
(تجريبٌ في السّرد)
1- مَمَرَّاتُ الْغُول
يَحْمَدُ التُّرَابُ لِفَوْضَى الْقَذِيفَةِ صَمْتَهَا الْأَرْعَنَ، وفِي تَفَاصِيلِ الْهَزِيمَة يَخْتَفْي الْقَمَرُ... يَرْحَلُ الْقَبْرُ فِي مَمرّاتِ الْمَرَايَا الْهَرِمَةِ، مِثْلَ أَصَابِعَ تُنَكِّسُ رَايَاتِهَا الْعَائِدَةِ مِنْ سَاحَاتِ الْعَوْمِ النَّاشِفِ... وفِي شُرُوخِ الْوَصَايَا مِنْ شَيْخٍ لَا يَمْلِكُ مِنَ الْحِكْمَةِ إِلّا ظِلَّهَا، خَطّتْ يَدُهُ الْارْتِعَاشَ الْمُتَبَقِّيَ فِي نُدُوبِ الْجَسَدِ الْعَبَثِيّ، مُؤَرَّخاً عَلَى رُقْعَةِ الشّطَرَنْجِ، مُرَبَّعَاتٍ بَلِيدَةٍ وَبَيَادِقَ يُحَرِّكُهَا غُولٌ، مِلْءُ فَمِهِ ضَحْكَاتٌ هِسْتِيرِيّة.
2 - وَهْمُ الدِّيمُقْراطِيّة
مِنْ تَوابِيتِ أَصَابِعِنَا يسِيلُ الْوَثَنُ شَكْلاً طَرِيَّ الْعَدْلِ وَسِيمَ السَّوْسِ يَقْبِضُ عَلى تَلابِيبِ الْفِتْنَةِ يَصُوغُهَا بَوْساً رَقِيقاً عَلَى وَجْنَاتِ الرُّمْحِ الْمَكِينِ، فِي لُعْبَةٍ شَقْراءَ تتَدَثَّرُ فِي فَسَاتِينَ شَتَّى أَبْلَغَ مِنْ حَتَّى فِي سِبَاقِ الْغَايَاتِ وَرَصْفِ النِّهَايَات... هَكذا تَمْتَشِقُ هَذهِ الْغَانِيَةُ سَيْفَ الْحَرِيرِ بِكَفٍّ أَبْغَى مِنْ حَاضِرٍ وأَنْكَى مِنْ ضَبَاب، تُزَوِّجُ النَّارَ للسُّنْبُلَة فِي أَعْرَاسِ الْمَقَاصِلِ الذَّهَبِيّةِ، فَتَدُوخُ الرَّقْصَاتُ بَيْنَ شَطْحٍ ونَطْحٍ ورَشْحٍ لِمَسَامَّ ذَائِبَةٍ فِي رُؤُوسٍ مُكْتَنِزَةِ الْأَشْدَاقِ، بَهْكَنَةِ الْأَقْفِيَةِ، لَا تُفَرِّقُ فِي أَبْجَدِياتِ الْكَلَامِ الْمُسْتَقِيمِ بَيْنَ سَاسَ يَسُوسُ سَوْساً وبَيْنَ سَاسَ يَسُوسُ دَوْساً.
3 - عَطَشُ الْقِيثَارَة
تَخْرُجُ مِنْ مَنافِي الْمَلَكُوتِ مُبَجَّلَةً تَتَأَبَّطُ دِفْئاً أَنِيقاً، يَنْفُخُ فِي جَسَدِهَا الْمَرْمَرِ مَعْزُوفَةَ الذُّهُولِ بِأَنَامِلَ قُدَّتْ مِنْ قِيثَارَتَيْنِ، واحِدَةٌ تُصَلّي هَسْهَسَاتِ اللّيْلِ عَلى وَتَرالْبَدْءِ قَبْلَ أَنْ تُولَدَ الْمَرَايَا، وقَبْلَ أَنْ تَتَعَرَّى الْأَشْجَارُ مِنْ رَغْبَةِ الْمَاءِ... وأُخْرَى تَشْدُو الْبَاقِياتِ عَلَى وَتَرِ الْخِتَامِ، امْتِدَاداً لِأَقْمِصَةِ الزَّنَابِقِ، يُخْرِجُهَا الرَّقْصُ الْبَاطِنُ مِنْ مَكْرِ الْأَنَامِلِ الرَّقِيقَةِ، إِلَى رَاحَاتِ الْأَعْرَاسِ الْبَهِيجَةِ، كَيْ تُشْعِلَ فِيهَا امْرَأَةُ الْمَلَكُوتِ عَطَشَ الْأَرْضِ لِنَبِيذِ الصَّهِيلِ.
4 - لَيْسَ عَلَى الدِّينِ وَصِيّ
ذَاكَ الْمَعْبَدُ الْجَاثِمُ عَلَى صَدْرِ الْمَعْنَى، عَلى رَأْسِهِ حَارِسٌ قَدَّتْهُ الْحِجَارَةُ مِنْ غَيْبُوبَةٍ، فِي يَدِهِ شُعْلَةُ رَاهِبٍ غَاضِبٍ، لَيْسَ لَهُ حَدِيقَةٌ، ولَا يَبْتَسِمُ فِي وَجْهِ السِّنْدِيَانَةِ... يَرْتَحِلُ الزَّمَنُ فِي كَفَّيْهِ طِيناً صَامِتاً فِي غِشَاوَاتِ اللُّهَاثِ الْمُدَجَّجِ بِالسَّوَادِ الْبِدَائِيّ، وَيَرْقُبُ الْعَصَافِيرَ فِي عُيُونٍ مِنْ رَهَبٍ، تَتَزَمَّلُ فِي عَبَاءَاتِ الصَّهْدِ الْوَاقِفِ دَوْماً عَلى تَفَاصِيلِ الْوَجَعِ، تَسْرِقُ مِنْهُ احْتِمَالَ الْبَرْدِ وَتَسْرِقُ بَعْضَ النَّارِ مِنْ آلِهَةِ الضَّيَاعَ، كَيْ تَشْحَذَ بِهَا أَلْسِنَةَ الْوَقْتِ الْمُتَغَوِّلِ... ذَاكَ الْمَعْبَدُ الْجَاثِمُ عَلَى صَدْرِ الْمَعْنَى، فِي خُلَاصَةِ الْخَطْوِ، حَارِسٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْحُبِّ.
5 - نَوارِسُ هَارِبة
صار أعمى، هَذا الْحِبْرُ، وصِرْتُ جَاسُوساً عَلى أَرْوِقَةِ الْقَراطِيسِ، أَشْرَبُ وَجْهَ النَّهَارِ فِي قَنادِيلِ الْغَرابَة، وَأُنَشِّفُ دَمْعَ الْأُغْنِياتِ بِمَنادِيلَ مَزَّقَها اللّيْلُ فِي مَنَافِضِهِ الْبَاكِيَةِ عَلى تِبْغٍ رَتَّقَتْ ثُقُوبَهُ أَبْوابٌ مُقْفَلَةٌ عَلَى أَحْداقِ الْنَّرْجِسِ... يُشَكِّلُنِي هَذا الْخَارِجُ مِنْ دَمِي عَدَماً رَاقِياً، تَغْرَقُ كَفُّهُ فِي بُحَيْراتِ النِّسْيَانِ، وتَبْحَثُ صَلَفاً عَنْ تِيجَانٍ فِي قِيعَانِ الْمَسَاءَاتِ الرَّمَادِيَّة... هَكَذا ارْتَجَلَتْ حِكْمَةُ الْوَرَقِ الْهَارِبِ مِنْ الضَّوْءِ شَكْلَ النَّوَارِسِ الْمُخْتَبِئَة فِي رَغْوَةِ الْمَوْجِ هُرُوباً مِنْ بَطْشِ الْحِبْرِ إِذَا أَبْصَر.
6 - جَبَلٌ أَطْلَسُ
فِي الْبَدءِ، كَانَ الْجَبَلُ طِفْلاً غَضَّ الْبَانِ، تَشْتَهِي حُمْرَةَ وَجْنَتَيْهِ وُعُولُ الْحَجَرِ الضَّارِيَةِ، وَتَمْشَطُ انْسِيابَ خُصْلَاتِ لَيْلِهِ أَمِيرَاتُ الْجِنِّ الْعَارِيَة. لَكِنَّهُ ذَاتَ خُرُوجٍ، اِنْفَلَتَ مِنْ قَبْضَةِ الْحَلِيبِ، وقَضَمَ مِنْ شَجَرِ الْحُلُمِ، فَفَقَأَ عُيُونَ الْأَنْهَار، ثُمَّ انْدَسَّ الصَّبِيُّ فِي سِلَالِ الْعِنَبِ وأَزْهَارِ اللِّيلْيَا، وَسَافَرَ فِي حِضْنِ النُّجَيْمَاتِ، يُشَيِّعُهُ قَوْسُ قُزَحَ فِي تَراتِيلَ سِرِّيَّةٍ، حتَّى أَصَابَ مَوْطِنَ الْمَصَبَّاتِ اللَّزِجَةِ فِي دُخَانِ الْمَنَافِضِ الْمَيِّتَةِ... وفِي الْخِتَامِ نَزَلَ الْجَبَلُ الطِّفْلُ عَارِياً يَحْمِلُ فِي يُمْنَاهُ حُلُماً مُنْكَسِراً، وفِي يُسْرَاهُ كَوَابِيسَ شَيَّدَتْهَا عَلَى جَبِينِهِ كَفُّ غَلِيظَةٌ تُتْقِنُ فَنَّ الْوَأْدِ كَمَا تُتْقِنُ فَنَّ الْعَزَاء.
7 - مَدَارِجُ السَّالِكِين
غُبَارٌ يَغْسِلُ صَمْتَ الشًّرفَاتِ مِنْ صَهِيلِ الْغَيْمِ... يَغُضُّ الطَّرْفَ عَنْ هَذِي الْغَمَامَةِ الْهَارِبَةِ فِي اشْتِعَالَاتِ الْخَرِيف، كَيْ تَعْجِنَ سِلَالَنَا الْفَارِغَةَ مِنَ رَحِيقِ الْوَقْتِ رَغِيفاً مَحْنِياً، لَا يَطِيرُ إِلَى تَتْوِيجِ الشَّمْسِ، مَعْصُوبَ الرُّوحِ، يَفْتَرِشُ السَّاحَاتِ الْمَجْرُوحَةِ، يَدْعُو قَصَائِدَهُ إِلَى النَّزِيفِ فِي حَنَاجِرَ أُسْطُورِيَة، تَتَّسِعُ لِشَغَفِ الْأرْضِ فِي صَرْخَاتِهَا الْبَعِيدَةِ، تُفَّاحاً مَجْنُوناً، يَضْحَكُ مِنْ شَوَارِعِ الخَسَارَة... فَمَنْ يُرَمِّمُ مَا تَبَقَّى مِنْ جِدَارَاتِ الطّيْشِ الْأَعْوَرِ فِي مَدَارِجِ السَّالِكِين؟
8 – مَرايَا شَقْرَاء
مطرٌ غَرِيبٌ وَافِدٌ، يَسِيرُ الْهُوَيْنَى، يَدْفَعُ أَرْوَاحَ الْيَاسَمِينِ إِلَى الْعَرَاءِ فِي شَهوَاتِ الْعُرْسِ، فِي قَرَارِ النَّارِ أنْ تُزَوِّجَ مَدِيحَ السُّنْبُلَةِ إِلَى رَغْبَةِ الثَّلْجِ الْمُسْتَوْرَدِ فِي عُلَبِ اْلبَرِيقِ الْأَشْقَر، فَـتَنْبَجِسُ بَينَ الْفَخِذَيْنِ حَبَّاتُ قَمْحٍ بِلا شَفتينْ، بِلا سَاقَيْنِ، بِلا نَهْدَيْنِ... غَـزالاتٍ عَطَّلَتْ رَكْضَهَا الْبَرِّيَّ فِي أَرْوِقَةِ الْمَرَايَا الْمُحَدَّبَةِ، وفِي صَقِيلِ صَمْتِهَا تُقِيمُ دُمىً خَائِفَةُ مِنْ وَمِيضِ التُّرابِ الْأَسْمَرِ، أنْ يَكْشِفَ عَنْ عَوْرَاتِ هَذا الْمَزِيجِ الدَّائِخِ، فَـتَعُودَ الْخُطْواتُ إلَى قَرَارِ الْغُرابِ مَنْسُوخاً فِي دَمِ الْحَمَام.
9 – مَوّالُ الشَّمْسِ
فِينَا يَخُطُّ الذِّئْبِ بَعْضَ عُوَاءٍ لِهَذا الْجَسَدِ الْبَرِّيّ، خَطّاً مُجَعَّدَ الْفِتْنَة، وَخَطّاً يَغْسِلُ وَجْهَ الْخَبَلِ بِماءِ النَّشِيد، وخَطّاً ثَالِثاً، يَحْمِلُ تَوَابِيتَ الشَّمْسِ الْخارِجَةِ مِنْ بَطْنِ الْأَلْوانِ الْقُزَحِيَّة، صَنَعَها الْمَغيبُ فِي غَفْلَةٍ مِنْ رَقابَةِ الْقَوْسِ، طَحَنَتْهُ اسْتِعاراتُ الشُّعَراءِ فِي وَهْمِ الْقَصيدَة دَقيقاً يَتيماً... فَمَنْ يُغْري هَذا الذِّئْبَ بِالانْزِياحِ الْمُؤَقَّتِ عَنْ ظَهْرِ الْفَريسَةِ حَتَّى تَسْرِقَ مِنْ وَرْدَةِ الصَّباحِ، أَنْفاسَها الْمُعَلَّقَةِ؟ ومَنْ يُقْنِعُ الْجَسَدَ الْبَرِّيّ بِصِناعَةِ الْهُدْنَةِ بَيْنَ الْخُطُوطِ الثَّلاثَةِ، نِكايَةً بِالْعُواءِ الْأَسْوَد؟ ومَنْ يَغْسِلُ وَجْهَ الشَّمْسِ مِنْ حُزْنِ التَّوابيت...؟
10 - ثَعالِبُ الْوَقْتِ الْعابِرِ
رَأَيْتُ الْعَبَثَ، ولَمْ تَضِقْ يَدايَ بِسُكونِ الْجِهاتِ الْنَّائِمَةِ. ورَأَيْتُ خَرائِطَ الْفَرَحِ تُعِدُّها بِمَكْر، ثَعالِبُ الْوَقْتِ الْعابِرِ، فَاتَّسَعَتْ بُقَعُ السَّفَرِ في قَدَمَي... ولَمَّا رُمْتُ انْتِشالَ الْحُقولِ مِنْ ضُباحِ الْكائِناتِ اللَّوْلَبِيَّة، فَرَّتْ مِنْ أَصابِعي كُلُّ الدّالِياتِ، فَسَقَطَ الدَّمْعُ في جَيْبِي الْمُعَلَّقِ فِي فَهارِسِ النِّسْيانِ. فَتَّشْتُ في قاعِهِ عَنْ دُرَيْهِماتٍ أَسُدُّ بِها ثُقوبَ الْحُقولِ الْمَسْلوخَةِ، فَلَمْ أَجِدْ رَنيناً، ووَجَدْتُ بَقايا مَخالِبَ ونُتْفاتٍ مِنْ زَغَبٍ... وَحُشاشَةً مِنْ روح.
***
نورالدين حنيف أبوشامة\المغرب