نصوص أدبية

محمد محضار: عطفا على ما سبق

عِندَ مبنى البَريد تَوقّف حُلمي

لن تصل رسالتي

ستصادرها أنظمة الحواسيب

النائمة

وستطلب منّي المضيفة الحسناء

الاِنصراف إلى حين.

سأغادر المبنى وفي نفسي

شيء من حتى.

هكذا عشت الحالة مرة أخرى

رفستُ علبة حليب مُهملة على الرصيف

ولعنتُ نفسي، ثم لعنتُ الشيطان

وقلت لمتسولة عجوز في طريقي:

" رِزقُنا معا على الله يا أمّي "

النّظام " نائم " والحواسيب تتلكأ في وجهي

أرقام " الكود " قرصنها هاكرز من زمن الرّماد

2

عطفا على ما سبق

يجوز للمعلّم أن يرقص على السلاليم

المتحركة

ويقرأ ديوان مديح الظّل لبورخيس

ويمتعض حين " تشدُّ خناقه "

قصيدة " إسرائيل"1

3

أُحس أنني أحتاج لشهور من الصمت

حتّى ألتقط أنفاسي وأصلح ذات بَيْنِي

وأرتق جُبّة إفلاسي

دعوني أبوح لكم بسري

هم سرقوا حلمي

هم فتكوا بسنوات عمري

وأدرجوني رقما مشفرا في حواسيبهم

أشتهي أن أقَبل يد أمي

وأستعيد حبل مشيمتي

أشتهي أن ألثم جبين أبي

وأستنشق عبق طفولتي

4

عطفا على ما سبق

يجوز للمعلم أن يُزيح أقنعة

النّفاق

ويبرأ من وَهْمِ "التاريخ" والعروبة

وأساطير الأولين

ويفتح قلبه للحقيقة

وينتظر مرور ريح عاتية

يجوز للمعلم أن يقرأ قصيدة مديح الظل العالي

لدرويش2

ويحمل انكساره وحزنه بأريحية زائدة

ويُحدّث معارفه على كراسي المقاهي

عن النكبة، عن النكسة، عن الموت السريري

للنخوة.

يجوز للمُعلّم أن يلقي بكتب اللغة خلف

ظهره

ويعلن سقوطه بضربات الترجيح

5

وطني ..

هذا أنا صورة فتوغرافية

ورقم مشفر وقبعة بالية

وأسنان تعضُّ على لهيب المحنة

وأَقْدَامٍ قطعت مسافات بين محطات الضياع

وطني..

هذا أنا أعيش وحيدا نوبات جنوني

وخلفي تلهث سنوات عمري الشقية

تُنْبِئِني بأحداث تَلَاشت مِن الذَّاكرة

تُحدِّثني عن أَزمنة مُنفلتة

عن تَوارِيخ مُضْمَرَة في حياتي

عن مَحطات عَبرها قِطاري

تُنبئني أنّ ما تبقّى أقل ممّا مضى

وأن القسمة كانت دائما ضيزى

6

عند مبنى البريد تداهمني

موجة توتر، تجلس القرفصاء

وتمر عربة خيول صامتة

ترسم لي طريقاً نحو الفجر

بين رُبَى غزيرة الاِخضرار

وسماءٍ تمطر الأشواق.

وطني

هذا أنا صفحة باهتة في مكتب أرشيف

بارد.

هذا أنا رهينة في يد تجار اللعنات

يحجزون على أحلامي

ينتزعون حقي في الحياة

وطني

سأشرب نخب هزيمتي في حضرتك

وأمشي على أنين قلبي

بملامح حادّة تشهد أنني عابر سَبيل

أنهكته تراكمات مبنية للمجهول

وطني

غضون الزمن تحاصِر أحلامي البسيطة

ورذاذُ الحزن يُناكف ذاكرتي العليلة

شارد على أرصفة النسيان

أرسم بخطوي وسم انكساري

بهدوء صبي ساذج

بفزع حَدثٍ ثائر

بحكمة كهل سادرٍ

7

عطفا على ما سبق

يَجوز للمُعلم أن يرسم للفراغ

وجوها متداخلة.

ويستعير من تاريخ الشوق

قصصا مُتلاقحِة

يجوز للمعلم أن يسأل "شات جي بي تي"

عن "أمّ عامر" وعن مريم المجدلية

ويضع علامات استفهام تربك حساباته

يجوز للمعلم أن يستعيد زمن الحِبر والريشة

ويملي نصوصا من " قاع الخابية "

ثم يخطئ "عمدا" ليكتشف الصواب في ظنونه

8

عند مبنى البريد تكلمت الساعة الناطقة

وتهاوت أورق سنديانة عجوز

تنبئُ بخريف مبَكّر

بصمت قادم

بهشيم ذكريات مُرّة

بصفير زفرات حَرَّى

برقصة صامبا في كرنفال الجموح

بجماجم ناطقة في متحف الحياة

برؤوس قد أينعت وحان وقت قطافها

بأعوام الجوع وحروب الطواحين

***

محمد محضار

23يوليوز 2025

.................

1- قصيدة ضمن قصائد ديوان مديح الظل لبورخيس والذي صدر  بعد زيارته لإسرائيل

2- قصيدة مديح الظل العالي كتبها محمود درويش سنة 1983م بعد الهجمة الشرسة لإسرائيل على بيروت سنة 1982

 

في نصوص اليوم