نصوص أدبية

نصوص أدبية

1. ذات وداع

لم أكن أدرك ما يعني الفراق

غير أني قد رغبت

مهلة انهي بها فرض صلاتي

بين تسبيح يديك

وانشداهي لحظة النبض بِريق الشفتين

كي أعيد

لهدوء البرق ميلاد الصخب

**

2. ذات وجد

ربما اجعل للوجد حنينا ابديا

غير أني

رَجْعُ ابواب خريف راوغته الرغبات

فتمهلت كثيرا

وتيممت بضوء من وميض الالهة

كي اعيد للأغاني

جمرة العشق وانفاس اللهب

**

3. ذات حزن

ربما اخترت مع الحزن خريفا

حضنه حضن امرأة

غير اني سأندّي

شبق القشرة في غمد اللحاء

بين سطرين من الثلج وحمى الاحتضان

**

4. ذات لقاء

ان من شاء اللقاء

فليزد من شعلة النيران في القلب المعنى

قبلة او قبلتين

ويدوزن

جمرة الحب الندية

بخضاب نبضه لسعة نحل

او فوانيس سهر

**

5. ذات غربة

لم يكن ذاك الذي كنت عرفت

غير ان يحصل غير المتوقع

.....

.....

غيرتنا لهجة الغربة

وامتد الضياع

بين قنديل ضرير

وغويّ يتبختر

***

طارق الحلفي

حين قبلت جبين الضوء

لم أكن سيدة المجاز

ولا رسولة لفراشات متمردة

كنت أتحايل على ظلي

أرشه بملح الكلام

أدحرجه في رأسي الملغم

وأسكنه في ركن قصيدة ناعسة.

على عشب خلوتي

تنتفض نواجد المعنى

تلوكني بوادر التأويل

وكنت قد أدمنت السؤال

كفجر صوفي الخطوات

أنا لا أكتب الشعر

أنا أمدح راحة الطين.

بيني وبيني

متسع من الحكايات

عكاز من غبار

غيمة تنسج عراء وجودي

وقمر يمشي بلا مساء.

متى نمحو ظلنا

من صحف الخرافات؟

وها عصفورة اليقين

غادرت عشها باكرا

من أنعش غزالة الكنايات

حتى أحببت أغنيتها؟

هذا النغم

لم تنحته يد القصبات

مذ آمنت أصابعي

بعقيدة النايات

صرت على هيئة الموج

أعد متكئا لدهشتي

وأرتب تشابهنا في أنفاس

الربابات.

***

وفاء اجليد - المغرب

من قصص المعركة (1)*

لعل الجندي الاحتياط سالم كان محظوظاً في بعض المقاييس مع زملائه الجنود  الذين يسعون إلى إرضاء آمري السرايا والأفواج من الضباط في حرائق (القادسية الثانية)، كانت الحروب تقدّم دماء الشباب في ولائم سخية لقطع الرقاب، يوم لا مفرّ للوطن إلا أن يرقص مثل الطائر الذبيح.

كان (سالم) ابن تاجر الجلود في الكاظمية قد أدرك أسرار مهنة أبيه، وتعلّم خفاياها في وقت مبكّر من عمره. انصرف للعمل معه تماماً بعد أن تخرج من كلية الادارة والاقتصاد، وكان من الصعب على الأب إدارة العمل وحده فهو بحاجة على الدوام أن يكون ولده إلى جواره.

تعلّم الجندي سالم أن يكون خدوماً لأولئك الآمرين على نحو لا يبدو أنه يرشيهم، ولا هم يظهرون كمرتشين، قدّم  نفسه للعقيد الآمر بوصفه تاجر أغنام، لابأس هناك ثمة علاقة بين الأغنام والجلود، واقع الحال كانت رشاويه نوعاً من تبادل المنافع في ظروف يشبّ فيها الموت في البيوت، والبلاد تبرعم فيها الدماء، حين اكتشف ان آمره الميداني يحب (الطليان)، وهؤلاء ما كانوا يمتلكون الوقت لتأمين متطلبات بيوتهم وهم في خضمّ المعارك، كان سالم يمتلك مهارة ابن (السوق) يوفّر لهم  ما يريدون لقاء أسبوع إجازة أو اسبوعين، يقضيها مع عائلته وهو في قمة السعادة، تلك الأيام كانت تُعرف بإجازات (تأجيل الموت) .

في واحدة من اجازاته طلب منه الآمر تأمين حاجة العائلة من اللحم والخضار على وجه السرعة، ما كان أمامه خياراً سوى المضي لشراء (طلي) متوسط الوزن عسى أن يجدد له الضابط اجازته مرة ثانية، كان سالم  ممسكاً بقوة  برقبة (الطلي) حين وقف أمام باب منزل الآمر، تصاعدت دهشته وارتسمت الحيرة على وجهه قبل أن يضغط على جرس المنزل، انفتحت عيناه على سعتهما غير مصدق وهو يشاهد عشرات (الطليان) تسرح في حديقة المنزل، كانت (جبهة) ثانية  لكائنات تنتظر الذبح، ظلّ يتساءل مع نفسه: كيف السبيل لإثبات عائدية الطلي للجندي سالم؟ كان جسده قد توقف عن الحركة، لم يعد بمقدوره سحب (الضحية) الى مسافات أبعد، لكن عقله لم يتوقف، تلك الأثناء كان أحد الصبيان قريباً منه، نادى عليه بود مفتعل دسّ في جيبه خمسة دنانير، التمسه في الاسراع نحو أقرب مخزن لبيع الأصباغ، عاد الصبي يحمل علبة لون سائل صغيرة، رجّها سالم  بحركة سريعة، ضغط على نابضها، ثم رشّ باللون الأحمر على ظهر ( الطلي) كلمة: (سالم) بحروف كبيرة.

دفر الباب الحديدي بقوة، ثم نادى على الزوجة لتشهد الواقعة، دفع (بالطلي) الى حديقة المنزل، مع جمهرة الطليان، راح يلهث، بينما كان اسم سالم يلمع تحت وهج الشمس.

***

د. جمال العتابي

.........................

* لم يتسن للكاتب للأسف (شرف) المشاركة في القادسية، ولا الكتابة عنها، يعود بعد أكثر من أربعين عاماً، ليكتب واحدة من قصصها، عسى أن يحشره الله مع (الكاتبين)

 

في رثاء شاعر مجهول

لقد مات

فدعونا نحبه

قالوا

وانفضوا كلاما حول الشاهد

*

قال الأول:

كان يضيء العبارة

سليل ذكرى هو الآن

والنساء يعشقن خلوته

بين عريهن والمجاز

شكل آخر لليله هن

وهو حتمية إيقاع

فالصعود تناص مع

الهاوية في عزلة

المفردات، كل صباح

يرتب الهوامش على

حافة النسيان ويمشي

بجوار نفسه غيابين وخطايا

*

قال الثاني:

كي تحبي شاعرا

كوني قصيدة يا امرأة

شفافة كغيمة،

جميلة كموسيقى بريئة

واضحة كأنتِ

وقت السر والتجلي

وتعلمي منه وصف

نهدك الصغير، ولا

تندهشي إذا ما قبله

قد تكبري فيه ويرجع

إليك من حليب أمه

حين يمتد به الطفل

إليه، حالة استثنائية

بين الشعر والحلمات

لم يكن يحب الصور

لم يكن إلا ما قال

خاليا من الأثر الخارجي

والداخل يفيض به

وسلمه حيث السجايا

*

قال الثالث:

لا الأشياء في التردد

تعجبه

ولا ما بعد المرآة

ويرى الجمال

في تلقاء البحر

كان صديق كل شيء

القطط، الشوارع،

الأعداء، الكلاب،

مرارة القهوة،

السجائر، البسطاء،

الجنود، المطر ، العاهرات

حتى الحروب والطغاة

وكل عنده ضحايا

*

قال الرابع:

هنا

جلس ذات نفسه

مع الرحيل

من قمر إلى قافية

وجنازة بعد جنازة

يدرب لغته على

الاحتمالات، فالموت

كنه الأبد وما قد

يفسر معانى الجسد

فيه نلتقي بنا في

آخرين يحبوننا

بعد خلاف عاطفي

يسمى شغف الحياة

فما أدركنا ما اللحظة

ولا قدسنا النهاية

*

قال الخامس:

يرحل دائما

إلى حلمه ويعود

خلسة حينما الحب

يحبها،

قالت أحبك والخيال

يحاصر الواقعي

سنلتقي قرب الشاطئ

هناك  نعد المساء

بين جسدين ونبتعد

عن صخب المجاملات

أنت شاعري

وأنا القصيد

لا تشبههم... فالأشباه

آفة تأبى الفطرة

واليأس استراحة مؤقتة

من عبئ المسافر،

كل الموانئ تُفضي

إلى اسمك العابر

من البحارة إلى النبيذ

وما رؤياك إلا مد

والجزر يؤنس البقايا

*

قال السادس:

سيد من أسياد

الهامش، لا ينحني

أبدا، وبعيدا كجزيرة

تسكن الليل والغياب

له أن ينأى ويدنو

خارج سياق النص

وكما تشاء له الحكمة

حرا من السطحي

والباطن صرخة تراوده

وتؤجل نخله إلى

أن يقصى الخريف

كي يبعث من الصدى

لماذا لم يسج؟

العصي يتكئ على

محنته ولا يروض،

هي صفة السماء،

كان علوا رغم الرزايا

وما كان كأسلافه

شعراء يمدحون العطايا

*

قال السابع:

هكذا حدثه المعنى

تمر عليك النساء

كما تمر الحياة،

لا مفاجآت،

تصدع ذاكرة من

عطر، شبق يخلو

إلى الدفء تأوها

ثم يمضي يبحث

عن لذة تحت ظل

آخر، تحب نفسها في

الكلمات والصور

لكنها لا تحبهم

وتدعي العشق كل

شهوة وتمتلئ بالبغايا

لا تصدق امرأة تسكنها المرايا

***

فؤاد ناجيمي

 

عاش في الناصرة قبل سنوات بعيدة، صديقان كانا مثار جدل كل من عرفهما وتعرّف عليهما، فقد كانا مختلفين في كل شيء بما فيه وقت الفراغ الذي عادةً ما يجمع اصدقاء من ابناء المدينة.. وكان اكثر ما يثير الدهشة انهما كانا محط انظار نسوة المدينة الحييات الخفرات، دون ان تجرؤ اكثرهن جرأة وجنونًا على الاقتراب من حضرتي اولئك الصديقين المتناقضين.. المتفقين.. وتبدى للجميع.. ان اللافت الطريف في الامر كون هذين الصديقين رغم كل هذه الاختلافات متفقين تمام الاتفاق!! وتعاهدا على الا يفرق بينهما سوى خاطف اللذات ومسود الايام والليلات.

انتشر صيت هذين الصديقين في البلاد.. واخذ يتغلغل في الزمان والمكان.. ما وطد العلاقة بينهما اكثر فاكثر.. فسميا نفسيهما باسمين لافتين استعدادًا لأن يباتا في قادم الايام جزءا من اسطورة نصراوية يري تفاصيلها الابناء والاحفاد.. وتحدو بها الركبان.. فسمى احدهما نفسه ابا كاسر فيما اخذ الآخر الاسم المناقض.. اسم ابي جابر.

اثار اسما هذين الصديقين في البداية اهتمام من عرفهما من ابناء المدينة او جمعته بهما هذه المصادفة او تلك، الا ان هذا الاهتمام ما لبث ان خفّ واخذت حدته في التلاشي رويدًا رويدًا مثلما تتلاشى حدة بقية الامور والفضائح في المدينة، غير انه بقي حادًا متقدا لدي اجمل بنت في المدينة، ذلك انهما. كما اشيع.. تسببا، بطريقة ما زالت غامضة وبقيت كذلك حتى بداية هذه القصة. نعم تسببا في موت شاب كانت مخطوبة له، فانقطعت احلامها في عز توقدها.. اغارت امنياتها.

حاولت هذه الجميلة ان تتناسى هذا الامر، ذلك انها كانت تعرف ومتأكدة في دخيلة نفسها انه لا يمكن ان يكون لأي من هذين الصديقين اي يد في مصرع خطيبها، إلا أن هاجسًا نشأ لديها وما لبث يكبر يومًا اثر يوم واسبوعًا تلو اسبوع، إلى أن اكتمل، وبات لا بد لها من تنفيذه.. فلتنفذ ما انتوته وخططت له.. وليكن ذلك درسًا وعظة لمن يعتقدون ان مدينتهم تنعم بالهدوء والسكينة.

هكذا شرعت تلك الجميلة المكلومة في تنفيذ مخططها الجهنمي.. وكان اول ما ابتدأت به، انها اجرت عنهما تحريات تواصلت فترة ليست قصيرة.. حتى عرفت عنهما كل شيء تقريبًا.. اين يكثران من التواجد.. وفي اي الامكنة يجلسان.. ماذا يحبان وماذا يكرهان من الامور.. وما إلى هذه من معلومات لا بد منها لمن يريد ان ينفذ امرًا عظيمًا.

بعد إعمال تفكير عميق. قررت جميلتنا البدء من الصديق الاضعف.. ابي كاسر.. فلتذهب إليه في وقت راحته واسترخائه الابدي.. ولتبدأ اللعبة.. فاذا ما توفقت عفاها الله من مرافقة ابي جابر.. ذلك الصلف المعروف بعناده وثباته على رأيه.. وتوجهت إليه في غيهب الغسق.. وظهرت له كالكوكب الدريّ في الافق.. فالتفت إليها التفاتة من بحث عن أمر ووجده.. غير انها افتعلت الازورار عنه، ولما كانت نسوة المدينة في تلك الفترة نادرًا ما يختلطن برجالها، فقد رآها ابو كاسر فرصةً لأن يعثر على عروس تغير حياته وظروفه وتدخله في القفص الملكي.. وتجعل منه رجلًا كاملًا امام جميع من اعتقد انه ناقص من الاهل والاحباء خاصة.. و.. سار وراءها وهو يفكر في الطريقة التي تمكّنه من ان يتحدث إليها دون أن يراه احد من العاذلين الحاسدين.. غير أنها كانت كلّما غذ خطوه غذت خطوها اكثر.. وذلك في محاولة منها لجلبه إليها أكثر.. واستدراجًا إلى مكان خالٍ. عندما وصلت المكان المحدد في خاطرها.. جلست موهمة اياه بانها انما تجلس لتستريح.. تقدّم منها أبو كاسر وجلس إلى جانبها:

- لماذا تبعتني كل هذه المسافة. سألته. فرد قائلًا:

- لماذا اتيت.. اذا كنت لا تودين التحدث إلي. اجابها.

- كنت اعرف انك تلتقطها على الطاير. قالت له وهي تطلق سراح ابتسامة ساخرة وظافرة في الآن.

أنس إليها ابو كاسر خيرًا فتجرأ اكثر.. اقترب منها فابتعدت، فهمس لها طالبًا منها ان تقترب واكد لها ان غرضه شريف، وانه انما يريد أن يرتبط بها بالرباط المقدس.. عندها وجدتها فرصة مناسبة لإتمام ما شرعت في تنفيذه. قالت له بنوع من الغنج النصراوي المعروف في المنطقة والبلاد عامة:

- صعب ان اوافق على طلبك ...

- وما المانع؟ سألها وهو يعبث بشاربه الراقص لهفة وجنونًا.. فردت بحسم:

- المانع هو صديقك أبو جابر. وراحت تروي قصة حبكتها وأعدتها جيدًا لهذه المناسبة. فأنا لا اريده. ولا اطيق جديته. وهو منذ مقتل خطيبي على يد غرباء.. يلاحقني في كل مكان. اينما ذهبتُ ذهب. وفي كل مكان حللتُ حل.. في كل مكان أراه قبالتي وأمامي.. وفي كل مرة اتهرب منه الا انه يهمس لي. انه لن يكف عن ملاحقتي الا اذا وافقت على الزواج منه. وبالغت فقالت بحزم: وشو كمان قال اذا رفضت الزواج منه سيقتلني.

ما ان سمع ابو كاسر كلماتها هذه حتى استفاق شيطان الهبل في راسه.. فاستوقف جميلته بإشارة من يده قائلا لها:

فهمت فهمت.. وأردف يقول: للمرة الثالثة: فهمت. فرقص شاربه رقصة عربية اصيلة..

مد يده إلى شبريته وهو يتهدّد ويتوعد.. شهر شبريته في الهواء.. و اندفع وهو يؤكد لها إنه لا يمكن لاحد ان يفرق بينهما.. وانه سيقتل كل من يفكر مجرد تفكير في أن يقتلها.. جرى باتجاه صديقه ابي جابر.. عندها كان لا بد ان تتوقف تلك اللعبة.. فانتصبت طلبت واقفة في طريقه وطلبت منه ان يتوقف.. مؤكدة أنها إنما كانت تمازحه.. غير أنه واصل جريه.. وهو يقول لها ولو.. سألقنه درسًا.. يعني سألقنه درسًا لن ينساه..

***

قصة: ناجي ظاهر

قد قُلتُ لا ما قالتِ الشعراءُ

بابُ الحوائجِ للجسومِ شفاءُ

*

تعطي لمن يأتيك خيرَ عطيةٍ

للقاصدينَ على الدوامِ سخاءُ

*

ونزلتُ عندك بعد عامٍ قاحلٍ

علَّ الهمومَ تزيلُها الآلاءُ

*

ورأيت من حولي السماء تلألات

وعلت علي القبةُ الشماءُ

*

كحَّلتْ عيني من ترابك سيدي

فترابُ أرضك للعيونِ شفاءُ

*

وسجدتُ حتى صاح قلبي خافقي

إنّي إلى هذي الترابِ فداءُ

*

بالأمس من بغدادَ جِئْتُك قاصدًا

ويسيرُ بي نحوَ الرجاءِ رجاءُ

*

ووضعتُ رحلي عند أبوابِ الدُّعا

ودعوتُ ربي أن يعودَ لقاءُ

*

ووضعتُ حاجاتي بكفِّك طالبًا

تُقضى بجاهك، وهي بعدُ قضاءُ

*

يا ابنَ الذينَ عطاؤهم غمرَ الدُّنا

لا تخلو أرضٌ منهُ أو أرجاءُ

*

فانظر إلى حالي فإني تائهٌ

وعليَّ من قهر الزمانِ رداءُ

*

قد عشتُ أحزانًا وحلمًا ضائعًا

يا ربّ هل بعد العناءِ رخاءُ

*

يا ربّ كم هذا الطريقُ محببٌ

نُعْيا ونتعب ليس فيه عياءُ

*

فترى النفوسَ شحيحةً في غيره

وعلى طريقك تُوهَبُ الجوزاءُ

*

صبحًا وظهرًا ثم ليلًا نلتقي

ونعود ثانية، ونحن سواءُ

*

ونعودُ مسرورينَ حيثُ منامُنا

تُغْني النفوسَ الرايةُ الخضراءُ

*

عشر قضيناها وخمسٌ بعدها

والروحُ عطشى والتلاقي ماءُ

*

نستذكر الماضي الجميل وجمعنا

نمشي وتستبق الخطا الأضواءُ

*

حسنٌ يهلهلُ بالأماني راكضًا

وعلى يميني تمرحُ الزهراءُ

*

والآن عدنا والدموع تلفنا

من يرجع الأيام وهي هباء

*

فأنا وأنت محملان بحزننا

في صحن موسى ترفع البلواء

***

د. جاسم الخالدي

أن تموت

وأنت تسقط من برج إيفيل

مثل كرة من قماش رديء

معلولا بنقصان فادح

أن يفترسك أسد القلق اليومي

يرمي خاتمك في البركة

ثوبك المرقوع لشبح بدائي

أن تخذلك عربة الجسد

ناس كثر يعششون في مفاصلك

سرب من الجوارح

تعبر مخيالك المترامي

أن يتقاتل الماضي والحاضر والمستقبل

فوق شجرة عمرك

وفي قاع جنازتك

يرمي النسيان دلوه

ويكون تابوتك مرصعا بذهب الأرامل

أن تخذلك عيناك الجميلتان

في حرب الإبادة الجماعية

لا تبصر عدوك جيدا

وهو يتسلق ظلك

مسددا رصاصة حزينة

من شرفة الأمس

إلى ذؤابة رأسك

مطلقا طوفانا من الضحك

موجة من الدموع العذراء

بينما ثمة جبل شاهق من الجثث

يتهاوى على ظهرك المحني

بينما ثمة مهرج من حضارة المايا

يكنس يراعات فراغك النافقة

أن تكسر آلة الزمن بفأس

ترمي كيس متناقضاتك للأشباح

وتختفي داخل دغل من اللامبالاة

مطوقا بستين مترا من الغيوم

أن تستلقي على سرير الأبدية

تتلاشى أمام زمرة من الأصنام

يؤبنك الفلاسفة والكلاب الضالة

المجانين وطيور الفلامنجو

تسقط من نعشك فراشة الهيولى

شاة الجاذبية بثغائها المريع

أن يكون الله في صفك

أو عدوا يختبىء في حديقة رأسك

أن تكون زهرة مضيئة بيد ملاك

أو عربة متناقضات يجرها شيطان

أن تكون مكسوا بريش الأسئلة

أو هنديا أحمر يرتقص حول نار الكلمات

أن تحنط الموسيقى روحك الهرمة

في دار الأوبرا

ويكفن جسدك الهش قائد الأوركسترا

بينما طيور الهواجس

تنقر عينيك الفارغتين

بشراهة فائقة

أن تكون أو لا تكون

أن تكون ساحرا بمزمار

يستدرج العميان إلى اجتياز الميتافيزيق

على أطراف الأصابع

أن تكون دموعك  من ورق النعاس الخالص

أو من شؤبوب الهاويات

أن تروض عاصفة الفقد

تلقي عصا موسى في المقبرة

ليقوم  خالصتك  القدامى

سعداء بهذه القيامة الأثيرة

تدعو عالم (النومن) إلى سلام دائم

أن تعي روحك  بلاغة الضوء

زئير المحايث ونأمة المتعالي

وتكون الغابة المطيرة

بيت المستقبل

وأنت ملك الدلالة  مستفردا بمطرزات الأقاصي

أن تكون قناصا ماهرا لإيقاع الظل

أن تكون مرتفعا حد الإغماء

تحج إلى سدرتك الكلمات

أن تكون بعيدا من السماء

بعيدا من الأرض

في اللامكان

تسحبك ثيران مجنحة باتجاه البدايات

أن تكون أو لا تكون

تلك هي المسألة.

***

فتحي مهذب

صباحُ الخير باريسُ

وبِغُنّةٍ خَفيفةٍ مَع الرّاءِ

ـ بُونْجُورْ ـ

خريفٌ قادمٌ مع أوراق شَجر الطرقاتِ

صفراءَ حمراءَ وفي لون البُرُنْزِ

مَرحَى للأرصفةِ

أعوانُ البلدية يُمَشِّطونَها كلّ صباح

ثُمّ يَرُشّونها بالخُزامَى

*

صباحُ الخير باريس

وبغُنّةٍ خفيفةٍ مع الرّاء

ـ بُونْجُور ـ

أهلُ مَكّةَ أدرى بشعابها

وأهلُ باريسَ بأنفاقِها أدرَى

على قَدْر طول بُرج إيفَلْ

هيَ في الأرض أعمَقُ

أنفاقٌ

في أنفاق

تحتَ أنفاق

ومِنْ مِيترُو إلى مِيترُو

ومن صِراطٍ على صراط

أسيرُ حثيثا على الصّراط يسيرُ

وصلتُ إلى محطة ـ نُتُرْدَامْ ـ

هُنا

الحيُّ اللاتينيُّ

نهرُ السّانِ والصُّوربُونُ

جَان بُول سارتر وسِيمُونْ دِي بُوفوارْ

إلْزَا ولويس أراغُونْ

هُنا

مَدامْ دِي بُوفاري وأحدبُ الكنيسةِ

بُودْلير وجاكْ بْريفارْ

شارلْ أزنافُور وميرَايْ

هُنا

الرسّامُون

النحّاتون

العازفُون

المسارحُ

الأفلامُ

المتاحفُ

المعارضُ

هنا

النّاسُ الغادون والعائدون

السائحُونَ

والمُشرَّدون والأثرياء

هُنا

الكتُبُ على الأرصفةِ

حَولها النّاسُ يتكدّسون

يتصفّحون ويشترُون

هُنا

على ضَفّة النّهر

المكتباتُ مكتبة ٌ بجانب مكتبةٍ أمامَ مكتبة

اِقرأ….اِقرأ

يقرؤون…

في المحطات يقرؤون

في المِترُو يقرؤون

في الباصِ

في المقهَى

في المطعم

في الحدائق

في الطائرة

يجلسُون يقرؤون

يمشُون يقرؤون

ينامُون يقرؤون

حتّى المتسوّلُ ـ واللّهِ ـ رأيتُه يقرأ

…وأمّةُ ـ اِقرأ ـ لا تقرأ

فقط

تتفرّجُ في المُسلسلاتِ

وشُيوخِ التلفزيون

صباحُ الخير باريس

وبغُنّةٍ خفيفةٍ مَع الرّاء

ـ بُونْجُورْ ـ

الأبيضُ الأسمر ُ الأصفرُ

إفرنجٌ جَرمانُ عجمٌ زنجٌ بربرٌ عربٌ

أرمَنُ غجر حبشٌ صَقلبٌ أمريكانٌ

هاوايْ صينٌ يابانُ

مِللٌ نِحلٌ مذاهبُ وأديانُ

خلاصةُ الزّمان والمكان

الذي بِربطةِ عُنق الذي بجينز الذي بلحية

الذي بقميص الذي بشعر طويل الذي يَعقُصُهُ

الذي يُرسلُه والأشعثُ والأصلعُ

الذي بقُبّعة الذي بعِمامة

والتي بِفُستانٍ التي بسروال التي بلباسِ طويل

التي بلباسِ قصير التي بشُورْتٍ التي بِشال

التي بخِمار التي بجلبابٍ

والتي كأنّها بلا ثيابِ

صباحُ الخير باريس

وبغُنّةٍ خَفيفةٍ مع الرّاء

ـ بُونْجُور ـ

أسيرُ ونَهْرَ السّانِ الهُوينَى

وئيدًا والنّهرُ يجري

مع ـ الأيّام ـ وطهَ حسين ـ أسيرُ

مع ـ توفيق الحكيم ـ و ـ عصفُور ٌمن الشّرق ـ

طارَ ولم يَطر

حتّى إذا خرجَ ذات يوم منَ القفصْ

وقُلنا هذه آخرُ الفُرصْ

نتّفوا ريشَه

ثمّ أجهزُوا عليه

بالسّيوف

بالسّكاكين والمِقصْ

أسيرُ

عكسَ جريان النّهر

والشمسُ على جبيني

يُقابلني ـ معهدُ العالم العربيّ ـ

أسيرُ

في كل شِبر من بلاد العَربِ حربٌ

أو فتنةٌ

أو شِقاقْ

بين إخوةِ ورفاقْ

صباحُ الخير باريس

وبغُنّةٍ خفيفةٍ مع الرّاء

ـ بُونْجُورْ ـ

قُلتُها وأنا أدخلُ المقهَى المُقابلَ

وهَل أحدٌ رَدّ التحيّةَ

بِمثلِها

! ولا بِأحسنَ منها

***

سٌوف عبيد ـ تونس

 

مرساة لحكايات خالدات

وقالت:

يا وعدي الغافي

أنبتني على كف غيمة شاردة ..

ثم شق رداء الأرض

واتبعت مسار الضوء

ها هي تفتح بابها لي

تتمدّد،

وبكامل عنفواني

أمد ساقي على أديمها

أبحث في رائحة الريح

عن معنى  لم تدنسه  يد الغواية

قبل أن يذبل

في ثنايا  الصمت المعرش

على واجهة  المقابر..

***

العامرية سعد الله / تونس

09/08/2024

أرسمُ حروفَ القصيدةِ بأصابِعَ كافِرة. لم تُؤمنْ بعدُ أنّ المعنى سماءٌ لا تطالُها الأيادي... لا تصلُ مداها عينٌ تُرابِيّة. يشَرِّقُ الإبْهامُ داخل مقيتِ الإعتام، سبّابتِي تُغرِّبُ خارِجَ دوائرِ الله. خنْصَرُ كفّي يرفضُ توْحيدَ الانزياحِ في خاتمٍ صقلَتْهُ أجْنِحةُ الملائكة... يحبّ صدأ الحديدِ الْبارِدِ، ويقدّمُ بيعتَه الوحيدةَ لشيْطانٍ أخرس.

*

لا مكانَ لي في بياضِ الصفحةِ السماوية. الضبابُ صديقي، والغيمُ العقيمُ مُصاحِبِي في رحلتي البعيدة. جلّ تحبيري كانَ مطايا بغيرِ سُروجٍ على متونِ خيلٍ لا تتقنُ فنّ الركض. وتتقنُ لغةَ الحافِرِ في نسْغِ التّراب. لا سُنْبُكَ واحِداً تألّهَ في محارِيبِ الشعر أو تعبّد صوفيّاً في لغاتِ الضوء...

*

ها رحْلتي لعنتي... زادِي كانَ زقّوماً كريها، ومشربِي غِسْليناً من عذابِ الطّريق. لم أنتبِه لرفقة المسير. كنتُ وحْدي مُتْرعاً بالعزلةِ الصامِتة... لم يكن لي طائرٌ يحطّ على كتِفي ويأتيني بأسرار المتاه. ولا أفقَ يغطّي عمايَ إلّا ما انفلتَ من وهمِ رؤيايَ... وطِلابِي للظلّ كانَ حلماً بعيدَ المنال، حتّى سئمنِي السّفرُ... والسِّفْرُ لم يفتحْ لِي احتمالَ الشجّر.

*

كنتُ أحمِلُ معي تمثالَ "جالاتْيا"... تُحنّطُ التّرابَ في عيْنيْها.  لم تستفِقْ إلا على إزْمِيلٍ ذهبِيِّ النقشِ، يكسّرُ بصيرَتَها المؤقّتَة في جسد حجر... وصِرْتُ المنْحوتَ بكفِّها الساحرة. وكنتُ قبْلَ الرّحلةِ الغابرة ناحِتاً مُفَوّها، أنحتُ فنَّ الضّجَر. تحوّل بصِري إلى صخر، وأنا الحالِمُ قبْلاً بأنْثايَ حيّةً مثل طائِرٍ خُرافِيٍّ، يحملُ في خوافِيهِ بعضَ الشمس، وفي قوادِمِهِ كثيراً من المطر.

*

أحملُ امتدادَ اليومِ على زِنْدي، وغدِي محمولٌ في كفّي إن طَهُرَتْ وغسلتْ درنَ السؤال... مائِي العبقريُّ والصوفيُّ امرأةٌ نزحتْ من زمنِ الأزل... تحملُ في قلبها جرار العسل، تُلْقِمُني جرعاتٍ تحكيني بدءاً وختاما. وتُقرِؤُني فيما تبقّى منّي تحيّةَ عشقٍ لا يعرفُ أوارُهُ برداً وسلاما...

***

قصيدةُ نثرٍ حداثيةِ

نورالدين حنيف أبوشامة\ المغرب

أشجارُ الزيزفونِ تنتظمُ على جانبيَّ الشارع، تمتدُّ إلى حيثُ يلتقيانِ وزرقة السماء في نقطةٍ واحدة.

الجو خانقٌ، الصمتُ ثقيلَ الوقعِ، عصافيرُ بلا صوتٍ، غصّةٌ يتيمةٌ عالقةٌ في الحلق، طلاسمُ تنتشرُ بلا وعيٍ في أضلعي، هدوءٌ صاخبٌ يلفُّ المكان.

لا أسمعُ إلاّ صوتَ أقدامنا وهي تُلامسُ الأرضَ وترتفعُ في إيقاعٍ منتظم رتيب. إحساسٌ مُبهمٌ ينتابني، أحاولُ أن أرفعَ يدي قليلاً فأخفق، أُحاولُ أن أتكلمَ، أشعرُ بالحروفِ تُغتالُ في حنجرتي.

أشعرُ أنني أُضغطُ من كلِ جوانبي، أتضاءلُ بتواترٍ كالنابضِ المضغوط عنّوة بقدمٍ حاقدة. أتضاءلُ حتّى صرتُ وإسفلتِ الشارع واحداً. مددتُ يدي مستنجداً، ذُهلّتُ عندما وجدتُ أصابعي تعبثُ بحذاءِ صاحبي.

كدتُ أختنق، أخذتُ أتحرك لكسرِ هذه الحالة المرعبة، قفزتُ، صرختُ، صرختُ بقوةٍ أكثر، تلاشى صُراخي، ضحِكتُ حتى إنقلبتُ على قفاي، فاجأني صاحبي قائلاً :

- لقد وصلنا !.

هدأتُ، تمتمتُ بفوضى، كلماتٌ تراكمت في فمي، فتساقطت نازفةً على التراب، إختفت الأشجار، الطريق، تلاشت رائحةُ الزيزفون، وجدتُ نفسي أمامَ قاعةٍ ضخمةٍ شبيهةٍ بالكنائسِ الأثرية، تعجُّ بالناسِ داخلين وخارجين، كُلٌ يهمسُ في أُذنِ زميلهِ بحذر.

أخذتُ أُدققُ في الوجوهِ، وجدتها متشابهة، بحيثُ تعذّر عليَّ تمييزُ أحدهم من الآخر.

تعفّرَ وجهي برائحةٍ نتنةٍ، إهترأ نسيجُ ذاكرتي، إنتشرت نارٌ في أحشائي، دخلتُ القاعةَ، أحسستُ أني قزمٌ صغيرٌ أمامَ إرتفاعِ جدرانها، الشاهقةِ المُزخرفة، تخيّلتُ نفسي نقطةً صغيرةً حمراء.

كانت قبةُ القاعةِ ملوّنةٌ مُضاءةٌ بقسوة، مؤطَرةٌ بحدودٍ هندسية برّاقة، بينما كان الظلامُ يُهيمنُ على أرضيةِ القاعة، ويتبددُ جزءٌ منه في إنعكاسِ أنوار القبة.

مكثتُ مكاني قليلاً حتّى ألِفتُ هذا الضوء الخافت، بدأت تتضح أمامي معالمَ الوجوهِ أكثر، تبيّنتُ نماذج مختلفة للوجوه، كل نموذجٍ يقفُ في تكتّلٍ خاصٍ به.

سرتُ بينَ الحشد والمقاعدِ، سمعتُ أصواتاً خافتة، ضِحكاً مُتقطّعاً، حدّقتُ في الجدارِ بإمعانٍ، إقتربتُ منه، تفحّصتُ البابَ، فتحته قليلاً وببطءٍ وحذر، فاجأتني إضاءةٌ متناوبةٌ، نماذج بشرية متداخلة، تموجُ بإيقاعٍ صاخب، الرأسُ بين القدمين، الآذرعُ تمتدُّ من الرأسِ،، شفاهٌ مبعثرةٌ، جثثٌ تتناوبُ عليها الأصابعُ، أثرُ دمٍ ينتشرُ بشكلٍ عشوائي.

كانت هذه النماذجُ تتهامس، تضحكُ، تتأوّهُ، حتى يصير همسها ضجيجاً، يتحوّل ضجيجها هُتافاً، شعرتُ بحركةٍ خفيّةٍ، تواريتُ مسرعاً تحتَ أحدِ المقاعد، خرجَ رجلان وامرأة بأشكالٍ طبيعيةٍ، وجوههم ملوّثةٌ بالغدر، إنطلقت نظراتهم تبحث بشكلٍ دائريٍ في كلِ مكان، كمحطاتِ رادارٍ صغيرة.

لحظات ثُمَّ عادوا إلى الداخلِ، وسرعانَ ما سمِعت صوتَ الضحكِ المتقطّع من جديد، والعيونُ تحدّقُ عاتبةً، شامتةً بي من كلِ صوب.

تعصرني الحقيقة، تتكسّرُ أوهامي، أطأطىء رأسي، ألجُ ذاتي، ألتصقُ بالمقعدِ، أرتمي على نفسي، نداءاتٌ خرساءُ على ألسنةِ إنكساري تتوسّل، وفي نشوةِ الوهمِ أُصارعُ سعادتي، فهرعتُ أُخبىءُ نفسي بين كفّيَّ.

إستيقظتُ عندما أتاني صوتُ صاحبي قائلاً :

- لقد بحثتُ عنكَ طويلاً، إنظر إلى ذلكَ الكرسي الذي يحملُ الرقمَ السابعة والستين،

اذهب واجلس هناك، لا تنسى رقم المقعد، لا تنسى أنت السابع والستون.

رمى إبتسامةً ساخرة، ألحقها بإنصرافٍ مُفاجىٍ غريب، الإنتظار يُمزّقُ الجسد، غُبارٌ يرقدُ بالأعماق، عنكوبتُ تنسجُ خيوطاً وهي تُغني إنشودةَ " الحاضرِ - الغائبِ " وصداها يُمزّقني، فأهيمُ في دوّامةٍ تبعثرني.

الدوائرُ تتسع، الزوايا تضمحلُ، الرؤى تنداحُ في لا مبالاةٍ مُقرفة، المقاعدُ تنتفخُ فتطمسَ وجوهِ كل الجالسين عليها، صوتٌ جهْوَريٌ يبدأُ العدَّ، واحداً....، إثنين...، ثلاثةً....، يتوالى العدُّ بإيقاعٍ مُثيرٍ للرعبِ، المقعدُ ينتفخُ من كلِ الجوانبِ أكثر، أرجلُ المقعدِ تورّمت، المساندُ تطاولت مُعانقةً سقف القبّةِ، أقمشةُ المقعد تتمزّق كتمزّقِ الجسد.

شعرتُ أني جزءٌ من المقعدِ، إتّحدَ المقعدُ بي، دوّى صوتٌ جَهْوَري :

- سبعةٌ وستون.

لقد صرتُ رقماً.

نهضتُ بآليةٍ، وقفتُ أمامَ الزوايا الخشبيةِ بذاكرةٍ مُشتتةٍ مُشوّهه، ردّدتُ بلا وعيٍ ما سمعتهُ من زعيمِ القاعةِ كما بدا لي، ساقوني إلى غرفةٍ مجاورة، أغيبُ، أصحو، أصابعٌ تنهش ذاكرتي، طويتُ الزمنَ، أعادوني، تابعتُ مسيري إلى بابِ القاعةِ وأنا أتحسسُّ رأسي، صدري، وكُلَ عضوٍ في جسدي.

ضجيجُ الشوارعِ الصاخبِ يسخرُ مني، أُناسٌ يتراكضون فرحين، سمعتُ صياحاً يُناديني، لم أشعرُ بأيةِ رغبةٍ للاستجابة، إني إنسانٌ آخر، إنّي سبعٌ وستون.

انطفأت كلماتي، انتابني شعورٌ غريبٌ، أسرعتُ، تمتمتُ بآيةِ الكرسي، تمتمتي تطاردُ فلولَ دمعي، إستنّجدتُ بالبازِ والخضرِ، أصابتني برودةٌ تسللت من أطرافي وعمّت جسدي. غرِقتُ في بحرِ أحزاني المُزنّرِ بأرقام تطاردني، آويتُ إلى فراشي، صرختُ بعنفٍ، بكيتُ، ونماذج بشرية متداخلة تُلاحقني.

رسمتُ إبتسامتي على مرآةِ الذاكرة، فتراءت لي وردةٌ خمريةٌ تنبتُ في الدم.

***

أنور ساطع أصفري

 

هكذا الريح دوما

تتارجح بين

نبع الشك

ونبع اليقين

فيما العناكب

تحيك شباكها

بين اغصان شجيرات

الحكمة الخضراء

والامل الاخضر

والدود

والجرذ

والجراد

تحفر جحورها

في سيقان شجيرات الحب

وهكذا هكذا الريح تتارجح

بين نبع الشك

ونبع اليقين

ونبضات قلبي توقد

شموع فرحتها بين

شجيرات الحكمة الخضراء

وشجيرات اليقين .

***

سالم الياس مدالو

في بلدي جنان الأرض وحرائق نار

في بلدي هناك دومًا مكان

للخليفة والسلطان

والأمراء

وأيضًا لأشقى الفقراء

في بلدي لا الليل كأي ليل

ولا النهار مثل أي نهار

في بلدي كل تناقض تراه بعينٍ أخرى

حتى الفجيعة لها حكاية

لن تصادفها في بلدٍ من البلاد

ألسنا الأحفاد؟

أحفاد شهرزاد

التي أبت أن تموت

حتى أمسكت بزمام الوقت

وانتزعت السيف من السياف

وصارت سيدة الكلام

كلام حصد أعمارنا

جيلًا إثر جيل

حتى ملّنا

ملّ سكراتنا وأسانا

فأخذنا نضحك من مواجعنا

وبحلم يومنا رحنا نبيع نكات هزائمنا

بكل النكهات

بألوان الثورات

نكات على أنغام العود والناي

على أوتار الأنين والآهات

آهات حنين

تفضلوا يا حضرات

إلى مهرجان وطن يروي أجدد الحكايات

وأقدم الحكايات

وطن من جنةٍ ونار

***

أحمد غانم عبد الجليل

 

من نغمةِ الوجـد أشـعارٌ لها وهَـجُ

تـضوعُ فـوق شــفاهٍ وهي تـختـلجُ

*

فبادر الـشوقُ كي يُرسي قواعدَهُ

في رفع رايـتهِ الايـذانُ يـنـدرجُ1

*

فـقامَ والروعُ جـسرٌ في تواصلهِ2

مع الـقوافيْ ومـنها خـيلُـهُ تَـلِـجُ

*

تواترت وعلى إيـقاعها وتـري

ماذا أقـولُ وفي ترتـيلها حـرجُ

*

هذي الترانيمُ عُمْري حين أُنـشدُها

والخَطو بينهما الاحقاف تـعـتلجُ3

*

وا حـرّ قـلباهُ من حالٍ يُـمزقُها

بـؤسُ الحياةِ متى للحُرِ تـنفـرجُ

*

تكالبَ الـبغي في الـدنيا وزيـنهُ

عُهرُ الغُواةِ ومَنْ في نهجهم نهجوا

*

في عالمٍ زيَّـف الشيطانُ مظهرَهُ

فعامَ فوقَ غُـثاءٍ فـيه قـد مَـرجوا4

*

بـه الضلالُ وهـذا ما يُعـززهُ

غـربٌ يُـسيّرهُ الاوباشُ والهـمَجُ

*

وبـان أنّ قـوانـيـنًا يُـشرِعُـها

تجارةٌ طيّها الـتضليل قـد مزجوا

*

وقـد تَكشّـفَ أنّ الغاي مَـفـسدةٌ

والعالمَ الـحُرَّ تـدليسٌ به خرجوا5

*

لا شيء في الغربِ يأتي دونما ثمنٍ

حتّى صداقاتِهمْ غِـشًّا بـها دمـجوا

*

أمّا الحقوقُ فما تـقضي مصالحُهمْ

بـغـزّةَ اليومَ عارٌ فيه قـد عرجوا6

*

مأسـاةُ غـزّةَ لا تـبدو سـوى خـبرٍ

لا شيء يُـؤلِـمُهم فـيها فينزعجوا

*

كلُّ القوانينِ لا تـقضي إدانـتهمْ

شريعةُ الغابِ لكن فوقها نـسجوا

*

فـعالمٌ مـثل هـذا عـالمٌ سَـفُـلتْ

فـيه الـمـفاهيمُ ما يرقى به سَـمِجُ 7

*

متى أرى عـالمًا حُـرّا بلا فـتـنٍ

فـيه الـعـدالة نـور الـحقِّ يـنـبلجُ

***

الحاج عطا الحاج يوسف منصور

الدنمارك / كوبنهاجن

السبت في 24 آب 2024

.....................

1- الايذان: الموافقة والسماح

2- الروع: القلب

3- الاحقاف: التلال الرملية المتعرجة

4- مرجوا: اختلط عليهم

5- الغاي: جمع غاية  والتدليس الغش

6- عرجوا: أي صعدوا

7- سَـمِجَ الشيء: صار قبيحًا 

 

يــكادُ الصقرُ أنْ يَفنَى سُعَاراً

ويــأنَفُ  جِــيفَةً عِــندَ اَلْعُقَابِ

*

وَيَــبْقَى  دَائِــمًا شَــهْمًا كَرِيمًا

يُــخَالِفُ كُــلَّ ذِي ظُفْرٍ وَنَابِ

*

يَــعَافُ مَــوَائِدَ اَلْأَنْــذَالِ زُهْدًا

إِذَامَــا اَلــنَّاسُ دَفَّــتْ كَالذُُّبَابِ

*

يَـــرُومُ اَلــطَّيِّبَاتِ وَلَا يُــبَالِي

إِذا اَلْــجَنَبَاتُ شُكَّتْ بِالْحِرَابِ

*

فَمَنْ يَرْضَعْ حَلِيبَ اَلْعِزِّ طِفْلاً

يَــعِشْ حُــرًّاعَزِيزًا لَا يُحَابِي

*

وَمَــنْ لِــلْأُسْدِ دَوْمًــا كَانَ نِدًّا

مُــحَالٌ يَرْتَجِي فَضْلَ اَلْكِلَابِ

*

دَعِ اَلْأَنْــذَالَ تَــأْكُلُ مِنْ حَرَامٍ

وَتَــرْفُلُ بِــالْحَرِيرِ مِنَ اَلثِّيَابِ

*

فَلَمْ  تَخْفِ اَلثِّيَابُ ذُيُولَ خِزْيٍ

وَإِنْ  أَخْــفَتْ ذُيُــولاً لِــلدَّوَابِ

*

فَــمَنْ بِالْحَيِّ يَعْرِفُ كُلَّ لِصِّ

وَعَــاهِــرَةٍ تَــخَــفَّتْ بِــالنِّقَابِ

*

سَــيَبْقَى اَلْخِزْيُ لِلْأَجْيَالِ إِرْثًا

وَلَوْ فَلَتَ الخَسِيسُ مِن اَلْعِقَابِ

***

عــبـد الناصرعـليوي الـعبيدي

 

أحياناً

يَتدفقُ عِطراً

وأريجاً يَنْضَحَهُ شِعراً!

*

أحياناً

يُبْدِعَهُ النثرُ!

*

أحياناً

تأتيهِ الحُمَّى

في شكلِ قصيدٍ أعمى!

*

أحياناً

لاتكفي قصيدةْ

لنُزُوحِ دِماءِ وَرِيدَه!

*

أحياناً

لامعنى يُفْهَمْ

إلا بغمِوض يتكلَّمْ!

*

أحياناً

من دون تَصَنُّعْ

يُبدعها وبكل تَمَتُّعْ!

*

أحياناً

يتعاطى ألَمَاً

كي يُنْضِجَ للجائعِ لُقَمَاً!

*

أحياناً

تحرمهُ الومْضَةْ

ٱلام مخاض اللفظةٔ!

***

محمد ثابت السميعي - اليمن

 

لَم يبق

للقلب العربي

نبض سوى غزة

وغزة هنا،

وغزة هناك

وغزة أنا،

وغزة

اتساع الأفق الحر،

مساحة ضيقة

تكفي لضبط

شساعة الحقيقة

ومن انتحل خطابة،

وادعى مُناكِ

**

على قدر بعدكِ

هأنت قريبة،

وللعدو شبه حياة

تحت دبابته

ينتقي خوفه

في صافرات الإنذار،

واسمك جدار فاصل

بين السماء

وعري عروبة

في حانات ليلها

فمن يحفظ العذراء؟

مَن سِواكِ؟

**

وأنتِ

بقية من صمود

لن تتعب

وهل يتعب الحر

من حريته؟

يا مرآة الله

في الأرض

ماذا بعد السياج؟

إلى أين الممشى؟

وكل الطرق

تؤدي إلى غزة،

إليكِ ممشانا

وإلينا ممشاكِ

**

حُبك خطيئة

يقول الخائن العربي،

حبك ليالٍ سوداء

يقول الحاكم العربي،

حبك جريمة لم نقترفها

يقول الشارع العربي،

حبك فضيحة

يقول العالم،

حبك هزيمة

يقول العدو،

حبك منتهى

يقول الشهيد

ويهواكِ.

***

فؤاد ناجيمي

من ديوان: تعرفني هذي الأرض الخافتة

 

ليسَ في وطَني حِدأةٌ تُغنّي، اللصوصُ الأوفياء، لدينِ السَرِقة، جعَلوها تَجوع، في بَلدِ الفِئران.

2

أخفى خَلفَ عَينَيه، سِرّهُ المُقدّس، بينَ جَفنَيه، في كلّ رَمشَة، يَقطُرُ الوَرَع، واختلاسُ النَظر، الى غَنيمةٍ عَمياء.

3

أُصِبتُ بعَمى الأشكال، رأسُ شاة، بجِسمِ ضَبع، جميعُ ثيرانِ الوطَن بلا قرون، عدا الحَمير.

4

ما الذي رأَيتَ، لمّا نَظَرتَ خلفَ كتِفِك، أشياؤُكَ الجَميلةُ لن تَلحَقَ بك، فادّخرْ شَهقاتِكَ، لمَوسمٍ آخر.

5

ذهَبتَ بَعيداً، لم تَحسبْ من قَبل، خُطواتِكَ بعدَ الأفُق، فصِرتَ في المَغيب، تَحسدُ الشُروق.

6

أسلحَتي الكثيرة، لمّا أُرغَمُ على استِخدامِها، في رمَقي الأخير، تقتُلنُي.

7

حينَ انكَفَأتَ على وجهِك، على طريقٍ مُستَوية، كانَ لعَينيكَ رأيٌ آخر، أفصَحَتْ عنهُ، لغيرِك.

8

تَمنّيتُ لو أنّ الحُبَّ أرحَبَ مما كان، لم يَحتملْ كلّ انفِراجي فيه، فانفَجَر.

9

ما كُتبَ عليكَ أيّها الجَبين، لم يتركْ فيكَ موضِعاً صَغيراً، يدومُ ابتهاجي فيه، كقِصّةٍ تُروى.

10

لا تَسَلني عن احمرارِ عَينَيّ، ذلكَ أدنى النَزف، من قلبٍ، يَسحَلُ الخَفَقان.

11

ما تراهُ من رَعشةِ يدي، ليسَ إلّا انتقاماً، من أفكارٍ، رسَوتُ بها، على شاطئٍ، ليسَ لي.

12

أحسدُ الصَقر، ليسَ مثلي، لا أحدَ يَسرقُ منهُ الفرائس، بحيلةٍ صَغيرة، وينجو.

13

لم أحرقْ جَميعَ السفُن، خلفي، فقد عبرتُ على خشَبَة، ضلّت المسار.

14

أغمَضَ عينيه، أطفأ الشَمس، يخشى أشباحَ اليقَظَة، أشباحُ الظَلام، بلا أجنحَةٍ، أو أسنان.

15

حينَ قَرَعَتْ أجراسُ الكنائس، موسيقى بيتهوفن، سَمعتُ عَزْفَ العودِ في المآذِن، هذا ما قلتُهُ، تحتَ التعذيب، بتهمةِ الفَرَح.

عادل الحنظل

تَعكِسُ الحكايا

حكايَةَ طفلٍ

هامَ في ملاعبِ الشَّكوى

وسَقَطَ

مُعَفَّراً بِبعضِ أحلامهِ

التي انْدَثَرَتْ

قبلَ أن يَبلغَ الفطاما

وشابٍ

نَسيَ نَفْسَهُ

على مُفتَرقِ اللهفَةِ

لِصَبيَّةٍ

نامَ الحبقُ على يَديها

يوماً

واسْتَفاقَ

على جرحٍ  إيلاما

حكايةَ رجلٍ

باعَ عمرَهُ

على نَوافذِ الصَّبرِ

يُحَطِّبُ أضلاعهُ

ليَشتري

لسيدَةِ الوقتِ

تفاصيلَ مزيفةً

وضِحْكَةً يابسةً

وبعضَ المَرايا ..

***

سلام البهية السماوي

 

حُلُمٌ طارَ  وحِيداً

حُلُمٌ نامَ طويلاً في عُيُونِكْ

دونَ أنْ يُوقِظَهُ بَوْحُ رمُوشِكْ

مرّتِ الأيّام تعدو،

وَهْوَ قابِعْ

بَيْنَ طَيّاتِ جُفُونِكْ

لا يُبالي بِمَواجِعْ

يَحْفُرُ المعنى عمِيقاً

عَلَهُ يُصْبِحُ واقعْ

*

عِنْدَما أضْناهُ طُولُ الإنتظارْ

فرّ  مِنْ عينيكِ مَذْعُوراً

وطارْ ......

وهو  يَشْدُو

هَلْ يصيرُ الحُلْمُ واقعْ

أَمْ يظلُّ الحُلْمُ ضائعْ؟

***

رَمْلٌ أسْوَد

عِنْدَما خَلْخَلَتِ الأرضَ زلازلْ

وَ بِنا اِهْتَزَتْ دُرُوبٌ ومنازلْ

فَجْأةً تاهتْ خُطانا

فوجدْناها تَسِيرْ

بدروبٍ لَمْ نَجِدْ فيها سِوانا

فَمَشِيْنا..

وَ مَشِيْنا..

ذاتَ فجرٍ فاجَأتْنا

إنّها قَدْ وَضَعَتْنا

وسطَ صحراءَ كئيبةْ

لا نرى أُفْقاً لَها

*

صارَ  لونُ الرّملِ أسْوَدْ

صارَتِ الصّحراءُ تَمْتَدُّ، و تَمْتَدّْ

لَمْ نَعُدْ نُبْصِرُ  ما كُنّا نراهْ

قيلَ أنْ ندخُلَ في هذا المتاهْ

كلُّ ما كانَ لديْنا قَدْ تبدّدْ

وكِلانا

لَمْ نَعُدْ نَعْرِفُ ماذا قَدْ دَهَانا

***

شعر: خالد الحلّي

ملبورن - أستراليا

إلى الأديب رحمن خضير عباس، الكاتب العراقي الذي حمل في قلبه وطنًا جريحًا، وسار في دروب الغربة حاملًا ذكريات العراق والأمل بالحياة. إليك، أيها الحالم الذي لم تخنقك القيود، ولم يُطفئ غربتك ضوء الروح. قصتك التي نُسجت من شظايا الألم والحنين تعكس قسوة الرحيل ولطف الحنين. من العراق إلى سوريا وليبيا والجزائر، إلى دفء المغرب وبرد كندا، عشت تجربة عابرة للحدود، تحمل فيها معك حب وطن لم يعد موجودًا إلا في قلبك. لك، أيها العابر بين الأوطان، الذي نسج خيوط الحكمة من الألم وجعل من كل مدينة محطة للتأمل والتعلم، أهدي هذه القصة كتحية لروحك الشامخة، ولرحلتك التي تستمر في إلهام الكثيرين.

***

الهروب إلى اللامكان

قصة قصيرة

جلس رحيم على ضفاف المحيط، يراقب الأمواج المتلاطمة كأنها أحلام تتكسر على صخور الواقع القاسي. كانت الأمواج، في حركتها المتواصلة والمتغيرة، تشبه حياته الهاربة من وطنه العراق، الذي لم يعد وطنًا بل تحول إلى قفص حديدي، يلتهم كل روح تحلم بالحرية. هرب رحيم من ذلك القفص، باحثًا عن السلام في بلاد أخرى، لكنه لم يكن يعلم أن العالم كله قد بات قفصًا أكبر، تغمره الغربة ويطغى عليه الحنين. سافر إلى سوريا في سبعينيات القرن الماضي، ظنًا منه أنه سيجد فيها نجمة الأمان تلمع في سماء ملبدة بالغيوم، لكنه سرعان ما اكتشف أن الحلم لم يكن سوى سراب، وسوريا امتداد لصحراء حياته، حيث كان الكابوس يرافقه في كل خطوة. تركها وراءه واتجه إلى ليبيا، آملاً أن يجد استقرارًا يحذف من ذاكرته تمائم الخرافة. غير أنه وجد ليبيا معسكرًا ضخمًا محاطًا بالجدران والأسوار العالية، حيث الأوهام تحاصر كل زاوية والشواطئ بدت كالصحراء، صامتة، تجسد عزلته الداخلية. وفي المغرب، جلس رحيم على حافة المحيط، وسط تيه الأقاصي، محاطًا بعالم يتغير من حوله، لكنه يظل ثابتًا كشرارة في بلاد الحطب، تنطفئ لتشرق من جديد. كان الوطن قد خنق صوته منذ سنوات، لكن ذكراه لم تبرح قلبه، كدمعة الأرض التي كلما أمطرت نشرت الصحو في مدائن الغضب. والآن، وهو مثقل بذاكرته التي تضيء ثم تنطفئ في مدارات روحه، يراقب العالم يغرق في صمت مطبق، غريبًا في أرض لا تعرف سوى التيه.

جلس رحيم على ضفاف المحيط، متأملاً الأمواج المتلاطمة أمامه، كأنها قطع من أحلامه التي تحطمت على صخور الواقع القاسي. كانت الأمواج، في انكساراتها المتكررة، تُذكّره بحياته المتغيرة، التي قضى معظمها هاربًا من قفص كبير، وطنه العراق، الذي لم يعد وطنًا بل تحول إلى سجن من الحديد، يلتهم الأرواح الحالمة بالحرية. كأنه يترك وجهه المحترق تحت مداس الوقت، محاولاً الخروج من غمد اسمه المستعار، لعبور هذا الموت الرمزي الذي يطارد روحه. ترك العراق وراءه، بحثًا عن السلام في مكان آخر، لكن العالم بأسره كان قفصًا أكبر، تمتد قضبانه في كل اتجاه، يلفه الغربة ويغمره الحنين. سافر رحيم إلى سوريا في سبعينيات القرن الماضي، باحثًا عن الأمان والحرية. كانت سوريا في مخيلته كنجمة بعيدة تلمع في سماء ملبدة بالغيوم، حلم مضيء وسط ظلمة، لكنه سرعان ما اكتشف أن ذلك الحلم لم يكن سوى سراب. كأنه يراقص طرائد الوجع على إيقاع الكوابيس، كانت سوريا امتدادًا لصحراء حياته، حيث كانت كل خطوة فيها تحمل معها عبء الكوابيس الماضية. ثم انتقل بعدها إلى ليبيا، ظانًا أنها ستكون واحة هدوء في صحراء التيه، لكنها لم تكن سوى معسكر ضخم تحيطه الأسوار العالية، غارقة في عزلة موحشة. كانت الشواطئ هناك كالصحراء القاحلة، صامتة، تفتقد الحياة، كأنها لوحة فارغة تعكس الصمت والوحدة التي اجتاحت كل زاوية من روحه. وكأن العالم مجذوب بالهذيان، بينما رحيم يركض خلف خطاه المتعثرة، محاولًا أن يحلق في رؤى قلبه الممزق. كان هو الخيال الضاحك التعيس، والانتظار يلتهم أنفاسه بين أنيابه. في وسط هذه الرحلة، كان هو ضوء الخرافة، بينما قنديله المتمثل في تجاعيد الوداع لا يتخطى مداه، يظل عالقًا بين الماضي والحاضر، بين الحياة والموت، يغمره صمت الكون العميق.

الجزائر كانت محطته الثالثة، ولكن حتى هناك لم يجد ما يبحث عنه. المدن بدت وكأنها غارقة في نوم عميق، صمت طويل يخيم على أرواح الناس، وكأنها طوت نفسها في سباتٍ أبدي. كانت أرواحهم مغتربة، وقلوبهم موصدة أمام نسائم الحرية، وكأن الاستعمار قد رحل بجنوده، لكنه ترك خلفه ظله الثقيل، يُرزَح به على أكتاف الناس كعبء لا يُحتمل. وكأن المدن نُسجت من ثوب عقلٍ ملطخ بالسكون، غارقة في رتابة الأيام، فيما العصافير جفاها الوسن وتبدد غناؤها في مفترقات الحزن. وفي نهاية الرحلة، وقف رحيم على أعتاب المغرب، حيث لم تكن وجدة مجرد مدينة أخرى في مسار هروبه، بل كانت نقطة تحول في حياته. هناك، التقى بابتسامة شرطي مغربي على الحدود، وكأن تلك الابتسامة كانت أشرعة الإبحار نحو عالم جديد، عالم لم يعهده من قبل، لكنه أحس فيه بألفة غريبة، كأنه عاد إلى حضنٍ كان يفتقده طيلة العجاف من عمره المسكين. في تلك اللحظة، استشعر رحيم أنه يبتعد عن فحيح الوقت وصدى الريح، يقترب من نقطة سكون جديدة. استقر رحيم في المغرب، وبنى هناك حياة جديدة، لكنها لم تكن مجرد حياة عابرة؛ كان ينسج من خيوط الأيام وشاحًا من الصداقات، يجتمع فيه مع آخرين هاربين من أوطانهم، تمامًا كما هرب هو، كأنهم كلهم قد أغتسلوا برائحة الصمت، وأخذوا يتلمسون وجوههم الموغلة في الحزن، يبحثون عن دفء في مدائن الغروب.

المغرب جمعهم كأنهم فلاسفة يلتقون في مقهى ليخططوا لعالم جديد، عالم ينشد فيه الإنسان الحرية ويتنفس دون قيود. ورغم بناء حياته الجديدة، ظل العراق محفورًا في قلب رحيم، كجبل شامخ يطل من بعيد على أيامه الجديدة، لكنه كان جبلًا غارقًا في الضباب، بعيدًا، مستحيلاً العودة إليه. وعندما جاءه خبر إعدام صدام حسين، كانت دموعه تتساقط كأمطار حزينة على أرض جرداء. لم يكن يبكي على صدام، بل كان يبكي على العراق، على وطن أُعدم معه في تلك اللحظة. في كل مرة يعود فيها رحيم إلى المغرب، كان الأمر أشبه بفتح نافذة تطل على ماضٍ ضائع، يتجول في شوارع وجدة ومراكش وتارودانت وكأنه يستكشفها لأول مرة. تلك المدن كانت تحتفظ بذكرياتها كلوحات زيتية معلقة على جدران الزمن، تعيش في ذاكرته، تمامًا كما ظل العراق يعيش في قلبه. لكنه كان عراقًا منسيًا، موجودًا فقط في الأحلام، بعيدًا عن متناول الواقع.

استقر رحيم في كندا في نهاية المطاف، ولكن حتى في تلك البلاد الشاسعة لم يجد دفء الشوق الذي اعتنقته أنامله في المغرب. كانت كندا بالنسبة له قفصًا آخر، قفصًا من جليد لا يذوب، بارد وقاسٍ، كأنه يحفر في تقاسيم روحه مداه، يغمره الصقيع الذي امتد ليعانق كل زوايا قلبه. في تلك البلاد البعيدة، حيث الصمت يبتلع الأصوات، والثلج يغطي كل ذكرى، كان رحيم كمن يطوف بصمت في جنائن رعشته، يسأل نفسه: "إلام نطوف بصمتٍ جنائن رعشتنا؟". ومع كل ذلك، كان يعود إلى المغرب من حين لآخر، وكأن تلك العودة تحمل رائحة ماضيه الدافئة، أو كأنها شرفة يطل منها على حياته التي لم تكتمل. يجلس على تلك الشرفة، حيث كل أمس مضى كان يضج بهمسات الشجون، يعيد تشكيل الصور التي بُنيت في خياله، لكنه لم يستطع يومًا أن يكتمل. كان الزمن يتسرب من بين يديه كالرمال، كأنه يحاول أن يضمّ نبضات قلبه المتشظية في سواقي الجنون. "ربما سأعود إلى العراق يومًا ما"، فكر في نفسه، لكن صوته كان خافتًا كصدى بعيد، يعلم في أعماقه أن العراق الذي عرفه لم يعد كما كان. اختفى العراق مثل النجوم التي تخفت خلف غيوم الزمن، ابتلعه النسيان كما يبتلع غبار الأحلام فوق صحراء لا نهاية لها.

***

زكية خيرهم - النروج

 

أناالآن في غرفة قاتمة.. صامتة، أمعن النظر في الظلام، أحاول استدراجه ليبادلني الحوار؛ عله يخفف شيئا مما بي، أو يجد معي حلا، لكل التساؤلات التي أثقلت رأسي، منذ نعومتي.أتقلب على أشواك التفاصيل الدقيقة، عابرا دهاليز تنفتح على أنفاق..  أضيع فيها كلما حاولت تحديد وجهتي وانتمائي.

أجاهد ذاكرتي.. منذ متى وأنا هنا. ربما مذ فتحت عيني على هذا العالم المترامي في قسوته،الشرس في احتوائه،الظالم في أحكامه.

لم أشعر يوما بانتماء حقيقي إليه، ولا شعرت بأن هناك ما يربطني به..

منذ متى وأنا هنا. منذ تلك الفجيعة؟لا بل قبلها حين كنت نطفة في رحم أعياه الانتفاض؛ كي يلفظني،لكن الأقدار شاءت أن أستمر وأنمو؛لأصيرنطفة.. فعلقة، فجنينا،ففضيحة

.كانت غربتي كبيرة، مذ خرجت إلى هذا العالم.

أذكر أني كنت أستجدي الرحمة والرأفة والحنان، بأنين وصرخات متتالية؛ كي ألقى شيئا من الاهتمام،وأستمد بعضا من القوة..  جرعة حليب كانت تكفي، كي أغلق فمي، أنزوي كأي شيء لا حاجة للآخرين به، وبوجوده.مرت الأيام متشابهة، بعد رحيل البطن التي حملت كتلة الحزن، التي حلت؛ كي تزيد من كآبة وعبوس الكون.

أتنقل من يد إلى يد: منها التي تحنو، ومنها التي كانت تزجرني؛ كأنما تحملني ذنب مجيئي، إلى هذا العالم، وأنا ضيف غير مرغوب به.. كان بكائي موالا لا ينتهي؛ مما جعل حتى القلوب الرؤوفة تمل وجودي، وتفكر في التخلص مني، وهي تصرخ: اسكت.. اخرس ايها اللقيط—يا ولد الحرام --.لقب سمعته مذ وعيت الحياة، لكني لم أستوعب معناه، إلا بعد ما بلغ الجرح مداه،وأنا بين أحضان امرأة، كانت تقول أنها خالتي.

حضرت سيدة سمينة، أنيقة، متبرجة، بنظارات كبيرة سوداء. دار بينها وبين الخالة حوار طويل، في النهاية قالت الخالة:هذه أمك الجديدة.. يجب أن تذهب معها.

أخبروني من قبل،حين كنت أبحث عنها بدموعي، أن أمي سافرت بعدما وضعتني، في رحلة طويلة الى الله،ولن تعود:كيف عادت..؟

هل كانت معتقلة، ثم أطلقت السماء سراحها؛ لتحررني أيضا من براثن القسوة؟رغم صغري إلا أني فهمت شيئا، من حوار العيون الذي دار في حضرتي. القسوة تجعلك تكبر بسرعة؛ لتنفذ الأوامر قبل أن تعاقب. أدركت أنه علي أن أرحل من هنا، مع هذه السيدة الغريبة، التي كانت توزع الابتسامات، في كل الجهات.تمنيت من كل أعماقي أن تكون أمي؛ علها تغذي، ولو قليلا من الجوع المزمن بأعماقي، للحب والحنان.

لكني لم أرتح لنظراتها، وابتساماتها..  وحركاتها.ركبت السيارة إلى جانبها. كانت تنظر إليّ وتبتسم. شعرت للحظات بالأمان والطمانينة. لم أرفع بصري عنها.كنت أود لو اعتقلت تلك النظرات والابتسامات؛ كي لا يفارقني الشعورالجميل الذي انتابني تلك اللحظة.

وصلنا البيت الكبير، المحاط بحديقة جميلة. لحظات من الفرحة النادرة،حلقت فيها الابتسامات عاليا؛ حين أخذتني السيدة زينب بين أحضانها، تداعب الحزن الذي نما بداخلي.كنت أسترجع ملامح الأطفال، شغبهم، دلعهم؛ كما بدأت أتخلص من الصمت والانزواء، وسط اللعب،التي حركت فيّ حب الحياة، وحب الاستطلاع.كبرتُ، كبرتْ اللعب، شاخت، فقدت جمالها، تقلصت الابتسامة؛حين ذكرتني السيدة زينب، التي رفضت منذ البداية أن أناديها ماما، وانتهت إلى زجري وضربي، على أي تصرف يصدر عني. استرجعت لقبي: اللقيط.. الغبي المنبوذ.استعاد الخوف مكانه بين ضلوعي، استوطن الرعب أرجائي. عدت أبحث في الظلمات عن صديقي القديم، نديمي الذي كان دائما يجالسني ويحاورني، عدت إلى الصمت والانزواء،في الركن البعيد، من الصالةالفخمة، كان مكاني، في انتظار الأوامر التي لا تنتهي؛ لأن البيت لا يخلولليلة من الضيوف، الذين يحضرون للعب القمار، والشرب، وتعاطي كل ألوان الرذيلة.بلغت العاشرة من عمري، تعرفت على كل الزوار والضيوف، كما خبرت الطريق؛لاقتناء كل ما تحتاجه السيدة، من أكل، وشرب، وخمر، وحشيش.. و.. و.. ، كما كنت ألهث، لنداء من تأخرت عن الموعد؛ لأن هناك من ينتظرها.فكرت مرارًا في الهروب؛

كي أنأى عن هذه الوساخة، لكن بدا أني نتاجها،لذلك صعب علي التخلص منها، كما صعب تلمس طريق العودة إلى خالتي، التي رمتني بكل بساطة، كأي شيء انتهت صلاحيته.

استخدمتني السيدة شغالا، وطباخا، بستانيا،وقوادا، ولمّا أتجاوز الرابعة عشر من عمري.لم ألج روضا ولا حضانة ولا مدرسة، ولا تلقيت تربية غير ما شربتني السيدة زينب من ذل وهوان؛ سيتناسل ويتكاثر مع الأيام.كنت كلما جن الليل، وأطبقت الغربة أتساءل: أين أمي..؟

أين أبي؟

أين أهلي؟

وتبقى الأسئلة دائما معلقة بلا جواب.

لم أستشعر يوما رابطا نحو إنسان أو مكان. كل الوجوه والملامح، كانت ترمقني بنفس النظرة.. وأنا صغير: كانت شفقة. حين كبرت صارت: اشمئزازا.ما ذنبي؟ أنا لم أختر أمي ولا أبي، ولا حددت تاريخ وصولي إلى هذا العالم، ولا رافقت السيدة زينب باختياري !كنت تجاوزت الخامسة عشرة من عمري، حين حضر رجل غريب إلى الدار. لم أره من قبل. استقبله الجميع بالبشاشة والترحاب الكبيرين، خصوصا السيدة،التي كانت فرحة زيادة عما تعودت منها. جلس الرجل، أطلق نجم الجهل والخوف والغموض حوله..  بعدما أكل وشرب، نادتني السيدة مبتسمة على غيرعادتها، وهي تتغنج:اسمع يا خالد هذا الرجل مهم جدا، وكبير جدا، وكريم جدا،يمكن أن يسهل لنا أمورا كثيرة، ويغدقنا بالهدايا إن نحن أرضيناه. لم أفهم كلامها

وتلميحاتها.دنت مني أكثر، ضمتني إليها،وهي تنقر أذني:اسمع يا ابني يا خالد، أريدك أن تستحم، وتغير ثيابك؛ لتكون أبهى من القمر !مازلت لم أفهم شيئا. عادة كان اهتمامها بالفتيات اللواتي تصطادهن من المدينة، ومن المناسبات كالأعراس والحفلات،تستدرجهن إلى البيت، تغريهن ببعض الملابس والحلي المزيفة؛ فيرقص الفقروالحرمان فرحا، وهو لايدري أنه في طريقه إلى مذبحة الكرامة والكبرياء وعزةالنفس.رفعت عينيّ نحوها في دهشة واستغراب.أدركتْ أني لم أفهم بعدُ مرادها، فحّتْ بكل وقاحة:هو يريدك أنت، وسيدفع لك قدر ما تريد وتطلب، وكلما احتجت شيئا، سيلبي، المهم أن ترضيه.لذعتني حرارة غريبة سرت في أوصالي، نار تتسلقني، دمي يختنق في عروقي. تصبب العرق من كلي.انسحبت من أمامها، وأنا لا أصدق ما سمعت.أكانت تتكلم بجدية..؟

أكانت تقصد فعلا، ما فهمت بعد عناء طويل؟انزويت في غرفة صغيرة حقيرة بالحديقة؛ حيث البقايا، وأنا سواء. لم تترك لي فرصة استجماع ما تبعثرمني، ولا التقاط أنفاسي، بلها لحقت بي، وهي تلوح بالنقود، بحنكة قوادة:خذ ياخالد. كل هذا لك. وإن أرضيته؛ سيعطيك أكثر وأكثر.كنت دائما أرى شابا واثنين بين الضيوف، لكني لم أفهم يوما، أن هذا كان المبتغى من وجودهم، لم تكن أعمارهم تتجاوز السادسة عشر، وكنت أظن، أنهم حين يختلون بالرجال في غرفهم، إنما كان من أجل خدمتهم، إحضار ما يحتاجون من طعام، وصب ما يطلبون من خمر.اليوم فقط فهمت. اليوم فقط كرهت العالم، بقدر ما كرهني.. حقدت على البشر، بقدر ما اشمأزوا مني.

واليوم فقط قررت أن أختار دربي، لوحدي، ودون أن أستشير أحدا، أو يتدخل في اختياري.صرخة منها أعادتني إلى مكاني:

ماذا تنتظر يا خالد.. أرى أنك لم تستعد بعد؟لا أعرف ماذا دهاني، كأن شخصا آخر تلبسني.أهمهم:حاضر..  سأجهز في الحال، سأفعل كل ما يريد ويطلب، سأجعله يعشقك، ويعشق الدار، ولن يبرحها أبدا.

نظرت إليّ باندهاش؛ فلم يسبق أن كلمتها بهذه اللهجة.

خيم الليل: موسيقى..  رقص..  غناء..  خمر.. و.. و..

هم الرجل بالوقوف..  أومأت لي بعينيها؛ كي أرافقه.

ابتسمت لها، اتجهت نحو المطبخ، حملت بعض الفاكهة وقنينة ماء، دخلت الغرفة..  كان الضيف هناك، راح يتحرش بي،وأنا أصب له الكاس تلوالأخرى، تمدد على السرير، ويداه تطلبني. لم يخجل من طفولتي، ولا من شيبه، ولا من أولاده الذين كان قبل قليل يتباهى بنجاحهم.

صببت كأسا أخرى، وهو يستدعيني بيديه وعينيه وشفتيه. شعرت بشيء يصعد إلى رأسي، أخرجت السكين من سروالي،طعنته في بطنه.. في صدره.. في كل جزءمن جسده. لم يصرخ..  كانت فقط أنات وآهات، لم تبلغ البهو الكبير.طعنته مرات أخرى، كنت أريد أن أقتص للطفولة التي اغتصبها الزمان، وهذاالوحش، وكل أمثاله.ناديت بتماسك أحسد عليه: سيدتي.. سيدتي.. لا أدري مابه.هرعت إليه.. ما إن دخلت الغرفة، حتى انهالتْ عليها الطعنات،بنفس القوة

والشراسة.. فقد كنت قوي البنية.. والقهر علمني كيف ادافع عننفسي.. تهالكت على الأرض، أحاصر بنظراتي الجثتين، والدماء التي لونت السجاد.أخرجت النقود التي سلمتني، رميتها على وجهها الذي لم يشعرني يوما بالطمانينة، ولا الأمان ولا الإنسانية.تناولت الهاتف من جيبها، اتصلت بالشرطة.

أنا اليوم بين أربعة جدران، بين رفاق الحزن والغربة والألم، في بيت يطلقون عليه: إعادة التاهيل.. أو دار الإصلاح.. أعمارنا لاتتجاوز الثامنة عشر،على جبين كل واحد منا قصة، كتبها القدر عند الولادة، أو ربما قبلا.. ها نحن نحاول التكيّف مع القسوة، علّنا نستطيع يوما الاندماج في الغابة !

***

مالكة حبرشيد - المغرب

 

أَو :

" اللهْ وياك عبّوسي "

***

أُناااااااااديكَ " عبوسي "

وأَعْني : حمودي الحارثي

أُناااااااااديكَ من آخر العالمِ

يااااااااااااااااااااااااااااااااااااااهْ

كمْ هيَ الحياةُ قاسية

وآااااااااااااااااااااااااااااااااااااهْ

كمْ هي الأَقدارُ فاجعة

حيثُ أَنَّ جسدَكَ النحيلَ

سيُصبحُ قبراً في منفى

ونورُ روحِكَ المَرِحَة

سيكونُ سراجاً في بغداد

حتى يضيءَ بلادَ الرافدينْ

وقلوبَ الناسِ المقهورينْ

فيُلوّحونَ لكَ حيثُ لا مسافاتٌ

ولا " حجي راضي ولا أَبو ضويَّه

ولا منتهى محمد رحيم "

حبيبتُكَ وصديقتُكَ النقيّة ،

وطفلتُكَ التي تأبى أَنْ تكبر ،

حتى حينَ غادرتكَ وحيدةً

إلى هنااااااااااااااااااااااااااكْ

وأَعْني : إلى فردوسِ الأَبديةْ

***

بعيونٍ نازفةٍ

وقلوبٍ راعفةٍ

رأَيتُ أَصدقاءَكَ الطيّبينْ

وكلَّ مُحبّيكَ النبلاءِ

يهمسونَ ويُرتِّلونَ

حزانى ومقهورينَ

في موكبِ توديعِكَ

ورحيلِكَ الحزينْ :

" " الله وياك عبوسي

الله

وياك

ع

ب

و

س

ي "

***

سعد جاسم

2024-8-20

 

(مهداة الى مقام الزهراء عليها السلام)

نَـهْـجُ الرسالةِ، فـي خُـطاكِ تألـقٌ

ومَعاني إسْــمُـكِ ، قـدوةُ الأسماءِ

*

لِأَبِـيـكِ امٌّ أنـتِ) وصفُ قَـداسـةٍ)

فاقــتْ صِياغَـتُـه، مــع الأجْـواءِ

*

حَظِـيَــتْ نساءُ العالمِين بـسِــيرةٍ

قـــد عُطِّرَتْ بـنَــسائـم الإيــحـاءِ

*

وَرِثَتْ من الهادي البشير مَعالِماً

فَـتَـجَـسّدَتْ  فــي سِــيرةِ الأبـناءِ

*

سـارَتْ وإشْـراقُ النبـوةِ ســاطِـعٌ

كالـــشمس فـي آفـــاقـهـا للـرائي

*

يامـَن تُـرِدْنَ رَزانَـةً ، ومَـكـانــةً

فـالاقْــتِــداءُ  بــهـا ، الــى الآلاءِ

*

أجْـواءُ وحيٍ في حَـراكِ رِسـالـة

في صبْرِ قـلْبٍ في اقـتحامِ عَـناءِ

*

بِــنــباهَــةٍ ، بــتــأمُلٍ ، بــتَــدَبّـرٍ

بـتَــحسُــسٍ ، بالمستـوى الـبَـنّاءِ:

*

اهــدافُ تلك المُـفـرداتِ تَهــيّأتْ

وتَــفَـعّـلتْ ،  بِـنَـباهَــة الزهـراءِ

*

مِــن أجْــلِ آمالٍ ، لهــا أهـدافُهـا

صـوْبَ المعالي في سُـموِّ عَطاءِ

*

مَــنَـحَ الإلــهُ مَـواهِــبـاً خــلّاقَــةً

قــد وُثِّـــقَـتْ في سيـرة العُظماء

*

قـمرانِ فـي افُق المَسير تَـقـارَبـا

بـإرادةٍ ، مِــن مُــبـدِعٍ مِـعـطــاءِ

*

شــاءت ارادتُــه ، وجـلَّ جـلالُـه

أنْ تــبــدأ الخـطـواتُ بالـنُجَـبـاءِ

*

يـفـنى الزمانُ ومَـوقِـفٌ لكِ دائم

ضِـدَّ الطغـاةِ ، يَـشُجُّ عُمْقَ الـدّاء

*

لمّا الحقـيقةُ قـد رأتْـكِ صَدىً لهـا

والحقُ أوصلَ صـوتَـه للـنـائـي :

*

زَهَــت البـِقـاعُ بنـورها وبـهائهـا

وَصَفَتْ بهـا الأجواءُ في الأرجاء

*

يا مُهْجَـة المُختار، صَوْتُـكِ هـادِرٌ

قــد ارعَـبَ الكفـارَ، فـي الانْحـاءِ

*

لــمّـا أتـاهُــم ، أنّ بِضْـعـةَ أحـمـدٍ

كالسـيف مَـنْطِـقُهـا عـلى الأعـداءِ:

*

خارَتْ قواهم مِن حروفٍ اوْدَعَتْ

يأسَاً بهم ، في خــطـبةٍ عَــصـماءِ

*

عَـزْمٌ لــنا الذكـرى ، بكُـلِ مُـلِـمَّـةٍ

تــنأى بــنا دومـا ، عــن الظلْـمـاءِ

*

إنّ التـبَـرُّكَ ، فـي صِـفـاتِـكِ رافِـدٌ

يَهَبُ التفوّقَ ، فــي خُطى العَـلـياءِ

*

يا مَولــدَ الزهـراءِ ، يومُـك خالِــدٌ

زادُ الخَطيـبِ ، ومَصدَرُ الشعـراءِ

***

من الكامل

شعر عدنان عبد النبي البلداوي

دَمٌ على الطَّفِّ أمْ نبضٌ منَ الألَقِ

فكلُّ ذرّةِ رَمْلٍ .. فيهِ مُحْتَرَقي

*

وكلُّ قَطْرةِ ماءٍ في مَسَارِبِهَا

دَمْعٌ جَرَىْ غُصَّةً مِنْ عَيْنِها الْوَدِقِ

*

فكَمْ إمامٍ هَوَىْ ما بَيْنَ مِرْجَلِها

مُقَدَّسٍ مِنْ سَلِيْلِ طاهرٍ وتَقي

*

الطَّفُّ مُستبِقٌ ، والطَّفُّ مُؤتلِقً

وكلُّ مَنْ يهتدي قد كانَ في السَّبَقِ

*

والطَّفُّ مِنْ ثورةِ الأحرارِ رايتُهِ

مَنْ سارَ مُلتحِقاً في خَيْرِ مُلتَحَقِ

*

الطَّفُّ مَكرَمَةٌ ، والخيلُ مَفرَزةٌ

مِنَ البدورِ الَّتي غطّتْ سنا الأفُقِ

*

هبَّتْ على رئتي ريحٌ ، وعاصفةٌ

أمسيْتُ في هَبِّها طيفاً مِنَ القلقِ

*

لكنَّها أسفرَتْ.. عنْ جَمْعِ كوكبةٍ

مِنَ النُّجومِ سرَتْ مِنْ سابعِ الطَّبَقِ

*

لقيتُها بارقاً ألقى الإلهُ بهِ

وهادياً سارياً في خافقي الطَّلِقِ

*

هذا الحسينُ سليلُ الحقِّ قائدُهُمْ

فافتَحْ كتابَكَ وانشُرْ صفحةَ الفَلَقِ

*

حبُّ الحسينِ جرى في مهجتي ودمي

فصارَ مِنْ سَـنَدٍ عُودي ، ومُرتَفَقي

*

يا مُلهِمي في هواهُ ، شُـدَّ ناصيتي

بالوَصْلِ مِنْ حبِّهِ والنًّزفِ مِنْ عَرَقي

*

أنا الَّذي ثاقباتُ النَّجمِ أرديتي

ألبسْتُها لغتي والَّلهْفَ في نُطُقي

*

وقفْتُ أسألُ أرضَ الطَّفِّ فانْتَفَضَتْ:

دمُ الْغَوالي ، علَى وَجْهِي ، وَفي رَمَقي

*

مرَّتْ على ساحتي خيلٌ وساريةٌ

ومرَّ كلُّ بَغِيٍّ ، فاسِقٍ ، خَرِقِ

*

تَشَابَكَ الْقَومُ فاشْتدّتْ ملاحِمُهُمْ

نَواصِيُ الْخَيرِ في صنّاجةِ النَّزَقِ

*

وقَفْتُ أنظرُ في الْآفاقِ مُقتفياً

ريحَ الحسينِ بإشْراقٍ وبالمَلَقِ*

*

ناديْـتُـهُ ، وعروقُ القلبِ في لَهَـبٍ

والنَّارُ في أضلعي والجَمْرُ في حَدَقي

*

يا سيّدَ الطَّفِّ، يا مَنْ في مقاتلِكمْ

قد زُلزلَ الكونُ زلزالاً ، ولم يُفِقِ

*

نهرَ الشَّهادةِ، إنّي صوبَ مَنهلِكُمْ

شددْتُ أوردتي خيلاً لمُنطلَقي

*

حتّى أتاني بشيرُ النَّهْلِ مُصطحِباً

بدراً تماماً سقاني عَذْبَ مُندَفِقِ

*

وشـعَّ مِـنْ وجهِـهِ نـورٌ لِـيغـمـرَني

فكنْتَ أنتَ سراجي غامراً غَسَقي

*

يا سيدي، يا إمامَ الثَّائرينَ هُدىً

كي يقتفوا أثراً مِنْ دربِكَ الغَدِقِ

*

ملأتَهُ بندىً مِنْ طِيْبِ منبتِكُمْ

لا خاشياً سيفَهمْ أو حومةَ الفِرَقِ

*

بئسَ الذينَ تبارَوا في مذابحِكُمْ

فأصـبحُوا لعنةً ، في شَـرِّ مُنزلَقِ

*

يا قِبلةَ الحقِّ والأفلاكُ في رَهَبٍ

ملائكٌ حولَكُمْ بالنَّجمِ والشَرَقِ

*

الطُّهرُ في بيتِكمْ آياتُ سيرتِكُمْ

فعمَّ عِشقاً بأعماقِ القلوبِ بقي

*

يا ابنَ الذينَ أشـاعُوا مِنْ منـاقبِهِمْ

الزُّهدَ في سيرةٍ والجُودَ في الخُلُقِ

*

وابنَ النَّبيِّ الذي تسمو كواكبُهُ

وحيدرٍ ومِنَ (الدُّريِّ في الغَسَقِ)*

*

أنا ابنُ بيتِ وليٍّ ... كلُّهُ غَضَبٌ

مِنْ أولِ الشَّبِّ حتى آخِرِ الرَّمَقِ

*

لِما لقِيْتَ، وما لاقَتْ مَحارِمُكمْ

منْ غلَّةِ الحقدِ والنَّكباءِ والحُرَقِ

*

أنا ابنُ مَنْ شرّعوا جَمْعاً، ومِنْ وَلَهٍ

بأهلِ مَنْ طُهِّروا، عَهْداً وفي العُنُقِ

*

قد أسلمُوا لطريقِ الحقِّ رايتَهُمْ

فكانَ سِفْرُ هُداكمْ خيرَ مُعتَنَقِ

*

ساروا على هَديِكمْ ، والطَّفُّ سائقُهُمْ

فاستنشقوا ريحةَ الفردوسِ في الطُّرُقِ

***

عبد الستار نورعلي

.....................

* الدُريّ في الغَسَقِ: أي الكوكب الدُريّ المُشِعّ في الظلام. وهنا كناية عن فاطمة الزهراء عليها السلام.

* المَلَق: التضرُّع والدعاء

* كتبتُ القصيدةَ في العام الماضي بـ(24) بيتاً، وحين نويْتُ هذه الأيام نشرها ثانيةً بمناسبة ذكرى عاشوراء واستشهاد الإمام الحسين عليه السلام، مررْتُ عليها، فإذا بي أجدُني زِدْتُ عليها عشرةَ أبياتِ جديدة.

 

نَبْضُ الدَّهْشَةِ

أَفْلَتَ مِنِّي كَوَرَقَةِ خَريفِ

شَهقَاتٌ غَرِقَتْ بِالحُلُمِ

قُبَيْلَ شَغَافِكَ أُرَمِّمُ وَطَناً

أَتَرَقَّبُ إِيحَاءَ قِيثَارَةٍ

نَغَمَاً لا يَفْنَـــى

**

خَارِجَ الأَرْضِ أتَنَفَّسُكَ

وُجُودٌ وَ تَلَاشَي

أُغَازِلُ شَبَقَ الأَثِيرِ

لأَلِدَكَ نَجْمَةً

**

بَخُوْرَاً  دِمِشْقِيَاً

يَنْثَالُ مِنْ خَفَقِ الأَزَلِ

يَمْتَطِي الشُّعَاعَ

شُعْلَةُ الوَدَقِ تَجْتَاحُنِي

رَشْقَةُ عِطْرٍ

**

ذَهَبٌ يَطيرُ

رَعْشَةٌ مَاسِيَّةٌ

تَرْتَشِفُ الأُفُقَ

**

أَجْنِحَةُ البَرْقِ تَأْسِرُ الزَّمَنَ

اخْطُ منِّي  تَرَاتِيْلَ  المَطَرِ

الحُبُّ الكَوْنِيُّ رَقَصَاتٌ حُرَّةٌ

طَيْــــفُكَ

اِلْتِفَاتَةُ وَجْدٍ هَائِمَة

***

سلوى فرح - كندا

 

أقف الآن هنا

بين زاويتينِ باردتين

جليد، ثلج، هواء يعوي

يجوح، يهز ويهتز

بين رمانتين وحنظلتين

بين زهرِ لوز

زهر شوك وصبار

أقف

لأرقبَ المدى

يتسع ويضيق

يصفو ويتعكر

أرى السحب

تتبادل مواقعها، تتداخل

تتشكل، تتكتل

تنسحب وتنفصم

سوداء أحيانًا

كحزن وردةٍ يتيمة

بيضاء في أحيان

كفرحة ذئب

في فمه فريسة

تتلوَّى، تطفح عيناها

برعب وفجيعة

*

أنا الآن

بين ذاتي وذاتي، وذاتي

أبحث عني

عن ذاتي التي كانت ذاتي

عن ذاتي التي بين يدي

عن ذاتي التي هاجرت

هجرتني فهجرتها

عن ذاتي التي تنتظر خلف السنين

عن ذاتي الملوِّحة

بالغربة والاغتراب

*

خطوة هنا

لأمي

خطوة هناك

لأبي

رابية يفتتها الوقتُ

يسحقها الدهر

خطوة لأختي

لأخي

يأكلها شفق نهم جائع

خطوة لي

لي أنا

مرصوفة فوق موج من شذا

فوق بحرٍ من مدى

تتقدم

تحثُّ خطاها نحو هاوية

ترتفع فوق هامة جبل

تسقط في دائرة من هلام

كثيف

كضباب يتكالب على ذاته

يتحول دخانًا

بلا نارٍ أو نور

خفيف

مثل ريشة نعام أو طاووس

تتمزق من ريح صحراء مغبرة

*

كم بحثت عن الموت

في قواميس النهاية

في أسرار بلاغة الزوال

في أدغال العتمة

وغابات الضياء

مدفوعًا برغبة الاندماج

في مفردات الغامض المجهول

بلونِ فراشة كحلية

مهروسة الجناح

بشوق المتيم

كنت أبحث

عن رؤيتي ورؤاي

عن ينبوعي المغلق

عن خطوتي وخطاي

عن هجرتي من ذاتي

إلى ذاتي

من وطني المتخم بالطين

والحمأ والصلصال

من زهرة الأقحوان في ظل زيتونة

إلى زهر حنون ودحنون

يلتقط الشمس

من مغربها

مشرقها

من مغاربها

مشارقها

ليحشرها

في صياح ديكٍ مخضل بالندى

هديل حمام يتنفس الصبح

حقل شعير

ينام في الفضاء

يلتحف الليلَ

يتدثر الأسحار

غزالة حبلى

سليلها يشي بها[1]

*

لم أكن أعلم يومًا

كيف أبدأ

وكيف أنتهي

البدايات تتداخل

في النهايات

ظل أو ظل لظل

شبح في مرآة لا تطيق ذاتها

ولا تعشق الأشباح

بيداء تغطس في بيداء

رمل بيدِ ريح هوجاء

ماء في منخل أو غربال

صدأ على أسنان الزمن

ألم في رأس المكان

هروب من ناي حزين

يشدو لخراف السهول

فتثغو

فرحًا أو حزنًا

*

قيل:

كنت يومًا عدمًا من عدم

غيبًا مخبأ في جرة طين

مجهولًا أكلته النار

تحول نثارًا

ابتلعته عواصف وهج

فتلاشى كتلاشي التلاشي في التلاشي

كائن أو شبه كائن

ذوبته شموس

شيء من شيء يتشيأ

ومتشيئ لا يعلم عن تشيئه شيئًا

كشيء خارج من اللاشيء

شيء يسأل عن شيء في اللاشيء

والشيء يعوي، يجوح

يبحث عن شيء في الشيء

*

بحث في البحث

عن بحث

كنت فيه يومًا

صليل سيف

أو ركوة بئر

شعاع جديلة

يحملني إلى ذاتي

إلى أنا

إلى أناي.

***

مأمون أحمد مصطفى زيدان

21/2/2017 ميلادي - 24/5/1438 هجري

......................

[1] السليل: صوت الغزال.

كن بريئا كوردة لم تنبت

كن غامضا كليلة انتحار

كن مزعجا كالشك

كن وحيدا كنهر وسط غابة تحترق

كن حرا كغيمة في قصيدة

كن غريبا كجنازة مجهول

كن حياديا كالموت

كن عصيا كذئب تحت قمر

كن بعيدا بكل ما أوتيت من عزلة

ولا تكن ظل أحد

***

فؤاد ناجيمي

من ديوان/ هذا العالم لا يشبه أمي

 

لا...

لم تَعُدْ بديارِنا (الأزهَرا)

***

أنا لا أُحِبُّ مَدائِحاً وَ مِراءا

وَأُجيدُ في نَعْيِ العزيزِ رِثاءا

*

كَرِهَتْ تقاليدَ الهِجاءِ قصائدي

فَإذا بِشعري يَستفيقُ هِجاءا

*

وَعلى صُراخِ صغارها ونساءها

نَصَبَ القصيدُ سُرادِقاً وَ عَزاءا

*

وَمَآتِماً للصابرينَ على البَلا

لِيَزيدَني خَرَسُ الشيوخِ بَلاءا

*

عَتَبي على أعلى المنائِرِ أُخْرِسَتْ

وَبَدتْ وَأدْيِرَةَ الفلاةِ سَواءا

*

أَتَهَدّمتْ أرْكانُها وَتَصحَّرَتْ

وَأحالَها ذَنَبُ الطُغاةِ سِواءا ؟

*

أرثيكَ أم أرثي الكِنانَةَ بعدما

هَجَرتْ بواسِلَ أهْلِها القُدَماءا

*

فَبِها وَليُّ الأمْرِ غِرٌّ سادِرٌ

بِفجورِهِ قد أخجلَ العُملاءا

*

وَكِلابُ طاغيةِ البلادِ تَسعّرتْ

وَنُباحُها سَحَرَ الفُلولَ فضاءا

*

هُمْ ينبحونَ على الشهيدِ وأهْلِهِ

وَيباشرونَ مع الظلامِ عُواءا

*

شَتَموا الأعاجِمَ جاحِدينَ لِأنّهم

رَفعوا لِغَزّةَ رايَةً وَ لِواءا

*

طَعَنوا بإيمانِ الأُلى بَذلوا الدِما

وَتَعهّدوا أنْ ينصروا الضعفاءا

*

شَطَبوا الشهادةَ من معاجِمِنا كما

بصلاتِهم لم يَذْكروا الشُهداءا

*

عَربُ الهَوانِ تخلّفوا حينَ إرتقى

جُلُّ الأعاجمِ نخْوةً وَسَخاءا

*

وَلِأزهرِ الإسلامِ قُمْتُ مُعاصِياً

عَجَباً أراكَ تهادنُ الطُلَقاءا

*

أَتَرى الجياعَ تلوكُهم نارُ الوَغى

وتظلُّ تلهجُ خُطْبَةً وَدُعاءا.

*

خَلَعوا عِمامَةَ خائِفٍ مُتَوَجِّسٍ

لِيَصيرَ في قَدَمِ الخَئونِ حِذاءا

*

طَفَقَ المُعَطَّلُ خاصِفاً وَرَقَ الخَنا

وَمَضى يُوارِبُ سَوْءةً فَأساءا

*

رَهَباً إلى عَتَباتِهِ وَأصولِهِ

فَبَدا المُبَجّلُ للأنامِ خَواءا

*

أَسَفي على وَهَجِ الأشاعِرَةِ الذي

وَهَبَ العَقيدَةَ هَيْبَةً وَبَهاءا

*

خَرِستْ طيورُكَ لا تُغرّدُ مُذْ رأتْ

سَحَراً غُصونَكَ كالهَشيمِ هَباءا

*

ذَبُلَتْ زُهورُكَ والجُذورُ تَيَبّسَتْ

وَبَكتْ دِلاءُكَ في الرُواقِ جِباءا

*

زَبَداً طَفوْتَ على المياهِ بِنيلِها

وَذَهبْتَ إذْ عَطشَ الصِغارُ جُفاءا

*

كَثُرَ الشيوخُ على المنابِرِ إنّما

ظَهروا لِطوفانِ الكِرامِ غُثاءا

*

حِمَمُ القِيامةِ خَلْفَ سورِكَ تَرْتَمي

وَحَفَرْتَ في كَنَفِ الدُهورِ خِباءا

*

حَسَبوكَ إِذْ وَجَبَ النَفيرُ أمامَهُمْ

فَغَدوْتَ مُذْ غَدَرَ الفُلولُ وَراءا

*

دَفَنوا رُفاتَكَ عندَ آخِرِ كَبْوةٍ

وَعلى المُقطّمِ أسكنوكَ عَراءا

*

تَهِبُ الفَتاوى في الصغائِرِ حاذِقاً

وَعَنِ المَجازِرِ سادراً تَتَناءى

*

دُرَرَ الصِحاحِ تَلوكُها مُتَوارِياً

وَمُفَسِّراً سُوَرَ الكِتابِ حَياءا

*

فَكَأنَّ ذاكرَةَ الشُيوخِ تَصَدّعتْ

وَمَحَتْ بُراقَ رَسولِنا وَحِراءا

*

هَتَفَ الخطيبُ اللوْذَعِيُّ مُجَلْجِلاً

وَحَشا الحَواصِلَ غَبْرةً وَ هَواءا

*

وَكَسا العُراةَ بَلاغَةً مَثْقوبةً

وَلِسانُهُ مَنَحَ العُراةَ كِساءا

*

وَإمامُ أزهَرِنا الوديعُ مهابةً

غَفِلَ الشدائدَ واستطابَ رَخاءا

*

يخشى الفراعِنَةَ الصِغارَ ويَتَّقي

فمتى يُلبّي للجهادِ سَماءا

*

وَوزيرُ أوقافُ البلادِ مُباهِياً

جعلَ التَمائمَ للجياعِ دواءا

*

مَسَخَ التصوّفَ خِرْقةً وَعَوائداً

لِيُحيلَ نابِتةَ البلادِ جِراءا

*

قُتِلَ الأُلى حفظوا العهودَ وَشُرِّدوا

فَلِمنْ تُردّدُ يافُؤادُ نِداءا.

*

فَدِماءُ غزّةَ عندَ (رابِعَةَ) إبتدا

فتفجّرتْ كَبدُ الجِوارِ دِماءا

***

د. مصطفى علي

 

بالأَمسِ أحببتُ وردةً

كُلَّما كُنتُ أغادِرُ

كانت تَحبِسُ عِطرَها

إلى أنْ يحينَ موعِدُ العَودةِ

*

بالأمسِ تَعَلَّقْتُ بِنَجمَةٍ

ظَلَّت تُسامِرُني طِوالَ الّليلِ

لَكنَّها حينَما

اجتاحتْ عَينَيَّ جُيوشُ الكَرَى

بَعيداً في العَتمةِ

ومِن غيرِ وَداعٍ

عَنّي توارَتْ

لِلمَرَّةِ الأَخيرةِ

*

بالأمسِ تَوَلَّعْتُ بِغَيمةٍ

رسمتُ لها ألفَ صُورةٍ وصُورة

وأرسلتُ لَها

من زَفَرَاتِ الرُّوحِ

ألفَ قُبلةٍ وقُبلة

قاومَتْ غَضَبَ الرِّيحِ

وزَمْجَرةَ الرَّعدِ

حتَّى بِقُربي أكثرَ تَبقى

وحين اشتَدَّ وَطيسُ الوَغَى

تَناثرَتْ فَوقَ وَجهي مَطراً

تَارَةً يَذرِفُ دَمعاً

وتارةً بالصَّبابَةِ يَبوحُ

*

بالأمسِ هامَ فُؤادي

بِبَسمَةٍ

صارتْ شَمسَاً لأيَّامِي

وصِرتُ لَها الوَلُوعَ الشَّغُوفَ

فاكفَهَرَّتْ نُفُوسٌ

وتَجَهَّمَتْ وُجوهٌ

فهَرَعَتْ هارِبةً

وفي أوراقِ الذِّكرى انْدَّسَتْ

تبتغي السَّلامَةَ

*

بالأمسِ نَادَمْتُ دَمعَةً

تَبكي إنْ بَكيتُ

وتَرقُصُ طَرباً

حينَما تَنتابُني فَرحَةٌ

دَبَّتْ الغَيرَةُ في كُلِّ العيونِ

ذاتَ مَرَّةٍ

فصارتْ مِلحاً أسودَ فوقَ خَدِّي

وانطفأَ ذاكَ البَريقُ

*

بالأمسِ مُغرماً كُنتُ بهَمسةٍ

عن كُلِّ ما يَسِرُّني تُفْصِحُ

عَذبَةٌ مِثلُ مَاءِ النَّبعِ

كُلَّما مِنهُ نَهِلتُ إليهِ أَعُودُ

تَعالتْ قَعقَعةُ السِّلاحِ

فَصَامَ النَّبعُ

وصَمَتَ الهَمْسُ

وصارَ سَيِّداً العَويلُ

*

بالأَمسِ وَقَعْتُ في حُبِّ كَلِمةٍ

حُرُوفُها قليلةٌ

إنْ حَضرَتْ

فِردَوساً يُصبحُ الكونُ

وبراكينَ حِقدٍ

حين تَغيبُ يَصيرُ

بينَ شَفتَيها يَضْحَكُ البِرُّ

ويُزَغرِدُ القِسْطُ

أَرهَقَهم بَوحُها

فخافوا نُشُوزَها

فلا أوامِرَ إِفْكِهم أطاعَتْ

ولا للمُخاتَلةِ رَضَخَتْ

وحينَ أعيَتْهُم الحِيلةُ

في أوَّلِ سَاعاتِ الفَجرِ

رَجَمُوها

***

بقلمي: جورج عازار

ستوكهولم-  السويد

 

العراة يكرعون إغفاءة الوقت في سراب الهدنة ..

يمسحون الطريق من وحشة الصمت ..

يقدحون زناد الهمس،

ويفرون إلى نهاية المنحدر ..

عندما نقود أوهاما عطنة بلهاء،

إلى الحتف الأخير ..

نذوق فجرا نظيفا،

وفكرة تتغذى من نهر الخلاص ..

نفعل ذلك، كجرعة زائدة أو لفحة نار مبرمة ..

ثم نتلوى هاربين إلى روح متعبة ..

سعار مبتور يبرر الهجران.

*

في الانتظار،

نعذر النص الشعري،

ونقرأ في الهامش منه،

قدرتنا على مواجهة عنف العالم..

لماذا ننثر أزهارنا إذن، ولا نطلق الضحكات؟

لماذا يسكر الشعراء، في قطيع التناص، ولا يعبثون بأهوائهم؟

لماذا تنفر المواعظ من آثار الدماء المسفوكة، على قارعة الإلغاء أو اللغو ..

*

قلنا، إن مشيئة الانكتاب،

فوق كل علوم النحت،

تداول الخطاب، ..

أي بلاغة، ليست شيطانا،

ولا تقبل الهزيمة...

فنحن براء منها ...

قل شعرا،

فقط ،

أو اصمت ..

هكذا ، سيمنحك الرب،

قولا فوق أي اعتبار..

***

د. مصطَفَى غَلْمَان

القاعة تضج بالموسيقى. الكل فرح بحفل زواج ابن صديقي المقرّب هيثم، قبل قليل دخلت القاعة ترافقني صديقتي. انا ادللها باسم ياسمينة السمينة. هيثم رحّب بنا. فهو يعرف قيمتي الفنية جيدًا. أمسك يدي ليجلسني في مقعد قريب من مجموعة لم استلطفها. جلست هناك مجاملةً له، إلا انني ما لبثت أن انتقلت إلى جناح خاص هناك. في إحدى زوايا القاعة المُشرفة على المشهد كاملًا. انتقالي هذا لم يعجب مدير القاعة. فهرع إلي طالبًا مني أن اعود إلى حيث اجلسني والد العريس، غير انني رفضت بشدة. وغمزت لياسمينة مؤكدًا لها أن ما اريده سيكون وان جلال، مغنيها المفضل، ما زال فعّالًا في مجال الغناء. صحيح ان الجميع خذلوه، وتخلوا عنه، هذا تزوّج من شرشوحه مثله فاستغنى بالتالي عن الموسيقى وعن اهلها. ذاك اقعده المرض فباع آلته الموسيقية وانصرف ليعمل سائق تاكسي خصوصي، وذاك سافر تاركًا وراءه انّات وحسرات الة تنتظر ان نعود إليها جميعًا. لقد مضى على تلك الايام، ايام العز اكثر من ثلاثة عقود، ومع هذا بقيت وحيدًا صامدًا في وجه العاصفة، احمل الة العود واتسلح بها، فهي حبيبتي وملجاي الاول والاخير.. واكاد ان اقول هي زوجتي الباقية. كلهم ذهبوا وانا بقيت صامدا في وجه العاصفة الهابّة منذ سنوات. يقترب مني مدير القاعة يطلب مني بأدب يليق بفنان مخضرم مثلي، ان اعود إلى حيث كنت، أرفض بشدة، فيتوجه إلى هيثم، والد عريسنا، يهمس في اذنه، ليأتي الاثنان حيث اجلس انا ومشجعتي التاريخية في البلد ياسمينة السمينة الرائعة، يطلب مني الاثنان ان انتقل إلى حيث جلست في السابق، أرفض بشدة اكبر، مرفقًا رفضي بكلمات اعتقد انهم جميعا يعرفون ابعادها. أقول: اعتقد انك سمعت باسم الفنان جلال ابو جليل. انا من اطربت القاعات واحييت الافراح في الشوارع والساحات. انا لن انتقل يا سيدي. إلى موقع اقل من هذا اللائق بي وبفنّي. لن انتقال واذا كنت مُصرًا على مثل هكذا انتقال، فإنني افضل أن اترك العرس لكم لأغادر القاعة الى لا رجعة.. بإمكانكم جميعًا ان تعموا بفناني هذه الايام واغانيهم الهابطة.

ما ان سمع صديقي والد العريس تهديدي هذا حتى توجّه إلى مدير القاعة راجيًا منه ان يبقيني حيث انا.. فما كان مني إلا ان استند على خلفية الكرسي، واخرج علبة السجائر المارلبورو اللائقة بفنان مثلي، وقبل ان اشعلها امتدت يد مدير القاعة تشعلها لي.. لاهتف به.. الآن اعتقد انك عرفت من يكون الفنان جلال ابو جليل. هكذا عاد الهدوء وسط ضجيج الموسيقى وصخبها في القاعة المتعبة.

ارسلت نظرةً منتصرة إلى ياسمينة السمينة، فبادلتني بنظرة محبّذة:

-اعرف قيمتك.. اعرفها جيدًا.. لا تقلق.. انت فنان حقيقي.. اهل هاي الايام بفهموكاش.. قالت فأرسلت نظري باتجاه منصة الغناء.

-اما غناء فارغ.. اولاد مبارح بحتلوا المنصات واحنا الاصل بنقعد نتسمع.. قلت، فردت ياسمينة قائلة:

-كان على صديقك هيثم ان يدعوك انت.. انت الاصل والعراقة.. انت اكبر من كل هؤلاء الصغار..

شحنتني كلمات ياسمينتي بقوة اخرى اضافية. ارسلت نظرة صقر اعرفه جيدًا.. إلى البعيد. والله ما انا عارف على ايش بترقص كل هاي النسوان. وين كان اولاد هاي الايام لما كان جلال ابو جليل يجوب البلاد طولًا وعرضًا.. قلت لها:

-اعتقد انه يعرف ان جميع اعضاء الفرقة تخلوا عني من زمان. لكن دعيني افكر.

ران بيننا صمت، فيما انطلق المغني الولد، في زعاقه.. الغريب أن الجميع كان يرقص وينفعل مع ترهاته. شو كنها تغيرت الاذواق؟ وين فن الستينيات.. والسبعينيات.. راح طوني حنا وسامي كلارك.. تركوا الساحة لأغاني الهيشك بشك؟ انجنت الناس.. صابها جنون الغناء؟.. هذه الذكريات دبت الحركة في اطرافي، فعاودني شيطان الاغاني، اضمرت امرًا.. ارسلت ابتسامة نحو مرافقتي الغالية، فبادلتني الابتسامة سألتني:

-تريد ان نغادر؟

اشرت إليها بيدي ملمحًا ان انتظري وسوف ترين ان ابا جليل لا يُهزم.. لم يهزم ولن تقدر عليه الايام. وتحرّك دم الغناء في جسمي كله، فرفعت يدي مشيرًا لهيثم.. ما ان رأى اشارتي حتى ركض باتجاهي. استوقفته بإشارة اخرى:

- بعجبك هذا الغناء؟ سألته، فتجاهل سؤالي. قال:

- مرّقلي هالسهره.. الناس مبسوطة شو بدنا اكثر من هيك؟

- بس كان ممكن تكون الناس مبسوطة اكثر لو.. قلت، فسارع هيثم للقول:

- لو ماذا؟

- لو انني اعتليت المنصة وقدّمت روائع ايام زمان.

ابتسم والد العريس، مستمهلًا إياي. توجه بخطى ثابتة نحو منصة الحفل. همس في اذن المغني الفلعوص الصغير، وعاد. وقف قبالتي:

- لا بأس.. سيخلي لك المنصة.. هو أيضًا يعرفك ويعرف قيمتك الفنية العالية.

انصرف والد العريس، فيما ارسلت نظرةَ انتصار نحو مرافقتي ياسمينة السمينة، فبادلتني هذه نظرة مساوية، لتدبّ بيننا حماسة عمرها آلاف السنين. مدّت ياسمينة يدها إلى يدي، شدت عليها فشددت على يدها. كانت تلك اولى علامات انتصارنا في تلك الليلة. وتابعنا انتظارنا. ليمضي الوقت ولأشاهد عددًا من المحتفلين يبدأون بالانسحاب. انتبتني حالة من القلق. اشرت إلى والد العريس، فجاء. ادنيت فمي من اذنه وهمست فيها: ابتدأ الناس بالمغادرة. الم يحن دوري في الغناء؟ انصرف هيثم وفي فمه وعد مؤكد بأن اعتلي المنصة وألهب القاعة المنتظرة. انتابتني حالة من القلق وانا ارى المشاركين ينسحبون واحدًا تلو الآخر. عندها وقفت. واندفعت بقوة عمر من الصمت.. اندفعت باتجاه منصة الغناء. انتزعت مُكبّر الصوت من يد المغني الجاهل. وابتدأت.. يا ليل يا عين.. اغمضت عيني.. وانطلقت اغني مستعيدًا امجاد الزمان الاول.. ولم افتحهما الا على تصفيق مرافقتي.. كانت آخر من تبقى في القاعة.. وخيّمت اجواء.. تشبه اجواء مغني ايام زمان.

***

قصة: ناجي ظاهر

ندخل من بوابات اوروك النكبة

الأبواب المدهونة باللون الأسود

ونرى اشجار الدفلى

تصطاد فراشات الأزهار

ونرى تموز المتجمد في الفقرات

يتذكر فعلاً سبع مراحل

تتفرع من قيمٍ

وحضارات الوادي الموصوفْ بالألواح الطينية

حضاراتٌ في تاريخ النهرين

أزمانٌ تخلق فيها الوثبات!

وزمانٌ بَشَر بالعقل

وحدائق فكريةْ

تتعالى فيْ الرايات

تنبتُ قداح التبشير

في ريحٍ شرقية

صبحٌ ومساءْ

تتبرعم من ثورات

ومزارعها تمتد بعيدا

تُسقى من دجلةْ

تحي فرات الآخذ في التجفيف القسري

وخلايا تنشر افكاراً حرةْ

قالوا، وحكوا

عن زمنٍ ساد الغصات*

وضحاياه العصر تراكم من آهات

وطنٌ أصبح غصة من غصات..

كنا في الداغستاني

نلمحه في كل صباح

يغسل في عتبات الطرقات الفوقية

سعياً ابداً خلف الوهم الشاذ

حط على افئدة الصبيان

سجل وجدان القنطار من الاحزان

ليعيد مساوئ ماضيهم

وَيُشيدَ الذل عبارات الأمة

" أمة لا عنوان

أمة قربان

أمة برهان "

امة تبغي العصيان

أحصنة ٌ تركب في الفلوات

وافراساً شهباً للشهوات

ليهب العقل يجاور سر التاريخ

وليكشف حقب القتل هوية اسماء

تتعاطف في رؤيا الفسحة

في كل مكانْ

تتنقل في الازمان

وحوافر تزحف في اثار البنيان

فتدق القلب تدق الجدران

ما مر الوقت بلا زيفٍ او تزييف

وبلا قهرٍ والفصل خريف

في زمن الحرس الغربان

والتلفاز المغشوش بإسم الدين

يزيد هموم القوم ضباب

يطرح نفس الأسماء بلون داكن

وتنابلة الدعوات على المذياع

حطوا فتحات الانبوب سراب الكلمات

وانفرد القربان رهان

والقاطع في السفرات يغني القحط الانسان

صاح بأعلى صوتٍ

الرابوت نشيد الكدح الملعون على الأبواب

ودمٌ يتدفق من موتى احياء

أيكون الصوت التقديس مزامير الساعة؟

أيكون النبض طبول الاحياء؟

أتكون السكين غزاة الغربيين

هَموا في الظل التبشير بما هو آت

صاحوا الانسان التابوت على الاكتاف

مدنٌ أغوانية تلطم ليل نهار*

في خازوقٍ موعودٍ للتضليل

تُخضعه الكلمات المسمومة

تجعله رمزاً في زمن ٍمن نكبات ْ

تذبحهُ سكين غزاة خلف البحر المنفي

صاحوا في الاصحاب

يُحكى ان الاغرابْ

جاءوا سكنوا المدن النهرية

سدوا شلالات مياه الأعين

وضعوا كلمات التهديد

في صيغٍ تخديرية

وحكايا نسجوا للتعميم

خدعوا الوعي التبصير

في المدن الأسطورية

مدنٌ قدسية

وكورال عبيد التقديس على طول المسرح

ونشيد ينشد للتدريس بالطاعة الأبدية

أيعيد التاريخ المشي على الارجل دون الرأس؟

هل نسمح خوفاً أو صمتاً ان يثرم عظم عراق الخير؟

ما هذا "الطنطل*"

هذا اللص خداع الشعب الكادح

اين الهمة في غلق الأبواب

اين النخوة في فتح مزاريب العقل

ما هذي العصمة في تاريخٍ الحصة

يا مدن العزل الملغومة بالسم الترياق

يا جرح الوطن المنكوبْ

بالكذبة التدميرية

بالنكبة المأساوية..

وقاموس الأشرار؟!

***

مصطفى محمد غريب

1 / 8 / 2024

..........................

* الغُصَّةُ: هي انْسِدادُ مَجْرَى الهَواءِ في المَرِيءِ بِسَبَبِ وُصولِ جِسمٍ غَرِيبٍ إليه،

* الإغوانا هي نوع من الزواحف ذات الدم البارد

* طنطل هو شخصيَّة خُرافيَّة ضاربة في التراث الشعبي العراقي

أحبُ العراقَ

وماءُ العراقَ

ونخلُ العراقْ..

وأعشق طير الماء

يمرحُ بين القصبْ..

وروحي تسافر بين النخيل

وعند سواقيَ شط العربْ..

**

تُعِدُ خِصالاً، تُعِدُ شمائلْ..

فماذا تقولُ سعاد ،

عن السد

الذي هدمته القبائلْ..؟

تقول تخطى العراق رياح الشمال

وبات يدافع عن مثابات بابلْ..

**

قرأت قصيدتها ألف مرة

وفي كل صبحٍ

أزمُ شفاهي

لكي أستعيد لهاثي

وأنظر حتى يجئ المساء

لعلي أغافلُ وجه الجدار المهدمْ..!

فماذا أرى في العراق سوى جسم محطمْ..

فماذا تقول سعادُ

عن السد الذي هدمته القبائلْ..؟

وكيف ترى عقم الزمانِ

أيشفي قلوباً

ويبني  معاقل..؟

فهل تنسينَ قهر العراق

أم تلوذين في صمت

تهينين أسم العراق

وشعب العراق

ونخل العراق

ودماء نراها تراق..؟

فلا أحدٌ يحمي

مياه الخليج سوى العراق..

**

يظل شِعْرُكِ رائداً

ومن أمنياتي

أن تقولين شعراً يسمونه الكبرياء..

يشق عنان السماء

يمتشق السيف

ويقضي على الصمت

وكل أقبيةٍ بناها الهراءْ..!!

***

د. جودت صالح

ازمير- تركيا

17 / 12 / 2023

 

....حين تفحصت تالا عيون مناد العز النظرة، أوجست خيفة عن تعب الحياة البادية بالتمام على ملمح وجهه المرهق بهم الحياة. لم تتمهل بل ارتمت أنثى البحيرة بلا تفكير مكابرة على مقاس جسده، ثم احتضنته بالشد الطري، وبحب يخرج عن تكبيل طبيعة الامتلاك الأنثوية.

لم تتحرك ساعتها رغم مشهدهما المُنافر لطبيعة المكان في عوالم البداوة، بل تسمرت في مكانها وهي تجثو قياما على رؤوس أصابع رجليها علوا. لم ترفع نظرتها ثانية، بل بقيت ساكنة تتحسس حرارة اللقاء، و مدى صدق مشاعر دقات قلب مناد العز المتضاربة والمتهالكة مع إكراهات القبيلة المشعوذة.

كان مناد العز لحظتها سلطان زمانه، ومن عشيرة هارون الرشيد في حريم نساء العشق، داخل موانع قبيلة آيت أمياس، وعلى مشاهد من رؤوس أخوية الشر والفزع المتحركة بعرفية المقدس والمدنس. كان تقايس الأجسام بين تالا ومناد العز يماثل مشاهد من فيلم هندي. كان فضول روح استراق المشاهدة والتمحيص الدقيق لمآلات نهاية عناق تصالح الذات وقرينها الروحي. كان السؤال عن حب قد يجمع قبيلتين متناحرتين منذ الزمن القصي.

همس مناد العز بلطف عند مسامع تالا، ما بك أنثى البحيرة؟ ما بك وأنت ترتعدين خوفا؟ لم تعر تالا سؤال مناد العز بدا من الإجابة المستفيضة، بل تابعت احتكاكها الجسدي، ونهمها في ملاطفته على مسامع ورؤية القوم. خوف مناد العز على تالا من إرهاق نفسها المكهربة، ومن تفريط زيادة التعب بقولها: (أنا عييت مناد)، جعله يتوسد جلوسا على الأرض، ويدنيها بالقرب من عيونه، ومسمع دمعات العشق والتعب والفزع من ذاك المستقبل الخفي في ظل تحركات أخوية الشر القاتلة.

تحكي تالا وهي تسند عيونها رؤية للأرض المنبسطة بينهما، شدة حبها لمناد العز، تحكي عن الخوف الذي بدا يتزايد عندها من شدة كوابيس أحلام، وحلم دائم يتكرر عندها كل ليلية قمرية. تقول: أنها ترى (الكرمة/ شجرة التين) تحترق بما تحتويه من مفسدات الشعوذة والخرافة، ترى يد مناد العز تشتعل نارا، ولا أحد من القبيلة يُقبل على المساعدة، وإطفاء النار التي تلتهم جسده.

ابتسم مناد العز من هذا الحلم الفطري، ولم يُعلقْ عليه بالتحليل، ولا بالشرح، ولا بالتفسير بمرجعية كتاب ابن سيرين، بل قال: العلم عند الله، وبه المستعان، ثم سمع من تالا قولها: ونعم بالله العلي القدير....

في شط البحيرة النيرة بمياهها الباردة، ارتمت تالا غطسا، وتحركت عوما مسرعا بلا مجاديف مساعدة. كان مناد العز الذي لم يقدر يوما على المغامرة في العوم بمياه البحيرة متحمسا للحاق بأنثى البحيرة، ولو للحظة واحدة تحل فزعه من مكونات البحيرة الداخلية، وفي لحظة سريعة، وبلا تفكير مسبق، ارتمى في الماء البارد، لكنه فزعه بدا يزيد، مما جعله يُعلي من صوت صياحه، ومن خوفه المتجدد بالتكرار كلما اقترب من البحيرة. خرج مناد العز مسرعا واتمى على الشط الندي. حين لحقت به تالا خوفا، بدأت تمتص شيئا من خوفه وفزعه الملتصق لزاما بماء البحيرة المتغير الأطوار، علمت بما شاهده من جماجم عند قاع البحيرة العميق، علمت من حكيه المتقطع بالنفس السريع الضيق"كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ/ قرآن كريم"، أن تلك الأرواح الفوضوية تناديه لإحداث الخلاص، ومعاقبة الظلمة من أخوية الفزع. علمت منه أن يدا تشدها أشواك تحاول مرارا خنقه وقتله داخل البحيرة الخرافية...

***

محسن الأكرمين

فصل من رواية: عندما يعود الرجال

أَفَــلا  تَــرُدُّ أَيَّا (جَمِيلُ) عَلَى (هَنَا)

سَــقْفُ الــكرَامَةِ قَــدْ غَدَا مَشْرُوخـا

*

وَدَخَــلْتَ يَــا سَــبْعَ الــسِبَاعِ بِحُفْرَةٍ

سَــتَــذُوقُ فِــيهَا الــسُّمَّ وَالــزَّرْنِيخا

*

إِذْ مَــا صَــمَتَّ فَــقَدْتَ آخِــرَ حُجَّةٍ

أَقْــنَــعْتَ  فِــيــهَا سُــذَّجًا وَفُــرُوخا

*

مِــثْــلَ الــنَّعَامَةِ إِذْ تُــخْبِئُ رَأْسَــهَا

وَالــجِــسْمُ يَــظْهَرُ بــارِزًا مَــنْفُوخا

*

فِــي أَحْــسَنِ الأَحْوَالِ كُنْتَ مُهْرِّجًا

قَــزَمًــا حَــبِــيسًا خَــائِفًا مَــمْسُوخا

*

أَوْ  أَنْ تَــرُدَّ، تَصُونُ بَعْضَ كِرَامَةٍ

لَــكِــنْ  سَــتَــأْكُلُ بَــعْدَهَا الــبِطِّيخَا

*

لَا ضَــيرَ إِنْ مَــاتَ الــفَتَى بِكِرَامَةٍ

فِــي  مَــوْتِهِ قَــدْ يَــصْنَعُ الــتَّارِيخَا

*

لَــكِنْ  خَــبُرْتُكَ يَا (جَمِيلُ) مُخَادِعًا

لِــحَــبِيبِكَ  الــغَالِي تُــمَسِّحُ جُــوخا

*

وَبِــزَعْمِ  زَرْقَــاءَ الــيَمَامَةِ شَاهَدَتْ

شَــخْصَيْنِ لَــيْلًا يَــدْخُلَانِ الــكُوخَا

*

بِــرِوَايَةِ الــجِيرَانِ عَــنْهُمْ أَدْرَكَــتْ

كَــانَــا سَــوِيًّــا يَــصْــنَعَانِ طَــبِيخا

*

فَغَدًا إِذَا كُشِفَ السِّتَارُ وَصَحْصَحَتْ

سَــنَرَاكَ  تُــظْهِرُ لِــينَةً وَرُضُــوخا

***

عبد الناصر عليوي العبيدي

نسر الوقت المطارد

الان يبحث عن ملجا

عن ظل شجرة

في صحارى

ايامه القلقة

راسما على مرايا

الشك واليقين

شموسا نجوما واقمارا

فاردا جناحيه البنفسجين

ميمما صوب نبع

احلامه امانيه

ورؤاه المضيئات

فرحا فرحا اراه

معانقا مدارات

قوس قزح الصباح

والشفق الازرق

مغنيا للبرق للبنفسج

للخصب وللمطر

***

سالم الياس مدالو

 

تغرق في بحر من الخرافة واللامعقول تلك المرأة التي تمتلك مسحة من جمال رباني.. لا تعرف مساحيق التجميل ولا تعيرها أهمية في حياتها تبدو كفتاة ريفية تحمل سحر الطبيعة رغم بلوغها عقدها الثالث.. لم تحصل على فرصة للتعليم سوى انها تجيد القراءة والكتابة..

لكنه أحبها وتعلق قلبه بهذه المرأة فهي تمتلك براءة طفلة أحيانا وأحيانا أخرى قد يصفها البعض بالسذاجة وقلة الادراك..

تعاني من نحافة معتدلة لكنها تعتبرها احدى منغصات حياتها اضافة الى مشكلتها الرئيسية والتي تؤرق مضجعها وتشعرها ان الحياة غير عادلة معها..

عدم قدرتها على الانجاب جعل منها متطفلة على شؤون الآخرين لكن زوجها يبدي لها حبه ويحاول ان يمحي من تفكيرها ضرورة هذه المسألة أو أهميتها لديه.. وقد آمن بهذه المقولة.. ان الذرية من الله سبحانه..

تبقى هي غريبة الأطوار.. وخصوصا في تعاملها مع جاراتها ربما لملء فراغها ولكن يبقى تدخلها الغير مبرر بمشاكلهن قد يغيظ مشاعر زوجها ويقلق روحه.. فقد تبرعت لجارتها بإحضار دواء لشيخ عليل عندهم.. (وللعمر متاعبه)..

جلبت له نبتة وتراهن بحماس وانفعال وتجزم انها علاجه الشافي.. تسترجع أنفاسها وتمضي في بيان قدسية هذه النبتة وان احدى النساء المباركات قد زرعتها بجانب نخلة مباركة ايضا وانها قد تجشمت عناء المسافة لتجلبها لهم وقد وجدتها فكرة رائعة لتقديم المساعدة لهذا الشيخ العليل الذي طالما كان يواسيها ويستمع لتكرار أحاديثها..

لكن الشيخ شعر بتوعك أشد من الأمس وغدت ساقاه غير قادرتين على حمله وكلامه أخذ يتباطأ.. ثم ضاقت أنفاسه..

وجدت نفسها على حافة هاوية وهي تتحاشى

ضربات النسوة الموجعة على أم رأسها في عزاء الشيخ..

يتأفف زوجها غضبا وهي تقص عليه الحادثة جملة وتفصيلا.. لكنه في النهاية ينفجر ضاحكا وهي تضمد جروحها وتتألم وتشعر بحرقة شديدة في عينيها.. تهرع الى باب دارها مرات عديدة.. للتأكد انهم لم يلحقوا بها..

اما قصتها مع جارتها الأخرى وصاحبتها المقربة فتبدو أشد غرابة من سابقتها..

كانت تواسي جارتها وتشاركها احزانها لخيانة زوجها لها الذي تزوج من امرأة أخرى متناسيا عهده القديم لها وقصة الحب التي جمعتهما وحبه لطفليه..

نصحتها هي ان تجمع أغراضها وتأخذ طفليها وتتوجه لبيت أهلها فهو لا يستحق ان تبقى معه..

قدمت نصيحتها لجارتها.. لكنها أحست ببرودة تسري في قدميها وشعرت بضربات قلبها أقوى من المعتاد..

أخذ الشك يداهم روحها هي الاخرى ثم يتسرب الى مسامات عقلها فيوحي لها بأفكار غريبة قاتمة بشأن زوجها هي.. يصاحبها القلق والأرق وهي تراقب تحركاته ورسائله واتصالاته تلفونيا وربما دفعتها هذه الشكوك ان تتبع خطواته خارج المنزل.. فربما يخونها هو الاخر ثم يتزوج من امرأة أخرى..

تقصد قارئة الفنجان ليطمئن قلبها.. وقد سردت لها كل القصة ومخاوفها على زوجها.. فما كان من قارئة الفنجان الا ان تستغل هذه المعلومات ولتخبرها ان فنجانها يحمل لها أخبارا سيئة وبأن زوجها قد تزوج فعلا بامرأة أخرى منذ زمن بعيد.. فتصاب بنكسة قلبية..

***

قصة قصيرة

سنية عبد عون رشو

هذا قلبي

اسكنيه كما تشائين

غرفةٌ للحلم

غرفة للأغاني

وغرفة للحب

*

هو لك،

ولك رؤاي

اقرئيها

كم أنت جميلة فيها

كي تعرفي

أنكِ ليلي هناك

وأني دونك تعبي

*

لك ان ترحلي

عن قصائدي

حيث الشقاوةُ

والدلالْ

وأن تلقي بالذكرى

تحت سماء انتظاري

وتنسحبي

*

لك أن تعودي

إليها متى شئتِ

ولي حضن

يمتد شطآنا

فلا تحزني

جرحك ألمي

وحزنك غضبي

*

واستريحي

على يدي

كما يحلو للعزلة

استريحي من حوار

المرايا وما حولك

من صخبِ

أحبك كما أنت

وأحبك،

كحب الثوار للحرب

***

فؤاد ناجيمي

.......................

* من ديوان/ كي أستريح من أي عطب رومانسي

 

أَلا يا قَلْبُ يَكفيكَ احْتِراقا

فَصَدْري مِنْ وُجوهِ المَوتِ ضاقا

*

فَمازِلنا نَرى والْمَوتُ قاسٍ

لِغَزّةَ قِبلَةَ الحُرِّ ائْتِلاقا

*

لَنا في غَزّةَ الأحبابِ وِردٌ

فَأضْحَتْ كُلُّها بالدّمعِ ماقا

*

وَوَرْدٌ مِنْ شُقوقِ الصَّبرِ يَنمو

كَأنَّ بِهِ مِنَ المَوتِ انْعِتاقا

*

وَطِفلٌ تُشرِقُ الضّحِكاتُ مِنهُ

كَأنّ عَلَيهِ مِن مَلَكٍ نِطاقا

*

تَرَكناهُم بُطونًا ضامِراتٍ

وأطْعَمنا البَنادِقَ والزّقاقا

*

نُطيقُ مِنَ الأسى هَوْلًا وَضيقًا

وَلا مِصْرًا تَذودُ وَلا عِراقا

*

وَلَوْ أجسادُنا نَطَقتْ رَأَيتُمْ

مِنَ البُركانِ في دَمِنا احْتِراقا

*

ولمّتْ نائباتُ الدّهرِ تَترا

سَكِرتُم حيثُ لا أحَدٌ أفاقا

*

وَغَشّى الموتُ مِنْ هولِ الضّحايا

فَلَمّا نامَتِ الأرواحُ فاقا

*

فَلا سَلِمَتْ مِنَ الحَربِ الثّكالا

وَلا آهاتُها فَكّتْ وِثاقا

*

فَصَبرٌ إنّ وَعدَ اللهِ حقٌّ

سَنَلقى مِن أَحِبّتِنا عِناقا

***

سماح خليفة - فلسطين

 

في نصوص اليوم