آراء

عبد الأمير الركابي: الموت حقيقة مؤقته قابله للتجاوز؟

تتزايد باطراد الاسباب وموجبات مغادرة متبقيات الوعي الارضوي اليدوي وقوة رسوخه مع استمراره خارج زمنه بعد حصول الانتقالية الاليه بصيغتها الافتتاحية، وثمة من الدلائل ماصار يوجه النظر الى الازدواج البنيوي البشري العقلي/ الجسدي، ومنه ماقد تبين مؤخرا من استمرار عمل النظر وبالذات السمع مابعد الموت وحتى بعد الدفن*، بعد توقف القلب والرئتين وانتهاء الفعالية الجسدية، والاكتشاف الاخير مازال لم ياخذ بعد مداه على مستوى النظر الى الحقيقة الجسدية البشرية، مع تدني مثل هذا النزوع او الرغبة في الخروج من وطاة الاحادية الجسدية المهيمنه، والطاغية على الوعي البشري، من ضمن اجمالي القصورية الادراكية العقلية الحاكمه لعلاقة الادراك ومامتاح منه حتى اليوم للظاهرة المجتمعية والبنية التكوينيه البشرية الفردية.

وحتى لو تمت ملاحظة الاكتشاف الاخير، فان المتوقع يبقى كما معتاد على مستوى مايعود الى التحليل من زاوية الاحادية الجسدية، من دون اية احتمالية من شانها ان تفتح الباب الى المضمر في التكوين البشري ( العقلي / الجسدي)، خارج الالحاق المتعسف للعقل بالجسد على انه عضو مماثل لبقية اعضائه، كما ترى المجتمعية والاعقالية الارضوية الجسدية، بالذات ابان الطور المتلائم معها تصورا، عندما كانت الانتاجوية اليدوية هي المسيطرة، مع استمرار متبقياتها واثرها برغم وقوع الانقلاب الالي، وبداياته الحاصلة الى الان، ولعل مما يزيد في استمرارية المنظورالجسدوي، انتفاء الارث او اي شكل من اشكال التاسيس، وان بحدوده الدنيا لما يناقضه على مدى التاريخ المجتمعي، بغض النظر عماقد حفل به المنظور المقابل اللاارضوي المعروف بالديني على هذا الصعيد من مخالفة للاحادية الجسدية.

هذا مع العلم ان ماقد توفرت عليه الرؤية اللاارضوية لهذه الجهه، ظل خارج الاحتساب حتى بالنسبة ل "المؤمنين" الذين هم في العمق من الارضويين الاحادويين، فلم يؤخذ بالاعتبار تميزا، ولا جرى التوقف عند الخرق العمري، كما يتكرر في الرؤى اللاارضوية مثل العيش لعدة قرون كما الحال مع نبي مثل نوح، او ابراهيم الذي عاش لاكثر من قرن ونصف، والاهم في هذا المنحى التجربة الهامة الاخطر التي ارتبطت بالسيد المسيح، وعودته من الموت، ومن ثم انتقاله الى السماوات العليا، بما يعني كسر قاعدة "كل نفس ذائقة المو ت"، ورغم القفزة الهائلة في مجال النظر الى الوجود الجسدي بحسب المنظور اللاارضوي، الاان الرؤية المقصودة هنا لم يتسن لها ان تذهب الى ابعد مما قد نوهت عنه، ودللت عليه من دون اثبات، بما انها كانت ماتزال في طورها الحدسي الالهامي النبوي، ماقبل العلّي.

وياخذ الموت والعلاقة به موقعا رئيسيا في الرؤى والتفكرات البشرية البدئية ومابعدها حتى الساعة، سواء بصيغة التساؤلات الملحمية الكبرى عن الخلود مثل "ملحمه كلكامش"، او اجمالي العلاقة بالعالم الاخر لدى المصريين، وبالذات اصرارهم على اعتماد المنظور والتصرف الجسدوي بحكم نمطيتهم الاحادية النموذجية، عن طريق التحنيط للابقاء على الجسدية كرمزية خلودية، مع انها هي مصدر امتناع الخلود، وعلى هذا المنوال يظل المنظور الارضوي الجسدوي محدودا وقاصرا، بحكم عجزه التكويني عن مغادرة الجسدية واحاديتها المانعة لاية ممكنات خارج المعاش والملموس، مايجعل من مناسبات واشكال تجلي الرؤى اللاارضوية، لوحدها الجديرة، برغم حدسيتها، بالاشارة الى مايمكن ان يعتبر من قبيل نبذ الاحادية الجسدية البيولوجية الصرفة.

ان دالات التفارق بين الموت والحواس، ومنها النظر والسمع الحالية، هي افتراق عملي بين الجسدية والعقل، تنتج في الخلاصة وساعة الموت الجسدي "موتان" ولحظتان، احدهما غير متشكل لدرجة تمنحه الاستقلالية ومن ثم الحضور الذاتي، لقصور في البنيه سببها طغيان الممكنات الجسدية ابان طور من التاريخ المعاش، هو بلا شك الطور اليدوي المكرس للجسدوية، مع ان التصورية الاخرى كما تتبدى في اللاارضوية، تاخذ الى مايمكن اعتباره حياة معاشة بقوة حضور العقل، مع العلاقة المترتبه على ذلك بالزمن والجسد، فالحياة مع الحضور العقلي الفعال هي تلك التي تفسر طول عمر نوح وابراهيم، كما تفسر تلك الوثبه الكبرى كما هي معروفة في الجموح النبوي المسيحي، فلا جسدوية مفردة ممكنه في مثل هذه الاحوال بدون العقل وحضوره الحياتي الاستثنائي الخارق ابان الزمن الارضوي الجسدوي.

هذا الحاصل اللاارضوي وماقد تبين مؤخرا من انفصال بين الحواس العقلية والجسد، يمكنه ان يوحي بامكانيه صارت الان، وبعد ماهو حاصل من تقدم على صعيد الممكنات، وبالاخص التكنولوجية مابعد الاليه المصنعية، ممكنه في الغالب، بحيث يفتح بابا من التدخلية ضمن الازدواج، مابين العقل والجسد، هذا ونحن نعرف بان العقل غير مستعمل بكل طاقته وممكناته، وان المستعمل منه لايتعدى الخمس عشرة بالمئة، بمعنى بقاء الجزء الاعظم منه خارج الفعالية بسبب النوع التفاعلي الارضوي اليدوي المحدود، وهو ماصار واجبا تجاوزه بتهيئة اسباب التحفيزيه العقلية، وايجاد السبل المساعدة على ايقاظ الجزء الكامن غير العامل من العقل، مع مايعنيه ذلك ويجب ان يؤدي اليه على صعيد تقليص الاستبدادية الجسدية وحكمها على العقل، في مجال الموت بالذات كما قد ظل غالبا الى الساعة.

والجدير بالملاحظة بما خص الظاهرة اللاارضوية ومناسبات خرقها للمتعارف عليه، خروج الحالة المقصودة من النطاق الاني التي تسمح بغلبة الجسدية المطلقة على العقل، مثل حالة النبي نوح وهدفه المستقبلي البعيد جدا، بينما هو ينتظر الطوفان محضرا "السفينه"، او حالة النبي ابراهيم، و مهمة وضع ركائز المنظور اللاارضوي خارج ارضه، بما يوحي بان خروج المستهدف العقلي من نطاق الجسدية المعتادة وذهابه الى ماهو ابعد منه هدفا (1). عنصر حاسم في تحديد طول الحياة الجسدية، مايفتح الباب امام مسالة زيادة حضور العقل وايقاظ الخلايا النائمة غير المستعمله بسبب الممكن اليدوي اليوم، باعتبارها مدخلا لبدء ازاحة الهيمنه الجسدية البيولوجية البحته في هذا المضمار، هذا عدا عن الممكنات العقلية المتوقعه من يقظة مايزيد على الثمانين بالمئة من الطاقة الادراكية العقلية النائمه، وهو مالايمكننا تخيله، او مقاربة مايمكن ان يتولد عنه وعيا، او نوعه ودرجة فعاليته، ومنه امكانية التحكم العقلي بالفعالية الجسدية، بما يغلق المستشفيات والمختبرات، ويصرف مايعرف بالاطباء وعياداتهم ومعهم المغسلين والدفانه، وقراءة الفاتحه على روح الاموات.

والاهم ان يكون او ان يبدا الكائن البشري بخرق الفكرة الراسخه عن "الموت" ودكتاتوريته الجسدية على العقل، وهو مايتطلب قبلا وحكما الاعتراف بالازدواج الجسدي / العقلي في الكينونة البنيوية البشرية، وكونها حالة ابتداء وانتهاء،اوله جسدي، ومنتهاه عقلي، بما ان المجتمعات والكائن البشري تحديدا، يعيش اليوم حالة انتقال مابين الحيوانية و"الانسانيه" المسقطة اكراها واعتباطا على الكائن الانتقالي الحالي "الانسايوان".

***

عبد الأمير الركابي

..........................

 "من الأمور المثيرة للعجب، هو إثبات دراسة علمية أجريت في جامعة كولومبيا البريطانية ونشرتها مجلة Scientific Reports عام 2022 حول «حاسة السمع لدى البشر عندما يقتربون من الموت»، إذ أوضحت أنه بموت الإنسان تتوقف كل حواسه ما عدا حاسة السمع، إذ تستطيع الأذن أداء وظيفتها من خلال ما يسمى بالمكروفونات المجهرية للقوقعة cochlear microphone، وهي تستمر في العمل من 6 لـ12 ساعة بعد الوفاة، وفقًا لما ذكره موقع haltaalam. ."/ نقلا عن جريدة الوطن المصريه/ 26/5 / 2025.

(1) بالامكان في الغالب تطبيق هذه القاعدة على البشر بصورة عامه بحيث نجد في الغالب، ان اصحاب الاعمار الطويلة ومن يعمرون، هم اولئك الاقل انحباسا عقليا داخل الجسدية ووطاتها الانيه، والامر لهذه الجهه يحتاج بالطبع لمراقبة وتدقيق.

في المثقف اليوم