زمن يتسم بهالة من الوهم، آذ نعتقد جازمين أن تاريخنا كان مثالياً، خالياً من العيوب والمآسي، وأن حاضرنا هو الصورة القاتمة التي تشرخ أحلامنا. ولكن الحقيقة التي يجب أن نواجهها بشجاعة هي أن حاضرنا ليس سوى نتاج ماضٍ مركب ومعقد، ماضٍ مليء بالأحداث التاريخية التي تطغى عليها العواصف والتقلبات، فكل فصل من تاريخنا يحمل في طياته قصصاً من الدمار والخراب، ومن الحروب والمآسي، والتي لا تزال آثارها تؤثر علينا حتى يومنا هذا.
إننا إذا نظرنا بعمق، سنكتشف أن نظرتنا إلى ماضينا تتطلب إعادة تقييم شاملة، حيث نحتاج إلى التحلي بالشجاعة لمراجعة الأحداث التاريخية من منظور شامل، يشمل كل جوانبها الإيجابية والسلبية. إن الأبطال الذين نحتفي بهم ليست لهم إلا قسط من الكمال، فكل شخصية تاريخية تحمل معها عيوبها وقراراتها المتسرعة. وبالتالي، فإن فهمنا المتوازن لتاريخنا سيمكننا من العبور إلى مستقبل أكثر سلاماً وانفتاحاً.
لتكن خطواتنا واضحةً نحو مستقبل يبتعد عن الأساطير والأوهام، مستقبل يقوم على الحقائق والحقائق فقط، حيث نعكس إنسانية البشر بجوانبها المختلفة، بما تحمله من عيوب وفضائل. علينا أن نأخذ بعين الاعتبار الدروس المستفادة من ماضينا، وأن نبني أساساً متيناً لمجتمع يتقبل التنوع والكمال بطريقة حقيقية. فالتغيير لا يأتي عن طريق تجاهل الواقع، بل من خلال مواجهته بكل تفاصيله، وتحويل تلك التجارب إلى بوابات أمل وازدهار.
واليوم يعيش حوالي 40 مليون مهاجر ناطق بالعربية حياتهم اليومية بشكل طبيعي، بينما يحملون في قلوبهم همومًا ثقيلة، مدركين التمييز الذي يعانون منه في الدول التي تستضيفهم، بسبب تركهم لبلدانهم.
تُعتبر ألمانيا، ثاني أكبر بلد يستقبل المهاجرين العرب بعد الولايات المتحدة، مكانًا معاديًا لنا بشكل خاص. هذا الأمر أصبح أكثر وضوحًا نظرًا لموقفها الذي يفتقر إلى النقد تجاه الإبادة الجماعية للفلسطينيين والقرارات العقابية ضد أي دعم يُظهر حقوق الفلسطينيين.
الأوساط الأكاديمية في ألمانيا بشكل خاص تخلق بيئة معادية وعنيفة تجاه العرب، مما يعزز مناخًا سامًا يتذكر ممارسات فاشية سابقة. تورد مريم الزعبي تقريرًا شجاعًا حول التحديات التي يواجهها العرب في ألمانيا.
تتحدث (سارة الأسعد) عن التجربة غير الواقعية المتعلقة ببرنامج لم شمل الأسرة في ألمانيا والصعوبات التي يواجهها المهاجرون في البلاد. وتبدو هذه التجربة بالنسبة للعديد من المهاجرين العرب كرحلة مستمرة نحو الاكتئاب. مع احتمال تحول برنامج لم شمل الأسرة إلى سياسة للترحيل الجماعي، يثير الكثيرون تساؤلات حول ما إذا كان هذا هو السبب من الله للعودة إلى الوطن.
تستعرض الصحفية الاستقصائية (أماني إبراهيم) كيف تلعب ألمانيا دوراً مستمراً في نهب الآثار من الدول العربية. وتبحث في كيفية تمكن الوثائق المزورة من تسهيل بيع هذه الكنوز المسروقة وعرضها في مختلف أنحاء أوروبا، مما يعد شهادة دائمة على المواقف الاستعمارية والعنصرية المتبقية تجاه العالم العربي.
تشارك (أنجيلا زاهر) معضلة شخصية عميقة تعكس مشاعر العديد من الأسر الفلسطينية، خاصة الفلسطينية المسيحية، الذين يجدون طريقة أسهل نسبيًا للإندماج. في وسط الجهود الإسرائيلية المستمرة لطمس الهوية الفلسطينية والادعاء بعدم وجودها، تعارض أنجيلا الرواية الإسرائيلية وتعمل على إبقاء الهوية الفلسطينية حية.
فلنجعل من تاريخنا نقطة انطلاق نعيد من خلالها بناء هويتنا، ولنجعل من تجربتنا الحاضرة دروساً تُعزِّز من قدرتنا على مواجهة التحديات. بتضافر الجهود وتفعيل الحوار البناء، يمكننا التغلب على أوهامنا، وسنستطيع أن نرسم معالم مستقبل يحترم إنسانيتنا، وينطلق من أسس متينة قائمة على التعلم من ماضينا لبناء عالم أفضل للأجيال القادمة.
***
شاكر عبد موسى / العراق

تقول زميلتي إن بعضهم يعيب عليها الإهتمام بتأريخ الطب العربي، ويحسبون ذلك نوع من الكتابات الخالية من الأهمية، وكأننا نكرر ما لا ينفع.
في العراق برز أكفاء وجهابذة في كتابة تأريخ الطب، وعلى رأسهم الدكتور كمال السامرائي في كتابه بجزأيه (مختصر تأريخ الطب العربي)، والدكتور محمود الحاج قاسم الذي تخصص بالموضوع ونشر العديد من المؤلفات، وهو من أهم المؤرخين المعاصرين للطب العربي، وغيرهم من البارعين المخلصين لمسيرتنا المعرقية، وما قدمته عقولنا من إبداعات علمية أصيلة.
إن محاربة التأريخ وتشويهه بدأت منذ أكثر من قرن، وقاد حملاتها بعض المستشرقين، وفقا لتوجهات إستعمارية ونوايا إلغائية، لتجريد الأمة من هويتها ومحق تأريخها، وإيهامها بأنها دموية وعليها أن تتواصل بسفك دماء وجودها، وتدمير حاضرها وتناسي مستقبلها، وقد أفلح المغرضون، ولا يزال المخلصون يقاومون ويتحدون دفع الأمة إلى خنادق الغياب والإنحطاط المرير.
التأريخ يعبّر عن جوهر المجتمعات البشرية، وما يُقدَم السلبي منه للأجيال، ويتم وبقصد إغفال الإيجابي المنير، فتأريخنا وفقا للمسار المنحرف، قتل وغزوات وتدمير وحرق مدن، فهو فعل سيف لا عقل، بينما تأريخ المجتمعات الأخرى فيه من المساوئ ما لا يخطر على بال، لكنها تطمر السلبي وتركز على الإيجابي وتطعم الأجيال ما يعزز وجودها، ويوقد إرادتها لتدفعها نحو المجد المعاصر المنير.
تأريخنا أرقى وأجمل من تأريخ الآخرين، فلماذا نلغي إشراقاته وإضافاته الساطعة، ونتمرغ بالداجيات الغابرات الحانقات، ونوهم الأجيال بأن تأريخنا بائس لعين؟
تحية لزميلتي التي تتمسك بالتعبير الأصدق عن تأريخ أمة، وهبت البشرية منطلقات الصيرورة الكبرى والكينونة الأسمى، فتأكدت رؤى ومحاولات أجدادنا في زمننا المعاصر البديع.
فلتتواصل الأقلام الحرة المخلصة، وبجرأة وتحدي وإصرار، الكتابة عن تأريخ أمتنا العلمي النوّار.
و"إن التأريخ في ظاهره لا يزيد عن الإخبار، ولكن في باطنه نظر وتحقيق"!!
***
د. صادق السامرائي

 

إن مستخدم مواقع التواصل الإجتماعي، مثلا، الذي ينشر أو يشارك فيها، هو مجرد خادم او موظف أو جندي "رقمي مجهول" عند اصحاب هذه المواقع، إلا اذا كان ينشر حقائق تنصر الحق وتنقض اباطيلهم!
هذه الفكرة أو المقاربة تقوم على حقيقة أن المستخدم العادي لمواقع التواصل الاجتماعي هو في الحقيقة أداة ضمن النظام الذي يديره أصحاب هذه المواقع، فهو يخدم أهدافهم سواء بوعي أو دون وعي.
ويمكن تحليل ذلك من خلال الأبعاد التالية:
1. المستخدم كأداة في خدمة المنصة:
كل تفاعل يقوم به المستخدم من نشر أو مشاركة أو تعليق أو إعجاب أو غيرها، هو في النهاية، يُغذّي خوارزميات هذه المنصات، ما يساعدها على تحقيق أهدافها:
- جمع البيانات وتصنيفها وتحليلها لاستخدامها تجاريًا أو سياسيًا.
-إبقاء المستخدمين في حالة اشتراك وتفاعل مستمر، لتحقيق أرباح من الإعلانات وغيرها.
- صناعة وتوجيه الرأي العام، بطرق غير مباشرة، بالتحكم في المحتوى الرائج وغيره.
فيتحول المستخدم، بالنتيجة إلى "موظف أو جندي، مجاني رقمي" يعمل لصالح هذه المواقع ومالكيها!
2. الخروج من دور الأداة: نشر الحقائق
إذا كان المستخدم يريد أن يخرج من كونه مجرد خادم أو موظف أو جندي للمواقع وأصحابها، فعليه أن يستخدمها بطريقة تخدم الحق والحقيقة والخير والصواب، ويتخذها وسائل دعوة إلى الله ودين الحق، وبما يتعارض ويتناقض مع المصالح والأهداف الباطلة والشريرة والضارة لمالكي هذه المواقع من طغاة السياسة والتجارة،
وذلك يمكن أن يتحقق عبر الإجراءات التالية:
- نشر الحقائق والمعارف والمعلومات التي تصنع الوعي الحقيقي النافع، وتفضح زيف الأباطيل والدعايات التي تروجها هذه المواقع وغيرها.
- نقض الأباطيل التي يتم تسويقها لخدمة أجندات باطلة وشريرة وتخريبية.
- توعية وتبصير الآخرين بأساليب التلاعب التي تمارسها هذه المواقع أو الشركات.
3. رد فعل المواقع تجاه من يخرج عن طاعتها ويهدد سلطتها:
عندما يبدأ المستخدم في نشر محتوى حقيقي نافع، يتحدى السرديات التي تتبناها هذه المواقع، فإنها تتخذ ضده إجراءات عديدة مثل:
- تقليل رواج وانتشار منشوراته عبر خوارزميات التظليل ("Shadow banning").
- حذف المحتوى أو حظر الحسابات بحجة "مخالفة السياسات".
- إستخدام الذكاء الاصطناعي لرصد الكلمات المفتاحية التي تعتبر "حساسة" من وجهة نظرها.
- إجراءات أخرى ..
4. الاستنتاج:
المستخدم بين خيارين في الواقع: إما أن يكون مجرد أداة أو خادم أو موظف أو جندي لمالكي مواقع التواصل، مثلا، يساعدها في تحقيق المكاسب الخبيثة، وتمرير الأجندات والإعتقادات الباطلة الضارة، أو يكون فاعلًا عاقلا شجاعا، متحملا للمسؤولية أمام الله أولا، مستقلاً، يستخدم هذه الأدوات بطريقة تنصر الحق والحقيقة والخير والأخلاق الحسنة ودين الحق، ويقلب السحر على الساحر قدر المستطاع، عبر كشف الحقيقة، وإفشال الباطل وعمليات التضليل.
***
جميل شيخو

 

الفوضى الخلاقة هي اشعال فوضى متعمدة تستمر عقداً من السنين ، من اجل تكريس حالة سياسية اجتماعية تضمن مصالح دولة عظمى في منطقة الشرق الاوسط قادتها " كونداليزارايس" وزيرة الخارجية الاميركية السابقة قبل غزو العراق.
وتعود سياسة الفوضى هذه للفيلسوف (روبرت نوزك)، والتي تشكل أفكاره المزعومة، قاعدة لتغيير العالم وتفكيك المجتمعات والمؤسسات وتبديل قيادتها بفئة متنفذه وثرية يقودها ويحتكر حركتها التيار المحافظ، ممثلة بمشروع 2025 .
ان صعود التيار اليميني المحافظ في اميركا يعني سيطرة الاغنياء والأثرياء والمتنفذين على مقدرات الدولة، أي وضع كل الامكانات الاميركية في خدمة الشركات الاحتكارية وتحجيم المؤسسات وستبدالها باخرى تمتلك الحد الادنى من الصلاحيات ، فضلا عن خفض الضرائب عن الشركات وخفضها عن ارباح رؤؤس الاموال وعن الرعاية الاجتماعية والطبية وازالة التقييدات عن استخدام الوقود وتشديد القيود على الهجرة ونشر ثقافة (الجندر) والتفسخ والاجهاض، أما السلطة التنفيذية فتخضع للرئيس .
التحول في ظل حكم البيت الأبيض الراهن جذري على وفق فلسفة روبرت نوزك ومضمونها (الفوضى والدولة واليوتوبيا) وهو مشروع يميني يعود لعام 1974 والمراد تأسيس هياكله في عام 2025 .
(الاقتصاد أولا أو أميركا العظيمة أولا) هو شعار يرمي إلى إخضاع كل ما يلزم الأمر من سياسات الدولة الأميركية للاقتصاد ليتصدر قائمة الاهتمامات في ظل فلسفة مشروع اليمين المحافظ وكأن التاريخ يعيد نفسه لعام 1974. فقطع (280) مليون شجرة عملاقة لأجل تجارة الأخشاب على حساب البيئة مثلا ساطعا لاختلال التوازن في التفكير بين العقلية التجارية والعقلية الواقعية الإنسانية.!!
ولما كان الاقتصاد اولا فأن الاهتمامات الاخرى تصبح ثانوية من اجل تكديس رأس المال .. والتساؤل في هذا المنحى: هل كل شيء في الدولة هو الاقتصاد؟ صحيح ان تحرير السياسة يقتضي تحرير الاقتصاد وقبل كل شيء يتوجب تحرير المفاهيم السائدة وتشذيب الشوائب المتراكمة العالقة عبر الازمنة الغابرة.
الحياة ليست كلها اقتصاد وليست كلها مضاربات وصفقات، إنما الحياة ثقافة وقيم واعتبارات، فالعقلية الاقتصادية لا تنتج سوى الربح والخسارة ، لذلك يفترض ان يرضخ الاقتصاد للسياسة لا أن يقودها كما يحدث الآن في الدولة العظمى . وكما تنتج السياسة تخطيط يعبر عن مشاريعها المستقبلية، فإن السياسة تتوخى الانزلاق نحو مخاطر عدم تقدير الموقف عكس ما تجازف به حكومة الاقتصاد دون اخذ حسابات السياسة وبدائلها وخياراتها بنظر الاعتبار .. فالمعادن النادرة الثمينة باتت تتاجر بها رئاسة أميركا وتساوم خصمها عليها وهي معادن ملك غيرها، الامر الذي اثبت ان (حكومة الاقتصاد الأميركية لا تمثل حكومة السياسة الأميركية) إذا جاز التعبير، لأن الحكومة السياسية لها حساباتها أما حكومة الاقتصاد فهي بدون حسابات سوى حسابات الربح والخسارة والمثال هو المعادن النادرة التي تعود ملكيتها لشعب دولة أخرى.!!
***
د. جودت صالح
8 / آذار- 2025

هل ستتنازل الأسود عن أنيابها ومخالبها، وتمارس نشاطات ذات ربحية غير دامية، وهيمنة ذات تدابير عقلانية. الإستعمار لم يغب عن الأرض، وإستمر صريحا لملايين السنين، وإستتر لبضعة عقود، وربما سيعود بصراحة سافرة.
الدنيا قوي وضعيف، خير وشر، منتصر ومهزوم، والعديد من الثنائيات الأخرى، وأكثرها وضوحا معادلة القوي والضعيف، فالقوي ومنذ الأزل يفرض قوانينه التي ما تبدلت وما أثرت فيها العقائد، فالقوة ذات طبيعة واحدة، يمكن إختصارها بسلوك الأسد في الغابة، أو مقارنتها بأي مخلوق مفترس لديه مخالب وأنياب وبعضها منقار فتاك.
وهذه أسلحة طبيعية يستخدمها صاحبها، والبشر إبتكر أسلحته المروعة وعليه أن يستعملها، فلا يوجد سلاح في تأريخ البشر إمتلكه ولم يستعمله.
ويبدو أن البشرية تعلمت بعض الدروس من الحرب العالمية الثانية، فقبضت بقوة على ما لديها من أسلحة متطورة ومدمرة، لكن قبضتها وكأنها إقتربت من الإرتخاء، مما يعني أن تلك الأسلحة ربما ستغادر مرابضها، وستفتك بالأرض وما عليها.
فإلى أين المفر؟
واقع الدنيا ونظامها المبرمج لوجودها لا يتغير إلا بحرب، وهنا تكمن أم الفواجع، لأن القوى المتنافسة على الهيمنة تعرف بأن دخولها في حرب يعني إنتحارها، ولهذا ربما ستكون منازلاتها في بلدان ضعيفة تتحكم بمصيرها، ويُخشى أن تكون منطقة الشرق الأوسط ميدانا للحرب العالمية التي تدق أجراسها، رغما عن إرادة الأقوياء.
فهل سترعوي القوى المهيمنة، وترحم البشرية؟
و"الحرب هي تسلية الزعماء الوحيدة، التي يسمحون لأفراد الشعب المشاركة فيها"!!
***
د. صادق السامرائي

 

ما أجمل أن تقطن بين أحضان مدينة ذاكرتها تنام تهورا في شمس قيض، ولا تستيقظ إلا عند الاستحقاقات الانتخابية. دوما كانت ذاكرة المدينة تفيق مع الفزع الملازم، ومرات عديدة التلاشي مع مآسي الأحداث الطارئة. فما أسوأ !!! التذكر حين تُمْسي وقد تنام ذاكرة المدينة في سهو منسي، ونحن لا نزال نُشغل عقولنا بالتراخي الرخو حتى لا تموت المدينة بالحتمية والفجائية. إنها بحق الأحلام المبتورة، و التي تحمل كل مثيرات الأضواء الزائفة، وملونات فقاعات نصب الفخاخ المميتة.
يبق لنا بالجمع أن نستغرب من شيء واحد، أن مدينة طيعة منذ أن كان القدر سيدا في مسقط رأسي بين أسوارها الأميرية. ومهما كانت غرابة الاستدلالات بالذاكرة المفقودة للمدينة الطيعة (الخنوعة) موضعا بديلا عن المدينة الفاضلة في الحاضر، فالأمل الضائع بات سيد الحديث ومنه كانت البدايات والختم الانتظاري.
منذ الزمن الماضي القريب كان جزء من الأحلام المبتورة للمدينة الطيعة، يسارع الوقت على نحو من التهور والفهلوة بالبحث عن المنقذ (المهدي المنتظر). وخلافا لمحطة (غودو) الأخيرة، فقد طال أمد الانتظار عن التنمية الموعودة، وعن عودة ابتسامة الحياة للمدينة. لكن الأدهى من ذلك كانت أحلام ذاكرتنا جميعا تلتصق بالماضي، وتصنع منه الرمزية (الذهبية)، وتلقي باللوم على الحاضر (المصدي) الذي لم يقدر أن يصنع ولو جزء من الماضي القريب بالتشريف والذكر.
التشكيك بكل النيات الحسنة، اختلط مورده بذاكرة مدينة اليقظة بالنميمة السياسية، وتم تعويم رؤية الفساد على وجه تربها. فكل الوعود الجميلة التي واعدونا بها، باتت حتى هي من الاستدلالات الفاسدة، ولم يبق لنا من صحتها غير الدعاء وراء الإمام وقول: (آمين)!! فحين قال: اللهم امحق الفاسدين، نقول جماعة وراءه: (آمين)، يقول: اللهم شتت شملهم، نقول: (آمين). يقول: اللهم احرق مالهم ، وحاسبهم حساب الحكامة بمحاكم المالية، نقول: (آمين)، ونحن نعلم علم اليقين أن صدقات الفاسدين تحصنهم من دعاء الإمام!!.
كل ضروب التشويش وتعطيل التنمية بمدينة الذاكرة المنسية، تعطل عيوننا من الإبصار في الأفق الجميل المبتسم. ولم يبق لدينا غير الحق الوحيد في استرجاع الثقة في قدرتنا على إقرار عقاب الصناديق الانتخابية (2026). لم يبق لدينا غير المشاركة وليس المقاطعة البئيسة السلبية التي تجعل من صغير القاسم الانتخابي يتسيد المشهد السياسي العقيم، ويماثل في خرجاته (دُونْ كِيشُوتْ) المعارض.
حقيقة غير مراوغة بفنية (سفسطائي)، أن ذاكرة المدينة لا تطيق فهم الكليات الواجبة للتغيير، واستدلالات البدائل، بل فهمنا في حدود ظل ذواتنا في الغروب الباهت، يقف عند الحقائق السهلة المختلطة بفساد الاستدلال والتبعية الموغلة في لحظات الانبطاح، والهرولة نحو الاقتيات من فتات بقايا الريع (الحلال) للأسياد.
ذاكرة مدينة تُنتج الحذلقة في النزق (والنزوقية)، في ظل غياب أسس ما ذكر في دستور المملكة من كلمات دالة ومليحة (الحكامة/ الديمقراطية/ التشاركية/ العدالة/ حق الدولة/ العدالة الاجتماعية/ الرفاه/ المناصفة/ الكرامة/ العدالة المجالية...). فحين تغيب الأخلاق والقيم عن السياسة، نكون نتفحص الانتقاد الثنائي (الأغلبية والمعارضة) في فكر سياسي عبثي، ونحن نعلم أنها تلاسنات مغرضة ومفبركة لدغدغة المشاعر اللينة الصامتة، ويمكن أن يصبح المعارض بالأمس أبكما وغبي الفهم حين يتربع على كرسي الأغلبية متسيدا!!.
هي مسألة ذاكرة مدينة تصيد في بحيرة مستنقع لا سمك تنموي فيها ذي جودة. ومن حمية استحضار الذاكرة المنسية حتى ولو بالجزئية لا الكلية، أن نحارب الاستدلالات المغرضة بمدينة العجائب، حتى لا يصاب الجميع بداء النسيان ونكوص الثقة في المستقبل، والتقادم الذي يريد تحنيط حتى الأسوار والقصبات، ويبخس كل رؤية تحديث للتمكين الحضاري الحداثي.
***
محسن الأكرمين

أمم عضلية وأمم تكنولوجية، والغلبة لمن؟
البشر إبتكر ما ينتصر على ضعفه ويستهلك وقته ويستنزف عمره، فما عاد السيف سلاحا ولا البندقية ولا أسلحة القرن العشرين، إنها أسلحة القرن الحادي والعشرين، التي ما عهدتها البشرية، وستمحق الملايين في لمح البصر.
فهل سينتصر السيف على أسلحة هذا الزمن؟
البشرية قتلت بالسيوف على مدى مسيرتها، ومنذ أن صنعته بعد إكتشافها للحديد، أضعاف ما قتلته أسلحتها الحديثة على مدى قرن وربع القرن، لكن أسلحة العصر تتفوق في فتكها على كل العصور.
أمم العضلات أوهن من بيت العنكبوت، وأمم التكنلوجيا لها اليد العليا، والقرار المبيد، فهي تحقق ما تريد وغيرها ستجبر على ما لا تريد.
الأمم العضلية ستسحقها سنابك التكنلوجيا، ولن ينفع معها ما تدّعيه من قيم وأخلاق وتفاعلات مع القوى العلوية، فالدنيا سوح غاب، والبقاء فيه للأصلح والأقوى يفرض صلاحيته، ويعلن أن أمم العضلات منتهية الصلاحية وعليها أن تغيب في أوعية الإهمال الشديد .
أمم تترنح وأخرى تتفتح، والسيادة تكنولوجية إقتصادية غابية الشمائل، وطبائعها وحشية جشعة، تتحين الفرص للإنقضاض على فرائسها العضلية.
فالعقل إنتصر على العضلات، والأفكار ترسم خرائط الحياة، والتمايز بين الناس فيما يعبرون عنه من أفكار، وما دامت بعض الأمم تغوص في غيبياتها وخرافاتها، وما تتصوره وتحسبه علم يقين، وأمن سنين، فالتكنلوجيا بطاقاتها المتفاعلة المتخلقة في بودقات الأيام، ستصهرها وتحيلها إلى سوائل تسكب فوق رمال رمضاء الرؤوس المتصحرة.
و"دليل عقل المرء فعله"!!
***
د. صادق السامرائي

 

الإبداع الذي يركز على الرمز ويخاف المباشرة والمواجهة وقول الحقيقة، غير مستحب ولا مرغوب.
وعلى مدى عقود تجد الإبداع متسترا بالرمز وما يتصل به من صور وإشارات، لمعاني خفية أو مختبئة بين الكلمات والسطور.
فهل نفع هذا الأسلوب؟
المبدعون يعيبون المباشرة ويحسبون الإبداع صور فنية رمزية تشير إلى معاني خفية، ويبتعدون عن المواجهة والتحدي والإقدام.
فالحياة لن تتطور والتغيير لن يحصل، دون جرأة في إعمال العقل، والتأريخ يخبرنا عن ضرورة الجرأة في القول والفعل: " إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمةٍ... فأن فساد الرأي أن تترددا".
المبدعون يشيحون الطرف عن المباشرة والوضوح، ويستصغرون الإبداع الصريح الذي يخاطب العقول ويتواصل مع الناس بكلمات بسيطة واضحة.
فيريدون إبداعا متخفيا متلثما، يرفع شعار " إياك أعني واسمعي يا جارة"، وبنوع من الحسجة، والخداع والتضليل، وينم عن أنانية ونرجسية، وإندساس في الذات، ويبتعد عن المبدأ والرسالة والدور الذي عليه أن يؤديه، لصناعة المسيرة الصاعدة نحو الحياة وفضاءاتها المطلقة العطاء.
إن الأمم والشعوب لن تكون بالرمزيات والتعبيرات المبهمة الغامضة، والصور الخيالية المتصورة، إنها تكون بالإبداع المباشر الصريح الدافق بمفردات التوثب الحضاري العزوم .
فهل غيّرنا الإبداع الغامض المدثر بالرموز؟!
لا بد من وقفة صريحة ومواجهة جريئة لصناعة الحاضر المعاصر والمستقبل الزاهر.
و"نشر سوادٍ في بياضٍ كما...ذر فتيت المسك في الورد"!!
***
د. صادق السامرائي

 

يشير مصطلح السياحة الرياضية إلى سفر الأفراد إلى مناطق أو دول تتاح فيها إمكانيات ممارسة أنواع الرياضات المعروفة، مائية كانت أو جبلية أو صحراوية وغيرها. مثل السباحة وركوب الأمواج والغوص البحري وتسلق الجبال والتزحلق على الجليد والتخييم في الغابات والخروج برحلات السفاري في الصحراء والطيران الشراعي والغولف وركوب المناطيد والتجديف في الأنهار والهبوط بالمظلات والرغبي، أو حضور مباريات أو مهرجانات أو سباقات رياضية، وطنية كانت أو دولية (مشاهدة ومشاركة). وهي رياضات تجذب شرائح واسعة من السياح في مختلف بقاع العالم. ويعرف عن السياحة الرياضية والمغامرات بأنها سياحة متنامية يوما بعد يوم، وبمعدلات سنوية متصاعدة على النطاق الدولي والوطني بالنسبة لكثير من الدول، بزيادة وعي الناس بأهمية الرياضة وفوائدها الصحية الكثيرة، وتزايد عدد السباقات والفعاليات الرياضية، وقيام السلطات السياحية في الكثير من الدول باستثمارها وتوظيفها في أوجه التنشيط السياحي. مثل الولايات المتحدة الأمريكية التي تشير الأحصائيات إلى حضور (38 %) من الأمريكان البالغين في فعالية رياضية واحدة على الأقل خلال الأعوام الخمسة الأخيرة قبل 2012، واضطرارهم للسفر لمسافة (50) ميلا على الأقل في سبيل ذلك. وقد سجلت توقعات بتحقيق إيرادات بقيمة (300) مليون دولار أمريكي في (أوستن) عاصمة ولاية (تكساس) عند إقامة سباق الفورميولا 1 مع إمكانية استفادة المناطق القريبة مثل (سان أنطونيو) و(هيوستن) و(دالاس) وغيرها. وبريطانيا أيضا، وكندا التي سجلت فيها سنويا ملايين الرحلات السياحية الرياضية وذلك للسنوات القريبة السابقة لعام 2012. وكذلك أستراليا، وجنوب أفريقيا التي تستحوذ السياحة الرياضية فيها على (4 %) من اجمالي السياحة في البلاد. وقد استقبلت في عام 2010 قرابة (400000) سائح وفقا لتقرير صادر عن مؤسسة (جانت ثورنتون) الأستشارية، وبالاستناد إلى الاحصائيات الصادرة عن مكتب أفريقيا للاحصائيات. و(55 %) في أستراليا التي تشكل الرحلات الليلية من أجل السياحة (5 %) من مجموع الرحلات، وأنفق عليها (1.386) مليار دولار مقابل (0.461) مليار دولار على الرحلات النهرية التي تشكل (6 %) من مجموع الرحلات. كما يشير واقع البيانات والأحصائيات إلى انفاق سواح الألعاب الرياضية على مستوى العالم ل (3) مليارات دولار سنويا، واستحواذ السياحة الرياضية على نسبة الربع من اجمالي العائدات السياحية في بعض البلدان التي تعتمد سياسات واضحة في استثمار الرياضة في تحريض الطلب على المنتوج السياحي المحلي واستقدام السياح. وهناك إشارات واضحة إلى هذه الجوانب في الرسالة المشتركة التي القيت من قبل الأمين العام لمنظمة السياحة العالمية (دبيلو. تي. أو) ورئيس اللجنة الأولمبية الدولية (آي أو. سي) عام 2004 عند الأحتفال باليوم العالمي للسياحة، وتحت عنوان (الرياضة والسياحة: قوى حية من اجل التفاهم والثقافة والتطور الأجتماعي). وجاء فيها (للرياضة والسياحة أهداف مشتركة ألا وهي مد جسور التفاهم بين مختلف الثقافات وأنماط الحياة والتقاليد، وتعزيز السلم والنوايا الطيبة بين الأمم، وتحفيز الشباب والهامهم، وتوفير أساليب التسلية والمتعة للتخفيف من ضغوط الحياة اليومية على قطاعات كبيرة من السكان. السياحة والرياضة مترابطتان ومتكاملتان، أما الرياضة كاحتراف أو هوية أو تربية فتنطوي على حد كبير من السفر للعب والتنافس في مقاصد وبلدان مختلفة، وان الأحداث الرياضية الكثيرة مثل الألعاب الاولمبية وبطولات كرة القدم والرغبي وسباقات السيارات فقد أصبحت بحد ذاتها جوانب سياحية جبارة، تساهم إيجابيا جدا في تحسين السمعة السياحية للمقصد المضيف.. وفي هذا الاطار بدأت منظمة السياحة العالمية واللجنة الأولمبية الدولية التعاون في 1999 لتوطيد الروابط بين السياحة والرياضة). ومن الدول التي تستثمر هذا الجانب في الترويج السياحي، ودعم نمو السياحة الوافدة جمهورية الصين الشعبية، ومن خلال مهرجان (تشانغشون) للسياحة الثلجية في الصين للفترة من 1 كانون الأول وحتى 28 شباط، والذي تحرص السلطات المختصة على إقامته منذ عام 1998. وتغطي فعالياته في مختلف الأوجه السياحية والرياضية والتجارية والثقافية. وشهد عام 2013 الدورة ال (15) للمهرجان. وكانت إدارة السياحة الوطنية والأدارة العامة للرياضة والسلطات المحلية في مقاطعة هاينان الصينية قد أقامت معرض السياحة الرياضية في 18 كانون الأول 2010. وتم تأسيس (الشركة المحدودة للسياحة الرياضية التابعة لمجموعة السياحة الصينية) بتمويل من الشركة المساهمة لصناعة الرياضة البدنية الصينية ومجموعة السياحة الصينية من أجل تحقيق هذه الهداف. أما في تونس فيقام سنويا المهرجان الدولي للسياحة الرياضية الصحراوية، وقد انطلق اعتبارا من 25 كانون الأول 2011 ليستمر حتى 2 كانون الثاني 2011، وتحت شعار (السياحة المستدامة والمنصفة). كما ينظم الديوان الوطني للسياحة فيها تظاهرة السياحة والرياضة (ريدو رايد) في سبيل تنمية وتطوير السياحة في المناطق التي تفتقر إلى الأنشطة والفعاليات السياحية على نحو مكثف. ويأتي اهتمام السلطات السياحية بهذه المباريات والمسابقات الرياضية لكونها تشكل عناصر جذب فعالة (مشوقات – مغريات) تستقطب أفواج السياح من الداخل والخارج، ووسائل ترويج ناجحة للمنتوج السياحي الوطني، وبما يخدم الأتجاه الرامي إلى زيادة عدد السواح والعائدات السياحية وتنشيط النشاطات والقطاعات المرتبطة بها على نحو مباشر وغير مباشر. فلو أخذنا مدينة (انسبورك) النمساوية على سبيل المثال لوجدنا ان معظم السياح الذين ييممون نحوها من هواة الرياضات الشتوية، خصوصا بعد إقامة الألعاب الأولمبية الشتوية فيها عام 1964 وبعدها في عام 1976، واكتسابها لشهرة واسعة في هذا المضمار جراء ذلك، واستضافتها لمسابقات القفز السنوية من على منصة جبل (ايزل) لتستقبل الألعاب الأولمبية الشتوية الأولى للشباب في العام 2012. أما (بكين) العاصمة فقد استقبلت (450000 - 500000) زائر خلال فترة إقامة الألعاب الأولمبية الصيفية في آب 2008. وكان من المخطط أن تستقطب (لندن) في آب 2012 نحو (1) مليون زائر، ينفقون (5.2) مليار جنيه إسترليني أثناء الأولمبياد التي استمرت لمدة (16) يوما والتي توقع لها أن تخلق (50000) فرصة عمل جديدة في القطاع السياحي والقطاعات والنشاطات الأخرى المرتبطة بها. علما ان (50 %) من العطلات في بريطانيا تتضمن المشاركة في الألعاب والأنشطة الرياضية، وان (20 %) من الرحلات فيها هي لدوافع رياضية، وفقا للاحصائيات الوطنية. كما توقع لبولندا أن تستقبل (1) مليون سائح دولي أثناء إقامة بطولة الأمم الأوروبية 2012. أما ماليزيا فقد أطلقت بتاريح 29 أيار 2012 برنامج (عائلة ركوب الدراجات 2012) الذي شمل ساحة (باسيربوترا – كوليم) من ولاية (قدح) من أجل جذب السياح من هواية ركوب الدراجات الهوائية وتنشيط السياحة في الولاية. وأما دولة قطر فقد خصصت ميزانية بقيمة (150) مليار دولار أمريكي من أجل تهيئة البنية التحتية والفوقية واكمال الأجراءات والمستلزمات الخاصة باستضافة كأس العالم بكرة القدم 2022 التي توقع أن يحضرها (3.151) مليون متفرج محلي وعربي وأجنبي، ومنها (20) مليار دولار ستذهب لقطاع السياحة والترفيه. وكان من المتوقع أن تسجل هذه الفعالية الكبرى إيرادات هائلة للبلاد، ومنها (829) لقطاع الأطعام والشراب و(4.76) مليار دولار لقطاع الأيواء (الفنادق) و(1.37) مليار دولار لقطاع النقل و(51) مليون دولار من تأشيرات الدخول وغيرها كثيرة.
***
........................
- عن كتاب (مقالات في السياحة الرياضية) للباحث، مطبعة بيشوا، أربيل – العراق 2012.

 

انتظر المواطن العراقي أن يخرج عليه مسؤول يخبره عن الجهات التي سهّلت سرقة أموال الضرائب وأنتظرنا جميعا صابرين أن يصدر قرار قضائي بمصادرة اموال المتهمين والحكم عليهم باحكام شديدة، إلا أن العراقيين الذين لا حول ولا قوة لهم اكتشفوا أن المتهم الرئيس نور زهير حوّل بعض من الاموال التي نهبها الى فضائية جديدة تناقض ملفات الفساد في العراق، وان تابعه نور زهير يتمتع بحريته بفضل قوانين البرلمان العراقي.
هل هناك غموض يحيط بحكاية سرقة القرن؟ المواطن من امثالي يسأل: كيف تمكن شاب من أن يحوِّل كل هذه المبالغ؟ يريدون منا أن نصدّق أنه لا علاقة لبعض السياسيين المتنفذين بهذه السرقة.
بالأمس قرأنا في الاخبار ان المتهم هيثم الجبوري احد المشاركين في " سرقة القرن " مشمول بقانون العفو وسيخرج سالما غانما، بعد أن " فرهد " مبلغا بسيطا لا يتجاوز الـ 17 مليار دينار هي مجمل حصته في هذه الصفقة وهي حصة صغيرة إذا ما قورنت بحصص الحيتان الكبار.
منذ سنوات ونحن نعيش في أجواء سلسلة مثيرة من روايات المفتش العام الغامضة، وكان العراقيون يظنون أن مهمة الدولة ترسيخ القانون وتطبيقه على الجميع، لكن اللحظة التي تمت فيها تبرأة فلاح السوداني وجمال الكربولي، أثبتت أن العراقيين يعيشون عصر الفرهود المنظم.
تعلمنا من الأحداث التي مرت بالعراق أن اللص الكبير يحتفظ لنفسه بالحصانة الكاملة. بدليل أن مليارات الدولارات ذهبت إلى جيوب مسؤولين كبار دون أن يقول لهم أحد: من أين لكم هذا؟.
الارتباك والتلعثم واضحان في التعاطي مع سرقة القرن، التي اكتشفنا أن النائب السابق هيثم الجبوري أعاد فقط مبلعا زهيدا مبلغ، وأنه سيحتفظ بالمليارات الباقية، ثم عرضوا لنا المبالغ لكي يطيل المواطن النظر إليها، ويؤمن بأننا دولة قانون. تخيل جنابك أن نائباً سابقاً يلفلف عشرات المليارات من الدولارات فقط لأنه مارس لعبة الابتزاز والصوت العالي في البرلمان والبكاء على أموال الفقراء.. في بلد تخبرنا الاحصائيات الرسمبة بارتفاع نسب البطالة والفقر.
عندما يستسهل المسؤول الكبير، السرقة والنهب وإثارة الفتنة الطائفية، يصبح كل شيء آخر بسيطاً او مبسطاً. كالسطو على مال الغير وبث الفساد في مؤسسات الدولة.
في هذا المكان صدعت رؤوسكم بحكاية هيثم الجبوري، ومشعان وابو مازن وحنان وعالية وصالح المطلك ومئات غيرهم، لكني للاسف حتى هذه اللحظة لم اعرف حكاية النائب الذي تحول قبل مدة الى " شارلوك هولمز " عندما قرر ان يلقي القبض على نور زهير وسط العاصمة الروسية موسكو.. وفي النهاية عاد النائب بمعطف من الفرو، فيما ينتظر نور زهير ان يُشمل بالعفو اسوة بتابعه هيثم الجبوري.
***
علي حسين

 

في المثقف اليوم