قضايا

غالب المسعودي: لُعَابُ الأَبَدِيَّةِ الزَّائِفَةِ

العدم السريالي (3)

ٱلْخُلُودُ لَيْسَ وَعْدًا، بَلْ ٱسْتِمْرَارٌ بَغِيضٌ لِلتَّفَاهَةِ ذَاتِهَا، نَحْنُ نَسْعَىٰ لِلْأَبَدِيَّةِ كَأَنَّهَا مُكَافَأَةٌ، بَيْنَمَا هِيَ فِي ٱلْحَقِيقَةِ لَعْنَةُ ٱلتَّكْرَارِ ٱلْأَقْصَى. ٱلْأَبَدِيَّةُ لَيْسَتْ فَضَاءً مَفْتُوحًا، بَلْ قَاعَةَ ٱنْتِظَارٍ ضَخْمَةً لَا يَتَغَيَّرُ فِيهَا شَيْءٌ سِوَىٰ ٱضْمِحْلَالِ رَغْبَتِنَا فِي ٱلْمُغَادَرَةِ. ٱلْخَوْفُ ٱلْحَقِيقِيُّ لَيْسَ مِنَ ٱلْمَوْتِ، بَلْ مِنْ أَنَّ ٱلْحَيَاةَ لَنْ تَنْتَهِيَ أَبَدًا؛ أَنْ تَسْتَمِرَّ هَذِهِ ٱلْعُرُوضُ ٱلْبَائِسَةُ لِلْمَشَاعِرِ ٱلزَّائِفَةِ إِلَىٰ مَا لَا نِهَايَةَ.

"السريالية" تكمن في قناعتنا بأننا سنكون مختلفين في الغد، أو مختلفين في حياة أخرى، بينما كل ما نفعله هو تحريرُ نُسَخٍ بَاهِتةٍ من الأمس.

الأبدية هي أن تجد نفس الكذبة تتكرر ببطء مهيب.

. أن تعيش مليون عام، ثم تكتشف أنك لم تتجاوز لحظة الملل الأول

الوقت كائن شرير.

. يمنحنا الزمن الكافي لنكره أنفسنا، ثم يسرقه قبل أن نصل إلى قرار

الذاكرة هي الوحش الذي ابتلعنا جميعاً.

. نحن لا نموت؛ نحن نتحول إلى أرشيف مُتَعفِّن من الخيبات

الجنون هو النقطة الوحيدة التي يمكن أن يلتقي فيها الصدق بالأمل.

. لكن حتى الجنون يتعب ويستسلم للرتابة

الفن هو محاولة يائسة لوضع إطار على اللا معنى.

. هو تزيين حبل المشنقة بورود بلاستيكية

الحب؟ هو اتفاق بين شخصين على أن يجنّا سوية لفترة، قبل أن يستيقظ كلاهما على حقيقة عزلة الآخر.

المشاعر ليست إلا ضوضاء بيضاء.

. مجرد ذبذبات فاشلة تحاول كسر هدوء العدم المتقن

نحن نغفر لأننا متعبون جداً من تذكر سبب الغضب.

الغفران هو مجرد كسل آخر.

المتعالي هو قناع الوجود

الذي يرتديه ليبرر غيابه.

لقد وضعوا لنا آلهة ليمتصوا عنا ضجرنا، وخلقوا لنا مُثُلاً عليا لنستنزف فيها طاقتنا بلا فائدة.

العدم السريالي لا ينفي الإله؛ بل يجعله شريكاً في العبث،

أرهقه الخلق، فترك كل شيء يسير على غير هدى، ثم جلس يضحك من محاولاتنا اليائسة لإيجاد قانون يحكم الفوضى التي تركها خلفه.

. سخرية المتعالي هي أن يْطلب منا المسؤولية في غياب الهدف

فضح القناع:

الفضيلة هي مجرد ترف.

. لا يمارسها إلا من لديه الوقت الكافي لتجميل سقوطه

العدالة هي الاسم اللطيف الذي نطلقه على انتقامنا المؤجل.

التاريخ هو هراء متفق عليه.

. أسطورة يرويها المنتصرون عن حماقة المهزومين

الشرف هو مسألة متعلقة بمدى براعتك في إخفاء قذارتك عن القطيع.

نحن لا نكره بعضنا البعض حقاً.

. نحن نكره انعكاس ضجرنا في عيون الآخرين

كان يمكن للإله أن يخلقنا سعداء.

. لكنه اختار أن يخلقنا أذكياء، وهذه هي اللعنة الحقيقية

. الذكاء ليس نعمة، بل عيادة تشريح للآلام

من يجد اليقين، عليه أن يُعلن انتحاره الفلسفي فوراً، لأنه توقف عن الحياة وبدأ في تجميع حطام الإجابات الميتة.

الهدف الأسمى هو الوصول إلى الهدوء الذي يسمح لك بأن تشهد على خرابك دون أن ترمش لك عين.

البرج الزجاجي

يبدو شفافاً ومفتوحاً، لكنه لا يؤدي إلى أي مكان، وهو مصمم فقط لينكسر عندما تُوشك على لمسه.

الموت ليس نهاية

. الموت هو الاعتراف العلني بعبث الحياة

نحن نعيش لندحض الموت، لكن الموت هو الدليل الوحيد على أن هذا العبء لم يكن أبدياً.

إِنَّ ٱنْتِصَارَ ٱلْغَرِيبِ ٱلْأَخِيرِ لَيْسَ فِي عَوْدَتِهِ، بَلْ فِي إِيقَافِهِ لِعَبَةِ ٱلتَّظَاهُرِ. لَحْظَةُ ٱلْمَوْتِ هِيَ ٱللَّحْظَةُ ٱلْوَحِيدَةُ ٱلَّتِي يَكُونُ فِيهَا ٱلْإِنْسَانُ صَادِقًا تَمَامًا؛ صَادِقًا فِي عَدَمِهِ، صَادِقًا فِي خَلُوِّهِ مِنَ ٱلْهَدَفِ.. هَذَا ٱلِٱنْتِصَارُ هُوَ نَفْيٌ هَادِئٌ لِكُلِّ ٱلشِّعَارَاتِ ٱلَّتِي أَرْهَقَتْنَا.

سكون النهاية:

التلاشي ليس خسارة، بل هو الهدية الوحيدة التي يمنحها لنا الوجود.

أن تموت هو أن تتوقف عن إزعاج الكون بـحاجتك إلى معنى.

الغريب لم يمت، بل أعلن انسحابه من مسرحية رديئة.

البرج الزجاجي سقط ليعلن أن كل الارتفاعات كاذبة، وأن الجاذبية هي الشكل الوحيد للعدالة المطلقة.

القطيع لا يحزن للموتى؛ إنه يحزن على فقدان شاهد إضافي على تفاهتهم.

السلام ليس غياب الحرب، بل إخماد الرغبة في الفهم.

اكتشف الغريب أن البقعة السوداء على الأرض ليست أثراً، بل توقيع الوجود على وثيقة الهزيمة.

العدم السريالي هو أن تبتسم في القبر.

لأنك أدركت أن الوهم انتهى للتو، وأن هذه هي المرة الأولى التي لا تُطلب منك فيها محاولة ثانية.

أخيراً، نحن جميعاً ذلك الغريب.

. في النهاية، سنمنح للوحش، ليس خوفاً، بل كـدفع أخير لإعفائنا من التفكير

سِيمفُونيَةُ اَلْخَدْرِ اَلْعَظِيمِ

السَّعَادَةُ هِيَ ٱلْهُدْنَةُ ٱلْكَاذِبَةُ ٱلَّتِي يَمْنَحُنَا إِيَّاهَا ٱلْوَعْيُ قَبْلَ جَوْلَةٍ جَدِيدَةٍ مِنَ ٱلشَّقَاءِ. لَقَدْ ٱنْتَصَرَ ٱلْعَدَمُ بِبَرَاعَةٍ لَا مُتَنَاهِيَةٍ، لَمْ يُدَمِّرْنَا، بَلْ جَعَلَنَا نُحِبُّ ٱلْخُدْرَ هُوَ لَيْسَ مُجَرَّدَ إِلْهَاءٍ، بَلْ هُوَ ٱلْهَدَفُ ٱلْأَسْمَى لِلْقَطِيعِ. فِي ٱلتَّفَاهَةِ ٱلْيَوْمِيَّةِ، وَفِي ٱلتَّكْرَارِ ٱلْمَمِلِّ، نَجِدُ ٱلتَّخْدِيرَ ٱلضَّرُورِيَّ ٱلَّذِي يَحْمِينَا مِنْ وَمْضَاتِ ٱلْحَقِيقَةِ ٱلْمُفْزِعَةِ. سُرِيَالِيَّةُ ٱلْخُدْرِ تَكْمُنُ فِي أَنَّنَا نُؤَدِّي أَدْوَارَنَا بِبَرَاعَةِ ٱلْمُمَثِّلِينَ ٱلَّذِينَ أَتْقَنُوا نَصَّهُمْ، بَيْنَمَا نَحْنُ نُدْرِكُ أَنَّ ٱلْمَسْرَحَ فَارِغٌ وَٱلْجُمْهُورُ غَادَرَ مُنْذُ زَمَنٍ بَعِيدٍ.

المرح هو القناع الزائف الذي يرتديه من لم يعد يملك القدرة على البكاء الصادق.

الضحكة ليست سوى تشنج عصبي، واعتراف جسدي بأن المنطق قد تحطم.

الروتين هو الصلاة الحديثة، الطقس اليومي الذي نكرره لإقناع أنفسنا بأن هنالك نظاماً في الفوضى العارمة.

الأمان هو شعورٌ مصطنع، يصنعه القطيع من بقايا الخوف الذي فشل في مواجهته.

لا توجد لحظة إشراق.

. هناك فقط فترات انقطاع مؤقتة للغثيان

الفشل هو الشكل الوحيد من أشكال النجاح الذي يمكن أن نثق به حقاً.

النبوغ هو أن ترى العفن في زهرة متفتحة، ثم تُصرّ على شمّها على أي حال.

الحكمة ليست في معرفة الإجابات، بل في إتقان فن الاستمتاع بحماقة الأسئلة.

السعادة هي الهدنةُ الكاذبةُ التي يمنحُنا إياها الوعيُ قبلَ جولةٍ جديدةٍ من الشقاء.

هَلْوَسَةُ اَلْمَعْنَى

البَحْثُ عَنْ مَعْنَىً هُوَ سَذَاجَةٌ لَا تُغْتَفَرُ. ٱلْمَعْنَىٰ هُوَ شَبْحٌ يُطَارِدُهُ ٱلْعَقْلُ ٱلْمُتَعِبُ، فِي كُلِّ مَرَّةٍ نَظُنُّ أَنَّنَا ٱقْتَرَبْنَا مِنْ فَهْمِ شَيْءٍ مَا، نَتَرَاجَعُ مُذَعَّرِينَ، لِأَنَّنَا نَكْتَشِفُ أَنَّهُ هُوَ مَجَرَّدُ نُقْطَةِ بِدَايَةٍ لِمَتَاهَةٍ أَشَدَّ سُوءاً. ٱلْعَدَمُ ٱلسُّرِيَالِيُّ يُذَكِّرُنَا بِأَنَّ ٱلْمَعْنَىٰ لَيْسَ غَائِباً، بَلْ هُوَ مَوْجُودٌ بِشَكْلٍ مُفْرِطٍ وَبِطُرُقٍ مُتَنَاقِضَةٍ لِدَرَجَةٍ تَجْعَلُهُ مُسْتَحِيلاً. فَكُلُّ شَيْءٍ لَهُ مَعْنًى يُضَادُّ مَعْنًى آخَرَ، لِيُصْبِحَ ٱلْمَجْمُوعُ ٱلْكُلِّيُّ، لَا شَيْءَ مُطْلَقٌ.

متاهة الفهم:

الهدف هو دائماً مجرد تأجيلٌ أنيقٌ للحظة التي سنسأل فيها

لماذا كل هذا؟

النقاش هو فن تبادل اليقين بين أحمقين لم يستوعب كلاهما بعد هشاشة موقفه.

الأيديولوجيا هي مسكنٌ فكري. لا تستخدمها للعلاج، بل لـمُضَاعَفَة الوهم.

الشك هو الحالة الوجودية الوحيدة التي لا تسبب الخزي.

المرض هو الطريقة الوحيدة التي يخبرنا بها الجسد أن الروح قد ضلت الطريق منذ زمن.

العالم بحاجة إلى شهود غير مبالين لخرابه.

كل إجابة هي طريقة لقتل سؤال عظيم.

. الغباء هو الكسل الفكري الذي لا يطلب كل الإجابات

الاستسلام ليس هزيمة.

إنَّ التَّلاشِي لَيْسَ نِهَايَةَ السَّلَّمِ، بَلْ هُوَ السَّلَّمُ نَفْسُهُ وَهُوَ يَتَبَخَّرُ بِبُطْءٍ. إنَّهُ لَيْسَ المَوْتَ، بَلْ هُوَ اليَقَظَةُ الأَكْثَرُ بَيَاضَاً حِينَ نُدْرِكُ أَنَّ الأَسْماءَ كَانَتْ مُجَرَّدَ قُبَّعَاتٍ مَلَوَّنَةٍ عَلَى رُؤُوسِ عَرَائِسَ مِنْ غُبَارٍ. كُلُّ ضَوْضَاءٍ، كُلُّ حُبٍّ مُلْتَهِبٍ، كُلُّ حَرْبٍ صَارِخَةٍ، هِيَ مُجَرَّدُ هَمَسَاتٍ مُتَأَخِّرَةٍ لَمْ تَصِلْ بَعْدُ إلى مَحْكَمَةِ الصَّمْتِ الكُبْرَى، كُلُّ مَا ظَهَرَ، يَجِبُ أَنْ يَعُودَ إلى مُخْتَبَرِ اللاَّ مَرْئِيِّ، لِيُصْبِحَ فَقَطْ، نُقْطَةَ ضَوْءٍ فِي خَالِصِ الأَبَدِيَّةِ الزَّرْقَاءِ. التَّلاشِي هُوَ الْعَدْلُ؛ لأَنَّهُ يُعِيدُ كُلَّ شَيْءٍ إلى حَالَتِهِ الأَصْلِيَّةِ مِنْ اللامُبَالَاةِ الرَّائِقَةِ. فَلَا خُسْرَانَ، وَلَا رِبْحَ، بَلْ فَقَطْ عَوْدَةٌ هَادِئَةٌ لِلأَلْوَانِ إلى العَتْمَةِ المُلْكِيَّةِ.

***

غالب المسعودي

في المثقف اليوم